د - حسني إبراهيم عبد العظيم - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8042
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعرضنا في المقال السابق لنشأة مصطلح رأس المال الاجتماعي، ويتناول المقال الحالي أبرز تعريفاته، وأهم مؤشرات قياسه كما رصدها علماء الاجتماع والسياسة وخبراء المؤسسات الدولية.
1.تعريف رأس المال الاجتماعي
ينطوي مفهوم رأس المال الاجتماعي على جانبين رئيسيين :جانب رأس المال و الجانب الاجتماعي، أما الجانب المتعلق برأس المال فإنما يشير أساساً إلى أن رأس المال الاجتماعي يتكون من خلال التراكم عبر فترات طويلة من الزمن، ومن هنا فمن الصعب تخيل أن يتكون رأس مال اجتماعي بصورة وقتية أو سريعة لخدمة موقف مفاجئ أو حالة عارضة، فرصيد المجتمع من القيم والروابط الاجتماعية هو رأس مال متراكم عبر الزمن يعبر عنه بمفهوم رأس المال الاجتماعي. ويشير الجانب الاجتماعي في المفهوم إلى حقيقة بديهية مؤداها أن رأس المال الاجتماعي لا يكونه فرد بذاته- كما هو الحال في رأس المال المادي أو البشرى - وإنما يتكون في إطار جماعة اجتماعية يرتضى الأفراد الانضمام لها من أجل استغلال ما توفره العضوية في هذه الجماعة من مزايا، ذلك أن الأفراد - عبر استخدامهم لما توفره العضوية في جماعة ما من قيم الالتزام والثقة - إنما يستغلون الرصيد الاجتماعي الذي تولده العضوية في الجماعة، وليس هذا الرصيد في واقع الأمر سوى رأس مال اجتماعي تولده هذه الجماعة وتراكمه عبر الزمن. (إنجي عبد الحميد 19:2009-20)
وبناء على ذلك قدم العلماء والباحثون تعريفات متنوعة للمفهوم نشير لأبرزها فيما يلي:
طرح عالم الاجتماع الأمريكي ذو الأصول الصينية (نان لين) Nan Lin تعريفا لرأس المال الاجتماعي في عام 1999 بأنه موارد متضمنة embedded في بنية اجتماعية معينة، يتم الوصول إليها أو تعبئتها في أفعال هادفة، فوفقا لهذا المفهوم يتضمن رأس المال الاجتماعي ثلاثة مكونات: الأول الموارد المتضمنة في البناء الاجتماعي، الثاني وصول الأفراد لتلك الموارد، الثالث استخدام الأفراد وتعبئتهم لهذه الموارد الاجتماعية في أفعـال هادفة. (Lin 1999:35)
وقدم (لين) تعريفا آخر عام 2003، بعد قراءته لإسهامات العديد من العلماء في تحليل المفهوم مفاده أن رأس المال الاجتماعي هو الاستثمار في العلاقات الاجتماعية مع عائدات متوقعة من ذلك الاستثمار. (Lin 2003:19)
يكشف التعريفان اللذان قدمهما لين عن اعتبار رأس المال الاجتماعي شكلا من أشكال الثروة بالمعنى المجازي، فهو يصفه بأنه موارد اجتماعية Social resources و استثمار Investment تحقق للفرد منافع (أوعائدات returns) اجتماعية محددة.
ويعرف (وولكوك) Woolcock رأس المال الاجتماعي تعريفا موجزا وشاملا في الوقت ذاته، حيث يرى أنه تلك المعايير والشبكات التي تيسر الفعل الجمعي. ويكشف التعريف أن ثمة مكونين لرأس المال الاجتماعي: الأول هو الشبكات أي العلاقات والتفاعلات الاجتماعية التي تحدث بين الأفراد أو داخل الجماعات مثل الأسر أو التنظيمات أو المجتمعات المحلية، والثاني هو المعايير التي ترتبط بالقواعد المقررة للسلوك، والتفاهمات المشتركة والقيم الاجتماعية التي تتبناها الجماعة كالثقة والتبادلية.(Jochum 2003: 7-8)
ويؤكد (إلس أوين) Else Oyen أن الفرد يكتسب رأس المال الاجتماعي من المشاركة في الشبكات غير الرسمية، والمنظمات المسجلة، والانضمام للحركات الاجتماعية، ويمثل رأس المال الاجتماعي حاصل جمع كل تلك الأنشطة. . . ومن خلال العضوية في مختلف المؤسسات والشبكات يتمكن الأفراد من تطوير اهتمامات ومعايير مشتركة التي تؤدي بدورها إلى خلق ثقة وفهم أفضل للتنوع في الثقافة ونمط الحياة والخلفيات الفكرية. (Oyen 2002:11)
يتبين أن ثمة تركيز واضح من جانب أوين على عناصر مهمة في تكوين رأس المال الاجتماعي مثل المشاركة في الشبكات غير الرسمية والحركات الاجتماعية S. Movements والثقة واستيعاب التنوع الثقافي الإنساني.
وترى ساندرا فرانك Sandra Frank أن مفهوم رأس المال الاجتماعي يرتبط بالمشاركة الاجتماعية والمدنية، وشبكات التضامن والتعاون الاجتماعي، كما أنه يتضمن التماسك الاجتماعي S. Cohesion والثقة Trust والتبادلية reciprocity والفاعلية المؤسسية Institutional effectiveness (Frank 2005: 1)
وثمة تعريف آخر لجاكوبز Jacobs مؤداه أن رأس المال الاجتماعي هو شبكة العلاقات الاجتماعية المتبادلة والقوية بين الأفراد والتي تتطور عبر الزمن، وتخلق أساسا للثقة والتعاون والفعل الجمعي بين أعضاء المجتمع المحلي.(Ostrom 2009:18)
نلاحظ أن هناك تقاربا في المفهوم بين فرانك و جاكوبز من حيث تأكيدهما على التعاون والتضامن الاجتماعيين، بالإضافة لإبراز قيمة الثقة والتبادلية في الأدوار والخبرات بين أفراد المجتمع.
ويسرد بورتس (Portes 1998:6)عدة تعريفات لرأس المال الاجتماعي قدمها بعض الباحثين، ثم يقدم تعريفا خاصا به، فأورد تعريف (بيكر) Baker لرأس المال الاجتماعي بأنه تلك الموارد التي يكتسبها الفاعلون من بنى اجتماعية معينة، ويتم تخليقها بواسطة التغيرات في العلاقات بين هؤلاء الفاعلين، ومن ثم يستخدمونها لتحقيق مصالحهم، ويعرفه (شيف) Schiff بأنه مجموعة من العناصر داخل البناء الاجتماعي تؤثر في العلاقات بين الناس، وتمثل مدخلات أو ترتيبات يتم استغلالها لتحقيق منافع محددة.
ويعتقد (بيرت) Burt أن رأس المال الاجتماعي يتضمن العلاقات بالأصدقاء والزملاء، والصلات الأكثر عمومية التي يمكن من خلالها اقتناص الفرص لاستغلال رأسماله البشري والمالي. ويرى بورتس أن رأس المال الاجتماعي هو قدرة الفاعلين على أن يشهدوا منافع لهم من خلال عضويتهم في الشبكات الاجتماعية، وغيرها من البنى الاجتماعية.
وقد انتقل المفهوم من المجال الأكاديمي إلى المنظمات الدولية، فقد اهتم به البنك الدولي World Bank اهتماما كبيرا، وأفرد له حيزا كبيرا من تحليلاته المختلفة، وقد عرف البنك الدولي رأس المال الاجتماعي بأنه المؤسسات والعلاقات والمعايير، التي تشكل نوعية وكمية التفاعلات الاجتماعية في المجتمع، كما قدمت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD تعريفـا لرأس المال الاجتماعي بأنه الشبكات الاجتماعية، والقيم والتفاهمات، والمعايير المشتركة التي تيسر التعاون بين الجماعات المختلفة وداخلها. (نصر وهلال:2007 17-18 وكذلك Jochum 2003: 7)
ومن خلال العرض السابق لتعريفات رأس المال الاجتماعي، ومؤشرات قياسه، يمكن القول إن رأس المال الاجتماعي هو انغماس الأفراد في شبكة عميقة من العلاقات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، وينتج عن ذلك اكتساب الأفراد لبعض الموارد الاجتماعية - كالدعم الاجتماعي والمادي والمعلومات والأفكار والمكانة الاجتماعية - وتتنامى بينهم مجموعة من القيم الإنسانية المشتركة، كالثقة، والتضامن، وقبول الآخر، والإيثار. ويمثل رأس المال الاجتماعي أحد الأدوات الاجتماعية المهمة في عمليات التنمية والتحديث.
2.مؤشرات قياس رأس المال الاجتماعي:
بذل العلماء عدة محاولات لقياس رأس المال الاجتماعي، وذلك استنادا للجهود الفكرية لمنظري هذا المفهوم، فعلى سبيل المثال حددت كريستيان جروتيرت Christiaan Grootaert وزملاؤها بعد مراجعتهم للتراث المتعلق برأس المال الاجتماعي ستة مؤشرات يستخدمها الباحثون لقياس رأس المال الاجتماعي وهي: (Grootaert et.al. 2004:5)
3. العضوية في الجماعات والشبكات groups and networks : يركز هذا المؤشر على درجة وطبيعة مشاركة الأفراد في مختلف أنواع المنظمات الاجتماعية والشبكات غير الرسمية، ومدى الإسهام الذي يقدمه الفرد لها ومدى استفادته منها، بالإضافة إلى تنوع العضوية في الجماعات، وكيفية اختيار قياداتها، وكيف يتغير ارتباط الفرد بها عبر الزمن.
4. الثقة والتضامن Trust and Solidarity يقيس هذا المؤشر درجة الثقة بين الجيران ومانحي الخدمات، والغرباء وكيف تتغير الثقة بين هؤلاء عبر الزمن.
5. الفعل الجمعي والتعاون Collective actions and Cooperation يكشف هذا المؤشر عن مدى عمل أفراد المجتمع مع الآخرين في المجتمع المحلي في مشروعات مشتركة، وفي مدى استجابتهم عند وقوع أزمة ما، ويتناول كذلك النتائج المترتبة على انتهاك Violating التوقعات الاجتماعية فيما يتعلق بالمشاركة الاجتماعية.
6. المعلومات والتواصل Information and Communication إن الوصول للمعلومات يعد أمرا في غاية الأهمية فيما يتعلق بمساعدة المجتمعات المحلية الفقيرة، ومن خلال هذا المؤشر يتم التعرف على كيفية وصول الناس للمعلومات فيما يتعلق بظروف السوق والخدمات العامة وكيفية التواصل مع فيما بينهم.
7. التماسك الاجتماعي والاندماج S. Cohesion and Inclusion ليست المجتمعات المحلية كيانات منعزلة ساكنة، وإنما تتسم بالأحرى بالعديد من الاختلافات التي قد تؤدي للصراع، ويحاول هذا المؤشر تحديد درجة وطبيعة تلك الاختلافات، وآليات إدارتها، وإي الجماعات يتم اقصاؤها، كما يكشف عن صور التفاعل الاجتماعي الموجودة.
8. التمكين والسلوك السياسي Empowerment and Political action يتناول هذا المؤشر مدى تمتع الأفراد بالرفاهية وإحساسهم بالسعادة والفاعلية الشخصية Personal Efficacy والقدرة على التأثير في الأحداث السياسية المحلية والخارجية.
وقدمت ‘ساندرا فرانك’ نماذج متعددة لقياس رأس المال الاجتماعي بعد قراءتها لعدد من التجارب في هذا السياق: (Frank 2005: 42-43)
النموذج الأول يقيس رأس المال الاجتماعي وفق أربع مؤشرات هي: المشاركة الاجتماعية (الانخراط في الجماعات والأنشطة الاجتماعية) والدعم الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي، والشبكات الاجتماعية (الأصدقاء – الأقارب – الزملاء) والمشاركة المدنية والسياسية (الانشغال بقضايا المجتمع المدني، ممارسة العمل التطوعي، التصويت في الانتخابات بمستوياتها المختلفة.
النموذج الثاني يحدد سبعة مؤشرات لقياس رأس المال الاجتماعي، وهي: الثقة، والتبادلية، والإحساس بالفاعلية sense of efficacy والتعاون، وقبول التنوع، والتسامح، والمشاركة الاجتماعية، والمشاركة السياسية.
أما النموذج الثالث فيركز بشكل أساسي على الشبكات الاجتماعية، فيحدد عمق رأس المال الاجتماعي بحجم الشبكة، وكثافتها، وتنوعها، واستمرار التواصل بين أعضاء الشبكة وقوته، والتقارب المكاني بين أعضاء الشبكة، ودور الشبكة في الاستفادة من الموارد المتاحة، التكامل داخل الشبكة، ثم المعايير الاجتماعية والقيم التي تحكم أعضاء الشبكة.
يتضح من النماذج السابقة لقياس رأس المال الاجتماعي أن عمق العلاقات الاجتماعية كما تتضح في الشبكات الاجتماعية المختلفة، والمشاركة المدنية والثقة، والمشاركة السياسية، والقيم والمعايير الاجتماعية تمثل العناصر الأكثر بروزا في قياس مفهوم رأس المال الاجتماعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)هذا المقال جزء من دراسة سابقة للباحث في المصدر التالي: حسني إبراهيم عبد العظيم(بالاشتراك) دور العمل التطوعي في تنمية رأس المال الاجتماعي للمرأة: دراسة ميدانية على عينة من المشاركات في العمل الاجتماعي بمحافظة بني سويف، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي التاسع لكلية الآداب جامعة بني سويف بعنوان العلوم الإنسانية وتفعيل دور مؤسسات العمل التطوعي المنعقد في الفترة من 9-10/4/2013 بجامعة بني سويف بجمهورية مصر العربية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: