أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4750
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
دفن البارحة الجمعة 18 ماي 2017 بعد أن أسلم الروح إلى خالقها الحاج الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي التي نشرت عيون الأصول والمصادر التي تهمّ منطقة المغرب العربي، ومعرفتي بالمرحوم تعود إلى سنوات بعيدة أيام كان معرض الكتاب يقام في مقر الشركة التونسية للتوزيع في شارع قرطاج وكان هو المسؤول عن توريد الكتب
ورغم أن المرحوم من ذوي النفس الإسلامي واليوسفي سياسة إلا أنه كان منفتحا على باقي المدارس السياسية والفكرية، أيامها راجت كتب دار الطليعة وابن خلدون والحقيقة والفارابي وغيرها من الدور اليسارية التي أدّت أدوارا مهمّة في تكوين جيل السبعينات والثمانينات بما نشرت من ترجمات ونصوص أصلية
وأيامها كذلك عَرفت أسماء صادق جلال العظم والعفيف الأخضر وجورج طرابيشي والناجي علوش وغيرهم من قادة العمل السياسي والفكر اليساري، وتمرّ الأيام فتنتقل إدارة معرض الكتاب إلى وزارة الثقافة وتفلس الشركة التونسية للتوزيع ليتحوّل المرحوم إلى لبنان ويؤسّس دار الغرب الإسلامي ناشرة عشرات المجلدات والعناوين التي تناولت بالتأريخ لأقطار المغرب العربي جميعها من مختلف النواحي الحضارية والثقافية والسياسية، ففيما يخصّ تونس يكفي أن أذكر أنه نشر كتب الثعالبي جميعها باستثناء واحد كما نشر كتاب الجغرافيا للبشير صفر وتراجم المؤلفين التونسيين لمحمد محفوظ وكتاب العمر لحسن حسني عبد الوهاب في طبعته الأولى بالاشتراك مع بيت الحكمة وعنوان الأريب لمحمد وعلي النيفر ومسامرات الظريف وأعاد نشر المجلة الزيتونية كاملة وأطاريح الدكتوراه التي كتبت بالفرنسية وتناولت بالتأريخ لتونس في عهود مختلفة فعرّبها حمادي الساحلي في سلسلة تضمّ كتب محمد الطالبي والهادي روجي إدريس وروبير برنشفيك وفرحات الدشراوي....
ويضيق المجال عن تعداد أفضال المرحوم على الثقافة في هذه البلاد حيث اضطلع بمهام عجزت مؤسّسات الدولة بما يتوفر لها من إمكانيات عن القيام بها كل ذلك بجهد فردي وبعلاقات شخصية نسجها طوال اشتغاله بمهنة الكتاب، وقد يتساءل المرء ما السرّ في نجاح الرجل في مهنة من أصعب المهن؟،
من خلال معاشرتي للرجل وقد سافرت معه المرات المتعددة أيام كنت مسؤولا عن رقابة الكتاب في وزارة الداخلية وشاهدت تعامله مع الموزعين وغيرهم من أرباب هذه المهنة فلاحظت أن رأس ماله الذي مكنه من الثبات في هذا السوق وفتح المغلقات أمامه تمثل في الثقة والأمانة التي كان يتحلى بها فالرجل لم يكن لديه سوى فاكس في بيته ومن خلاله يدير أعماله، بجانب هذا كان يمتلك حسًّا ثقافيا ومعرفة بالكتاب قلّ أن تجدها لدى غيره فقد جمع في مكتبته حوالي 60 ألف كتاب و2000 مجلة وعدد كبير من المخطوطات والمنشورات العربية والأوروبية في طبعاتها الأولى، مكتبة أفنى حياته ليجمع فيها من النوادر الشيء الكثير وقرّر إهداءها إلى المكتبة الوطنية وكان حريصا على حفظ دررها بتسفيرها جميعها في لبنان وقد عاينت قائمات الكتب التي كانت تصل إلى تونس بعد إتمام ذلك وقد اشترط على وزارة الثقافة إعداد محل خاص بها ولكن يبدو أن المسائل توقفت عند هذا الحد ولا أدري ما الذي يمكن أن يحدث لها بعد وفاته، كان الفقيد مغرما بالشيشة التي لا تفارقه في حله وترحاله رحمه الله وغفر له وأسكنه فراديس جنانه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: