أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1224
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هل يصلح شخص نظيف اليدين لقيادة بلد ؟ لعله السؤال الأكثر شيوعا بين المتابعين بعد انتخاب الرئيس قيس سعيّد و لعله السؤال الذي لم يجد له أحدا جوابا مقنعا شافيا رغم مرور هذه الفترة الرئاسية الطويلة . لا أحد بإمكانه أن يجزم أو يعطى الدليل القاطع على أن رئيس الدولة قادر فقط بعنصر نظافة اليدين و ربما نظافة السريرة على إنقاذ البلاد أو تجنيبها المصير الغامض المنتظر كما أنه لا أحد مؤمن اليوم أن الرئيس يقود البلاد نحو الوجهة الصحيحة و أن أمر تحسّن الحالة الاجتماعية هي مسألة وقت لا غير . المشكلة مع هذا الرئيس " النظيف" أنه لا يتكلم و إن تكلّم فهو يكتفي بالعناوين أو بالصدر دون العجز أو بالتلميح دون التصريح و لذلك يجد المتابعون صعوبة فى تفكيك هذه النوعية من طرق التواصل الرئاسية التي تؤكد أن الرئيس يريد باستعمال الغموض التغطية على أفكاره و نواياه الحقيقية تماما كما يفعل بعض التلامذة عند الامتحان منعا لزملائهم من " التنقيل ".
لم يعد خافيا على أحد أن وراء السيد الرئيس ماكينة إعلامية نشطة تقوم بحملات مسعورة لمساندته ونصرته و الهجوم المركز على كل معارضيه و هم ليسوا بالقلّة كما يتصورها البعض ، هذا الجيش الالكتروني الذي لا يعلم المتابعون لحدّ الآن من يموله و من يتزعمه و من يرسم خطه " التحريري" كما يقال يريد أن يرى الناس تضاريس البلاد السياسية و الاجتماعية و الأمنية بنفس المنظار الذي يرى به الرئيس هذه العناوين لذلك يستعمل أسلوبا قبيحا في تشويه كل لسان معارض و هذا الأسلوب كما نعلم يؤدى في النهاية إلى خسارة الرئيس لثقة من لا يزالون يحملون إليه بعض الثقة و عوض أن تتشوه صورة المعارضة فان الخدوش و الندوب الظاهرة هي من باتت تغطى وجه الرئيس و تؤكد الانطباع الشعبي المتزايد بأن هذا الأخير قد أصبح فريسة لإشاعات الفيسبوك و منها يستقى أخباره التي يتبرع بنطقها عند كل مناسبة أو اجتماع وزاري
ربما هناك سؤال ملح أفرزته قرارات الرئيس ليلة 25 جويلية 2021 و هذا السؤال يقول لماذا لم يتم إيقاف قيادة النهضة و بعض المسئولين السابقين الذين تحوم حولهم الشبهات و لماذا تأخر الرئيس في القيام بذلك لحد الآن بل هناك اتهام صريح و معلن يقول أن رجوع قيادة هذه الحركة للساحة هو نتاج لسياسة الأيادي المرتعشة للرئيس و هناك من ذهب به الخيال الجامح إلى افتراض وجود تحالف خفي بينه و بين الشيخ راشد الغنوشى أو وجود ضغوط قطرية تركية جعلته يخضع للإملاء الأجنبي المتآمر على تونس . نفس السؤال لماذا لم يقم الرئيس بإغلاق مقر هيئة علماء المسلمين التي وجهت إليه التقارير الأمنية المطالبة بغلقه نظرا لنشاطه المشبوه و كونه ذراع تمويل الفكر التكفيري و مع ذلك يغمض الرئيس عيناه و يصر على الصمت الخجول و المرتبك . هذه الاتهامات و غيرها هي التي زادت في منسوب الشك لدى كثير من المتابعين بما دفعهم للبوح بذلك فى عديد الكتابات الصحفية التي بدأت تشكل ظاهرة متصاعدة في تأكيد بأن الرئيس لم يعد يحض بالإجماع الانتخابي السابق.
هناك ظاهرة مهمة أخرى تؤكد إخفاق الرئيس في قيادته للبلاد و هي ظاهرة تدنى منسوب الثقة في الرجل منذ انتخابات 2019 و يرجع المراقبون هذا التدني في استطلاعات الرأي إلى أنه من إفرازات تسلم المسؤولية و ممارسة السلطة خاصة و قد تميّز ساكن قرطاج خاصة في الأشهر الأولى للحكم بانتهاج طريقة غير مألوفة في التواصل يما يسّر بروز شخصيات محسوبة عليه " تتكلم " باسمه و تحاول تمكين المتابعين مما تيسّر مما يمكن تسميته بفكر أو بمشروع أو بخطة الرئيس . ربما ينكر الرئيس أن له حزبا فتيّا يتبنى أفكاره و أن هذا الحزب الذي يسميه البعض بحزب الرئيس و هو الحزب الذي يأتي تقريبا الأول في استطلاعات الرأي الأمر الذي أثار حفيظة قيادة الحزب الدستوري الحر و دفعتها لرفع شكوى ضد بعض منصات استطلاع الرأي لكن في الواقع و ما يثير الشبهات حول ما يلعبه الرئيس من أدوار خفية أن الرجل لا يريد أن يضع النقاط على الحروف في كثير من المواضيع و الإشكاليات التي أفرزتها طريقته المتلعثمة في قيادة البلاد.
ما هي العناوين الكبرى للسياسة الخارجية التونسية ؟ من هم أصدقاء تونس؟ لماذا انعدم الحضور الدبلوماسي التونسي في المحافل الدولية و لماذا يتم إبعاد هذه الدبلوماسية من حضور تناول الملفات الكبرى مثل الملف الليبي و التي لها علاقة بالأمن القومي التونسي و لماذا لم يقم الرئيس بما يجب لإصلاح جسور التواصل مع سوريا و لماذا تقف تونس موقفا مرتعشا في علاقتها بالجزائر و المغرب؟ لعلها بعض الأسئلة الساخنة التي بقيت بلا جواب و التي تؤكد أنه في السياسة ليست العبرة بنظافة اليد بل العبرة بقوة الحركية و بقيمة النتائج المتحصل عليها في أي ميدان و في هذا المضمار لا يمكن إلا أن نصف سياسة الرئيس بالصفر مكعب . لعل من تابع وقائع المناظرة الرئاسية بين الرئيس الفرنسي المتخلى مانوال ماكرون و زعيمة اليسار المتطرف مارين لوبان يدرك معنى أن يكون للسياسي برنامجا سياسيا واضح المعالم يدافع عنه و بهذا المعنى يفتقر الرئيس إلى رؤية صالحة حتى لبعض الساعات مما يجعله يتعثر كثيرا و لا يجد من ينقذه .
لعل من أهم و أبرز سمات السياسي المتمرّس هي قدرته الفائقة على تجميع الناس تحت مظلة النظام الجمهوري الذي يمثله و لعل هناك مقولة متواترة تقول أن الرئيس هو رئيس كل التونسيين لكن من الواضح أن سيادة الرئيس لا يؤمن بالمنهج الأول و لا يطمح إلا ليكون رئيسا لفئة من الأخيار مسلطا سهام نقده المتواصل و ما يسميها بالصواريخ الجاهزة على منصة الإطلاق على بقية الرعية التي قسّمها إلى نطيحة و متردية و ما ترك السبع و عبارة عن مجموعة من الفاسدين و الحرامية دون أن ينتبه إلى اعتماد شيء من التنسيب كما يفعل بعض المعلقين الرياضيين حين التعامل مع مظاهر الشغب في الملاعب . اليوم لم يعد للرئيس نصيرا إلا هؤلاء الأشباح القابعين وراء منصات الفيسبوك و لم يعد هناك من هو مقتنع بأنه انتخب الرئيس الأنسب و بأن تونس ستكون غدا أفضل . اليوم هناك من يقول فى نفسه هل سيستفيق الرئيس من غفوة أهل الكهف و هل أن " نظافة " يد الرئيس ستكون سببا في سقوطه في الانتخابات القادمة ....إن ترشح طبعا .
-------------
أحمد الحباسى
كاتب و ناشط سياسي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: