أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4483
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تقول الجبهة الشعبية عن نفسها أنها تمثل المعارضة، يقول الرئيس المؤقت السابق أنه يمثل المعارضة رغم أند لا ‘يملك’ حزبا لحد الآن على الأقل، الأحزاب المندثرة صفر فاصل تعود اليوم للساحة تحت يافطات و عناوين كثيرة و كلها تدعى بنوة المعارضة، كلهم ديمقراطيون، كلهم ثوريون و كلهم يملكون الحلول و كلهم لا يريدون التعامل مع النهضة، و كلهم لا يريدون علاقات مع قطر و تركيا و السعودية و أمريكا و فرنسا، كلهم يعدون الشعب و كلهم فشلوا في السابق و لكنهم يعودون بلا ‘موعد مسبق’ و دون اعتذر على سنوات الفشل و الخيبات، بالطبع، لم تفاجئني النتائج الهزيلة للجبهة الشعبية في الانتخابات التشريعية السابقة، و بالطبع لم أتفاجأ بالسيد حمة الهمامى يعيد بالأمس على الوطنية نفس الخطاب و العبارات المكررة و نفس الابتسامة الفارغة من ‘ المضمون’، و نفس ‘خطاب الأنا ‘، ثم ما يتبع من إسهال حول تلك السيدة التي اعترضنه في سليانة و عمتي فلتانة التي قبلته في فريانة إلى غير ذلك طبعا من ‘ الفلافل’ المعتادة .
في ظرف سنة و نصف تكون حزب النداء و في ظرف 24 ساعة من الانتخابات حصد الحزب التشريعية و الرئاسية، بالمقابل يرجع تكوين حزب الجبهة الشعبية الممثل الشرعي لليسار إلى عقود من الزمن لكنه لم يتمكن من الوصول حتى للمرتبة الثانية في قلوب الناخبين، فالمعلوم أن حركة النهضة قد تحصلت على أغلبية مريحة عندما دخلت في مواجهة التجمع و لكن اليسار بكل تضاريسه لم يتحصل حتى على المرتبة الثالثة و لم يأت أصلا فيما يسمى بالثاني الدائم ( l'éternel second )، ليبقى السؤال الرهيب كيف رسب الحزب طيلة هذه السنوات و بقى دائما على قارعة الطريق السياسي التونسي، مثيرا للشبهات طورا و مبتعدا عن وجدان الشعب طورا آخر، فالناخب التونسي و حتى بعد الثورة مر بجانب الجبهة و لم يتردد في عبور الطريق للانتقال إلى ‘ الرصيف الآخر ‘ أين وجد النهضة و الوطني الحر و آفاق، بالطبع لا يملك الكثيرون الرد على هذا السؤال و تبقى كل الأجوبة المطروحة على طاولة النقاش السياسي من باب الاحتمالات و التكهنات .
مع اقتراب موعد ‘ الاحتفال’ بذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد يطرح المتابعون فرضية مهمة تقول أن سبب الهوان الذي يصيب الجبهة هو الشخص الذي يمسك بالمقود، فالرجل لم ‘يتطور’ إلا في السن و في ‘الأبهة ‘ و بقى أسيرا لإرث ثقيل من أدبيات الخطاب اليساري ‘ الجاهلي’ الفاقد للجاذبية، و رغم خضوع السيد الهمامى لعمليات شفط و تجميل إبان الانتخابات الرئاسية تكلفت على الجبهة دم القلب كما يقال فقد عادت مخيلة الرجل دائما إلى نفس العبارات المألوفة و إلى نفس البدايـــات و النهايات و النتائج و الفرضيات و الضحكة الخارجة دائما عن السياق، هنا، يقول الجميع انه بقدر ما أكسب الشهيد شكري بلعيد الجبهة من المتابعين بقدر ما تمكن السيد الهمامى في لحظات تلفزيونية من تفريقهم، و هنا، يقول المتابعون أنفسهم أن غياب خطاب منسجم مع الواقع و مع الزمن هو الذي جعل الجبهة معزولة و تعانى من نفس رحلة التيه قبل الثورة خاصة و أن الجماهير قد كرهت هذا الأسلوب المفقد للشهية السياسية و المتابعة .
انشقاق و تطاير شظايا النداء كان أمرا متوقعا للكثيرين، فأغلب قيادات الصف الأول قيادات انتهازية مغرورة نفخ فيها الإعلام بصورة غريبة، و عملية التفكك و التحلل اليومية عملية منتظرة خاصة و أن هؤلاء ‘المرتزقة’ السياسيون الذين أتوا من الشرق و الغرب و من كل فج عميق لم يكن لديهم ‘رابط’ ( link ) يجمعهم سوى أحلام الكرسي و بهرج السلطة و السلطان، لكن فشل الجبهة في ‘احتلال ‘ المراتب الأولى في الانتخابات و في كل عمليات سبر الآراء سواء التي تعلقت بشخص قيادة الجبهة أو ببرامجها يعطى الانطباع أن هذا المكون السياسي الهش مصاب بمرض يجعله لا يتقدم و لا يملك إلا الوقوف في نفس المحطة في انتظار محمد بوعزيزى من هنا و مظاهرة من هناك، و حملة من حملات ‘ وينو البترول ‘ من هنا و زلة لسان من هناك، فالجبهة كحالة الجندرمة الايطالية تأتى متأخرة دائما .
حين تأتى ذكرى اغتيال الشهيد الكبير شكري بلعيد دون أن ‘ تقتلع ‘ الجبهة اعتراف الجهة التي نفذت عملية الاغتيال و دون أن يتجمع حولها ‘ أصدقاء’ الأمس الذي تفرقوا من حولها لأسباب باتت مجهولة و تحتاج أيضا إلى ‘تحقيق’، و حين ترفض زوجة الشهيد الحضور في نفس المكان و الزمان و المناسبة مع ‘هؤلاء’ الذين طالما لبسوا شعارات و خطب الشهيد و جعلوا منها حطب الانتخابات للصعود إلى مجلس نواب الشعب، و حين تنصرف الجبهة عن كل وعودها نحو الشهيد و عائلة الشهيد فمن المؤكد أن ‘نضال’ الجبهة قد تحول إلى مسارات مربحة أخرى و من المؤكد اليوم أن هناك من يعتقد أن اغتيال الشهيد الكبير هي بضاعة تالفة فات أوانها، و حتى نفهم ما يحدث يجب على السيدة الفاضلة بسمة الخلفاوى أن تكشف المستور، عندها فقط سيجد المتابعون كم لعب البعض القمار السياسي باسم دم الشهيد الكبير و كم كانت تلك اللعبة قذرة ...قذرة...قذرة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: