المعرفة العلمية: مفهومها، بنائُها وسماتها 4/3
حسني إبراهيم عبد العظيم - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 4760
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ثالثاً : سمات المعرفة العلمية(**)
تتسم المعرفة العلمية بعدة سمات أو خصائص تميزها عن الأنماط الأخرى من المعرفة، وفيما يلي أهم تلك السمات :
1ـ الصياغة الدقيقة:
يقصد بالصياغة الطريقة التي يعبر بها كل إنسان عن أفكاره، وكما أن الصائغ يضيف من فئه على الذهب الخام، فيصوغه حُلياً، كذلك لكل إنسان طريقته في ترجمة أفكاره إلى لغة، وقد تكون لدينا نفس الأفكار الواحدة، ولكن كل إنسان يصوغها بطريقته الخاصة، أما من الناحية اللغوية، فالصياغة هي الأسلوب الذي تبني به الكلمة (أو الجملة) من ترتيب الحروف وحركاتها وسكناتها، على النحو الذي يسهل علينا فهمها واستنتاج ما يترتب عليها.
وتختلف الصياغة العلمية عن الصياغة غير العلمية، في أن الصياغة العلمية تتصف بالدقة، وهذا يفسر لنا لم يستخدم العلماء الصياغة الرمزية ابتغاء الموضوعية، والبعد عن الخلط وسوء الفهم، والدقة بهذا المعني هي التي تميز بين لغة العلم ولغة الحياة، أي اللغة الدراجة التي ندير بها حياتنا اليومية.
والدقة بالنسبة للتفكير العلمي ليس لها سوي معنى واحد هو استبدال الكم بالكيف، أو الرموز الرياضية بلغة الوصف المباشر، والاستقراء البسيط لتاريخ العلم، يؤكد أن العلم انقسم من حيث لغة التعبير العلمي إلي مرحلتين: المرحلة قبل العلمية ـ pre-Scientific وهي التي سادتها اللغة الوصفية الكيفية، ثم المرحلة العلمية Scientific التي استخدمت اللغة والأساليب الرياضية، فالعلم اليوناني القديم ـ مثلاً ـ كان يتعامل مع الظواهر الطبيعية من خلال صفاتها الحسية كالحار والبارد، أو الثقيل والخفيف، أما غالبية العلوم الطبيعية فقد وصلت إلي درجة عالية من الدقة في الوقت الحاضر، كعلم الفيزياء ، حتى أننا نكاد نجد كل التعبيرات الفيزيائية اليوم هي عبارة عن معادلات رياضية خالصة.
والمقابلة بين الصياغة الكيفية غير الدقيقة والصياغة الكمية الدقيقة تضع أمامنا مقارنة جيدة بين لغة العلوم ولغة الحياة الجارية، فلغة الحياة اليومية عادة ما تكون كيفية غير محدودة؛ لأن الإيقاع السريع لعجلة الحياة وعفويتها وطابعها العملي قد لا يتحمل الدقة الصارمة؛ لذلك كثرت في لغة التعامل اليومي الأساليب الغامضة، والتعميمات الخاطئة، وصور المجاز والتخمينات والإيحاءات المحيرة، تلك الأساليب التي طالما أثارت استياء ‘فرانسيس بيكون’ في نقده لأوهام السوق.
والواقع أن استبدال الصيغ الكيفية بأخري كمية دقيقة في التفكير العلمي، قد أدى إلى عدة نتائج منها :ـ
أـ استبعاد العناصر الذاتية كالميول والمبالغات وصور التحيز غير الواعي عند العلماء، بل كذلك استبعاد صور الخداع الحسي، نقول استبعادها من الصيغ التي يصف بها العلماء الظواهر موضوع بحوثهم.
ب ـ إبطال العمل بمبدأ السببية بمعناه الميتافيزيقي، ونقصد بذلك كونه علة فاعلة أو موجِدة أو كعلة غائية، وهذا لا يعني بالطبع إنكار السببية كعلاقة حقيقية بين الظواهر، ولكن نفي ما ينسب لها أحياناً من ضرورة عقلية أو ميتافيزيقية، تعطيها صفة القوة الخالقة لموضوعاتها، ومن ناحية أخرى فإن الظواهر التي يتعامل معها العلم اليوم أصبحت من التعقيد، بحيث بات من الصعب أن نبحث لها عن سبب واحد، أو حتى عدة أسباب، وإنما أصبحت نتاج عدد هائل من العوامل وما بينها من علاقات، بحيث لا يصلح للتعبير عنها غير اللغة الرياضية والارتباط الإحصائي.
الخلاصة في تلك القضية أن العلم لا يسعي إلى إلغاء فكرة السببية، بقدر ما يهدف إلى توسيعها وتطويرها، فهناك بالفعل ظواهر تقوم على علاقات بسيطة ومباشرة بين عامل وعامل آخر ناتج عنه، كالعلاقة بين جرثومة ما ومرض معين، حينئذ تظل فكرة السببية مستخدمة وذات فائدة بالنسبة للعلم، غير أن هناك ظواهر أخرى بلغت حدا من التعقيد وتداخل العلاقات ما يصبح معه توسيع علاقة السببية وتكميمها ضرورة لا مناص لها.
جـ ـ اكتساب الفرض العلمي دقة كبرة من خلال صياغته الرياضية، الأمر الذي يساعدنا كثيراً في حسمة بالصدق أو الكذب عند اختباره، ولا شك أن ذلك يضيف إلى العلم مزيداً من التراكمية والتقدم، فالطبيعة في جوهرها ذات خاصية كمية، وإنما تتحول إلي معرفة كيفية بعيدة عن الدقة من خلال إدراكنا الحسي لها، وتكميم الفرض العلمي إنما هو وضع للأمور في نصابها، وإعطاء الظواهر معناها الحقيقي.
د ـ تكشف الصياغة الكمية عن الوحدة بين المتمايزات، بمعني أن إدراكنا الحسي البسيط للظواهر يصور لنا الفروق الكمية على أنها اختلافات كيفية حقيقية، ومن ثم يمكننا القول إن الصياغة الكمية تمكننا من تحقيق أعلى مستوي من التعميم، فالألوان علي سبيل المثال ليست سبعة كما نعرف، وإنما هي عبارة عن درجات مختلفة على متصل كمي واحد.
هـ ـ يمكن القول إن الصيغ الكيفية تمثل أحكاماً مطلقة، والأحكام المطلقة لا يستطيع العلم التعامل معها، لأنه ببساطة لا يمكنه التحقق منها تجريبياً، ولولا ما يتصف به العلم من نسبية ما تسنى له أن يصل إلي ما وصل إليه من تطور، ونقصد بالنسبية هنا معنيين، الأول نفي الصدق المطلق أو اليقين التام للقانون العلمي، فالقانون العلمي مطلق الصدق أي الصادق بنسبة 100% ليس بقانون علي الإطلاق، فهو يعني أننا قد أحطنا بكل ما في الكون علماً، وهذا مستحيل عقلاً وفعلاً، علاوة على أن الصدق المطلق يعوق التقدم العلمي، لإننا حينئذ لن نحتاج إلي مزيد من البحث العلمي، أما المعني الثاني, فهو أن العلم يتعامل مع علاقات موضوعية قابلة للقياس, وليس مع انطباعات ذاتيه, فالعلم لا شأن له بمضمون الإدراك بل بهيكله , أى العلاقات التى يمكن قياسها وترجمتها إلي درجات ومعادلات, انظر مثلا إلي قول البعض , الجو اليوم حار , أو هذه الشجرة طويلة , فتلك الصياغات الكيفية لا يعرف المعلم كيف يتحقق منها , لأنها صيغ شخصية تعبر عن مضمون الأدراك , لا هيكلة أو علاقات التى تقوم علي المقارنة , فقولنا الشجرة طويلة معناه أنه لا يوجد أشجار على وجه الأرض إلا تلك الشجرة وحدها, ولا لقلنا إن هذه الشجرة أطول من تلك أو أقصر من الأخري ... وهكذا.
وثمة قضية مهمة فى هذا الصدد , وهي مدى نصيب العلوم الإنسانية من الصياغة الكمية الدقيقة لقضاياها, ومدى مطاوعة موضوعاتها أو ظواهرها للتكميم على النحو الذي نشاهده مثلا فى العلوم الدقيقة كالفيزياء والكمياء وغيرهما.
قبل الخوض فى تلك القضية , نؤكد أن هناك شرطين أساسيين , بدونهما لا تستقيم أية عملية يُراد بها تكميم المشاهدات, أو وضعها في قالبها الرياضي الضروري, الشرط الأول: هو شرط التماثل التام بين جميع مفردات أو جزئيات الظاهرة دون فروق أو اختلافات, فلا نقول مثلا هذه ذرة ذات اليكترونات وتلك بدون إليكترونات, وإنما جميعها متماثلة من حيث البنية والمكونات والعلاقات, ولا تختلف إلا من حيث عدد هذه المكونات, أما الشرط الثاني وهو نتيجة لازمة للشرط الأول فهو ‘ضرورة’ خضوع جميع مفردات او جزئيات الظاهرة لنفس القانون أو التعميم الواحد, وهذا التعميم يتم وفقا للاحتمالات المستقرة والمعمول بها للقانون العلمي فى صورته الحديثة.
والسؤال هنا إلى أى حد يمكن القول بتوافر هذين الشرطين في الظواهر أو الموضوعات التي تدرسها العلوم الانسانية , يمكننا القول إن هناك فريقين يتقاسمان الحوار حول هذه الاشكالية, الفريق الأول يؤكد أن هناك اختلافات حقيقية بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية, فالظواهر الإنسانية غير قابلة ـ غالبا - للترجمة إلى قضايا أو فروض لها صورة رياضية تساعدنا على حسمها تجريبيا, فموضوع العلوم الانسانية هو الانسان, الأمر الذي يجعل الباحثين معرضين للتأثر بالقيم الاجتماعية أو الأخلاقية والثقافية, وكذلك التقاليد مما يقلل من موضوعية نتائجها وإمكانية اكتسابها الدقة الرياضية, وقد لخص هذا الفريق دعواه كما يلي:
‘ لاشك أن الإنسان كموضوع للعلوم الانسانية, يتصف بصفتين هما العقل والحرية أو الارادة الحرة , أما صفة العقل فتنفي عنه صفة الآلية, أى أن يكون كائنا يتصرف على نحو يخضع معه خضوعا كاملا لمتطلبات الغريزة أو جانبه الحيواني وكأنه آلة مبرمجة, وهذا يعني استحالة التعميم بالنسبة لأى حكم عليه, اما صفة الحرية , فتعني استحالة التطابق التام للاستجابات السلوكية بين الناس حينما يكونون جميعا تحت نفس الأسباب أو المؤثرات , هذه الاستحالة تعود فتسري على الفرد الواحد ذاته , فقد يسلك الواحد منا نفس السلوك مئات المرات, استجابة لأسباب أو مؤثرات معينة, ثم فجأة, ولأسباب لا يمكن حسابها, نجد أنفسنا نغير استجاباتنا مع ثبات نفس المؤثرات , وهذا يعني انتفاء مبدأ الضرورة أو ثبات العلاقات, والتى بدونها لا حيلة لنا منطقيا فى عملية التعميم, ومن أجل ذلك, من الصعب صب الظواهر الانسانية في قوالب كمية رياضية, وإلا ضاعت من بين أيدينا الخصائص الجوهرية المميزة لهذه الظواهر, أي تتحول إلى ظواهر غير إنسانية.
أما الفريق الثاني , فيري أنه ليس ثمة فروق جوهرية بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية إلا في درجة التعقيد فحسب, وهي مسألة مرهونة بتقدم المناهج والتقنيات التي تأخذ بها العلوم الإنسانية, يبرهن أصحاب هذا الرأي على ذلك بأن العلوم الطبيعية الدقيقة قد مرت بنفس تلك المرحلة الكيفية, وصادفتها نفس العوائق التي تصادف اليوم المشتغلين بالعلوم الانسانية, بالتالي فإن القضية هي مسألة وقت تحتاجه العلوم الإنسانية لتطوير الأساليب الاحصائية , على نحو يمكّن المشتغلين بالعلوم الإنسانية من الألمام بكل عناصر الظاهرة ومفرداتها وما يحيط بها من متغيرات.
ويمكن القول بوجه عام إن العلوم الإنسانية يمكن أن تجمع في الوقت الراهن بين الجانبين الكمي والكيفي, حيث يكمل كل منهما الآخر, فالتحليل الجيد للظاهرة الاجتماعية , يتناول معطياتها الخارجية كما تتجلي من مؤشراتها الكمية والاحصائية, ويتعمق فى بنيتها الداخلية من خلال الكشف عن القيم الكامنة خلف المعطيات الخارجية الظاهرة.
2ـ التنظيم:
يتصف التفكير العلمي بالدرجة الأولي بأنه تفكير منظم, بمعني أننا حينما نتناول مشكلة معينة مهما يكن مجالها تناولاً علمياً, فإننا لا نطلق لأفكارنا العنان بحيث تتجه أنى شاءت بطريقة عفوية أو تلقائية, بل ترتب أفكارنا بطريقة منهجية منظمة , ونبذل جهداً واعياً مقصوداً للوصول لأفضل تخطيط ممكن للطريقة التى نبحثها بها , ولا جرم فى ذلك, فالنظام مرادف للعقلانية والعقل, ومرادف كذلك للتفكير المنطقي والمنهجي, وعندما أطلق اليونان لفظ ‘كوزموس’ Cosmos علي الكون, كانوا يقصدون التوافق والانسجام والنظام الموجود فى الطبيعة, والذي يمكن فهمه بالعقل, ومع ذلك, فتحقيق ذلك المطلب ليس بالأمر اليسير, إذ يفترض ذلك قدرتنا على التغلب على كثير من عاداتنا الشائعة, وعدم ترك أفكارنا تشرد طليقة من كل قيد, وضرورة التدريب على اخضاع تفكيرنا لإرادتنا الواعية, وتركيز عقولنا في الموضوع الذي نبحثه.
ويعد المنهج العلمي هو الطريقة العلمية والعملية الوحيدة التى ينظم بها العلماء أفكارهم, والمقصود بالمنهج العلمي هو ‘ الخطة الواعية التي تنظم أفكارنا بطريقة صحيحة, على نحو يتيح لنا الكشف عن حقيقة جديدة كنا بها جاهلين, أو البرهنة عليها حينما نكون بها عارفين’ وتعد صفة المنهجية ـ بهذا المعني ـ هي الصفة الأساسية للتفكير العلمي ! حتى أنه بوسعنا أن نعرف العلم بأنه ضرب من التفكير المنهجي المنظم , وبذلك نميزه عن أنواع التفكير الأخرى التي تفتقر إلى التنظيم والتخطيط.
وإذا كان المنهج هو العنصر الثابت فى التفكير العلمي , فهذا لا يعني بداهة ثبات المضمون, بل هو على العكس من ذلك في تغير مستمر, ولذلك فإن تعريف التفكير العلمي عن طريق منهجه, هو بمثابة الوقوف على أرض ثابتة, مادام المنهج يظل باقيا مهما تغيرت النتائج. ومع ذلك لا ينبغي أن نفهم القول بثبات المنهج العلمي على نحو خاطئ , فالمقصود بالثبات هنا هو ضرورة المنهج الدقيق والمنظم بالنسبة للتفكير العلمي, وليس جمود المنهج , فلا شك أن تطور مضمون العلم من عصر لآخر, لا بد أن يترك أثراً على عناصر المنهج وترتيبها المنطقي ووظيفة كل منها, هذا التغير فى البنية المنطقية للمنهج ليس متوقفا علي التطور الزمنى وحده, بل وكذلك على ما بين العلوم المختلفة من تباينات واضحة، نعم إن المنهج سمة أساسية لكل تفكير علمي، لكن النية الداخلية للمنهج وكذلك تطبيقات قواعده تختلف فى العلوم الطبيعية مثلا عنها فى العلوم الانسانية.
3ـ النسبية: Relativity
تتصف المعرفة العلمية بأنها نسبية, بمعنى أنها متغيرة بتغير الزمان والمكان, إن الحقيقة العلمية ‘حقيقة نسبية’, بمعني أنها ناقصة دوما, لا ينبغي لها يوما أن تصل إلى حد الاكتمال, فالحقيقة العلمية مهما يكن مجالها مرهونة بالمستوي المعرفي الذي بلغه العلم حتى الآن, والزعم بكمالها يعني أن الإنسان قد أحاط علماً بكل ما فى الكون, وهذا مستحيل, وتلك هي الروح الحقيقية للعلم, وسر تقدمه, فالمعرفة العلمية تتسم بالحركة والتقدم, وحيوية العلم انعكاس لحيوية الإنسان الذي أبدعه, ولن يتوقف التقدم العلمي مطلقا إلا إذا توقفت حياة مبدعه ذاته, وفي نفس الوقت, فإن هذه النسبية في الحقيقة العلمية دليل على قوة العلم, وليست دليلا على ضعفه.
إن العلم لا يعرف الحقيقة المطلقة أو الصدق المطلق , وذلك لأن القضايا التى يتم تجريدها عن واقع معين قد لا تصلح لواقع آخر مختلف, ومعنى ذلك أنها ذات ارتباط مباشر بالواقع لأنه هدفها الرئيسي, وبذلك تشكل المعرفة العلمية نسقا مفتوحا من المعاني على عكس الانسان المنطقية المغلقة التى تستمد صدقها من ذاتها , ومن ثم فإن المعرفة العلمية هي وحدها القادرة على استيعاب متغيرات الواقع المتجددة والمتنوعة.
إن نسبية الحقيقة العلمية أمر صحيح بالنسبة للزمان, وصحيح كذلك بالنسبة للمكان, فبالنسبة للزمان نجد أن مجموعة القوانين الراهنة التى تفسر جانبا من الطبيعة تعتبر ذات صدق مطلق بالنسبة للمرحلة الراهنة التى تمثلها، ولكنها لن تكون كذلك بالنسبة لمرحلة أخري قادمة, مثال ذلك أن فيزياء نيوتن كان لها صفة الصدق المطلق فيما بين القرنيين 18 ,19 حتى خُيل لبعض العلماء آنذاك أنهم وضعوا أيديهم على اليقين العلمي الكامل والذي لا ينتابه شك , وأن الأجيال القادمة لن تجد شيئا تضيفه, ولكن ما إن أطل القرن العشرون حتى تبخر ذلك اليقين, وحلت محله نظرية الاحتمالات, أما بالنسبة للمكان, فإن ما نعتبره حقائق علمية ثابته على كوكب الأرض, قد لا يكون كذلك بالنسبة لآي كوكب آخر في مجموعتنا الشمسية أو خارجها, مجمل القول إذن أن الحقيقة العلمية تكون لها صفة المطلق حينما تفرض نفسها على كل الجزئيات التي تتناولها, وعلى كل الحقول التي تتعامل معها, ومع ذلك فهي حقيقة نسبية لأنها مشروطة بمجال معين من الصدق لا ينبغي تجاوزه. الحقيقة إذن أن المعرفة العلمية لا تكف عن التطور, ومهما بدا فى وقت ما أن العلم قد وصل إلى رأي نهائي في موضوع محدد, فإن التطور سرعان ما يتجاوز هذا الرأى, ويستعين عنه برأى آخر.
إن النسبية تمثل سمة أصيلة فى المعرفة العلمية , وتمثل فى ذات الوقت إحدى الوسائل الهامة في تطور العلم وتقدمه, لأن الوصول لليقين المطلق يعني الوصول لنهاية العلم وتوقفه تماماً.
وثمة خصائص أخرى هامة للمعرفة العلمية نعرضها في المقال القادم بإذن الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*) ) هذه المقالات كانت في الأصل مجموعة محاضرات ألقيتها على طلاب قسم علم الاجتماع والفلسفة – كلية الآداب والعلوم – جامعة المرقب في ليبيا الشقيقة خلال العام الجامعي 2009/2010.
(**) اعتمدت في هذا الجزء بشكل أساسي على:
بدوي عبد الفتاح محمد، فلسفة العلوم : العلم ومستقبل الإنسان إلي أين ؟ دار قباء الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، طـ 3 . 2007.
علي ليلة، النظرية الاجتماعية المعاصرة: دراسة لعلاقة الإنسان بالمجتمع، دار المعارف، القاهرة، 1998
فؤاد زكريا، التفكير العلمي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد الثالث، 1978.
18-02-2015
|