أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3794
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
سواء فشل الانقلاب في تركيا أو لم يفشل و سواء خرج رجب أوردغان منتصرا أو منكسرا في هذه المواجهة الدموية الساخنة فالثابت للجميع اليوم أن ‘ ديمقراطية’ حزب العدالة و التنمية الحاكم قد خرجت منهزمة بالضربة القاضية و بات من الواجب على رئيس الدولة أن يعيد كل حساباته الخاسرة و يسخر بقية مدته الدستورية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه و جبر الأواني المكسرة بفعل سياسة خائبة سطرها وزير الخارجية و رئيس الحكومة السابق داوود أحمد أوغلو، طبعا ما جاء على لسان رئيس الدولة منذ ساعات من كون الديمقراطية التركية قد انتصرت هو مجرد شعار بائس يعلم الجميع عدم صدقيته على أرض الواقع خاصة و أن المؤسسة العسكرية هي التي دبرت هذا الانقلاب العنيف من باب التعبير عن سخطها على السياسة المتبعة مع دول الجوار و فشل الحكومة في إتباع خطة سير معتدلة ترفض الدخول في عداوات مباشرة من أجل عيون إسرائيل أو السعودية أو أمريكا .
كعادته توجه الرئيس التركي و حاشيته بأصابع الاتهام إلى المعارضة و بالذات إلى السيد فتح الله غولن اللاجئ السياسي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية كل ذلك لضرب عصفورين بحجر واحد الأول التخلص من معارض شرس و إعطاء الانقلاب بعدا أخر غير البعد الحقيقى و الثاني الإيحاء بكون الإدارة الأمريكية قد تساهلت مع هذا الرجل بدليل التنديد الخجول لهذه الإدارة بالانقلاب مما طرح أمام المتابعين كثيرا من الأسئلة حول طبيعة الخلاف القائم بين الرئيس التركي و بين الإدارة الأمريكية بالنظر إلى التسريبات الإعلامية حول وجود خلاف يتعلق بكيفية التعاطي مع الملف السوري المطروح بقوة على طاولة الرئيس الأمريكي في هذه الفترة الحساسة التي تصارع فيها ممثلة الحزب هيلارى كلينتون المرشح المنافس في الانتخابات الرئاسية المقبلة بحيث أن أي ‘ انتصار’ في هذا الملف سيساهم في تدعيم حظوظها المتقاربة للفوز بمدة رئاسية، لكن المتابع لارتدادات الانقلاب يدرك أن الشعب التركي و لئن نزل للشارع لحماية الشرعية و التعبير عن رفضه العنيف للانقلابات فإن ذلك لن يمثل بأي حال و كما يظن الرئيس التركي عملية إسناد للديمقراطية التركية التي سقطت منذ فترة بسبب ما تعرض له المتظاهرون في ميدان ‘تقسيم’ وسط العاصمة التركية على يد بوليس النظام .
تتحدث أنباء الساعات الأخيرة من عاصمة البوسفور عن حملة دموية من الإيقافات شملت الآلاف من العسكريين من مختلف الرتب و ألاف قرارات العزل و الإيقاف ضد القضاة إضافة إلى تكميم الصحافة و إيقاف بعض الصحفيين و المعارضين من باب استثمار الانقلاب للتخلص من الخصوم و بعملية جمع و طرح بسيطة يتأكد اليوم أن الرئيس التركي في حربه الضروس ضد المعارضة قد فتح النار هذه المرة على نفسه على اعتبار أن هذه الإيقافات و لئن شملت الأفراد فأنها و بالتداعي قد شملت عائلاتهم و ذويهم و هو ما سيوسع عمليا قاعدة المعارضين المناوئين للتوجهات الفاشلة للحزب الحاكم و التي لم ينفع التغيير الأخير في رئاسة الحكومة و التضحية بصديق العمر داوود اوغلو في إيجاد الحل السحري السريع لإرجاع الأمل للاقتصاد التركي المتهاوي نتيجة الاعتباطية السياسية الخارجية التركية و بالذات الدخول في منظومة أصدقاء سوريا لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، بطبيعة الحال، ستشكل المحاكمات المقبلة للمعتقلين فرصة للمعارضة لمزيد تلاحم الصفوف و للقيادة التركية لمزيد الهروب إلى الأمام و عدم مواجهة الفشل السياسي.
العبرة بالخواتيم كما يقول معلقنا عصام الشوالى و العبرة في الملف التركي قاتمة السواد لأنه بين أحلام البدايات و كوابيس النهايات هناك حالة من السقوط المتواصل تؤكد مرة أخرى أن الأنموذج التركي و ما يسمى بالإسلام السياسي لم يمثل الحل كما سوق له بعض المتآمرين على الدول و المصالح العربية بل المشكلة التي زادها وجود الجماعات الإرهابية في سوريا على وجه التخصيص عنفا و ضراوة، لا بد من التذكير أيضا أن فشل الانقلاب ليس مهما في حد ذاته لان الانقلابات لم تعد الحل بل المهم في هذا الانقلاب أنه وسع في شريحة معارضي النظام و كشف للعالم أن حملات ضرب المؤسسة العسكرية التركية لم تفلح و لن تفلح و أن الإسلام السياسي هو الخاسر الوحيد في هذه العملية الانتحارية العسكرية و أن وعود رئيس الدولة بمعاقبة المتآمرين بشدة ستكون الجريمة الدموية الأخيرة لهذا الرجل الذي فقد عقله بسبب هوس الزعامة و حب الظهور، و عندما يجتمع الفساد، الإرهاب، الاستبداد و هوس السلطة إضافة إلى فشل في إدارة الحكم فلا شك أن هذا الانقلاب سيكون بداية النهاية لحكم الإسلام السياسي في تركيا و بالتبعية في كامل الوطن العربي .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: