حسني إبراهيم عبد العظيم - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4533
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ارتقى العلم في الوقت الراهن ارتقاءً مذهلاً، وبلغ مكانة لم يبلغها طوال تاريخه، وأصبح محط أنظار المعارف الأخرى، أملها ومبتغاها ومثلها الأعلي والقبلة التي لا تحيد عنها. (بدوي عبد الفتاح2007: 39). وعلي الرغم من أن العلم والمعرفة متراد فان لغوياً ـ عربياً ولاتينياً ـ فلسان العرب يطابق بين العلم والمعرفة، فنحن نقول علم الشيء أي عرفه، كما أن لفظ Science مشتق من الأصل اللاتينيScire بمعني To know أي يعرف، نقول رغم ذلك، فإن هذا الترادف لا يعني تساويها في العمومية والخصائص، بل هناك تمايز بينهما، فالعلم ليس أية معرفة، وإنما هو معرفة من نوع خاص تلتزم بشروط منطقية ومنهجية(بدوي عبد الفتاح40:2007).
وبناءً علي ذلك، نرى أنه من الضروري قبل التعرف على ماهية المعرفة العلمية وسماتها، أن نوضح الفروق بين المعرفة العلمية وغيرها من المعارف، وذلك من خلال التعرض للعناصر التالية :
1ـ مفهــــوم المعرفـــــــة وأنماطــــها.
2ـ مفهوم المعرفة العلمية ومكوناتها.
3ـ ســــــمات المعرفـــــة العلميـــــــة.
أولاً : مفهوم المعرفة وأنماطها:
حاول الإنسان منذ القدم أن يتعرف علي عناصر البيئة المحيطة به، ويكشف عن أسرارها، ويقف على طبيعة القوى الموجهة لها، فالإنسان منذ أن خلقه الله تعالي، محب للاستطلاع، راغب في الفهم، فهو لا يستطيع أن يحيا وسط الظواهر والأشياء دون أن يكوّن لنفسه عنها بعض الأفكار التي تساعده على تحديد سلوكه تجاهها، وموقفه منه، كما أن هذه الأفكار تمكنه من مواجهة المشكلات التي تعترض سبيله، وقد ترتب علي ذلك زيادة حصيلة الإنسان من الأفكار، والمعارف، وتنامي فهمه للكثير من الظواهر المحيطة به.
ولقد منح الله تعالي الإنسان القدرات العقلية والبدنية والنفسية لاكتساب المعرفة وتنميتها، وذلك باعتباره خليفة في الأرض، قال تعالي في القرآن الكريم [وعلّم آدم الأسماء كلها] البقرة(31) أي أن الله منح الإنسان القدرة على معرفة كل الأشياء ، فما المقصود بالمعرفة؟
تعني المعرفة Knowledge بوجه عام مجموعة الآراء والتصورات والمعتقدات والمعاني التي تتكون لدى الإنسان نتيجة لمحاولاته المتكررة لفهم الظواهر المحيطة به ... والمعرفة بهذا المعني لا تقتصر على ظواهر معينة دون أخرى، وإنما تتضمن كل ما يحيط بالإنسان وما يرتبط به، فمن المعارف ما يتصل بتكوين الإنسان العضوي والنفسي، ومنها ما يتصل بالبيئة الطبيعية، ومنها ما يتعلق بعالم ما وراء الطبيعة ومعتقدات الإنسان حوله. (عبد الباسط حسن 1980 :18).
ومع أن مصدر المعرفة غالباً هو الواقع، سواء أكان هذا الواقع فيزيقيا (جامداً) أو عضوياً(حياً) أو اجتماعياً(متغيراً)، إلا أن هناك فرق بين معرفة تصوير هذا الواقع تصويراً موضوعياً دقيقاً، ومعرفة أخري تعكس هذا الواقع بصورة لا تتبع المنهج العلمي المتعارف عليه. (سمير نعيم 1979)
وبناءً علي ذلك يمكن القول إن المعرفة بشكل عام تنقسم إلى ثلاثة أنماط أساسية :ـ
1ـ معرفة علمية scientific knowledge
2ـ معرفة غير علمية non-scientific knowledge
3ـ معرفة لا علمية anti – scientific knowledge
وفيما يلي شرح لكل نمط من هذه الأنماط :
1ـ المعرفة العلمية :
يقصد بالمعرفة العلمية تلك الأفكار والتصورات والمعاني التي يتم اكتسابها بطريقة منظمة باستخدام المنهج العلمي الذي يقوم على الملاحظة والبحث والتجريب، وتهدف هذه المعرفة إلى فهم الظواهر فهماً موضوعياً دقيقاً. وتمثل العلوم المختلفة - الطبيعية والاجتماعية - نموذجاً لهذا النمط من المعرفة.
2ـ المعرفة غير العلمية
هذا النمط من المعرفة لا يتناقص مع المعرفة العلمية، ولكنه يتكامل معها، فالمعرفة غير العلمية هي معرفة منظمة ومنطقية ولكن المنهج العلمي بخطواته المعروفة لا تستخدم في تحصيلها، وإنما تُكتسب هذه المعرفة بطرق أخري حسب الموضوع أو الظاهرة المحددة، وهناك عدة نماذج لهذه المعرفة نذكر منها:
أ ـ الفلسفة :
تمثل الفلسفة نظاماً معرفياً يقوم علي التأمل، والنظرة الكلية الشاملة للأشياء، كما أنها تعالج قضايا عامة كالوجود والأخلاق والقيم، وتبحث في موضوعات تنتمي إلي عالم ما وراء الطبيعة، مثل البحث في قضية وجود الله. والواقع أن مسائل الفلسفة يتعذر الرجوع فيها إلي الواقع، وحسمها بالتجربة، وإنما هي تخضع لاجتهاد الفيلسوف، ورؤيته الخاصة، ولا يهتم البحث الفلسفي بالجزئيات، وإنما يهتم بالكليات، ويفسر الأشياء بالرجوع إلى مبادئها الأولى ، بالإضافة إلى البحث عن الصورة المثالية للأشياء، أي كما ينبغي أن تكون، وليست كما هي موجودة بالفعل.
ب ـ الأدب والفن:
يعكس هذا النمط من المعرفة رؤية ذاتية للأشياء، فالفنان والأديب يصوران الظواهر من خلال مشاعرهما الذاتية، حيث يبرزان فيها جوانب معينة، ويضفيان عليها معان وصفات لا توجد فيها، وإنما توجد فقط في خيال الأديب ووجدانه، فالفنانون والأدباء يسقطون من ذواتهم على الأشياء، فهم لا يقدمون رؤية موضوعية محايدة للظواهر، وإنما يقدمون هذه الظواهر للآخرين وفق رؤاهم الشخصية وانطباعاتهم الذاتية. إن المعرفة الفنية والأدبية تقوم على أساس التعبير الجمالي ، ونقل المعاني والمشاعر للآخرين، ولذلك فإن عملية تذوق الفن تمثل عملية مهمة في التعامل مع العمل الفني، حيث يطرح ذلك العمل دائماً مجموعة من القيم الإنسانية الجمالية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان.
جـ ـ الدين:
يرتكز الدين علي أساس الإيمان القلبي بمعتقدات معينة، ويمثل الوحي مصدر هذه المعرفة في الديانات السماوية، حيث يستمد المؤمن معرفته عن الله ورسله وملائكته والعالم الآخر بشكل عام من الكتب السماوية التي يؤمن سلفاً بصدقها، فهذه المعرفة لا تكتسب بالمنهج العلمي، ولا يمكن إثباتها أو تأكيدها بالطرق المنهجية المعروفة. ونذكر في هذا السياق أن الدين لا يستبعد العقل تماماً، بل إنه يستعين به في تأكيد بعض معطياته العقيدية، بيد أن موضوعات العقيدة ذاتها لا تخضع للمنهج العلمي بصورته المعروفة. (لايمكن على سبيل المثال التدليل على وجود الملائكة أو الشياطين بالتجربة العلمية).
3ـ المعرفة اللاعلمية :
يقصد بالمعرفة اللاعلمية تلك الأفكار والتصورات المناقضة للعقل والمنطق السليم، فهي معرفة على النقيض تماماً من المعرفة المنظمة، فالإنسان لا يكتسبها بالمنهج العلمي، كما أنه لا يفسر الظواهر تفسيراً منطقياً، وإنما يفسرها تفسيراً يفتقر إلى الرشدو العقلانية.
وتعد ما يمكن أن نطلق عليه المعرفة الميتافيزيقية نموذجاً للمعرفة اللاعلمية، ويقصد بها تفسير الإنسان للظواهر الطبيعية والاجتماعية المحيطة به بقوي فوق طبيعته Supernatural Forces غير منظورة، ويعني ذلك إهمال الأسباب الموضوعية الظاهرة والمرئية، التي يمكن ضبطها وفهمها. وتنمو هذه المعرفة عندما يعجز الإنسان عن فهم الظواهر المحيطة به فهماً عقلياً.
إن المعرفة الميتافيزيقية تهدف إلى فهم الطبيعة، وتحاول تفسير الظواهر الغامضة، ولكنها تضل الطريق نحو ذلك الفهم، فتبحث عن الأسباب والعلل غير المنظورة التي توجد في عالم ما وراء الطبيعة Metaphysics وبذلك يسود نمط من التفكير الأسطوري اللاعقلاني.
ويمثل هذا النمط من المعرفة مرحلة موغلة في القدم من تاريخ الإنسان، حيث اعتقد الإنسان البدائي أن داخل كل العناصر ـ الحية وغير الحية ـ روحاً تحدد سلوكها، أو أن هناك قوة ما في داخلها أو خارجها تتحكم فيها، فالصخور والأواني، والرياح ، والأنهار، والأشجار، والحيوانات، والبراكين، تسكنها روح قاهرة، أو تتملكها قوة عظيمة، ولابد للإنسان أن يعمل على إرضائها حتى لا تصيبه باللعنة، فكان يسعى لإرضائها عن طريق إقامة بعض الطقوس والمراسم، وتقديم القرابين والأضحيات ، وقد ظهر العديد من الأساطير المرتبطة بذلك، كالأشباح، والكائنات العملاقة..إلخ. (مارفن هاريس 2002)
ويوجد نمط المعرفة الميتافيزيقية في الوقت الراهن لدى الكثير من العوام من الناس الذين يفتقدون التفكير العلمي السليم، حيث يفسرون بعض الظواهر كالمرض، والفشل في العمل أو الدراسة أو الزواج، والاضطراب النفسي، بأنها ترجع إلي أسباب مفارقة للواقع الموضوعي كالسحر والعين الشريرة أوالجن، وبالتالي فإنهم يلجأون للدجالين والمشعوذين والمنجمين وقارئي الكف للبحث عن الحل أو العلاج، ويهملون البحث عن الحلول في عالم الطبيعة الموضوعي والمنضبط.
والواقع أن هذا النمط من المعرفة يتراجع كلما زاد وعي الإنسان، وتنامت قدراته العقلية والفكرية والنفسية، حيث يربط الأسباب بمسبباتها، ويرجع الظواهر لعواملها الحقيقية الموضوعية. ولا يعني ذلك تخليه عن إيمانه واعتقاده.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: