البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المعرفة العلمية: مفهومها، بنائُها وسماتها 4/3

كاتب المقال حسني إبراهيم عبد العظيم - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4760


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


ثالثاً : سمات المعرفة العلمية(**)

تتسم المعرفة العلمية بعدة سمات أو خصائص تميزها عن الأنماط الأخرى من المعرفة، وفيما يلي أهم تلك السمات :

1ـ الصياغة الدقيقة:

يقصد بالصياغة الطريقة التي يعبر بها كل إنسان عن أفكاره، وكما أن الصائغ يضيف من فئه على الذهب الخام، فيصوغه حُلياً، كذلك لكل إنسان طريقته في ترجمة أفكاره إلى لغة، وقد تكون لدينا نفس الأفكار الواحدة، ولكن كل إنسان يصوغها بطريقته الخاصة، أما من الناحية اللغوية، فالصياغة هي الأسلوب الذي تبني به الكلمة (أو الجملة) من ترتيب الحروف وحركاتها وسكناتها، على النحو الذي يسهل علينا فهمها واستنتاج ما يترتب عليها.

وتختلف الصياغة العلمية عن الصياغة غير العلمية، في أن الصياغة العلمية تتصف بالدقة، وهذا يفسر لنا لم يستخدم العلماء الصياغة الرمزية ابتغاء الموضوعية، والبعد عن الخلط وسوء الفهم، والدقة بهذا المعني هي التي تميز بين لغة العلم ولغة الحياة، أي اللغة الدراجة التي ندير بها حياتنا اليومية.

والدقة بالنسبة للتفكير العلمي ليس لها سوي معنى واحد هو استبدال الكم بالكيف، أو الرموز الرياضية بلغة الوصف المباشر، والاستقراء البسيط لتاريخ العلم، يؤكد أن العلم انقسم من حيث لغة التعبير العلمي إلي مرحلتين: المرحلة قبل العلمية ـ pre-Scientific وهي التي سادتها اللغة الوصفية الكيفية، ثم المرحلة العلمية Scientific التي استخدمت اللغة والأساليب الرياضية، فالعلم اليوناني القديم ـ مثلاً ـ كان يتعامل مع الظواهر الطبيعية من خلال صفاتها الحسية كالحار والبارد، أو الثقيل والخفيف، أما غالبية العلوم الطبيعية فقد وصلت إلي درجة عالية من الدقة في الوقت الحاضر، كعلم الفيزياء ، حتى أننا نكاد نجد كل التعبيرات الفيزيائية اليوم هي عبارة عن معادلات رياضية خالصة.

والمقابلة بين الصياغة الكيفية غير الدقيقة والصياغة الكمية الدقيقة تضع أمامنا مقارنة جيدة بين لغة العلوم ولغة الحياة الجارية، فلغة الحياة اليومية عادة ما تكون كيفية غير محدودة؛ لأن الإيقاع السريع لعجلة الحياة وعفويتها وطابعها العملي قد لا يتحمل الدقة الصارمة؛ لذلك كثرت في لغة التعامل اليومي الأساليب الغامضة، والتعميمات الخاطئة، وصور المجاز والتخمينات والإيحاءات المحيرة، تلك الأساليب التي طالما أثارت استياء ‘فرانسيس بيكون’ في نقده لأوهام السوق.

والواقع أن استبدال الصيغ الكيفية بأخري كمية دقيقة في التفكير العلمي، قد أدى إلى عدة نتائج منها :ـ

أـ استبعاد العناصر الذاتية كالميول والمبالغات وصور التحيز غير الواعي عند العلماء، بل كذلك استبعاد صور الخداع الحسي، نقول استبعادها من الصيغ التي يصف بها العلماء الظواهر موضوع بحوثهم.

ب ـ إبطال العمل بمبدأ السببية بمعناه الميتافيزيقي، ونقصد بذلك كونه علة فاعلة أو موجِدة أو كعلة غائية، وهذا لا يعني بالطبع إنكار السببية كعلاقة حقيقية بين الظواهر، ولكن نفي ما ينسب لها أحياناً من ضرورة عقلية أو ميتافيزيقية، تعطيها صفة القوة الخالقة لموضوعاتها، ومن ناحية أخرى فإن الظواهر التي يتعامل معها العلم اليوم أصبحت من التعقيد، بحيث بات من الصعب أن نبحث لها عن سبب واحد، أو حتى عدة أسباب، وإنما أصبحت نتاج عدد هائل من العوامل وما بينها من علاقات، بحيث لا يصلح للتعبير عنها غير اللغة الرياضية والارتباط الإحصائي.

الخلاصة في تلك القضية أن العلم لا يسعي إلى إلغاء فكرة السببية، بقدر ما يهدف إلى توسيعها وتطويرها، فهناك بالفعل ظواهر تقوم على علاقات بسيطة ومباشرة بين عامل وعامل آخر ناتج عنه، كالعلاقة بين جرثومة ما ومرض معين، حينئذ تظل فكرة السببية مستخدمة وذات فائدة بالنسبة للعلم، غير أن هناك ظواهر أخرى بلغت حدا من التعقيد وتداخل العلاقات ما يصبح معه توسيع علاقة السببية وتكميمها ضرورة لا مناص لها.

جـ ـ اكتساب الفرض العلمي دقة كبرة من خلال صياغته الرياضية، الأمر الذي يساعدنا كثيراً في حسمة بالصدق أو الكذب عند اختباره، ولا شك أن ذلك يضيف إلى العلم مزيداً من التراكمية والتقدم، فالطبيعة في جوهرها ذات خاصية كمية، وإنما تتحول إلي معرفة كيفية بعيدة عن الدقة من خلال إدراكنا الحسي لها، وتكميم الفرض العلمي إنما هو وضع للأمور في نصابها، وإعطاء الظواهر معناها الحقيقي.

د ـ تكشف الصياغة الكمية عن الوحدة بين المتمايزات، بمعني أن إدراكنا الحسي البسيط للظواهر يصور لنا الفروق الكمية على أنها اختلافات كيفية حقيقية، ومن ثم يمكننا القول إن الصياغة الكمية تمكننا من تحقيق أعلى مستوي من التعميم، فالألوان علي سبيل المثال ليست سبعة كما نعرف، وإنما هي عبارة عن درجات مختلفة على متصل كمي واحد.

هـ ـ يمكن القول إن الصيغ الكيفية تمثل أحكاماً مطلقة، والأحكام المطلقة لا يستطيع العلم التعامل معها، لأنه ببساطة لا يمكنه التحقق منها تجريبياً، ولولا ما يتصف به العلم من نسبية ما تسنى له أن يصل إلي ما وصل إليه من تطور، ونقصد بالنسبية هنا معنيين، الأول نفي الصدق المطلق أو اليقين التام للقانون العلمي، فالقانون العلمي مطلق الصدق أي الصادق بنسبة 100% ليس بقانون علي الإطلاق، فهو يعني أننا قد أحطنا بكل ما في الكون علماً، وهذا مستحيل عقلاً وفعلاً، علاوة على أن الصدق المطلق يعوق التقدم العلمي، لإننا حينئذ لن نحتاج إلي مزيد من البحث العلمي، أما المعني الثاني, فهو أن العلم يتعامل مع علاقات موضوعية قابلة للقياس, وليس مع انطباعات ذاتيه, فالعلم لا شأن له بمضمون الإدراك بل بهيكله , أى العلاقات التى يمكن قياسها وترجمتها إلي درجات ومعادلات, انظر مثلا إلي قول البعض , الجو اليوم حار , أو هذه الشجرة طويلة , فتلك الصياغات الكيفية لا يعرف المعلم كيف يتحقق منها , لأنها صيغ شخصية تعبر عن مضمون الأدراك , لا هيكلة أو علاقات التى تقوم علي المقارنة , فقولنا الشجرة طويلة معناه أنه لا يوجد أشجار على وجه الأرض إلا تلك الشجرة وحدها, ولا لقلنا إن هذه الشجرة أطول من تلك أو أقصر من الأخري ... وهكذا.

وثمة قضية مهمة فى هذا الصدد , وهي مدى نصيب العلوم الإنسانية من الصياغة الكمية الدقيقة لقضاياها, ومدى مطاوعة موضوعاتها أو ظواهرها للتكميم على النحو الذي نشاهده مثلا فى العلوم الدقيقة كالفيزياء والكمياء وغيرهما.

قبل الخوض فى تلك القضية , نؤكد أن هناك شرطين أساسيين , بدونهما لا تستقيم أية عملية يُراد بها تكميم المشاهدات, أو وضعها في قالبها الرياضي الضروري, الشرط الأول: هو شرط التماثل التام بين جميع مفردات أو جزئيات الظاهرة دون فروق أو اختلافات, فلا نقول مثلا هذه ذرة ذات اليكترونات وتلك بدون إليكترونات, وإنما جميعها متماثلة من حيث البنية والمكونات والعلاقات, ولا تختلف إلا من حيث عدد هذه المكونات, أما الشرط الثاني وهو نتيجة لازمة للشرط الأول فهو ‘ضرورة’ خضوع جميع مفردات او جزئيات الظاهرة لنفس القانون أو التعميم الواحد, وهذا التعميم يتم وفقا للاحتمالات المستقرة والمعمول بها للقانون العلمي فى صورته الحديثة.

والسؤال هنا إلى أى حد يمكن القول بتوافر هذين الشرطين في الظواهر أو الموضوعات التي تدرسها العلوم الانسانية , يمكننا القول إن هناك فريقين يتقاسمان الحوار حول هذه الاشكالية, الفريق الأول يؤكد أن هناك اختلافات حقيقية بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية, فالظواهر الإنسانية غير قابلة ـ غالبا - للترجمة إلى قضايا أو فروض لها صورة رياضية تساعدنا على حسمها تجريبيا, فموضوع العلوم الانسانية هو الانسان, الأمر الذي يجعل الباحثين معرضين للتأثر بالقيم الاجتماعية أو الأخلاقية والثقافية, وكذلك التقاليد مما يقلل من موضوعية نتائجها وإمكانية اكتسابها الدقة الرياضية, وقد لخص هذا الفريق دعواه كما يلي:

‘ لاشك أن الإنسان كموضوع للعلوم الانسانية, يتصف بصفتين هما العقل والحرية أو الارادة الحرة , أما صفة العقل فتنفي عنه صفة الآلية, أى أن يكون كائنا يتصرف على نحو يخضع معه خضوعا كاملا لمتطلبات الغريزة أو جانبه الحيواني وكأنه آلة مبرمجة, وهذا يعني استحالة التعميم بالنسبة لأى حكم عليه, اما صفة الحرية , فتعني استحالة التطابق التام للاستجابات السلوكية بين الناس حينما يكونون جميعا تحت نفس الأسباب أو المؤثرات , هذه الاستحالة تعود فتسري على الفرد الواحد ذاته , فقد يسلك الواحد منا نفس السلوك مئات المرات, استجابة لأسباب أو مؤثرات معينة, ثم فجأة, ولأسباب لا يمكن حسابها, نجد أنفسنا نغير استجاباتنا مع ثبات نفس المؤثرات , وهذا يعني انتفاء مبدأ الضرورة أو ثبات العلاقات, والتى بدونها لا حيلة لنا منطقيا فى عملية التعميم, ومن أجل ذلك, من الصعب صب الظواهر الانسانية في قوالب كمية رياضية, وإلا ضاعت من بين أيدينا الخصائص الجوهرية المميزة لهذه الظواهر, أي تتحول إلى ظواهر غير إنسانية.

أما الفريق الثاني , فيري أنه ليس ثمة فروق جوهرية بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية إلا في درجة التعقيد فحسب, وهي مسألة مرهونة بتقدم المناهج والتقنيات التي تأخذ بها العلوم الإنسانية, يبرهن أصحاب هذا الرأي على ذلك بأن العلوم الطبيعية الدقيقة قد مرت بنفس تلك المرحلة الكيفية, وصادفتها نفس العوائق التي تصادف اليوم المشتغلين بالعلوم الانسانية, بالتالي فإن القضية هي مسألة وقت تحتاجه العلوم الإنسانية لتطوير الأساليب الاحصائية , على نحو يمكّن المشتغلين بالعلوم الإنسانية من الألمام بكل عناصر الظاهرة ومفرداتها وما يحيط بها من متغيرات.

ويمكن القول بوجه عام إن العلوم الإنسانية يمكن أن تجمع في الوقت الراهن بين الجانبين الكمي والكيفي, حيث يكمل كل منهما الآخر, فالتحليل الجيد للظاهرة الاجتماعية , يتناول معطياتها الخارجية كما تتجلي من مؤشراتها الكمية والاحصائية, ويتعمق فى بنيتها الداخلية من خلال الكشف عن القيم الكامنة خلف المعطيات الخارجية الظاهرة.

2ـ التنظيم:

يتصف التفكير العلمي بالدرجة الأولي بأنه تفكير منظم, بمعني أننا حينما نتناول مشكلة معينة مهما يكن مجالها تناولاً علمياً, فإننا لا نطلق لأفكارنا العنان بحيث تتجه أنى شاءت بطريقة عفوية أو تلقائية, بل ترتب أفكارنا بطريقة منهجية منظمة , ونبذل جهداً واعياً مقصوداً للوصول لأفضل تخطيط ممكن للطريقة التى نبحثها بها , ولا جرم فى ذلك, فالنظام مرادف للعقلانية والعقل, ومرادف كذلك للتفكير المنطقي والمنهجي, وعندما أطلق اليونان لفظ ‘كوزموس’ Cosmos علي الكون, كانوا يقصدون التوافق والانسجام والنظام الموجود فى الطبيعة, والذي يمكن فهمه بالعقل, ومع ذلك, فتحقيق ذلك المطلب ليس بالأمر اليسير, إذ يفترض ذلك قدرتنا على التغلب على كثير من عاداتنا الشائعة, وعدم ترك أفكارنا تشرد طليقة من كل قيد, وضرورة التدريب على اخضاع تفكيرنا لإرادتنا الواعية, وتركيز عقولنا في الموضوع الذي نبحثه.

ويعد المنهج العلمي هو الطريقة العلمية والعملية الوحيدة التى ينظم بها العلماء أفكارهم, والمقصود بالمنهج العلمي هو ‘ الخطة الواعية التي تنظم أفكارنا بطريقة صحيحة, على نحو يتيح لنا الكشف عن حقيقة جديدة كنا بها جاهلين, أو البرهنة عليها حينما نكون بها عارفين’ وتعد صفة المنهجية ـ بهذا المعني ـ هي الصفة الأساسية للتفكير العلمي ! حتى أنه بوسعنا أن نعرف العلم بأنه ضرب من التفكير المنهجي المنظم , وبذلك نميزه عن أنواع التفكير الأخرى التي تفتقر إلى التنظيم والتخطيط.

وإذا كان المنهج هو العنصر الثابت فى التفكير العلمي , فهذا لا يعني بداهة ثبات المضمون, بل هو على العكس من ذلك في تغير مستمر, ولذلك فإن تعريف التفكير العلمي عن طريق منهجه, هو بمثابة الوقوف على أرض ثابتة, مادام المنهج يظل باقيا مهما تغيرت النتائج. ومع ذلك لا ينبغي أن نفهم القول بثبات المنهج العلمي على نحو خاطئ , فالمقصود بالثبات هنا هو ضرورة المنهج الدقيق والمنظم بالنسبة للتفكير العلمي, وليس جمود المنهج , فلا شك أن تطور مضمون العلم من عصر لآخر, لا بد أن يترك أثراً على عناصر المنهج وترتيبها المنطقي ووظيفة كل منها, هذا التغير فى البنية المنطقية للمنهج ليس متوقفا علي التطور الزمنى وحده, بل وكذلك على ما بين العلوم المختلفة من تباينات واضحة، نعم إن المنهج سمة أساسية لكل تفكير علمي، لكن النية الداخلية للمنهج وكذلك تطبيقات قواعده تختلف فى العلوم الطبيعية مثلا عنها فى العلوم الانسانية.

3ـ النسبية: Relativity

تتصف المعرفة العلمية بأنها نسبية, بمعنى أنها متغيرة بتغير الزمان والمكان, إن الحقيقة العلمية ‘حقيقة نسبية’, بمعني أنها ناقصة دوما, لا ينبغي لها يوما أن تصل إلى حد الاكتمال, فالحقيقة العلمية مهما يكن مجالها مرهونة بالمستوي المعرفي الذي بلغه العلم حتى الآن, والزعم بكمالها يعني أن الإنسان قد أحاط علماً بكل ما فى الكون, وهذا مستحيل, وتلك هي الروح الحقيقية للعلم, وسر تقدمه, فالمعرفة العلمية تتسم بالحركة والتقدم, وحيوية العلم انعكاس لحيوية الإنسان الذي أبدعه, ولن يتوقف التقدم العلمي مطلقا إلا إذا توقفت حياة مبدعه ذاته, وفي نفس الوقت, فإن هذه النسبية في الحقيقة العلمية دليل على قوة العلم, وليست دليلا على ضعفه.

إن العلم لا يعرف الحقيقة المطلقة أو الصدق المطلق , وذلك لأن القضايا التى يتم تجريدها عن واقع معين قد لا تصلح لواقع آخر مختلف, ومعنى ذلك أنها ذات ارتباط مباشر بالواقع لأنه هدفها الرئيسي, وبذلك تشكل المعرفة العلمية نسقا مفتوحا من المعاني على عكس الانسان المنطقية المغلقة التى تستمد صدقها من ذاتها , ومن ثم فإن المعرفة العلمية هي وحدها القادرة على استيعاب متغيرات الواقع المتجددة والمتنوعة.

إن نسبية الحقيقة العلمية أمر صحيح بالنسبة للزمان, وصحيح كذلك بالنسبة للمكان, فبالنسبة للزمان نجد أن مجموعة القوانين الراهنة التى تفسر جانبا من الطبيعة تعتبر ذات صدق مطلق بالنسبة للمرحلة الراهنة التى تمثلها، ولكنها لن تكون كذلك بالنسبة لمرحلة أخري قادمة, مثال ذلك أن فيزياء نيوتن كان لها صفة الصدق المطلق فيما بين القرنيين 18 ,19 حتى خُيل لبعض العلماء آنذاك أنهم وضعوا أيديهم على اليقين العلمي الكامل والذي لا ينتابه شك , وأن الأجيال القادمة لن تجد شيئا تضيفه, ولكن ما إن أطل القرن العشرون حتى تبخر ذلك اليقين, وحلت محله نظرية الاحتمالات, أما بالنسبة للمكان, فإن ما نعتبره حقائق علمية ثابته على كوكب الأرض, قد لا يكون كذلك بالنسبة لآي كوكب آخر في مجموعتنا الشمسية أو خارجها, مجمل القول إذن أن الحقيقة العلمية تكون لها صفة المطلق حينما تفرض نفسها على كل الجزئيات التي تتناولها, وعلى كل الحقول التي تتعامل معها, ومع ذلك فهي حقيقة نسبية لأنها مشروطة بمجال معين من الصدق لا ينبغي تجاوزه. الحقيقة إذن أن المعرفة العلمية لا تكف عن التطور, ومهما بدا فى وقت ما أن العلم قد وصل إلى رأي نهائي في موضوع محدد, فإن التطور سرعان ما يتجاوز هذا الرأى, ويستعين عنه برأى آخر.

إن النسبية تمثل سمة أصيلة فى المعرفة العلمية , وتمثل فى ذات الوقت إحدى الوسائل الهامة في تطور العلم وتقدمه, لأن الوصول لليقين المطلق يعني الوصول لنهاية العلم وتوقفه تماماً.

وثمة خصائص أخرى هامة للمعرفة العلمية نعرضها في المقال القادم بإذن الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*) ) هذه المقالات كانت في الأصل مجموعة محاضرات ألقيتها على طلاب قسم علم الاجتماع والفلسفة – كلية الآداب والعلوم – جامعة المرقب في ليبيا الشقيقة خلال العام الجامعي 2009/2010.
(**) اعتمدت في هذا الجزء بشكل أساسي على:
بدوي عبد الفتاح محمد، فلسفة العلوم : العلم ومستقبل الإنسان إلي أين ؟ دار قباء الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، طـ 3 . 2007.
علي ليلة، النظرية الاجتماعية المعاصرة: دراسة لعلاقة الإنسان بالمجتمع، دار المعارف، القاهرة، 1998
فؤاد زكريا، التفكير العلمي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد الثالث، 1978.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

المعرفة العلمية، المعرفة، بحوث علمية، علم الإجتماع،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-02-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  موجز تاريخ علم الاجتماع الطبي
  بعض جوانب الفكر الاجتماعي في الإسلام 2/2
  عن محمد الرسالة والرسول: هكذا تكلم نظمي لوقا
  الثقافة والحضارة هل هما مترادفان؟
  ختان الإناث : رؤية سوسيولوجية موجزة (*)
  الفكر الاجتماعي في الإســلام 1/2
  رحيل فاطمة المرنيسي: الآن سكتت شهرزاد السوسيولوجيا العربية
  (الهوسبيس): فكرة إسلامية وحركة حداثية وقيمة أخلاقية
  في جدلية العلاقة بين النص الديني والواقع: قراءة في مشكلة الطلاق عند الأقباط
  مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 6/6
  مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 5
  مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله - 4
  مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 3
  مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 2
  مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 1
  في نظرية رأس المال الاجتماعي 2 (*)
  في نظرية رأس المال الاجتماعي 1
  أخطاء يجب أن تصحح في الفكر الإسلامي:المرأة لم تخلق من ضلع أعوج
  مرض الالتهاب الكبدي: القاتل الصامت
  سلوك المرض: بحث مختصر في علم الاجتماع الطبي 2 / النماذج النظرية المفسرة
  في ذكرى رحيل محمد جسوس: سقراط السوسيولوجيا العربية
  ماذا فعل الرجال بكلمات الله؟
  المعرفة العلمية: مفهومها، بنائُها وسماتها 4/4 (*)
  المعرفة العلمية: مفهومها، بنائُها وسماتها 4/3
  ثانياً: مفهوم المعرفة العلمية ومكوناتها: (*)
  المعرفة العلمية: مفهومها، بنائُها وسماتها 4/1
  التدين بين أداء الشعائر وبناء الضمائر 2/2
  الجسد الأنثوي بين المعتقد الشعبي والمعتقد الديني: رؤية أنثروبولوجية
  سلوك المرض: بحث موجز في علم الاجتماع الطبي
  التدين بين أداء الشعائر وبناء الضمائر 1/2

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمود علي عريقات، مراد قميزة، فتحي الزغل، تونسي، محمد شمام ، عزيز العرباوي، محمود سلطان، رافد العزاوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - عادل رضا، صفاء العربي، د- جابر قميحة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عواطف منصور، د. عبد الآله المالكي، وائل بنجدو، أحمد ملحم، طلال قسومي، حاتم الصولي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سعود السبعاني، جاسم الرصيف، المولدي الفرجاني، محمود فاروق سيد شعبان، فوزي مسعود ، د. عادل محمد عايش الأسطل، علي عبد العال، كريم السليتي، محرر "بوابتي"، منجي باكير، د - الضاوي خوالدية، عبد الله زيدان، ماهر عدنان قنديل، رمضان حينوني، ياسين أحمد، ضحى عبد الرحمن، الناصر الرقيق، سامح لطف الله، مصطفى منيغ، د. طارق عبد الحليم، د.محمد فتحي عبد العال، محمد أحمد عزوز، محمد عمر غرس الله، حميدة الطيلوش، د. خالد الطراولي ، محمد علي العقربي، أبو سمية، طارق خفاجي، صباح الموسوي ، حسن الطرابلسي، محمد يحي، يحيي البوليني، سليمان أحمد أبو ستة، د - صالح المازقي، عمر غازي، رشيد السيد أحمد، سلام الشماع، المولدي اليوسفي، د - شاكر الحوكي ، محمد الياسين، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العراقي، عبد الرزاق قيراط ، علي الكاش، د - المنجي الكعبي، فتحي العابد، سلوى المغربي، فتحـي قاره بيبـان، أنس الشابي، د- محمد رحال، د- هاني ابوالفتوح، عبد الغني مزوز، مصطفي زهران، د. أحمد محمد سليمان، سيد السباعي، يزيد بن الحسين، محمد اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - محمد بنيعيش، إسراء أبو رمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد العيادي، خالد الجاف ، صالح النعامي ، العادل السمعلي، عبد العزيز كحيل، محمود طرشوبي، محمد الطرابلسي، حسن عثمان، عراق المطيري، رافع القارصي، سامر أبو رمان ، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهيثم زعفان، إيمى الأشقر، د. أحمد بشير، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد بوادي، أحمد النعيمي، أحمد الحباسي، نادية سعد، الهادي المثلوثي، أشرف إبراهيم حجاج، فهمي شراب، إياد محمود حسين ، د - مصطفى فهمي، عبد الله الفقير، رضا الدبّابي، مجدى داود، بيلسان قيصر، د. صلاح عودة الله ، د - محمد بن موسى الشريف ، كريم فارق، سفيان عبد الكافي، صلاح المختار،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة