أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4144
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في جواب للشيخ عثمان بطيخ مفتي الجمهورية عن سؤال حول استعمال آية قرآنية عنوانا لمسرحية قال في جريدة الصريح بتاريخ 21 فيفري 2017: "لا يجوز استعمال آيات قرآنية في عنوان مسرحية أو فيلم وهذا غير مقبول ومرفوض أصلا".
تنحلّ هذه المسألة إلى شعبتين الأولى منهما تهمّ الشيخ المفتي والثانية تخصّ الجهة التي أثارت المسألة وهي المسماة بنقابة الأئمة نتناولهما فيما يلي:
الشيخ المفتي
يحمل الشيخ عثمان صفتين فهو مواطن كأي مواطن آخر له نفس الحقوق والواجبات ولكنه في نفس الوقت يحمل صفة رسمية مضافة فهو مستشار الدولة في المسائل التي لها علاقة بالدين الأمر الذي يفرض عليه أن يفصل بين آرائه الشخصية التي يستساغ فيها استعمال ألفاظ دون تعليل وبين موقف الشرع الذي يجب أن يكون مسنودا إلى نصّ أو قاعدة فقهية، ففي حالتنا هذه نجد أن المفتي جانب الصواب من ناحيتين:
1) ليس هنالك نصّ يحرّم استعمال الآيات القرآنية في غير العبادة، إذ درج الأدباء والفنانون طوال القرون الماضية على تضمين القرآن في نصوصهم ولم نجد اعتراضا على ذلك من أي من العلماء المشهود لهم.
2) حول الحرف العربي نشأ فن الخط الذي اشتهر به المسلمون وأبدعوا فاستخدموا الآيات القرآنية لزخرفة المساجد والبناءات والمقابر وغيرها وهو أمر استحسنه الكثير من العلماء الذين يعتدّ بهم.
ولأن استعمال الآيات القرآنية بغرض الزينة أو الإشهار لا يخالف نصًّا شرعيا أو قاعدة أصولية ولا يفوّت مصلحة أو يجلب مفسدة أصبح استعماله دارجا في عموم البلاد الإسلامية ولم يعد يثير استغراب ذوي النفوس السليمة واندرج ضمن العرف الذي هو أصل من أصول استنباط الأحكام في الشرع وقد عرّفه الجرجاني بقوله: "ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول وهو حجّة أيضا ولكنه أسرع إلى الفهم"(1) هذا الأصل مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله أمر حسن"(2) ويقول السرخسي في المبسوط: "الثابت بالعرف كالثابت بالنص"(3) الأمر الذي يعني أن العرف دليل يعتمد عليه حيث لا نصّ، والذي نخلص إليه أن جواب الشيخ المفتي لم يقع تأصيله شرعيا ولا يمكن أن ندرجه إلا في باب الخواطر المنفلتة.
ما يسمى نقابة الأئمة
الجهة التي أثارت هذا الموضوع تسمى نقابة الأئمة وهذا النوع من التنظيمات بدعة ما أنزل الله بها من سلطان إذ اتفق العلماء جميعا على أن الطاعات التي يختصّ بها المسلم كالإمامة والآذان وغيرهما لا يجوز فيها الاستئجار لأن المقصود من العبادة هو إظهار الطاعة والانقياد لله تعالى وليس الحصول على الأجرة، غير أن بعض الفقهاء جوّز ذلك للفقراء لأن الناس امتنعوا عن تعليم القرآن وغيره إلا بأجرة قال ابن عابدين في رسالته نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف: "فمن ذلك إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في الصدر الأول ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم وكذا على الإمامة والأذان كذلك مع أن ذلك مخالف لِما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من عدم جواز الاستئجار وأخذ الأجرة عليه كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن ونحو ذلك"(4) لتعمّ البلوى وينتشر النفاق والانحراف بالعبادات من أداة لطاعة الله إلى وسيلة في العراك السياسي فقد سبق لهذه النقابة أن منعت المسلمين من أداء صلاة الجمعة المرّات المتعددة وهو أمر محرّم شرعا وذلك بحجة الاعتراض على قرار بعزل شخص تبيّن أن خطابه لا يخدم مصالح الأمة بل مصالح نِحلة فيها ويعلم كل من يمتلك ذرّة من المعرفة بالفقه أن الإمام في الصلاة يُعيِّنه الحاكم ولو اشتهر بالفسق ولا يُعيِّنه العامة لأن الإمامة في الصلاة تختلف عن الرئاسة في حزب أو جمعية، بهذا الأسلوب تحوّلت العبادة من قربى إلى الله تعالى إلى أداة احتراب في الخصومات السياسية وممّا ساعد على ذلك الهوان المعرفي الذي عليه هؤلاء الذين افتعلوا هذه القضية لأنهم لو كانوا يملكون ذرّة من المعرفة بالدين لما تجرّؤوا على الدعوة إلى منع ما لم يمنع الشرع العزيز.
والمستفاد مما ذكر أن الموضوع الذي أثار ضجة في الفترة الأخيرة هو موضوع سياسي بامتياز ولا علاقة له بالدين إلا من ناحية استخدام صفة الإمامة لإبكات الخصوم وإسكاتهم واللافت للانتباه أن مثيري هذه الفتنة الجاهلة الجهولة إنما يتوسلون بالعامة والدهماء والغوغاء ممّن يعتقدون في صلاحهم لتحقيق مآرب سياسية لا تخفى على كل ذي عينين ولو كان ذلك على حساب الدين والمصلحة.
---------
الهوامش
1) "التعريفات" للجرجاني، الدار التونسية للنشر 1971، ص80.
2) رواه أحمد بن حنبل.
3) "المبسوط" لشمس الدين السرخسي، مطبعة السعادة، ط1 1321هـ و1324هـ، 15/172 و173.
4) "مجموعة رسائل ابن عابدين" دار إحياء التراث العربي، بيروت دون تاريخ، 2/123 و124.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: