وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6735
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصالحةُ " ( حديث شريف رَوَاهُ البُخَارِيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه )
*************
الحمد لله الواسع العظيم ، الجواد البر الرحيم، خلق كل شيء فقدَّره، وأنزل الشرع فيسَّره وهو الحكيم العليم، بدأ الخلق وأنهاه، وسيَّر الفَلَك وأجراه : {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}( يسن : 38 – 40 ) ، أحمده على ما أَوْلَى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، وأشهد أنه لا إله إلا هو الملك العلي الأعلى وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى على العالمين، صلى الله عليه وعلى جميع آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا
أما بعــد :
بعد المقدمة التي سقناها في الحلقات السابقة ، والتي مهدت لعرض قصة يوسف ، حيث تمثلت تلك المقدمة في الثلاث آيات الأولى من السورة ، يبدأ المشهد الأول من مشاهد تلك القصة المباركة ، من قوله تعالى : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ{4} قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{5} وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{6}( يوسف ) ،
إن هذا المشهد الذي يعد نقطة البداية في قصة يوسف ، على وجازته واختصاره المعجز ، وإعجازه غير المتناهي ، فهو يبدأ برؤيا يوسف عليه السلام التي قصها على ابيه ، ثم يفسر نبي الله يعقوب الرؤيا ، ويحذر من المخاطر المتوقعة والمستقبلية التي تشي بها تلك الرؤيا ، وينبه الى أهمية حسن التعامل معها ، ويلخص ذلك المشهد القصة برمتها ، ويعرف بأبرز شخصياتها ، فيوسف هو الشخصية الرئيسية المحورية للقصة ، له مجموعة اخوة ( عددهم أحد عشر أخا ) ، وبجلي لنا المشهد كيف أن نبي الله يعقوب كان يخشى على يوسف من حسدهم وكيدهم ، ويعرفنا بابائه وهم يعقوب واسحاق وابراهيم ، فهو ابنهم الصلبي كما انه سيصير وريثهم في حمل الرسالة ،
وهكذا بعد الآيات الثلاث الأولى من سورة يوسف والتي كانت بمثابة المقدمة والتمهيد لقصة يوسف ، ينتقل بنا القرآن إلى يوسف ، وإلى أبيه يعقوب ، وإلى الأنبياء المطهرين المشرفين ، على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ، ينتقل بنا إلى الأسرة العريقة في الكرم ، وفي الجود ، وفي التقوى ، وفي الورع ، وفي الالتزام والاستقامة ،
فيصحو يوسف عليه السلام ذات يوم ، وهو غلام فيما يقارب العاشرة ، وفي الصباح يجلس أمام أبيه ، ومن أعجب الأعاجيب عند الطفل ، أن يرى في النوم ما يرى ، ولذلك تجدُ الأطفالَ يرتاحون أيما ارتياح ، إذا ما رأوا في نومهم شيئًا يقصونه على آبائهم، لو رأى أحدهم خيالاً ، أو طائرًا ، أو جبلاً ، لزاد عليه ، ولزخرف فيه ونمَّق ، حتى يخبر أهله بذلك في الصباح ، تذكر الآيات رؤيا رآها يوسف و قصها على أبيه يعقوب (عليهما السلام) فعبرها أبوه له و نهاه أن يقصها على إخوته ، و هذه الرؤيا بشرى بشر الله سبحانه يوسف بها ليكون مادة روحية لتربيته تعالى عبده في صراط الولاية و القرب من ربه ، وهي بمنزلة المدخل في قصته عليه الصلاة والسلام (1) ،
وفي رحاب هذا المشهد القرآني الثري من مشاهد قصة نبي الله يوسف كما جاءت في القرآن الكريم ، نحاول فيما يلي أن نوجز بعض الوقفات والاستنباطات التي استقيناها من كتب التفسير المعتمدة ، ومن كتابات العلماء والمفكرين حول القصة بعمومها ، وحول هذا المشهد على وجه الخصوص ، والتي نرى أنها تعمق من فهمنا لدلالات هذا المشهد ومضامينه ودروسه وعطاءاته ، وذلك على النحو التالي :
أولا : في بيت يعقوب النبي نموذج لحوار أسري رفيع المستوى:
لنا أن نتخيل كيف تصور لنا تلك الآيات المشهد التالي : يعقوب النبي عليه الصلاة والسلام جالس في جانب من بيته ، وها هو يوسف الابن يقبل على أبيه وهو بعد صبي لم يبلغ الحلم ، ويجلس يوسف بين يدي أبيه بعد أن يحييه أطيب تحية من ابن بار لأبيه العطوف ، ولأن العلاقة بين يوسف وأبيه هي علاقة قوية ونموذجية ، لم يتهيب يوسف من أبيه وإنما أقبل عليه بكل أريحية وأدب يروي له رؤيا رآها في المنام فشغلت عليه تفكيره ، وهنا يبدأ الحوار الرائع بين الوالد والولد ، حوار يصلح أن يكون نموذجا يحتذى في العلاقات الأسرية ، وخصوصا في الجانب المتعلق بعلاقة الآباء بالأبناء ، هنا يقول يوسف كما حكى القرآن الكريم : { يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } ، ونستشف من هذا الكلام كيف أخبر سيدنا يوسف أباه عن أمر رؤياه ، وجاء بكلامه مؤكداً بـ (إنّ)، ثم بتكرار فعل الرؤيا مرتين (رأيت - رأيتهم) ، وجاء هذا التوكيد في معرض الحديث عن أمر غير مألوف ، فيه من الغرابة ما يُخشى معه أن يشك السامع في صدق ما يسمع ، لذا جاء ذكر الرؤيا مقترناً بالتوكيد ( إني رأيت - رأيتهم) دفعاً لشك قد يخامر سيدنا يعقوب في صدق ما يقوله هذا الغلام الصغير (2) ،
يقول " جرار" (3) حول هذا المشهد : " ....من خلال تدبرنا لهذا المشهد من قصة يوسف يمكننا أن نلمح أن يعقوب عليه السلام كان يتطلع إلى أن يمن الله تعالى على أحد أبنائه بنعمة النبوة ، ولكن في أيّ الأبناء ستكون النبوّة ، وفي أيّهم ستكتمل النّعمة الرّبانية ؟!. وبإمكاننا أن نتصور بعض ما كان يعتمل في قلب يعقوب ، عليه السلام ، من شوق وتلهّف لمعرفة المصطفى من بين أبنائه الإثني عشر، وبإمكاننا أن نتخيّل يعقوب ، عليه السّلام ، وهو يوصي أبناءه أن يسارعوا إلى إخباره بما يرونه في مناماتهم " ، ......ثم يقول : " .....ويدفعنا إلى ترجيح مثل هذا الاحتمال ما نلمسه من مسارعة يوسف ، عليه السلام ، في عرض رؤياه على والده :"يا أبتِ إنّي رأيتُ" وتظهر المسارعة في قوله (رأيت) بصيغة الماضي ، أمّا الملك ، الواردة قصّته في السورة ، فقد تريّث قبل أن يعرض رؤياه على الملأ : "وقال الملك إنّي أرى" والفعل (أرى) يدل على تكرار الرؤيا لدى الملك قبل أن يعرضها على المستشارين ،
وانظر كيف بدأ يوسف حواره مع أبيه بمنتهى اللطف والأدب والتقدير والاحترام فناداه بقوله " يا أبت " ، وهو نداء في غاية اللطف حيث لم يدعه باسمه الصريح ( كما تفعل وسائل الاعلام الحديثة في المسلسلات والأفلام والمسرحات وغيرها ) ، بل دعاه بعنوان الأبوة المشعر بالاحترام والتقدير، وكنى عنه بالأب للدلالة على ما بينهما من صفة الرحمة و الرأفة و الشفقة ، وناداه بـ : ( يا ) للتدليل على علو منزلته وبعد مكانته ، وهكذا يعلمنا القرآن الكريم كيف يكون أدب النداء من الأبناء للآباء مشبعا باللطف والأدب الجم ، والاحترام الوافر ، والتقدير العالي لمكانة الأب ومنزلته ،
ولقد ورد هذا النداء بلفظ (يا أبتِ) في القرآن الكريم ثماني مرات :
0 مرةً على لسان سيدنا إسماعيل حين خاطب أباه الخليل فقال : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }( الصافات :102 ) ،
0 ومرتين على لسان سيدنا يوسف حين خاطب أباه في هذه الآية التي نحن بصددها ، وفي آية أخرى حين قال له : {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً}( يوسف :100 ) ،
0 وأربع مرات على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، خاطب أباه فقال : {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً *يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً *يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً}( مريم : 42-43-44-45 ) ،
0 ومرةً على لسان أحد ابنتي سيدنا شعيب خاطبت أباها فقالت : {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}( القصص :26 ) ،
- قال " السمعاني " في تفسيره: " ...... قوله : { يا أبت } : قرىء بقراءتين : يا أبت بالكسر ، و يا أبت بالفتح ، أما بالكسر فالأصل ( يا أبتي ) ثم حذف الياء واجتزىء بالكسرة ، وأما بالفتح فالأصل ( يا أبتا ) ثم أسقط الألف واكتفى بالنصب قال الأعشى :
فيا أبتا لا تزل عندنا *** فإنا نخاف بأن نخترم ،
وقيل : يا أبت أصله يا أبي ، وقرئ بفتح التاء وبالوقف على الهاء ،
ويقابل يعقوب عليه السلام هذا الأدب واللطف من ولده ، بمنتهى الحنو والعطف الأبوي الخالص الذي يتجلى في قوله : { يا بني } ، تصغير ابن ، صغره للشفقة وصغر السن ، وهو خطاب الاشفاق والرحمة ،
ولقد وقع لفظ (يا بني) في القرآن الكريم في ستة مواضع :
0 الأول في سورة هود على لسان نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام : {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ } (هود : 42 ) ،
0 الثاني على لسان يعقوب عليه الصلاة والسلامي ينادي يوسف عليه السلام : ي{َا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً { ( يوسف : 5 ) ،
0 الثالث ، والرابع ، والخامس على لسان لقمان : { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ( لقمان : 13 ) ، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ } ( لقمان : 16 ) ، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ } ( لقمان : 17 ) ،
0 السادس : على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى } ( الصافات : 102 ) ،
- قال " السعود " (4) في قوله تعالى : {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ، وقوله تعالى : {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} : " ومن هاتين الآيتين تتضح حلقة الأبوة المحيطة بالابن والراعية والموجهة له ، وكذلك تبرز العلاقة المغمورة بالثقة المتبادلة بين الوالد والولد ، وهي ذات طابع خاص ترتكز مقوماتها على معطيات بيت نبوة " ،
وهكذا فمن الدروس الهامة التي نستفيدها من هذا المشهد أهمية الحوار الأسري وآدابه بوجه عام ، وبين الآباء والأبناء بوجه خاص ، حيث يلعب الحوار الأسري دورا حيويا في التربية وبناء الأجيال على القيم والمبادئ الإيجابية ، وهو أمر يكاد يكون مفتقدا في واقعنا المعاصر ، فالحوار الأسري يكاد يغيب عن واقع أسرنا ، والحوار بين الآباء والأبناء ليس على المستوى المطلوب في ظل ما يفرضه العصر من التزامات على الآباء تجعلهم ينشغلون أغلب الوقت لتأمين مطالب الحياة للأسرة ، وانشغال الأبناء غالبا بوسائل التقنية الحديثة كالانترنت ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، وقنوات البث الفضائي مما يستنفذ معظم أوقاتهم ،
ثانيا : حول مكانة الرؤى وحكمها في التصور الإسلامي :
ماهية الرؤيا :
- نود أن نؤكد بداية أن الرؤيا هنا في قصة يوسف هي رؤيا منام ، وأما رؤية العين فيستخدم لها تعبير الرؤية ، والجذر لغويا واحد ، وكثيرة هي الأشياء التي يراها الناس في نومهم ، يرون عجائب وغرائب ، ويذهب الناس في أحلامهم ورؤاهم مذاهب شتى بين مصدق ومكذب ، وموقن ومتشكك ،
والرؤيا لغة : مصدر رأى في المنام ، رؤيا على وزن فعلى كالسقيا والبشرى ، والرؤيا لها أحداث مرتبة ومشاهد مرتبطة لا يكاد الرائي ينسى منها شيئا لأنها من الله تعالى ، وهي بخلاف " الحلم " بضم الحاء ، من يحلم حلما وهو ما يراه النائم ، جمع أحلام ، حيث يأتي على صور واحداث غير مترابطة ولا موزونة ومتداخلة بعضها في بعض فاذا استيقظ الرائي لا يذكر منها الا القليل المؤثر ،
ولذلك يرى البعض أن الرؤيا والحلم ضدان ، فالرؤيا تبشر بخير او تحذر من شر ، وينشرح لها الصدر والحلم ما يلقيه الشيطان ليحزن المؤمن وله علامات يحس بها الرائي من ضيق الصدر وخوف وحزن (5) ،
لكن المؤمن يقف منها الموقف الذي بينه الإسلام القويم ، - فلقد علمنا الإسلام ، وأخبرنا القرآن الكريم أن الرؤيا الصالحة من الله تعالى ، كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه : " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ " ( البخاري في : التعبير / بـ الرؤيا الصالحة جزء من ستة واربعين جزء من النبوة / 6989 ) ،
قال بعض أهل العلم أن معني ذلك أن الرؤيا استمرت كبدءٍ للوحي مدة ستة أشهر ، وإجمالي زمن النبوة276 شهر (23 سنة) فالرؤيا جزء من 46 جزء – وإن اختلفوا في ذلك - وليس معنى الحديث أن الذي يرى رؤيا أن عنده جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ،
- ولعل من المناسب هنا ونحن بصدد الحديث عن الرؤى في ميزان الإسلام ، أن نشير إلى أنواع الرؤى في منظور الإسلام :
فلقد بينت السنة المشرفة أن الرؤيا المنامية ثلاثة أنواع (6) ، حيث جلّى لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حقيقة ما يرى الإنسان في منامه ففي الحديث الشريف : " الرؤيا ثلاث ، فالبشرى من الله ، وحديث النفس ، وتخويف من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء ، وإذا رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي " ( رواه أحمد (2 / 395) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 193 / 2) وعنه ابن ماجه (2 / 449) عن أبي هريرة مرفوعا ، قال الألباني : " قلت : وهذا إسناد صحيح " (7) ،
وأخرج البخاري في التاريخ : " الرؤيا ثلاث ، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " ( أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 348) وابن ماجة (2 / 450) ، قال الألباني : " قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات " (8) ،
وهكذا ومن خلال تلك الأحاديث الصحيحة نصل إلى أن الرؤى في منظور الإسلام على ثلاثة أنواع :
0 الأول : أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، بمعنى انها شكل من أشكال الوحي ، وان لم تختص بالأنبياء ، فقد ورد في السورة التي نحن بصددها ( سورة يوسف ) رؤى الفتيين في السجن ، ورؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات ، ومعلوم أن هؤلاء ليسوا بأنبياء ولا مؤمنين ، وهذا النوع من الرؤيا بمثابة حالة شريفة، ومنزلة رفيعة، كما في الحديث الصحيح : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ : " الرُّؤْيَا الصالحةُ " ، وَزَادَ مَالِكٌ بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ : " يَرَاهَا الرجل الْمُسلم أَو ترى ل " ، ( رَوَاهُ البُخَارِيّ ، وصححه الألباني في المشكاة ) ، وفي الحديث أيضا : " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا " (9) ،
وقال " القرطبي " في تفسيره : إنما كانت الرؤيا جزءا من النبوة؛ لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران، وقلب الأعيان، والاطلاع على شيء من علم الغيب؛ كما قال عليه السلام: (إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة في النوم...) الحديث. وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من الله، وأنها من النبوة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) وأن التصديق بها حق، ولها التأويل الحسن، وربما أغنى بعضها عن التأويل، وفيها من بديع الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه؛ ولا خلاف في هذا بين أهل الدين والحق من أهل الرأي والأثر، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة (10) ،
0 الثاني : أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ، اي احلام مزعجة وكوابيس مصدرها الشيطان بقصد ادخال الحزن على نفس الانسان ، والحزن مدخل مهم من مداخل الشيطان لتثبيط الانسان عن النشاط الايجابي بل وفي ايقاعه في الافعال السلبية ،
0 الثالث : ما يشغل الانسان في اليقظة فيراه في المنام ، وهو النوع الوحيد الذي تقف عنده غالب مدارس علم النفس الغربي والتي لا تقر بالوحي ولا بالغيب ،
ثالثا : الرؤى والنبوة :
- نستشف من هذا المشهد أن الرؤيا الصادقة هي اول ما بدئ به يوسف من النبوة : حيث يصور لنا هذا المشهد كيف قص يوسف الرؤيا على أبيه وهو ينتظر أن يخبره بتأويلها وما تدل عليه ، ولما كان يعقوب نبيا ، فقد ظهر له من تلك الرؤيا التي سمعها من يوسف أنه سوف ينزله الله منزلاً مباركا ، وسوف يؤتيه الحكمة ويجعله نبياً ، وهكذا أدرك يعقوب مغزى الرؤيا دون أن يؤولها صراحة لولده الصغير ، لكنه استشف لابنه من هذه الرؤيا دلائل رفعة وسمو ، بدت له من منافذ آفاق الغيب التي استبصرها ببصيرته الثاقبة (11)
- وتجدر الإشارة إلى أن الرؤيا الصادقة هي أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي : فلقد جاء في الحديث الصحيح أنّ : " أول ما بُدِئ به الرسول، صلى الله عليه وسلم، من الوحي الرؤيا الصادقة " (12) ، واذا كان ذلك كذلك ، فلا يبعد كما قال " جرار " (13) أن يكون ذلك سُنّة في الأنبياء ، وإذا صحّ هذا الفرض ....فإنّ أول ما بُدِئ به إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، عليهم السلام، من الوحي هو الرؤيا الصادقة ، وهذا يعني أنّ يعقوب، عليه السّلام، كان ينتظر بشغف أن تستمر سلسلة النبوة في نسله ، كيف لا وهو نبيّ، وأبوهُ نبيّ، وعمُّهُ نبيّ، وجدّهُ نبيّ ؟!
- أن رؤيا يوسف عليه السلام تمثل عقدة القصة في سورة يوسف ، حيث مثلت مساراً سارت على خطوطه أحداث القصة كلها ، على مختلف أماكنها وأزمانها ؛ لتلتقي في نهايتها بالتأويل الذي تجسد واقعا ، فقد جعلها الله تعالى حقاً ، فعندما نصل إلى خاتمة القصة أو نهايتها ، نجد أنفسنا نعود إلى لحظة البدء ، حيث الإشارة إلى رؤيا يوسف عليه السلام التي قصها على أبيه يعقوب ، أي كانت النهاية والخاتمة تفسيرًا أو تأويلاً للبداية ، تلك الخاتمة التي شهدت اجتماع الشمل وذهاب الأحزان ، وهو ما يجسده فول الله تعالى في نهاية القصة : {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }( يوسف : 100 ) ،
- أن هذه الرؤيا كانت بمثابة مفتاح الشرور والابتلاءات والمحن التي ألمت بنبي الله يوسف : لقد كانت هذه الرؤيا مظهرًا من مظاهر المتوقع من إخوة يوسف ناحيته ، فكانت – كما تبين فيما بعد من أحداث ومشاهد القصة - فاتحة الشرور والابتلاءات ، وبابًا ولجت منه الأزمات والمحن إلى حياة يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام ،
رابعا : آفة الحسد والغيرة بين الإخوة داخل الاسرة الواحدة :
وبعد أن سمع نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام من يوسف عليه السلام ما رآه في منامه ، سرعان ما قال ليوسف كما حكى القرآن الكريم : {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا } ( يوسف :5 ) ، هنا نرى كيف تجلت فراسة يعقوب عليه السلام ، ومعرفته بما يفسد الأبناء في علاقاتهم بعضهم بالبعض الآخر ، وأن الرؤيا لا تحدث بها كل أحد بل لا تحدث بها إلا من تحب ، نعم فهم يعقوب الأب الحبيب - الذي يؤثر يوسف على إخوته باختصاصه بمحبة أكثر لصغره ، ولأنه علم أن ليوسف منزله عند الله فوق منزلة إخوته – فهم أن وراء رؤيا يوسف لسرا ، وتستيقظ في نفس يعقوب كل دواعي الحب لولده الأثير لديه ، والخوف عليه ، إنها بشرى بنعمة، وكل ذي نعمة محسود (14) ، فليستعن بالله وليكتم ما رأى حذرا من كيد أخوته ، وتحريض الشيطان لهم عليه ، وتتبدى لنا في هذه المخاوف صورة لواقع بشري كثير التكرار صورة العلاقة بين الأخوة ،
ولم يكيد الأخ لأخيه ؟ إنّها النفس البشرية الأمارة بالسوء ، إنها الغيرة والحسد حين يستولي على القلوب ليفسد ما بين الأخ وأخيه ،
قال صاحب " الميزان " : " إن الآية تدل على أن يعقوب لما سمع ما قصة عليه يوسف من الرؤيا أيقن بما يدل عليه أن يوسف (عليه السلام) سيتولى الله أمره و يرفع قدره، يسنده على أريكة الملك و عرش العزة، و يخصه من بين آل يعقوب بمزيد الكرامة فأشفق على يوسف (عليه السلام) و خاف من إخوته عليه و هم عصبة أقوياء أن لو سمعوا الرؤيا - و هي ظاهرة الانطباق على يعقوب (عليه السلام) و زوجه و أحد عشر من ولده غير يوسف، و ظاهرة الدلالة على أنهم جميعا سيخضعون و يسجدون ليوسف - حملهم الكبر والأنفة أن يحسدوه فيكيدوا له كيدا ليحولوا بينه و بين ما تبشره به رؤياه ، و لذلك خاطب يوسف (عليه السلام) خطاب الإشفاق كما يدل عليه قوله : "يا بني" بلفظ التصغير ، و نهاه عن اقتصاص رؤياه على إخوته قبل أن يعبرها له ، و ينبئه بما تدل عليه رؤياه من الكرامة الإلهية المقضية في حقه ، و لم يقدم النهي على البشارة إلا لفرط حبه له ، وشدة اهتمامه به واعتنائه بشأنه ، و ما كان يتفرس من إخوته أنهم يحسدونه وأنهم امتلئوا منه بغضا و حنقا ، والدليل على بلوغ حسدهم و ظهور حنقهم و بغضهم قوله : "لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا" فلم يقل : إني أخاف أن يكيدوا ، أو لا آمنهم عليك بتفريع الخوف من كيدهم أو عدم الأمن من جهتهم ، بل فرع على اقتصاص الرؤيا نفس كيدهم ، وأكد تحقق الكيد منهم بالمصدر - المفعول المطلق - إذ قال : "فيكيدوا لك كيدا" ، ثم أكد ذلك بقوله ثانيا في مقام التعليل : "إن الشيطان للإنسان عدو مبين" أي إن لكيدهم سببا آخر منفصلا يؤيد ما عندهم من السبب الذي هو الحسد ، ويثيره ويهيجه ليؤثر أثره السيىء وهو الشيطان الذي هو عدو للإنسان مبين لا خلة بينه وبينه أبدا ، يحمل الإنسان بوسوسته وتسويله على أن يخرج من صراط الاستقامة والسعادة إلى سبيل عوج فيه شقاء دنياه وآخرته ، فيفسد ما بين الوالد وولده وينزع بين الشقيق وشقيقه ويفرق بين الصديق و صديقه ليضلهم عن الصراط " (15) ،
وصفوة القول في هذا المقام أن هذا المشهد القرآني يشي بأن يعقوب عليه السلام كان قد أحسّ من بنيه حسد يوسف وبغضه والغيرة منه ؛ لحب يعقوب له أكثر منهم ، كما صرح القرآن بذلك فيما بعد : { إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة } ، فما كان من يعقوب إلا أن نهاه عن أن يقصص الرؤيا عليهم خوف أن تغل بذلك صدورهم ، فيعملوا الحيلة في هلاكه ؛ مدفوعين بالغيرة التي تعتمل في قلوبهم ، والحسد الذي ملأ صدورهم كما سيتضح فيما بعد ،
فالحسد كما علمنا الإسلام مرض قتّال ، وداء عُضال ، أدرك الشّيطان أنّه هو سبب طرده من رحمة الله ، فراح يزرع بذوره في قلوب النّاس على مرّ العصور ، فراح يحرّض الأخ على الكيد لأخيه ، بل على قتل أخيه ، كما وقع لابني آدم عليه السلام ، قال تعالى :{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)} ( المائدة ) ، ومنذ تلكم اللّحظة سُنّ القتل في هذه الحياة ، وزُرِع الحسد بين الإخوة والأخوات ، روى البخاري ومسلم عن عبدِ اللهِ بنِ مسعود رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم : " لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ "
خامسا : التحذير من عداوة الشيطان للإنسان :
- أن هذا المشهد من القصة يجلي لنا عداوة الشيطان المتأصلة للإنسان منذ آدم عليه السلام : علمنا القرآن في مواضع كثيرة تلك العداوة وكيف بدأت ومتى بدأت ، وكيف أنها ستستمر إلى يوم القيامة ، وكيف أن اللعين أقسم على ذلك في مواجهة الحق جل جلاله ، وحذرنا القرآن من تلك العداوة ، وأن مآل من اتبع الشيطان هو الخسران والهلاك في الدنيا والآخرة ،
0 فلقد رسب ابليس اللعين في أول امتحان منذ أول لحظة حين رد الأمر على الآمر فرفض السجود لآدم عليه السلام امتثالا لأمر الله تعالى ، رفضه كبرا وتعاليا وحسدا ،
0 فكان الجزاء المستحق لابليس : {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } ( الحجر34 – 35 ) ، فاخرج من الجنة ، فإنك مطرود من كل خير ،
0 فيطلب اللعين من رب العزة أن يمهله إلى يوم القيامة : {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }الحجر36 ) ، {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ( ص : 79 ) ، أي : ربِّ فأخِّر أجلي، ولا تهلكني إلى حين تَبعث الخلق من قبورهم ، فأنظره الله تعالى : {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } (ى الأعراف : 15 ) ، {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ، إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } ( الحجر : 37 – 38 ) ، {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } ( ص : 80 ) ، أي : فإنك ممن أخَّرْتُ هلاكهم إلى اليوم الذي يموت فيه كل الخلق بعد النفخة الأولى, لا إلى يوم البعث ، قال أهل التفسير : وإنما أُجيبَ إلى ذلك استدراجًا له وإمهالا وفتنة للثقلين. ( التفسير الميسر ) ،
0 ويصر اللعين على عداوته لآدم وذريته ، ويقسم على أنه لن يتوانى عن تلك العداوة : {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } ( ص : 82 – 83 ) ، أي : قال إبليس : فبعزتك - يا رب - وعظمتك لأضلنَّ بني آدم أجمعين ، إلا مَن أخلصتَه منهم لعبادتك ، وعصمتَه من إضلالي ، فلم تجعل لي عليهم سبيلا ، وقال متحديا : { ....وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } ( النساء : 118 ) ، أي : لأتخذن مِن عبادك جزءًا معلومًا في إغوائهم قولا وعملا ، وقال : {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } ( الأعراف : 16 ) ، وقال : {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } ( الأعراف : 17 ) ، أي : ثم لآتينَّهم من جميع الجهات والجوانب ، فأصدهم عن الحق ، وأُحسِّن لهم الباطل ، وأرغبهم في الدنيا ، وأشككهم في الآخرة ، ولا تجد أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك ، ولما كان ذلك كذلك فمن المتوقع أن يستدرج الشيطان اللعين إخوة يوسف إلى الكيد ليوسف باستثارة مشاعر الحقد والحسد والكبر ذاتها التي كانت سببا في رفضه الامتثال لأمر الله بالسجود لآدم عليه السلام ،
ولقد جاء في الحديث الصحيح : " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم " (16) ،
- وهكذا يجلي لنا هذا المشهد عداوة الشيطان لبني الانسان ، وقول يعقوب عليه السلام ليوسف عليه السلام عن إخوته : { لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين } ، وهذا يعني أن من مظاهر عداوة الشيطان للإنسان وكيده له أنه يدخل بين الإخوة ، فيوغر صدور بعضهم على بعض مع كونهم أشقاء فيصيرهم أعداء ألداء يكيد بعضهم لبعض ، ويسعى بعضهم لإلحاق الأذى بالآخر ،
- وهكذا وانطلاقا من حبه الشديد ليوسف ، وحرصه عليه ، واستشعارا لمسؤوليته كأب ، يحرص يعقوب على استغلال هذا الموقف ليغرس في نفس ابنه عداوة الشيطان للإنسان ، وذلك كي يحذره من كل ما يؤذيه أو يلحق به الضرر ، فأخبره كيف أن الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، وعداوته له لا تهدأ ولا تنتهي حتى يصل إلى مبتغاه منه ، وأن للشيطان حيله ومكائده التي ينبغي أن يتنبه لها ويحذرها على كل حال ،
سادسا : رؤيا حافلة بالبشريات ليوسف وآل يعقوب :
رأينا كيف أن يعقوب عليه السلام ( النبي الوالد المحب ) حذر يوسف عليه السلام ( الغلام غض الإهاب ) من أن يفشي سر الرؤيا التي رآها لإخوته حتى لا يكيدوا له حسدا من عند أنفسهم ، وغيرة منه ، قبل أن يؤول له الرؤيا ، ويعطيه بعض الإشارات حول ما تحمله الرؤيا من معاني ومضامين وبشريات ، وبعد أن ذكره بعداوة الشيطان لبني آدم على وجه العموم ، قال يعقوب ليوسف : {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }( يوسف : 6 ) ، والمعنى كما جاء في التفسير الميسر : وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقعًا, ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة, كما أتمها من قبل على أبويك إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة ، إن ربك عليم بمن يصطفيه من عباده, حكيم في تدبير أمور خلقه ،
وهكذا ومن كمال نصح يعقوب ووصيته ليوسف أنه ذكّره وأخبره بما سيحصل له من النعم والخيرات ، { وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق } ، وفي هذا الكلام محض النصح والتوجيه والترغيب ليوسف عليه السلام ، فقد ذكره أبوه يعقوب بعاجل بشرى الله له ، وذكره بنعم الله على آباءه وأجداده ليزداد يوسف لزوماً للخير وشكراً لله ،
إذن فنحن أمام أربع بشريات تضمنها تأويل يعقوب عليه السلام لرؤيا يوسف وأخبره بها : الأولى : أن الله تعالى سيجتبي يوسف عليه السلام ويصطفيه على إخوته ، والثانية : أن الله سيعلمه تأويل الأحاديث ، الثالثة : أن الله تعالى سيتم عليه نعمة النبوة ، الرابعة : أن الله سيتم نعمته على آل يعقوب ،
ومن خلال هذه الآية يمكنا أن نلقي الضوء على مجموعة من الحقائق وهي :
0 أن الاجتباء والاصطفاء محض فضل من الله تعالى :
اجتباء الله تعالى ليوسف :
قال تعالى على لسان يعقوب حول رؤيا يوسف عليه السلام : { وكذلك يجتبيك ربك } وهي البشرى الأولى ليوسف ، يختاره الله ويصطفيه ، كما قال تعالى : {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } ( الحج : 75 ) ،
- ولقد رأينا من خلال هذا المشهد القرآني الكريم كيف يطلع الأب ( يعقوب عليه السلام ) الابن ( يوسف عليه السلام ) على ما يعتمل في نفسه ، وبما تستشرفه نفسه من أن الله سيجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث ، ويتم نعمته عليه كما أتمها على أبويه إبراهيم وإسحاق ، والاجتباء هو النبوة التي تقتضي التعليم ، وفيها إتمام النعمة (17) ،
وثمة قاعدة هامة نستخلصها من هذا المشهد مؤداها : أن الله سبحانه وتعالى يجتبى من يشاء من عباده ويصطفى ، والأمر في ذلك لله تعالى وحده ، ولا يشركه فيه أحد ، ولذلك قال تعالي : { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } ( القصص : 68) ، أي : وربك يخلق ما يشاء أن يخلقه, ويصطفي لولايته مَن يشاء من خلقه, وليس لأحد من الأمر والاختيار شيء, وإنما ذلك لله وحده سبحانه, تعالى وتنزَّه عن شركهم ( التفسير الميسر ) ، وقال تعالي : { إن الله اصطفى أدم و نوحا و أل إبراهيم وآل عمران علي العالمين} ( أل عمران : 33) ، أي : إن الله اختار آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران, وجعلهم أفضل أهل زمانهم ( التفسير الميسر ) ، وقال تعالى أيضا : {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } ( الحج : 75 ) ، أي : الله سبحانه وتعالى يختار من الملائكة رسلا إلى أنبيائه, ويختار من الناس رسلا لتبليغ رسالاته إلى الخلق ، إن الله سميع لأقوال عباده ، بصير بجميع الأشياء ، وبمن يختاره للرسالة مِن خلقه ( التفسير الميسر ) ، وهذا يعلمنا أن مرد الإصطفاء والتميز الى الله وحده فهو محض فضل من الله سبحانه وتعالي يؤتيه من يشاء من عباده ، فلا يقع العبد بعد ذلك في حسد علي من أنعم الله عليه ، وهذا الاصطفاء من الله عز و جل نعمه ، وعلى هذا فالانسان المؤمن منا مثلا ينبغي أن يتأمَّل ويعمل فكره في نعم الله عليه ، وكيف أن الله سبحانه وتعالى اصطفاه فلم يجعله جماداً بل جعله إنساناً ، ويتأمل كيف اصطفاه الله فلم يجعله كافراً بل جعله مسلماً ، وليتأمل أن الله عز وجل لم يجعله من أهل الكبائر الفسقة المجرمين من أهل البدعة بل جعله من أهل السنة ، وإذا لم يكن المؤمن من أهل الكبائر فليتأمل اصطفاء الله له وكيف انه لم يجعله من أهل الكبائر وجعله من أهل الاستقامة والطاعة والدين ، وإذا كان طالب علم فان الله اصطفاه اصطفاء أخر بأن جعله صاحب علم ، وإذا كان داعية فهذا اصطفاء أخر من الله بأن جعله ليس فقط من أصحاب العلم بل جعله يدعو إلى هذا العلم ، وهكذا ، فإذا هي اصطفاءات من الله سبحانه و تعالى للعباد وله الحمد والمنة ، .
- و " الاجتباء " لغة : من الجباية و هي الجمع ، يقال : جبيت الماء في الحوض إذا جمعته فيه ، ومنه جباية الخراج أي جمعه ، قال تعالى : { يجبى إليه ثمرات كل شيء } : ( القصص : 57) ، ففي معنى الاجتباء جمع أجزاء الشيء وحفظها من التفرق والتشتت ، وفيه سلوك وحركة من الجابي نحو المجبي فاجتباه الله سبحانه عبدا من عباده هو أن يقصده برحمته و يخصه بمزيد كرامته فيجمع شمله ، ويحفظه من التفرق في السبل المتفرقة الشيطانية المفرقة للإنسان ، ويركبه صراطه المستقيم ، وهو أن يتولى أمره و يخصه بنفسه فلا يكون لغيره فيه نصيب كما أخبر تعالى بذلك في يوسف (عليه السلام) إذ قال : { إنه من عبادنا المخلصين } ( يوسف : 24 ) ، وقيل : " الاجتباء اختيار معالي الأمور للمجتبى ، وأصله من جبيت الشيء أي حصلته ، ومنه جبيت الماء في الحوض ؛ (18) ،
وقوله تعالى : { وكذلك يجتبيك ربك } ، أي وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة ، وكما رأيت نفسك مسجودا لها ، فإذا كتمتها ( أي الرؤيا ) ، " يجتبيك ربك " أي يخصك بأنواع اللطف والرحمة،
ويخلصك لنفسه ، وهكذا فإن رؤيا يوسف ، عليه السلام ، تدل بوضوح على أنّ الاجتباء المنتظر سيكون له ،
وقال بعض أهل العلم : "وكذلك" أي كما أكرمك بالرؤيا فكذلك يجتبيك ، ويحسن إليك بتحقيق الرؤيا ، قال مقاتل : بالسجود لك ، وقال الحسن : بالنبوة ، قال النحاس ، وهذا ثناء من الله تعالى على يوسف عليه السلام ، وتعديد فيما عدده عليه من النعم التي آتاه الله تعالى ؛ من التمكين في الأرض ، وتعليم تأويل الأحاديث ؛ وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا ، قال عبدالله بن شداد بن الهاد : كان تفسير رؤيا يوسف صلى الله عليه وسلم بعد أربعين سنة ؛ وذلك منتهى الرؤيا ،
0 الله تعالى يمن على يوسف فيعلمه تأويل الأحاديث :
قال تعالى : { ... ويعلمك من تأويل الأحاديث ..} ، أي : ويعلمك تفسير ما يراه الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقعًا ، وحول : تأويل الأحاديث تعددت أقوال العلماء والمفسرين واختلفت ألفاظهم وتنوعت :
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مخبرًا عن قيل يعقوب لابنه يوسف، لما قصّ عليه رؤياه:(وكذلك يجتبيك ربك) وهكذا يجتبيك ربك ، يقول : كما أراك ربك الكواكب والشمسَ والقمرَ لك سجودًا ، فكذلك يصطفيك ربك ، ...عن عكرمة : ( وكذلك يجتبيك ربك) ، قال : يصطفيك ، وقال قتادة : فاجتباه واصطفاه ، وعلّمه من عَبْر الأحاديث ، وهو" تأويل الأحاديث" ، وقوله : (ويعلمك من تأويل الأحاديث) يقول: ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديثُ الناس، عما يرونه في منامهم ، وذلك تعبير الرؤيا ، قال ابن زيد في قوله : (ويعلمك من تأويل الأحاديث) ، قال: تأويل الكلام : العلم والكلام ، وكان يوسف أعبرَ النا س، وقرأ : { ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما }( يوسف : 22 ) (19)
وقيل : { ويعلمك من تأويل الاحاديث } ، أي : أي يفهمك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك ، وقيل : { ويعلمك من تأويل الاحاديث } من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة
قال " صاحب الميزان " : و " التأويل " هو ما تنتهي إليه الرؤيا من الأمر الذي تتعقبه ، وهو الحقيقة التي تتمثل لصاحب الرؤيا في رؤياه بصورة من الصور المناسبة لمداركه ومشاعره ، كما تمثل سجدة أبوي يوسف وإخوته الأحد عشر في صورة أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وخرورها أمامه ساجدة له،
لكن الظاهر المتحصل من قصته (عليه السلام) المسرودة في هذه السورة أن الأحاديث التي علمه الله تعالى تأويلها أعم من أحاديث الرؤيا ، وإنما هي الأحاديث أعني الحوادث و الوقائع التي تتصور للإنسان أعم من أن تتصور له في يقظة أو منام فإن بين الحوادث و الأصول التي تنشأ هي منها و الغايات التي تنتهي إليها اتصالا لا يسع إنكاره، و بذلك يرتبط بعضها ببعض فمن الممكن أن يهتدي عبد بإذن الله تعالى إلى هذه الروابط فينكشف له تأويل الأحاديث و الحقائق التي تنتهي هي إليها.(20) ،
قال " القرطبي " : " وعنى بالأحاديث ما يراه الناس في المنام، وهي، معجزة له؛ فإنه لم يلحقه فيها خطأ. وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم نحو ذلك، وكان الصديق رضي الله عنه من أعبر الناس لها، وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم، والطبع والإحسان، ونحوه أو قريب منه كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا (21) ،
وقد قيل في تأويل قوله : "ويعلمك من تأويل الأحاديث" أي أحاديث الأمم والكتب ودلائل التوحيد، فهو إشارة إلى النبوة، وهو المقصود بقوله : "ويتم نعمته عليك" أي بالنبوة ،
وقال " الشعراوي " : " كما آنسَك الله بهذه الرؤيا المُفْرحة المُنْبِئة بأنه سيكون لك شأن كبير بالنسبة لإخوتك وبالنسبة لأبيك، فلسوف يجتبيك ربك؛ لا بأن يحفظك فقط؛ ولكن بأن يجعل كيدهم سبباً لصالحك، ويُعلِّمك من تأويل الأحاديث ما يجعل أصحابَ الجاهِ والنفوذ يلتفتون إليك ، ومعنى تأويل الشيء أي معرفة ما يؤول إليه الشيء، ونعلم أن الرُّؤى تأتي كطلاسم، ولها شَفرة رمزية لا يقوم بِحلِّها إلا مَنْ وهبه الله قدرة على ذلك؛ فهي ليست عِلْماً له قواعد وأصول؛ لأنها إلهامات من الله سبحانه وتعالى.(22) ،
هذا ولقد ذكر تأويل الأحاديث " في سورة يوسف ثلاث مرات : الأولى : الآية التي نحن بصددها في تأويل يعقوب لرؤيا يوسف ، والثانية : قول الله تعالى : {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ( يوسف : 21 ) ، قال " الشعراوي " : وقد بدأ التمكين في الأرض من لحظة دخوله إلى بيت عزيز مصر ليحيا حياة طيبة؛ وليعلمه الله تأويل الحديث؛ بأن يهبه القدرة على تفسير الرُّؤى والأحلام؛ وليغلب الله على أمره ، وتأويل الرؤيا علم يقذفه الله في قلوب مَنْ علَّمهم تأويل الأحاديث، وهي قدرة على فَكِّ شَفْرة الحُلْم، ويعطيها الله لمَنْ يشاء من عباده.(23) ، والثالثة : قول الله تعالى على لسان يوسف في أواخر القصة : {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث فَاطِرَ السماوات والأرض أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} ( يوسف : 101 ) ، " وهو يعترف بفضل الله عليه حين اختصّه بالقدرة على تأويل الأحاديث؛ تلك التي أوَّل بها رُؤْيا الفتييْنِ اللذين كانا معه في السجن؛ وأوَّل رؤيا المِلَك؛ هذا التأويل الذي قاده إلى الحكم، وليس هذا غريباً أو عجيباً بالنسبة لقدرة الله سبحانه " (24) ،
قال بعض أهل العلم : " ومما يلفت النظر استخدام القرآن لتعبير ﴿ من تأويل الأحاديث ﴾، وليس ( تأويل الرؤى)، كما نتوقع، فأما حرف الجر (من) فليفيد التبعيض ، والتأويل يعني مآلات الأمور ونهاياتها وعواقبها ، أي أن الله تعالى قد كشف لبصيرة يوسف خفايا الأمور وعواقبها ، وهو أمر يشتمل تأويل الرؤى ، لكنه أعم منها ولا يقتصر عليها ، وقد قال يوسف للفتيين : ﴿ لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله من قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي﴾ ، أي بتأويل ذلكما الطعام وحقيقته وما يؤول إليه أمره ، وذاك من الغيب في اليقظة لا في المنام ، وكذا قوله : ﴿ فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون﴾ ، فهذا الوحي من تأويل الأحاديث ، يُطمئن الله تعالى يوسف بما سيصير إليه حاله مع إخوته ، ولقد نبه الخضر موسى عليه السلام أنه لن يصبر لعدم معرفته بتأويل أفعاله الغريبة التي سيقوم بها ؛ ﴿ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً﴾ ، ثم أظهر له تأويلها ليتأكد له أنه لو علم تأويلها من قبل لكان صبر: ﴿ ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً﴾ ، ومعنى ذلك أن معرفة النهايات مما يساعد في الصبر على وعثاء الطريق، واتخاذ القرارات الصائبة، وعدم الانزلاق عند المنعطفات، أو التيه في بنيات الطريق ودهاليزها (25) ،
0 تمام النعمة على يوسف وآل يعقوب :
قال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام : { ..ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم واسحاق ..} ، ولقد تباينت الأقوال حول معنى تمام النعمة هنا ، فقيل : { ويتم نعمته عليك } بالنبوة ( تفسير الجلالين ) " وقيل : ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة ( التفسير الميسر ) ، وقيل : أي بالوحى إليك "
وقيل : بإخراج إخوتك، إليك ؛ وقيل : بإنجائك من كل مكروه.
وقوله : (ويتم نعمته عليك) باجتبائه إياك ، واخيتاره ، وتعليمه إياك تأويل الأحاديث ،
أنّ الاجتباء المنتظر سيكون له ، وفيه سيكون تمام النعمة ، التي كانت في إبراهيم وإسحق ، عليهما السّلام "
وفي الحديث ( وضعفه الألباني ) عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمَامَ النِّعْمَةِ. قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا تَمَامُ النِّعْمَةِ؟ " قَالَ: "تَمَامُ النِّعْمَةِ دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَالْفَوْزُ مِنَ النَّارِ". ثُمَّ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ. قَالَ: " قَدْ سَأَلْتَ رَبَّكَ الْبَلَاءَ، فَسَلْهُ الْعَافِيَةَ .... الحديث ".
الخاتمة :
وأخيرا يمكن لنا من خلال إعادة قراءة هذا المشهد من قصة يوسف عليه السلام أن نستنبط مجموعة من العناوين الهامة تربويا واجتماعيا نوجزها على النحو التالي :
- عمق العلاقة بين الابن وأبيه ،
- حوار الأجيال ، والحوار الاسري ،
- منزلة وحكم الرؤى في التصور الإسلامي ، وثبوت الرؤيا شرعاً ، ومشروعية تعبيرها ، كما جاء عن أبي قتادة أنه قال : كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي يقول : " الرؤيا الحسنة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ، وليتفل ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره " ( رواه البخاري ) .
- قد تتأخر الرؤيا فلا يظهر مصداقها إلا بعد سنين عديدة ،
- الحسد والغيرة بين الاخوة في محيط الاسرة الواحدة ،
- توجيه الآباء للأبناء وإسداء النصح لهم ،
- عداوة الشيطان الازلية الأبدية لبني آدم ،
- تحريش الشيطان بين الاخوة ،
- أهمية التربية الايمانية والروحية للابناء وتوثيق صلتهم بالله تعالى ،
- مشروعية وجواز عدم التحدث بنعمة الله للمصلحة الراجحة ،
- مشروعية الحذر والأخذ بالحيطة في جميع الأمور وخاصة الهامة منها ، كما في الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه : " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ، فإن كل ذي نعمة محسود " ( صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ) ،
- اجتباء الرسل واصطفاءهم أمر إلهي صرف ، لا يتدخل فيه أحد من الخلق ، فالله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته ،
- كما أن الشمس والقمر والكواكب زينة السماء الدنيا ، كذلك الأنبياء والعلماء والصالحين زينة الأرض وبهم يهتدي في الظلمات كما يهتدي بالأنوار ،
- أن البيت الطيب يخرج منه الابن الطيب ، انظر إلي قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ( يوسف ) ،
- أهمية ربط الأبناء بآبائهم الصالحين ، كما قال : (ويعلمك ربك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب ....)الآيات .
- أن الأجداد يقال لهم أباء ، كذلك الأعمام ،
- أن من الأدب إعادة الفضل لأهله (وكذلك يجتبيك ربك ...) الآيات ، وهذا ظاهر في قصة يوسف ، عكس ما قال قارون : (إنما أوتيته على علم عندي ..) ، وقبله إبليس (قال أنا خير منه ..)
- أن نعمة الله على العبد ، نعمة على من يتعلق به من أهل بيته وأقاربه وأصحابه، وأنه ربما شملتهم، وحصل لهم ما حصل له بسببه، كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ } ولما تمت النعمة على يوسف، حصل لآل يعقوب من العز والتمكين في الأرض والسرور والغبطة ما حصل بسبب يوسف.( تفسير السعدي )
هذا ولله الحمد والمنة ، وإلى حلقة أخرى بإذن الله ،،،،
***************************
الهوامش والاحالات :
============
(1) - محمد حسين الطباطبائي : " الميزان في تفسير القران " ، صححه واشرف على طباعته : الشيخ حسين الاعلمي ، منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، ط1 ، مجلد 11 ، 1997 م ، ص : 77
(2) - الإعجاز الأسلوبي في سورة يوسف ، المصدر :
http://www.reds4arab.com/showthread.php?t=1888&langid=6
(3) - بسام جرار : " وأعلم من الله " ، المصدر : www.islamnoon.com/Nathrat/yousef2.htm
(4) - أسعد أحمد السعود : " قميص يوسف (حضانة بني إسرائيل ) " ، المصدر :
www.alukah.net/books/files/book_3372/bookfile/yousef.doc
(5) - ابن مقصد العبدلي : " دور الرؤيا في حياة الإنسان " ، دار الكتاب والسنة ، ط3 ، 2015م ، ص ص : 101 - 102
(6) - بسّام جرّار : " نظــرات في ســورة يوسف (2) " ، المصدر :
www.islamnoon.com/new/Motafrkat/yousef2.htm
(7)- أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ) : " سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها " ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض ، السعودية ، ط1 ، 1415 هـ - 1995 م ، ج3 ، ص : 329 ،
(8)- " نفس المرجع السابق " ، ج4 ، ص : 488 ،
(9) - أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي : " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي " ، دار إحياء التراث العربي – بيروت ، الطبعة الثانية ، 1392هـ ، ج15 ، ص : 20 ،
(10) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ، ( ت : 671 هـ) : " الجامع لأحكام القرآن " ، تحقيق : هشام سمير البخاري ، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية ، 1423 هـ/ 2003 م ، ج9 ، ص ص : 108 - 110
(11) محمد رشدي عبيد : " قصة سيدنا يوسف عليه السلام في القرآن الكريم – دراسة أدبية " ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، السعودية ، الطبعة الأولى 2003م ، ص : 27 ،
(12) - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إليهِ الخَلاءُ وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فيتحنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ - قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدَ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدَ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» . قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا [ص:1624] بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ: [اقرَأْ باسمِ ربِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لم يعلم] ". فَرجع بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لخديجةَ وأخبرَها الخبرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وتقْرِي الضيفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ابْنِ عَمِّ خَدِيجَةَ. فَقَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرُكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوَفِّيَ وَفَتَرَ الوحيُ " ( مُتَّفق عَلَيْهِ) ،
(13) - بسّام جرّار : " نظــرات في ســورة يوسف (2) " ، المصدر :
www.islamnoon.com/new/Motafrkat/yousef2.htm
(14) – كما في حديث معاذ ابن جبل : " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود " (قال الألباني : صحيح ، صحيح الجامع الصغير وزيادته ، ج1 ، ص : 223 ) ،
(15) - العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي : " الميزان في تفسير القرآن " ، صححه واشرف على طباعته : الشيخ حسين الاعلمي ، منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، ط1 ، 1997م ، ج16 ، ص ص : 78 – 79 ،
(16) مسلم في " الصحيح " : كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب: تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قريناً ، برقم 2812.
(17) - محمد كامل حسين : " القرآن والقصة الحديثة " ، دار اﻟﺒﺤﻮث اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ، بيروت ، لبنان ، اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷولى ، 1970 م ، ص : 40.
(18) - محمد حسين الطباطبائي : " الميزان في تفسير القران " ، صححه واشرف على طباعته : الشيخ حسين الاعلمي ، منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، ط1 ، مجلد 11 ، 1997 م ، ج11 ، ص : 79
(19) - محمد بن جرير الطبري ( 224 – 310هـ ) : " جامع البيان في تأويل القرآن " ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1420هـ - 2000م ، ج15 ، ص ص : 559 – 560 ،
(20) - محمد حسين الطباطبائي : " مرجع سبق ذكره " ج11، ص : 78 ،
(21) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ، ( ت : 671 هـ) : "مرجع سبق ذكره " ، ج9 ، ص : 129 ،
(22) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي " ، مطابع أخبار اليوم ، القاهرة ، ج11 - 6855
(23) – " نفس المرجع السابق " ، ج11 ، ص : 6898 ،
(24) – " نفس المرجع السابق " ، ج12 ، ص : 7089 ،
(25) - طارق مصطفى حميدة : " نظرات في سورة يوسف ( 7 ) ويعلمك من تأويل الأحاديث " ، مركز نون للدراسات القرآنية ، المصدر : www.islamnoon.com/YOUSOF-7.doc
********
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: