د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7695
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ثانيا : تعريف الغفلة والنسيان والفرق بينهما :
ولعل من المناسب هنا أن نحدد تعريف الغفلة والنسيان لغة واصطلاحا والفرق بينهما – حتى نكون على بينة بحدود وماهية الموضوع الذي نتحدث عنه - وذلك على النحو التالي :
تعريف الغفلة لغة واصطلاحا:
الغفلة في اللغة :
الغفلة " مصدر" كما جاء في معاجم اللغة، يقال " غفل عن الشيء يغفل غفلة وغفولا " (1)، والغفلة لغة : السهو عن الشيء، ولذلك قال ابن فارِس في معجم مقاييس اللغة : " (الغين والفاء واللام ) أصل صحيح يدل على تَرك الشيء سهوا، وربما كان عن عمد، من ذلك غفلتُ عن الشَّيْءِ غَفْلَةً وغُفُوْلاً، وذلك إذا تَرَكْتَه ساهياً، وأغْفَلْتَه إذا تَرَكْتَه على ذُكرٍ منك له " ( أي تركته عامدا ) (2)
وقيل : الغفلة غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالاً وإعراضاً كما في قوله تعالى ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ) ( الأنبياء:1 ) (3) .
الغفلة في الإصطلاح :
وفيما يتعلق بتعريف الغفلة اصطلاحاً : قال (المناوي) : الغفلة فقد الشعور بما حقه أن يشعر به (4)، وقال (الراغب الأصفهاني ) : الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ (5)، وقيل: متابعة النفس على ما تشتهيه، وقال ( الكفوي ) : الغفلة عدم إدراك الشيء مع وجود ما يقتضيه(6)، وقال ( البَغَوِي ) في تفسيره : "هي معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور"(7)، وأَوْرَدَ ( الشَّوْكَانِي ) تعريفاً لها في تفسيره فقال: "الغَفْلَةُ: ذهابُ الشَّيْء عنك لانشغالك بغيره" (8)
تعريف النسيان :
النِّسيان في اللغة :
النسيان بكسر النُّون : خلاف الذِّكر والحفظ، ورجلٌ نَسيان (بفتح النون) : كثير النِّسيان للشَّيء، قال ( ابن فارس ) : "النُّوْن والسِّين والياء أصلان صحيحان يَدُلُّ أحدهما على إغفال الشَّيْءِ، والثاني على ترك الشَّيْءِ (9)،
النِّسيان في الإصطلاح:
وأما النسيان اصطلاحا فقد عُرِّفَ بتعاريف متعددة نذكر منها:
قول ( الرَّاغِب الأصفهاني ) : "هو ترك الإنسان ضبط ما استودع، إمَّا لضعف قلبه، وإمَّا عن غفلة، وإمَّا عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذِكْره " (10)
وعرَّفه ( الجرجاني ) بأنَّه الغفلة عن معلوم في غير حالة السِّنة (11)،
وقيل في تعريف النسيان : إنه " أمر يعرض للعقل، فيصرفه عن تذكر مطلوب، أوعن فعل أمر لازم" (12)
وثمة رأي آخر يرى أن النِّسيان: هو ضدُّ الذِّكْر والحِفظ، والنِّسيانُ: الترك (13)،
والنِّسْيُ: ما نُسِي وما سَقَط في منازل المُرتحلين من رُذال أمتعتهم، وفي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «وَدِدْتُ أني كنتُ نِسياً مَنْسِيّاً» أي: شيئاً حقيراً مُطَّرَحاً لا يُلْتفت إليه)(14).
الفرق بين الغفلة والنِّسيان:
بعد بيان معنى كل من الغفلة والنِّسيان في اللغة والإصطلاح، يتضح الفرق بينهما، وزيادة في الإيضاح نذكر بعض الفروق والتي منها :
- أن النِّسيان زوال الصورة عن القوة المدركة مع بقائها في الحافظة، والسهو زوالها عنهما معاً، وقيل: غفلتك عمَّا أنت عليه لتفقده سهو، وغفلتك عمَّا أنت عليه لتفقد غيره نِسْيان (15)، فكأنَّ الغفلة عامة تشمل الأمرين معا،
وقيل: إنَّ الغفلة عبارة عن عدم التفطن للشِّيء وعدم عقليته بالفعل سواء بقيت صورته أو معناه في الخيال أو الذكر، أو انمحت عنه إحداهما، وهي بذلك أعمُّ من النِّسيان، لأنه عبارة عن الغفلة عن الشَّيْء مع انمحاء صورته أو معناه بالكلية، ولذلك يحتاج الإنسان إلى تجشم ( جُهد ) كبير جديد وكلفة في تحصيله ثانياً (16)،
- وعن ( الآمدي ) : أنَّ الغفلة والنِّسيان عبارات مختلفة، لكن يقرب أن يكون معانيها مُتَّحِدَة، وكلُّها مضادَّة للعلم بمعنى أنَّه يستحيل اجتماعهما معاً (17)،
وهذا هو الظاهر، فإنَّ المعاني متَّحِدة، ثم إنَّ الغفلة اسم عام، فكل نِسْيَان غفلة، وليس كل غفلة نِسْيَان.
هذا ومن الواضح ان الغفلة امر غير اختياري، لأنه من غير المعقول أن يغفل الإنسان بارادته، نعم التغافل أمر ارادي،
( يتبــــــــــــــــع )
=========================
الهوامش :
======
(1) - إسماعيل بن حمَّاد الجَوْهَري (ت . 393 هـ ) : " الصِّحاح – تاج اللغة وصحاح العربية "، تَحْقِيْق أحمد عبد الغفور عطَّار، طبع دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية 1399هـ - 1979م، ج5، ص : 1782 مادة "غَفَلَ"
(2) - أحمد بن فارس (ت، سنة 395هـ ) : " معجم مقاييس اللغة "، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان، ج4، ص : 386،
(3) - صالح بن عبد الله بن حميد (مشرف ومحرر ) : " نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة، ط 4، ج11، ص : 5098
(4)- الإمام المناوى : " التوقيف على مهمات التعارف "، تحقيق : عبد الحميد حمدان، عالم الكتب، القاهرة، 1905م
ص540 .
(5) - الرَّاغِب الأصفهاني : " مفردات ألفاظ القرآن "، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية،بيروت، الطبعة الثانية 1418هـ - 1997م، ص:609،مادَّةُ " غَفَلَ "،
(6)- - أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي : " الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية "، تحقيق : عدنان درويش - محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1419هـ - 1998م، ص 506 .
(7) - الإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي : " تفسير البغوي معالم التنزيل " تحقيق محمد عبد الله النمر وآخرون، دار طيبة للنَّشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1414هـ - 1993م، ج4، 358
(8) - محمد بن علي بن محمد الشَّوكاني (ت. سنة 1250هـ ) : " فتح القدير الجامع بين فَنَّي الرِّوَاية والدِّرَاية من علم التفسير " ، تحقيق : سعيد محمد اللحَّام، طبع دار الفكر، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1412هـ - 1992م، ج2، 272
(9) - أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا : " معجم مقاييس اللغة "، تحقيق : عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، القاهرة، 1399هـ - 1979م، ج 5، ص : 421، مادة :" نسي "
(10) – الراغب الأصفهاني : " مفردات ألفاظ القرآن " مرجع سبق ذكره، ص :803، مادَّةُ "نَسِيَ".
(11) - علي بن محمد الجرجاني ( ت . 816) : " كتاب التعريفات "، تحقيق ابراهيم الابياري، دار الكتاب العربي ، بيروت، 1405هـ، ص :167
(12) - محمد أحمد كنعان : " أزمات الشباب أسباب وحلول"، دار البشائر، بيروت لبنان، 1990 م، ص : 37
(13) – إبن منظور : " لسان العرب "، دار صادر، بيروت، ط3، 1994م، مجلد : 15، ص : 322
(14) إبن منظور : " مرجع سبق ذكره "، مج 15، ص : 322،
(15) - أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي : " الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية "، تحقيق : عدنان درويش - محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1419هـ - 1998م، ص 506.
(16) - هنريكوس لا منس اليسوعي : " فرائد اللغة "، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، 1889م، ج1، ص :235
(17) – أنظر :
- التهانوي : " كَشَّاف اصطلاحات العلوم والفنون "، مكتية لبنان، ط1، 1966م، ج6، ص : 1337
- أبو هلال العسكري : " معجم الفروق اللغوية "، تحقيق محمد ابراهيم سليم، دار العلم والثقافة، القاهرة، 1997م
، ص 389.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: