أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1018
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
اخترت هذا العنوان عمدا لأجزم من البداية أن الأمور في ذهني قد وصلت حدّ اللخبطة . لا شيء واضح في هذا البلد و لا شيء مفهوم و لا شيء يريح النفس . لعل السؤال المعاد و المكرر حدّ الملل : " وين ماشين " و " آشنية آخرتها " و من يخرج تونس من عنق الزجاجة ؟ . بطبيعة الحال و بعد أن أنعم علينا سيادة الرئيس المبجل بالمرسوم عدد 54 أو ما يسميه البعض بقانون الخمسة و الخمسين ، خمسة سنوات سجن و 50 مليون خطية ، لم يعد لهذا القلم و كثير من الأقلام شهية الكتابة و بات الواحد منّا يضع كل كلمة يروم كتابتها في عشرة أكواب من الماء حتى تتحلل و ينزع منها كل رائحة يمكن أن تلفت قانون الخمسة و الخمسين و تثير رغبته الجامحة في تحويل الكاتب المتهور على قلم التحقيق بتهم كثيرة ترمى به وراء الشمس .
هل أن حرية التعبير مهددة جديّا في تونس ؟ هل من مصلحة النظام الحاكم المسّ من هذا المكسب الثوري الوحيد ؟ هل هناك انفلات مضرّ بحرية التعبير و هل تجاوز البعض الخطوط الحمراء و هل هناك من يدفع النظام إلى تشديد قبضته على وسائل الاتصال حتى يخلق من ذلك سببا وجيها لإثارة الرأي العام الدولي و بالذات بعض الدكاكين الأجنبية المشبوهة التي تريد بنا شرا ؟ . أكاد أجزم أنه لا أحد في تونس موالاة و معارضة يملك واحد بالمائة من الردود على بعض هذه الأسئلة لكن من اللافت هذه الأيام أن هناك حملة منظمة تقودها حكومة السيدة نجلاء بودن لتكميم الأفواه و دفع بعض الأقلام إلى ما يشبه حالة " ضبط النفس " التي تعنى التخفيف أكثر ما يمكن من عبارات النقد أو الانتقاد الصريح و المربك لهذه الحكومة . الأخطر من هذا ما صرح به السيد بسام الطريفى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من أن هناك تسريبات تتحدث عن قائمة تعدها الأجهزة الأمنية تضم مجموعة كبيرة من الناشطين و المدونين سيتم استهدافهم بالمحاكمات و التضييق عليهم بكل الطرق.
تصريح مثير للقلق خاصة و أنه آت من رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان المعروفة برصانتها و جدّيتها لكن هناك عدة إيقافات قد طالت عديد المدونين هي من تثير الريبة خاصة أن هناك من يشير إلى صدور المرسوم عدد 54 و يؤكدون أنه لا دخان بدون نار و أن هذا المرسوم قد تم وضعه خصيصا على المقاس لاستباق و تحجيم ردود الأفعال الشعبية الغاضبة بعد تدهور المقدرة الشرائية للمواطن بشكل غير مسبوق و تلهّى حكومة السيدة نجلاء بودن و وزير داخليتها بالخصوص بتحجيم المظاهرات مستعملا بإفراط كبير ما يسميها قوة الدولة بدل الإجابة عن سؤال كبير يتمثل في كيفية تسرب أطنان الأغذية و المواد التموينية إلى مخازن المهربين بدل محلات و فضاءات البيع للمواطن . صحيح أن حرية التعبير لا تعنى الفوضى و لكن الأنظمة الحاكمة لا يمكنها ممارسة فوضى تقييد الحريات أو إطلاق العنان إلى نزواتها القمعية بعلة المحافظة على النظام أو السلم الاجتماعية . لذلك نتساءل لماذا لا يتم وضع ميثاق شرف تلتزم به كل الأطراف يبيّن حدود حرية التعبير و حدود مساحة تدخل النظام للحفاظ على السلم الاجتماعية .
لا يمكن للسلطة الحاكمة أن تتجاهل دور حرية التعبير في كشف المجرمين و المهربين و المسئولين الفاسدين فضلا عن أن هذه المساحة قد خلقت متنفسا للكثيرين لممارسة حق الاختلاف دون تشنج مما يساهم مع الوقت في دربة المواطن على كيفية التفكير السليم دون مساس بحقوق الآخرين . إن سنّ القوانين الرادعة هو إعلان واضح عن ضيق في الرؤية السياسية و تضايق معلن من كل قلم معارض و هي إشارات لا تحجب حجم فشل الحكومة و انعدام الرؤية لدى القائم على رأس النظام . لعله من المفارقات المذهلة و الخطيرة أن يهاجم السيد رياض جراد المحلل السياسي المحسوب على النظام و المدافع الشرس عنه الأداء الضحل و المثير للسخرية لحكومة السيدة نجلاء بودن متجاهلا أن الرئيس هو من قام بتسميتها و أنه من يتحمل تبعات هذه التسمية من فشل و ضبابية رؤية و ارتباك يؤكد أنها حكومة لا تصلح حتى لإدارة نصبة خضرة . من المفارقات أيضا أن يظن الشيخ راشد الغنوشى أنه الحل رفقة السيد نجيب الشابى مع أن الجميع على قناعة بأنهما المشكلة . ألم نقل من البداية أن الأمور قد اختلطت و أن المشهد قد بات ضبابيا لأبعد الحدود .
--------
أحمد الحباسى كاتب و ناشط سياسي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: