د- حسني إبراهيم عبد العظيم - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6444
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يعد مفهوم رأس المال الاجتماعي Social Capital واحدا من أكثر المفاهيم حداثة في علم الاجتماع، وقد استخدم بشكل متواتر من قبل الباحثين والنقاد والســــــياسيين في مختلف أنحاء العالم، وللمصطلح نتائج علمية واعدة؛ فهـــــو يثير العديد من المعاني، ويطـــرح كثيرا من الجدل. ( (Farr 2004: 6)
وسنحاول في هذا السياق التعرف على نشأة المصطلح، ورصد أبرز التعريفات التي قدمت له، ثم التعرض لأهم مؤشرات ضبطه وقياسه، وأخيرا تناول جهود أبرز منظري المفهوم.
1.نشأة المصطلح:
ثمة اجتهادات علمية متعددة بشأن نشأة المصطلح، فيرى بورتس Portes أن مضمون المصطلح الذي يشير إلى أن الانخراط والمشاركة في الجماعات الاجتماعية لها مردود إيجابي على الفرد والمجتمع المحلي، يمكن أن نجده في التراث السوسيولوجي منذ القرن التاسع عشر، حيث يمكن تلمسه مثلا في تأكيد دوركايم على أن الحياة في إطار الجماعة تعد حصنا في مواجهة الأنومي وتدمير الذات، وفي تمييز ماركس بين الطبقة في ذاتها Class in itself والطبقة لذاتها Class for itself فالأولى هي طبقة مفتتة لا رابط بينها atomized والثانية طبقة مؤثرة وحاشدة mobilized لأعضائها. وبذلك فإن المصطلح قد استرد recaptures مضامين كانت مطروحة بالفعل في بداية ظهور علم الاجتماع.(Portes 1998:2)
ويشير بعض الباحثين إلى أن الجذور الأولى للمصطلح تعود إلى كتابات المفكر الفرنسي "أليكسيس دي توكفيل A. De Tocqueville (1805 – 1859) وخاصة كتابه عن الديمقراطية في الولايات المتحدة Democracy In America الذي صدر في القرن التاسع عشر، ففي هذا الكتاب أرجع توكفيل تطور الديموقراطية في الولايات المتحدة إلى الترابط الاجتماعي ونزوع المواطنين إلى المشاركة في الحياة العامة، والحقيقة أن هذه القيم تمثل جوهر رأس المال الاجتماعي بالمعنى الذي يتناول المعاصرون من خلاله هذا المفهوم، وقد اعتمد عدد كبير من العلماء على هذه الفكرة عند دراسة رأس المال الاجتماعي، وبخاصة دارسي المفهوم ممن ينتمون إلى حقل العلوم السياسية. (إنجي عبد الحميد 16:2009)
فعندما زار توكفيل الولايات المتحدة عام 1830 أوضح أن ميل الأمريكيين نحو المشاركة المدنية هو المفتاح لفهم قدرتهم غير المسبوقة في جعل الديموقراطية تعمل، فالأمريكيون من مختلف الأعمار والمراكز الاجتماعية يشكلون مؤسسات مدنية، فلا ينخرطون فقط في المؤسسات التجارية والصناعية، وإنما في آلاف من المؤسسات الأخرى الدينية والأخلاقية، الجادة وغير الجادة، الكبيرة جدا والصغيرة، الواسعة والمحدودة، لا شيئ من وجهة نظري يستحق مزيدا من الاهتمام أكثر من المؤسسات الفكرية والأخلاقية في الولايات المتحدة. (Putnam 1995:65)
واستنادا لذلك يرى بعض الباحثين أن توكفيل قد لامس جوهر مفهوم رأس المال الاجتماعي، وإن لم يذكره صراحة. بيد أن عددا كبيرا من الباحثين يرون أن الفضل في صياغة المصطلح يرجع إلى العالم الأمريكي ليدا جودسون هانيفان Lyda Judson Hanifan (1879 – 1932) وذلك في سياق كتابه مركز المجتمع المحلي The community center الصادر عام 1916، حيث اســــتخدم المصطلح لوصف تلك الأشياء الهامة اللامادية التي تهم الناس في حياتهم اليومية. (European Commission 2005:3)
وقدم هانيفان أول تعريف للمصطلح، حيث ذكر في مقدمة كتابه سالف الذكر: (إن استخدامي لعبارة رأس المال الاجتماعي لا يعني الاستخدام المعتاد لمصطلح رأس المال إلا بالمعنى المجازي Figurative sense فأنا لا أشير إلى العقارات أو الممتلكات الشخصية أو المالية، وإنما أشير إلى تلك المعاني الموجودة في الحياة التي تجعل هذه الأشياء الملموسة مقدرة ومعتبرة في الحياة اليومية للناس، أنا أتحدث عن النيات الحسنة، الزمالة، التعاطف المتبادل، والتواصل الاجتماعي بين الأفراد والأسر الذين يشكلون وحدة اجتماعية، والمجتمع الريفي الذي تعد المدرسة مركزه المنطقي. في بناء المجتمعات تماما مثل إدارة الأعمال وتنظيمها ينبغي أن يوجــــــــــــــد تراكـــم لرأس المــــال قبل أن يتم إنجــــــــاز العمل البناء). ( (Farr 2004:11)
ويمكن تلخيص تعريف هانيفان لرأس المال الاجتماعي بأنه الأصول اللامادية التي تحسب في الحياة اليومية للناس كالنية الحسنة والزمالة والتعاطف والتواصل الاجتماعيبين بين الأفراد والعائلات الذين يشكلون وحدة اجتماعية. (أبو زاهر 3:2010). يتضح مما سبق أن هانيفان قد أسس هذا المفهوم تأسيسا علميا، وأنه أشار بوضوح إلى كل العناصر الحاسمة في التفسيرات التالية لهذا المفهوم. ( Arneil 2006:4)
وقد خبا المفهوم فترة زمنية طويلة تجاوزت الستين عاما حتى تم احياؤه مرة أخرى على يد عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو خلال ثمانينيات القرن الماضي، الذي قدم تحليلات عميقة للمفهوم، أسهمت قي بلورته كنظرية متكاملة في علم الاجتماع حيث تجاوز المفهوم التقليدي لرأس المال بالمعنى الاقتصادي وقام بربطه بالثقافة والحياة الاجتماعية، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل عند الحديث عن بورديو باعتباره المنظر الأهم لرأس المال الاجتماعي.
وطرح العلماء العديد من التعريفات لهذا المصطلح،كما وضعوا العديد من المؤشرات لقياسه، وهذا ما سيتناوله المقال القادم بإذن الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)هذا المقال جزء من دراسة سابقة للباحث في المصدر التالي: حسني إبراهيم عبد العظيم(بالاشتراك) دور العمل التطوعي في تنمية رأس المال الاجتماعي للمرأة: دراسة ميدانية على عينة من المشاركات في العمل الاجتماعي بمحافظة بني سويف، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي التاسع لكلية الآداب جامعة بني سويف بعنوان العلوم الإنسانية وتفعيل دور مؤسسات العمل التطوعي المنعقد في الفترة من 9 إلى 10 إبريل2013 بجامعة بني سويف - جمهورية مصر العربية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: