ردًّا على محمد الغرياني آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديموقراطي
أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4066
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يُجهد كبار المسؤولين في النظام السابق أنفسهم على التفصّي من مسؤولياتهم التاريخية التي أدّت بالوطن إلى ما هو عليه من إفلاس وهوان، ذلك أن الرئيس السابق وإن كان يتحمّل الشطر الأكبر فيما آلت إليه الأوضاع فإن معاونيه الذين اختارهم خصوصا في العشر سنوات الأخيرة من حكمه كان أداؤهم كارثيا ودون ما تقتضي المصلحة الوطنية، فجلهم إلا من رحم ربك لم يتجاوزوا ممارسة الدور الوضيع للمخبر في إداراتهم ووزاراتهم فكلّ من أبدى رأيا مخالفا لِما هو رسمي أو نبّه إلى خلل ما فإن جزاءه هو التجميد في أفضل الأحوال لتخلو الساحة إلا ممّن لا يردون يد لامس ومن لم يكن لهم من دور سوى التنفيذ حتى وإن كان ذلك على حساب الوطن، والناظر في الجماعة التي كانت حول الرئيس أيامها ودون ذكر أسماء كانت من هذا النوع الأمر الذي أدّى بفساد مشورته إلى أخطاء قاتلة مميتة، كل الأنظمة في الدنيا تعمل على جمع المنتسبين والأصدقاء حولها بما لها من وسائل ترغيب من ناحية ومن ناحية أخري تعمل على تفتيت جبهات الخصوم وتحييدهم إن أمكن، هذه القاعدة التي يعتمدها كل العقلاء عمل نظام السابع من نوفمبر خصوصا في العشر سنوات الأخيرة عكسها تماما فحتى الأصدقاء جعل منهم أعداء إما علنا أو سرًّا أمّا المنافسون ممّن يلتقون معه في الخيارات الكبرى كالمحافظة على النمط المجتمعي السائد والدفاع عن مكاسب الاستقلال فقد نكل بهم لمجرّد كلمة هنا أو موقف هناك ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما حدث للمرحوم سمير العيادي الذي بمجرّد أن أمضى عريضة مساندة لعرض مسرحية (خمسون) حتى عزل من وظيفة مستشار لدى وزير الثقافة لينزل مرتبه إلى أقل من الربع ويموت بعدها قهرا، هذه النوعية من المسؤولين التي كانت تحكم هي التي ظهرت منذ مدّة معتذرة عن الوضع السابق ومدافعة عن الحالي فتارة يخرج علينا أحدهم بكذبة مفادها أن ابن علي قرّر أن يغتال الزعيم بورقيبة مسموما وتارة يخرج أحدهم للقول بأن حزب حركة النهضة بريء من جريمة باب سويقة وهكذا تتوالى الأكاذيب وآخرها استمعت إليه في قناة التاسعة يوم 13 جانفي 2017 حيث استضاف المقدم آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي محمد الغرياني الذي لم يتوقف منذ أن خرج من السجن على نشر التحاليل الفاسدة والأخبار المكذوبة بنيّة العودة إلى المناصب من خرم ثورجيي 14 جانفي، قلت في هذه الحصة ادّعى الغرياني أنه منع لوحده وبقرار منه خروج مظاهرات يوم 14 جانفي دون عودة إلى الرئيس وفي تقديري أن المذكور بما اختلق يغازل الثورجيين بالإيهام بأنه ساهم هو الآخر في أحداث اليوم المذكور ولكن من الصف المقابل وكأني به يقول إنني بخيانتي لرئيسي وحزبي ساهمت في إنجاح "ثورتكم"، والحال أن مثل هذا الكلام تكذبه الوقائع وطبيعة النظام ذاته وبيان ذلك:
1) ليس هنالك في الدولة أيام حكم ابن علي من يتخذ قرارا دون العودة إليه أو إلى أقرب مساعديه لاستشارته وهو أمر معلوم يكفي أن أذكر أنه في مراقبتي للكتب لم أكن أتخذ أي قرار في كل الكتب التي تخصّ الرئيس أو الزعيم بورقيبة بل كانت تحال إلى القصر مصحوبة بتقاريرها في انتظار ما يتخذ في شأنها ومن ذلك كتاب المرحوم محمد الشرفي عن الإسلام والحرية الذي اقترحت السماح برواجه ولكنه بقي مصادرا إلى ما بعد خروجي من وزارة الداخلية، كما يستشهد المحامون بإمضاء الرئيس السابق حتى في تحديد منابات الشركات في السيارات المسندة إليها وفي الأراضي والمقاطع وفي نقل الطلبة إلى كليات الطب وغيرها، إن حدث هذا مع كتاب أو سيارة أو تسجيل في جامعة فهل نصدق الغرياني لمّا يدعي أنه اتخذ قرارا بهذه الخطورة لوحده دون العودة إلى الرئيس، إنها الشجاعة المتأخرة التي تظهر في غير وقتها.
2) بعد خطاب الرئيس يوم 13 جانفي خرجت مظاهرات ليلية نظمها التجمع في العاصمة وفي غيرها ونشرت صوَرها في آخر عدد لجريدة الحرية يوم 14 منه وقد تندّر الناس أيامها بأن السيارات كانت حاملة للوحات زرقاء ممّا يشير إلى أن المظاهرة ذاتها تدخل في إطار الشغل المدفوع الأجر راكبا ومركوبا، فقول الغرياني بأنه منع خروج مظاهرات يوم 14 حقنا للدماء كلام مكذوب فيومها ابتدأ تنفيذ القرار إبعاد الرئيس، ثم كيف يصدق عاقل أن حزبا ينظم مظاهرة في العاشرة ليلا ثم يثنيها بعد ساعات بأخرى صباحا؟
3) التجمع أيامها كان في أضعف حالاته إذ لم يكن قادرا على فعل أي شيء فمنذ 17 ديسمبر 2010 إلى يوم ترحيل الرئيس لم نسمع أي ردّ فعل للحزب باستثناء بيانات تحرّر في المكاتب لأنه أصبح جهازا خاويا من أي بعد نضالي أو سياسي وهو ما عبر عنه الغرياني بقوله "كنا حزبا حاكما ولكننا لم نكن نحكم" فتعيين كبار المسؤولين لم يكن يخضع لترشيح من الحزب بل كان يتمّ خارجه وبذوات لا علاقة لها بالدولة أو السياسة بل كل همّها الحصول على المنافع الأمر الذي أدّى إلى غضب مكبوت داخله وجعل منه جثة في حالة وفاة كما قال أحدهم.
قال ابن خلدون: "وتبقى الدولة قائمة على الوهم وقلة المُطالب" وهو ما حدث إلى أن جاء شذاذ الآفاق وشواذ الأخلاق.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: