البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص

كاتب المقال أ. د/ احمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 10327


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


" وقصص القرآن أحسن من قصص غيره، من جهة حسن نظمه وإعجاز أسلوبه، وبما يتضمّنه من العبر والحكم، فكلّ قصص في القرآن هو أحسن القصص في بابه، وكلّ قصة في القرآن هي أحسن من كلّ ما يقصّه القاصّ في غير القرآن، وليس المراد أحسن قصص القرآن حتى تكون قصّة يوسف عليه السّلام أحسن من بقيّة قصص القرآن كما دلّ عليه قوله : بما أوحينا إليك هذا القرآن "
( ابن عاشور )

الوقفة الأولى : نحن نقص :
معنى القصص :
الوقفة الثانية : أحسن القصص :
من دروس وفوائد الآية :

الحلقة الرابعة :

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }( الكهف : 1 )، وأشهد ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللَّهُمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً وهدىً يا ربَّ العالمين، واهدنا لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللَّهُمَّ وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك، وثبِّتنا على الصِّراط المستقيم حتَّى نلقاك، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنَّا يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيُّوم،

أما بعد :

ذكرنا أن سورة " يوسف " على نبينا وعليه الصلاة والسلام مليئة بالعظات البليغات، والدروس النافعات، والعبر البينات، فلهذا تعتبر بحق " أحسن القصص " كما يرى بعض العلماء،

وإن موعدنا في هذه الحلقة مع الآية الثالثة من سورة يوسف، ونسأل الله تعالى أن يفتح علينا فيها فتوح العارفين، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما،
- فمع قوله تعالى :{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }( يوسف : 3 )، والآية كما نلاحظ آية خبرية، والمعنى أن الله تعال مخاطبا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح السورة بالأحرف المقطعة، وبعد أن أثبت أن ما نزل في قصة يوسف إنما هو آيات الكتاب المبين، وكيف أن هذا القرآن أنزله الله قرآنا عربيا كي يعقلوا ما فيه من الآيات والأخبار، بعد ذلك يقول : نحن نقصُّ عليك - أيها الرسول - أحسن القصص الواقعى النافع في شتى نواحي الحياة، بوحينا إليك هذا القرآن، وإن كنت قبل إنزاله عليك، وإيحائه إليك لمن الغافلين عن هذه الأخبار، وهذه القصة، لا تدري عنها شيئًا، فلم تخطر لك ببال، ولم يسبق لك بها علم،

والناظر إلى هذه الآية يمكن أن تثور في ذهنه عدة تساؤلات لعل أهمها :

- لماذا بدأت الآية بضمير العظمة (نحن ) ؟
- ما معنى ان قصص القران أحسن القصص ؟
- ولماذا كان قصص القرآن هو أحسن القصص ؟
- ما علاقة أحسنيته بكونه موحى به على محمد صلى الله عليه وسلم ؟
- وهل في تصدير قصة يوسف بهذه الآية ما يشير الى انها احسن قصص القران ؟
وكمحاولة منا للإجابة على تلك التساؤلات فإن لنا بعض الوقفات مع تلك الآية الكريمة في ضوء ما جاء في كتب التفسير، وكذلك في ضوء كتابات بعض العلماء والمفكرين حول تلك السورة المباركة، وذلك على النحو التالي :

الوقفة الأولى : نحن نقص :

- هنا نلحظ أولا أن الله تعالى بدأ الآية الكريمة بقوله " نحن "، فالحق سبحانه وتعالى يتحدث عن نفسه بضمير العظمة، ومن العظيم سوى الله، فقال " نحن "، ولم يقل " أنا " أقص، وإنما " نحن " نقص، هكذا بضمير العظمة ليشعرك أن هذا الكلام، وهذا القصص ليس ككلام البشر، ولا كقصص البشر، وإنما هو كلام وقصص صاحب العظمة المطلقة، والكبرياء المطلق، والعلو المطلق، والعزة المطلقة، جل جلاله وعز سلطانه وتقدست أسماؤه (1)،

ويقول " الشيخ الشعراوي " في خواطره (2)، " ....حين يتحدث الحق سبحانه عن فعل من أفعاله ؛ ويأتي بضمير الجمع؛ فسبب ذلك أن كل فعل من أفعاله يتطلب وجودَ صفات متعددة؛ يتطلب : علماً؛ حكمة؛ قدرة؛ إمكانات، ومَنْ غيره سبحانه له كل الصفات التي تفعل ما تشاء وقْتَ أن تشاء؟ لا أحد سواه قادر على ذلك؛ لأنه سبحانه وحده صاحب الصفات التي تقوم بكل مطلوب في الحياة ومُقدَّر،
لكن تجدر الإشارة إلى أن الله تعالى حين يتكلم سبحانه عن الذات؛ فهو يؤكد التوحيد فلا تأتي بصيغة الجمع، يقول تعالى : { إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني وَأَقِمِ الصلاة لذكري } ( طه : 14 )، وهنا يتكلم سبحانه بأسلوب يعبر عن أفعال لا يَقْدر عليها غيره؛ بالدقة التي شاءها هو سبحانه فيقول : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص . . . } ( يوسف : 3 )، وحدد سبحانه أنه هو الذي يقصُّ، وإذا وُجِد فعل لله؛ فنحن نأخذ الفعل بذاته وخصوصه ؛ ولا نحاول أن نشتق منه اسماً نطلقه على الله ؛ إلا إذا كان الفعل له صفة من صفاته التي عَلِمْناها في أسمائه الحسنى؛ لأنه الذات الأقدس، وفي كل ما يتعلق به ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً إنما نلتزم الأدب؛ لأننا لا نعرف شيئا عن ذات الله إلا ما أخبرنا الله عن نفسه، لذلك لا يصح أن نقول عن الله أنه قصَّاص، بل نأخذ الفعل كما أخبرنا به، ولا نشتق منه اسماً لله؛ لأنه لم يصف نفسه في أسمائه الحسنى بذلك، والواجب أن ما أطلقه سبحانه اسماً نأخذه اسماً، وما أطلقه فعلاً نأخذه فعلاً .

معنى القصص :

القصص هنا بمعنى الاقتصاص أي طريقة القص والتتبع والرواية، أو القصص بمعنى المقصوص والمروي،
وأصل القص لغة : تتبع الأثر، يقال : قصصتُ أثره : أي تتبعته، والقصص مصدر، قال القرآن الكريم : { فارتدا على أثارهما قصصا }، أي رجعا يقصان الأثر الذي جاءا به، وقال على لسان أم موسى { وقالت لأخته قصيه }، أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه، والقصص كذلك : الأخبار المتتبعة قال القرآن { إن هذا لهو القصص الحق }، وقال : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب }، والقصة : الأمر، والخبر، والشأن، والحال، وقصص القرآن : أخباره عن أحوال الأمم الماضية، والنبوات السابقة، والحوادث الواقعة، وقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي، وتاريخ الأمم، وذكر البلاد والديار . وتتبع آثار كل قوم، وحكى عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه، قال الشيخ محمد بن عثيمين: القصص والقص لغة : تتبع الأثر، وفي الاصطلاح : الإخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعضًا، وقصص القرآن أصدق القصص لقول القرآن : { ومن أصدق من الله حديثًا }، وذلك لتمام مطابقتها للواقع، وأحسن القصص لقول القرآن : { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن }، وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى، وأنفع القصص لقول القرآن : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }، وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق (3)،
ويزيد " الشعراوي " الأمر بيانا حول معنى القصص فيقول : " ...إن كلمة " قص " في العربية تعني الإتباع، وقال بعض العلماء : إن القصة تُسمَّى كذلك لأن كل كلمة تتبع كلمة، ومأخوذة من قَصَّ الأثر، وهو تتبع أثر السائر على الأرض، حتى يعرف الإنسان مصير مَنْ يتتبعه ولا ينحرف بعيداً عن الاتجاه الذي سار فيه مَنْ يبحث عنه، واقرأ قول الحق سبحانه : { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ( القصص : 11 )، و { قُصِّيهِ . . . } أي : تتبعي أثره، إذن : فالقَصُّ ليس هو الكلمة التي تتبع كلمة، إنما القَصُّ هو تتبُّع ما حدث بالفعل .
ويعطينا الحق سبحانه مثلاً من قصة موسى عليه السلام مع فتاه : { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصخرة فَإِنِّي نَسِيتُ الحوت وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ واتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر عَجَباً * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً } ( الكهف : 63 - 64 )، أي : تَابَعا الخطوات، وهكذا نعلم أن القص هو تتبُّع ما حدث بالفعل، فتكون كل كلمة مُصوِّرة لواقع، لا لَبْسَ فيه أو خيال ؛ ولا تزيُّد، وليس كما يحدث في القصص الفنيِّ الحديث ؛ حيث يضيف القصَّاص لقطاتِ خيالية من أجل الحَبْكة الفنية والإثارة وجَذْب الانتباه، ويؤكد على تميز القصص القرآني وتفرده فيقول : " أما قصص القرآن فوضْعُه مختلف تماماً، فكلُّ قَصص القرآن إنما يتتبع ما حدث فعلاً؛ لنأخذ منها العبرة؛ لأن القصة نوع من التاريخ ، والقصة في القرآن مرةً تكون للحدث، ومرَّة تكون لتثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم تَأْتِ قصة رسول في القرآن كاملة، إلا قصة يوسف عليه السلام " (4)

الوقفة الثانية : أحسن القصص :

- لفظ الحسن : يأتي أحيانا بمعنى الجميل، ويأتي أحيانا أخرى بمعنى الجيد النافع المفيد،

- وفي ضوء هذا المعنى فإن كون القرآن احسن القصص إنما يعني : أنه أحسنه وأجمله شكلا، وأجوده وأنفعه مضمونا، ولا عجب في ذلك فمنزله هو الله جل جلاله، وهو أحكم الحاكمين، والأعلم والأخبر بما يصلح عباده في المعاش والمعاد،
قال : " طنطاوي " (5): " وانما كان القرآن أحسن القصص، لاشتماله على أصدق الاخبار، وأبلغ الاساليب واجمعها للحكم والعبر والعظات،

واختلف العلماء والمفسرون حول المقصود بأحسن القصص هنا هل هو القرآن الكريم إجمالا، أم المقصود هو قصة يوسف ؟

فمن العلماء من قال : أن المقصود بأحسن القصص هو القرآن الكريم ( أي قصص القرآن الكريم كله ) : طالشعراوي، وابن عاشور، وشيخ الإسلام ابن تيمية ........وغيرهم،

الرأي الأول : القرآن الكريم هو أحسن القصص :

- يقرر " الشعراوي " (6) أن القرآن الكريم جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للأنبياء السابقين، والأحداث التي وقعت في الماضي، ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة ايمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان، ففرعون هو كل حاكم طغى في الأرض، ونصب نفسه إلها، وقارون هو كل من أنعم الله عليه فنسب النعمة الى نفسه، وتكبر وعصى الله، وقصة يوسف هي قصة كل اخوة حقدوا على أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرر، ولذلك عرف الله سبحانه وتعالى ابطالها، وذكرهم لنا، فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران،
ويقول " ابن عاشور " (7) في التحرير والتنوير في تفسير الاية التي نحن بصددها : " .......وَجُعِلَ هَذَا الْقَصَصُ أَحْسَنَ الْقَصَصِ لِأَنَّ بَعْضَ الْقَصَصِ لَا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ تَرْتَاحُ لَهُ النُّفُوسُ. وَقَصَصُ الْقُرْآنِ أَحْسَنُ مِنْ قَصَصِ غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ حُسْنِ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِ أُسْلُوبِهِ وَبِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ، فَكُلُّ قَصَصٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ فِي بَابِهِ، وَكُلُّ قِصَّةٍ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا يَقُصُّهُ الْقَاصُّ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَحْسَنَ قَصَصِ الْقُرْآنِ حَتَّى تَكُونَ قِصَّةُ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحْسَنَ مِنْ بَقِيَّةِ قَصَصِ الْقُرْآنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : { بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ }، وَالْبَاءُ فِي { بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ } لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ { نَقُصُّ }، فَإِنَّ الْقَصَصَ الْوَارِدَ فِي الْقُرْآنِ كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ وَارِدٌ مِنَ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، فَهُوَ يُوحِي مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَحْسَنُ نَفْعًا لِلسَّامِعِينَ فِي أَبْدَعِ الْأَلْفَاظِ وَالتَّرَاكِيبِ، فَيَحْصُلُ مِنْهُ غِذَاءُ الْعَقْلِ وَالرُّوحِ، وَابْتِهَاجُ النَّفْسِ وَالذَّوْقِ، مِمَّا لَا تَأْتِي بِمِثْلِهِ عُقُولُ الْبَشَرِ،

أما شيخ الإسلام " ابن تيمية " رحمه الله فيذهب إلى تخطئة من يرى أن أحسن القصص المراد به قصة يوسف وحدها، فيقول في الجزء السابع عشر من مجموع الفتاوى (8) : " والذين يجعلون قصة يوسف أحسن القصص منهم من يعلم أن ‏( ‏القَصَصَ )]‏ ـ بالفتح ـ هو النبأ والخبر، ويقولون ‏:‏ هي أحسن الأخبار والأنباء، وكثير منهم يظن أن المراد‏ :‏ أحسن القِصَص ـ بالكسر ـ وهؤلاء جهال بالعربية، وكلا القولين خطأ، وليس المراد بقوله ‏:‏ { ‏‏أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏‏ } ( ‏يوسف ‏:‏ 3‏ )، قصة يوسف وحدها، بل هي مما قصه الله، ومما يدخل في أحسن القصص ؛ ولهذا قال تعالى في آخر السورة : { ‏‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إليهم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأولى الأَلْباب مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏‏ }( ‏يوسف ‏:‏ 109 ‏:‏111‏ )‏ فبين أن العبرة في قصص المرسلين، وأمر بالنظر في عاقبة من كذبهم، وعاقبتهم بالنصر‏، ويمضي في بيان ما ذهب إليه فيقول : " ومن المعلوم أن قصة موسى وما جري له مع فرعون وغيره، أعظم وأشرف من قصة يوسف بكثير كثير؛ ولهذا هي أعظم قصص الأنبياء التي تذكر في القرآن، ثناها الله أكثر من غيرها، وبسطها وطولها أكثر من غيرها، بل قصص سائر الأنبياء ـ كنوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم من المرسلين ـ أعظم من قصة يوسف؛ ولهذا ثني الله تلك القصص في القرآن ولم يثن قصة يوسف ؛ وذلك لأن الذين عادوا يوسف لما يعادوه على الدين، بل عادوه عداوة دنيوية، وحسدوه على محبة أبيه له وظلموه، فصبر واتقي الله، وابتلي ـ صلوات الله عليه ـ بمن ظلمه وبمن دعاه إلى الفاحشة، فصبر واتقي الله في هذا وفي هذا، وابتلي أيضًا بالملك، فابتلي بالسراء والضراء فصبر واتقي الله في هذا وهذا، فكانت قصته من أحسن القصص، وهي/أحسن من القصص التي لم تقص في القرآن، فإن الناس قد يظلمون ويحسدون ويدعون إلى الفاحشة ويبتلون بالملك، لكن ليس من لم يذكر في القرآن ممن اتقي الله وصبر مثل يوسف، ولا فيهم من كانت عاقبته أحسن العواقب في الدنيا والآخرة مثل يوسف‏، فقـوله تعالى ‏:‏ { ‏‏نَحْنُ نَقُصُّ عليكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ }‏‏ ( ‏يوسف ‏:‏ 3‏ ) ‏ يتناول كل مـا قصـه في كتابه، فهو أحسـن مما لم يقصه، ليس المراد أن قصة يوسف أحسن ما قص في القرآن،‏ وأين مـا جـري ليوسف مما جري لموسى ونوح وإبراهيم وغيرهم من الرسل‏؟‏ ‏!‏ وأين ما عـودي أولئك مما عـودي فيـه يوسف‏؟‏ ‏!‏ وأين فضل أولئك عند الله وعلو درجتهم من يوسـف ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ‏؟‏ وأين نصر أولئك من نصر يوسف‏؟‏ فإن يوسف كما قـال الله تعالى‏ :‏ { ‏‏وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏‏ } ( ‏يوسـف ‏:‏ 56‏ ) ‏، وأذل الله الذين ظلموه ثم تـابـوا، فكان فيها مـن العـبرة أن المظلوم المحسـود إذا صبر واتقي الله، كـانت له العاقبة، وأن الظالم الحاسد قـد/ يتوب الله عليه ويعفو عنه، وأن المظلوم ينبغي له العفـو عـن ظالمـه إذا قدر عليه‏، والمقصود هنا أن قوله تعالى ‏:‏ { ‏‏نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏‏ } ( ‏يوسف ‏:‏ 3‏ ) ‏، المراد ‏:‏ الكلام الذي هو أحسن القصص، وهو عام في كل ما قصه اللّه، لم يخص به سورة يوسف ؛ ولهذا قال ‏:‏ { ‏‏بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَـذَا الْقُرْآنَ‏‏ ‏} ( ‏يوسف ‏:‏ 3‏ ) ‏، ولم يقل ‏:‏ بما أوحينا إليك هذه السورة، والآثار المأثورة في ذلك عن السلف تدل كلها على ذلك، وعلى أنهم كانوا يعتقدون أن القرآن أفضل من سائر الكتب، وهو المراد‏،‏ والمراد من هذا حاصل على كل تقدير، فسواء كان أحسن القصص مصدرًا أو مفعولاً أو جامعًا للأمرين، فهو يدل على أن القرآن وما في القرآن من القصص أحسن من غيره، فإنا قد ذكرنا أنهما متلازمان، فأيهما كان أحسن، كان الآخر أحسن‏، ‏ فتبين أن قوله تعالى ‏:‏ ‏‏أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏‏ كقوله ‏:‏ ‏‏{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ }‏ ( ‏الزمر ‏:‏ 23‏ )، والآثار السلفية تدل على ذلك‏، والسلف كانوا مقرين بأن القرآن أحسن الحديث، وأحسن القصص، كما أنه المهيمن على ما بين يديه من كتب السماء،

قال " الشعراوي " (9) : " وقيل إنما سمي القرآن أحسن القصص لأنه بلغ النهاية في الفصاحة، وحسن المعاني، وعذوبة الألفاظ، مع التلاؤم المنافي للتنافر والتشاكل بين المقاطع والفواصل، وقيل لأنه ذكر فيه أخبار الأمم الماضية وأخبار الكائنات الآتية، وجميع ما يحتاج إليه العباد إلى يوم القيامة بأعذب لفظ وتهذيب، في أحسن نظم وترتيب، وقوله ﴿أحسن القصص﴾ يدل على أن الحسن يتفاضل ويتعاظم لأن لفظة أفعل حقيقتها ذلك وإنما يتعاظم بكثرة استحقاق المدح عليه "،
وقال في موضع آخر (10) : " وسبحانه قد قص على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في القرآن أحسن القصص ؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيعالج أجناس العالم التي توزعت على جميع الرسل من إخوانه، ومادام عمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سيكون مع كل الأجناس البشرية الذين تفرقوا من قبل على الرسل من إخوانه، فلا بد أن يوضح سبحانه للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولأمته من بعده : أنّه حدث مع الرسول فلان كذا، وكان مبعوثاً إلى قوم كان موقفهم منه كذا، وكانت داءات ذلك المجتمع هي كذا وكذا، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما نعلم - موْكولٌ إليه علاج كل أجناس البشر، وكذلك أمته من بعده، ولابد أن يعرفوا أخبار كُلِّ المجتمعات والرسل،

الرأي الثاني : قصة يوسف هي أحسن القصص :

حيث ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى : { أحسن القصص }، هو سورة يوسف وما جاء فيها من وقائع قصة يوسف مع إخوته، قال " الشعراوي " (11) : " وقيل أراد بأحسن القصص قصة يوسف وحدها لأنها تتضمن من الفوائد والنكت والغرائب ما لا يتضمنه غيرها ولأنها تمتد امتداد لا يمتد غيرها مثله "،

لم كانت سورة يوسف أحسن القصص طبقا لأصحاب هذا الرأي ؟

قال " القرطبي " (12) في بيان كون سورة يوسف أحسن القصص : مسألة : اختلف العلماء لم سميت هذه السورة أَحسن القصص من بين سائر الأقاصيص، فقيل لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم ما تتضمن هذه القصة، وبيانه قوله في آخرها : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، وقيل سماها أَحسن القصص بحسن مجاوزة يوسف عن إخوته وصبره على أذاهم، وعفوه - بعد التقائهم - عن ذكر ما تعاطوه، وكرمه في العفو عنهم حتى قال : {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}، وقيل لأَن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والملائكة والشياطين، والجن والإِنس، والأنعام والطير، وسير الملوك والممالك والتجار والعلماء والجهال، والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقة والسير وتعبير الرؤيا، والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش، وجُمَل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا، ثم ذكر عن بعض أَهل المعاني أنه قال : إنما كانت أحسن القصص، لأن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة، انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته وامرأة العزيز - قيل - وللملك أَيضا، فقد أسلم وآمن بيوسف، وكذا مستعبر الرؤيا الساقى، والشاهد فيما يقال، فما كان أَمر الجميع إلا إلى خير. اهـ.

- وهكذا اختلف العلماء حول سبب تسمية هذه القصة أحسن القصص؟ وتباينت آراؤهم ونذكر منها :

0 قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم..
0 وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم..
0 وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات..
0 وقيل : إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.

0 وثمة من يرى أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز (13)،

- ويشير " الشعراوي " (14) إلى تفرد قصة يوسف بين قصص القرآن الكريم، فكانت أحسن القصص، ففي الوقت الذي جاءت فيه قصص الأنبياء والرسل في القرآن الكريم على صورة لقطات في مناسبات لتثبيت فؤاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فتأتي لقطة من حياة رسول، ولقطة من حياة رسول آخر، وهكذا، جاءت قصة يوسف في سورة واحدة وجاءت كاملة في موضع واحد من القرآن الكريم، فيقول : " ولا يقولن أحد : إن القرآن لم يستطع أن يأتي بقصة كاملة مستوفية ؛ فقد شاء الحق سبحانه أن يأتي بقصة يوسف من أولها إلى آخرها، مُسْتوفية، ففيها الحدث الذي دارتْ حوله أشخاصٌ، وفيها شخصٌ دارتْ حوله الأحداث، فقصة يوسف عليه السلام في القرآن لا تتميز بالحَبْكة فقط ؛ بل جمعتْ نَوعَيْ القصة، بالحدث الذي تدور حوله الشخصيات، وبالشخص الذي تدور حوله الأحداث ، جاءتْ قصة يوسف بيوسف، وما مَرَّ عليه من أحداث ؛ بَدْءً من الرُّؤيا، ومروراً بحقد الأخوة وكيدهم، ثم محاولة الغواية له من امرأة العزيز، ثم السجن، ثم القدرة على تأويل الأحلام، ثم تولَّي السلطة، ولقاء الأخوة والإحسان إليهم، وأخيراً لقاء الأب من جديد .
إذن : فقول الحق سبحانه : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص . . . } ( يوسف : 3 )، يبيّن لنا أن الحُسْن أتى لها من أن الكتب السابقة تحدثت عن قصة يوسف، لكن أحبار اليهود حين قرأوا القصة كما جاءتْ بالقرآن ترك بعضهم كتابه، واعتمد على القرآن في روايتها، فالقصة أحداثها واحدة، إلا صياغة الأداء؛ وتلمُّسات المواجيد النفسية ؛ وإبراز المواقف المطْويَّة في النفس البشرية؛ وتحقيق الرُّؤى الغيبية كُلُّ ذلك جاء في حَبْكة ذات أداء بياني مُعْجز جعلها أحسنَ القَصَص .
أو : هي أحسن القصص بما اشتملتْ عليه من عِبَر متعددة، عِبَر في الطفولة في مواجهة الشيخوخة، والحقد الحاسد بين الأخوة، والتمرد، وإلقائه في الجبِّ والكيد له، ووضعه سجيناً بظلم، وموقف يوسف عليه السلام من الافتراء الكاذب، والاعتزاز بالحق حتى تمَّ له النصر والتمكين ، وكيف ألقى الله على يوسف عليه السلام محبَّة منه؛ ليجعل كل مَنْ يلتقي به يحب خدمته ، وكيف صانَ يوسف إرثَ النبوة، بما فيها من سماحة وقدرة على العفو عند المقدرة؛ فعفَا عن إخوته بما روتْه السورة : { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين } ( يوسف : 92 )، وقالها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم لأهله يوم فتح مكة : « اذهبوا فأنتم الطلقاء » ، وهكذا تمتليء سورة يوسف بِعِبَر متناهية، يتجلَّى بعضٌ منها في قضية دخوله السجنَ مظلوماً، ثم يأتيه العفو والحكم؛ لذلك فهي أحسنُ القَصص؛ إما لأنها جمعتْ حادثة ومَنْ دار حولها من أشخاص، أو جاء بالشخص وما دار حوله من أحداث ،
أو : أنها أحسنُ القصص في أنها أدّتْ المُتَّحد والمتفق عليه في كل الكتب السابقة، وجاء على لسان محمد الأمي، الذي لا خبرة له بتلك الكتب؛ لكن جاء عَرْضُ الموضوع بأسلوب جذَّاب مُسْتمِيل مُقْنع مُمْتع ،
أو : أنها أحسن القصص؛ لأن سورة يوسف هي السورة التي شملت لقطاتٍ متعددةٍ تساير : العمر الزمني؛ والعمر العقلي؛ والعمر العاطفي للإنسان في كل أطواره؛ ضعيفاً؛ مغلوباً على أمره؛ وقوياً مسيطراً، مُمكَّناً من كل شيء ، بينما نجد أنباء الرسل السابقين جاءت كلقطات مُوزَّعة كآيات ضمن سُور أخرى؛ وكل آية جاءت في موقعها المناسب لها .
إذن : فالحُسْن البالغ قد جاء من أسلوب القرآن المعجز الذي لا يستطيع واحد من البشر أن يأتي بمثله .

الوقفة الثالثة : الغفلة والغافلين :

- قوله تعالى : {.....وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } ( يوسف : 3 )،
فيه تقرير أن هذا القصص إنما هو وحي من الله كان النبي صلى الله عليه وسلم من الغافلين عن اتجاهه وموضوعاته، " فبإيحائنا هذا القرآن إليك قصصنا عليك هذا القصص - وهو أحسن القصص - وهو جزء من القرآن الموحى به، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ }، فقد كنت أحد الأميين في قومك، الذين لا يتوجهون إلى هذا النحو من الموضوعات التي جاء بها القرآن، ومنها هذا القصص الكامل الدقيق (15)،
يقول " ابن عاشور " (16) رحمه الله : " وَالْغَفْلَةُ : انْتِفَاءُ الْعِلْمِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الذِّهْنِ إِلَى الْمَعْلُومِ، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنَ الْغَفْلَةِ ظَاهِرٌ، وَنُكْتَةُ جَعْلِهِ مِنَ الْغَافِلِينَ دُونَ أَنْ يُوصَفَ وَحْدَهُ بِالْغَفْلَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَفْضِيلِهِ بِالْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالْقُرْآنِ فَدَخَلَ فِي هَذَا الْفَضْلِ أَصْحَابُهُ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ فِي الْعِلْمِ، وَمَفْهُومُ مِنْ قَبْلِهِ مَقْصُودٌ مِنْهُ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ الْمُعْرِضِينَ عَنْ هُدَى الْقُرْآن، قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ. وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ "
، أَيِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ مَنْ لَا يَرْفَعُ رَأسه لينْظر "، ويقول " الشعراوي " : " ......والمقصود بالغفلة هنا أنه صلى الله عليه وسلم كان أُمِّياً، ولم يعرف عنه أحدٌ قبل نزول القرآن أنه خطيب أو شاعر، وكل ما عُرِف عنه فقط هو الصفات الخُلقية العالية من صدق وأمانة؛ وهي صفات مطلوبة في المُبلّغ عن الله؛ فما دام لم يكذب من قبل على بشر فكيف يكذب وهو يُبلِّغ عن السماء رسالتها لأهل الأرض؟


********************
الهوامش والاحالات :
============
(1) – إن على المؤمن وهو يقرأ القرآن أن يتوقف أمام تلك المعاني الجليلة لأسماء الله الحسنى، وصفاته ونعوته العلا، قال بعض أهل العلم : إن الإنسان إذا راقب جملة معاني أسماء الله عز وجل ازداد بها إيماناً، وإذا راقب نعوت الجلال انكسرت رقبته، وإذا راقب نعوت الجمال تعلق به، وإذا راقب الأمر والنهي امتثل وخف عليه التكليف، وإذا راقب صفات التوكل وأن الله عز وجل يدفع عن عبده ويقيه قوي قلبه على التوكل، وإذا راقب مقتضى السمع والبصر أورثه ذلك الحياء من الله، من أن يقيم على معاصيه، أو أن يسمع منه ما يكره، تلك هي معاني أسماء الله عز وجل،
أنظر :

- أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي محمد شريف : " دروس للشيخ أبو إسحاق الحويني "، مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net
(2) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، تفسير سورة يوسف،
(3) – أنظر :

- إسلام محمود دربالة : " القصص في القرآن الكريم "، المصدر : http://arareaders.com/books/details/6956
- محمد أحمد محمد معبد ( ت : 1430هـ) : " نفحات من علوم القرآن"، الناشر: دار السلام – القاهرة، ط2،: 1426 هـ - 2005 م، ص ص : 105 – 108،
(4) – محمد متولي الشعراوي : " مرجع سبق ذكره "، تفسير سورة يوسف،
(5) - محمد سيد طنطاوي : " القصة في القران الكريم "، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1996م، ج1،
(6) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، تفسير سورة يوسف،
(7) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م، ج 12 – ص ص : 203 – 204،
(8) - انظر : شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : " مجموع الفتاوى "، جمع وترتيب : الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وابنه الشيخ محمد، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، المدينة النبوية، بدون تاريخ، ١٤١٢ هـ، ج 17، ص ص : 20 – 22،
(9) - محمد متولي الشعراوي : " مرجع سبق ذكره "، ج1 - ص 115،
(10) – " نفس المرجع السابق "، ج5 – 2833،
(12) - مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر : " التفسير الوسيط للقرآن الكريم "، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، الطبعة: الأولى، (1393 هـ = 1973 م) - (1414 هـ = 1993 م)، ج4، ص : 227،
(13) - http://www.islamguiden.com/profeter/029.htm

(14) – محمد متولي الشعراوي : " مرجع سبق ذكره "،
(15) - سيد قطب : " في ظلال القران "، دار الشروق، القاهرة، ط 38، 2005م، ج4، ص : 1970
(16) - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م، ج12، ص ص : 104 - 105
(17) - مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر : " التفسير الوسيط للقرآن الكريم "، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، الطبعة: الأولى، (1393 هـ = 1973 م) - (1414 هـ = 1993 م)، ج4، ص 276


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

سورة يوسف، القرآن، تأملات في القرآن،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-07-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الياسين، المولدي اليوسفي، العادل السمعلي، حسن عثمان، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، أبو سمية، محمد اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الرزاق قيراط ، د - المنجي الكعبي، صباح الموسوي ، سيد السباعي، أحمد النعيمي، عبد الغني مزوز، د - عادل رضا، عواطف منصور، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - صالح المازقي، مصطفي زهران، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، محمد أحمد عزوز، د- محمد رحال، رافد العزاوي، فتحي العابد، عبد الله الفقير، د - الضاوي خوالدية، سلوى المغربي، مصطفى منيغ، د- هاني ابوالفتوح، فتحـي قاره بيبـان، د. أحمد محمد سليمان، مجدى داود، د.محمد فتحي عبد العال، يزيد بن الحسين، أشرف إبراهيم حجاج، محمد يحي، رشيد السيد أحمد، علي عبد العال، أحمد الحباسي، بيلسان قيصر، د. خالد الطراولي ، حاتم الصولي، سفيان عبد الكافي، محمود طرشوبي، أحمد بوادي، صفاء العربي، صلاح الحريري، تونسي، سليمان أحمد أبو ستة، مراد قميزة، د. عبد الآله المالكي، عزيز العرباوي، سلام الشماع، ضحى عبد الرحمن، عبد العزيز كحيل، أ.د. مصطفى رجب، رمضان حينوني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد بشير، محمود سلطان، منجي باكير، عمر غازي، إيمى الأشقر، أنس الشابي، كريم السليتي، محمد علي العقربي، فهمي شراب، نادية سعد، محمد شمام ، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، د - محمد بنيعيش، د - محمد بن موسى الشريف ، عمار غيلوفي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهيثم زعفان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رافع القارصي، سامح لطف الله، إسراء أبو رمان، يحيي البوليني، جاسم الرصيف، فوزي مسعود ، د. طارق عبد الحليم، د- جابر قميحة، طارق خفاجي، صفاء العراقي، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحي الزغل، ماهر عدنان قنديل، د. مصطفى يوسف اللداوي، عراق المطيري، خالد الجاف ، محمد العيادي، وائل بنجدو، الهادي المثلوثي، سامر أبو رمان ، حسن الطرابلسي، رضا الدبّابي، سعود السبعاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، ياسين أحمد، خبَّاب بن مروان الحمد، حميدة الطيلوش، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، د. صلاح عودة الله ، طلال قسومي، صلاح المختار، أحمد ملحم، إياد محمود حسين ، الناصر الرقيق، د - شاكر الحوكي ، محمود فاروق سيد شعبان، صالح النعامي ، كريم فارق،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة