نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5
ثمان آيات في سورة النساء ....
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4734
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحلقة الخامسة :
قال الله تعالى : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه "
(رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه )
*************
************
الحمد لله رب العالمين، سبحانه يعز من يشاء ويُذلُ من يشاء يُؤتي الملك من يشاء وينزعه مما يشاء، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أُلوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، تقدس وتنزه عن الأشباه والأمثال والنظائر والأنداد { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ( الشورى : 11 )، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صلى وصام وطاف بالبيت الحرام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
أما بعد
فها هو موعدنا مع الآية السادسة من آيات سورة النساء التي قال عنها عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما : أنا خير لامة محمد مما طلعت عليه الشمس او غربت،لفرط ما فيها من جميل عطاء الله تعالى لها وكريم فضله عليها،
- مع قول الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } ( النساء : 48)، حيث تقرر الآية أن الله تعالى لا يغفر ولا يتجاوز عمَّن أشرك به أحدًا من مخلوقاته، أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر الأكبر، بينما يتجاوز الله تعالى ويعفو عمَّا دون الشرك من الذنوب، لمن يشاء من عباده، ذلك أن من يشرك بالله غيره، فقد اختلق ذنبًا عظيمًا.
وتكرر ذات المعنى في آية أخرى من نفس السورة وهي قول الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } ( النساء : 116 )،
* ثلاث قواعد قرآنية :
والآيتان تبرزان وتؤكدان على ثلاث قواعد قرآنية محورية يسري معناهما في كافة سور القرآن الكريم، وجاء بها كافة الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وتسليماته، تلك القواعد هي :
- الأولى : أن الشرك أعظم الذنوب، وأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده،
- الثانية : أن الضلال قرين الشرك وملازم له : ولذلك فمن تلبس بهذا الذنب، ووقع في الشرك الذي هو أعظم الذنوب فقد ضل ضلالا بعيدا، وتخبط في دياجير الظلام، وبعد عن الحق، ووقع في براثن الباطل،
- الثالثة : أن من أشرك بالله فقد افترى إثما عظيما وذنبا هو من أعظم الذنوب،
إننا أمام آية كريمة تحمل للأمة المحمدية بشرى بفيض العطاء الإلهي لهذه الأمة، وتجلي لنا صفة الرحمة الربانية، التي وسعت كل شيء، والتي سيكتبها الحق جل جلاله للذين آمنوا وكانوا يتقون، تماما كما قال الحق جل جلاله : { ......قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }( الأعراف : 156 )، أي : ورحمتي وسعت خلقي كلَّهم، فسأكتبها للذين يخافون الله, ويخشون عقابه، فيؤدون فرائضه، ويجتنبون معاصيه، والذين هم بدلائل التوحيد وبراهينه يصدقون.
وهي آية بقدر تأكيدها على التوحيد، بقدر تحذيرها من الشرك، وإن كان من ذنب لا يغفره الله تعالى فهو الإشراك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،
* تعريف الشرك :
وهناك تعريفات متعددة للشرك كلها تنصب في معنى واحد، ومن بين تلك التعاريف :
- " صرف شيء من العبادة لغير الله "، ولذلك عرفوا التوحيد بأنه " هو إفراد الله بالعبادة "، ومن ثم فإن صرف شيء من العبادة يعتبر شركا،
- وهناك تعريف آخر وهو : " مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله "، فمن ساوى غير الله بالله فيما هو من خصائص الله فقد أشرك بالله، وترك التوحيد لأن من خصائص الله أن تفرد له العبادة،
* من ثمرات هذه الآية الكريمة :
- فضل التوحيد وخطر الشرك، فإن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد الخالص، وإن أعظم ما نهى الله عنه هو الشرك،
- أن الشرك بالله تعالى أعظم ذنب عصي الله به على الإطلاق، كما قال جل وعلا : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ( لقمان : 13)، فهو أعظم الكبائر وأبشعها، ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " ( رواه البخاري ومسلم ) (1)
- ولذا كان من الطبيعي والمنطقي والحال هذه أن الشرك وحده لا يغفره الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } (النساء: من الآية48)، ومن ثم فهو مُحبط للأعمال الصالحة مضيع لها { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( الأنعام : 88)
- أن الأحكام الشرعية لا تتلقى بالأهواء، ولا تؤخذ بالآراء، ولا تجدى معها آراء الرجال وأفكارهم، وإنما لابد من الدليل القاطع، والبرهان الساطع، فالحكم سواء كان حكما في العقيدة، أو حكما في الفقه، أوفي أي شأن من شئون الدين لابد أن يكون مستقاه ومنبعه من الأدلة القاطعة الثابنة ثبوت الجبال الراسيات ، قال تعالى : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }( النساء : 36 ) ، فقوله تعالى : " واعبدوا الله " : أمر بعبادته وحده وتوحيده، وقوله : " ولا تشركوا به شيئا "، نهي عن الشرك، ففي هذا دليل على أن في الجملة الأولى أمرا بالتوحيد، ونهيا عن الشرك، كما أن في الجملة الثانية نهيا عن الشرك وأمرا بالتوحيد، كيف ؟ لأن الأمر بالشيء في قوله : { واعبدوا الله } نهي عن ضده، والنهي في قوله { ولا تشركوا به شيئا } أمر بالتوحيد، وهما لا يجتمعان في قلب مؤمن،
- أن الشرك الأكبر أعظم الذنوب قاطبة، لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره يعني الشرك الأكبر لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، وما دونه من الذنوب فهو داخلٌ تحت المشيئة إن شاء غفره لمن لقيه به وإن شاء عذبه، هذا واضحٌ بَيّن (2)،
- أن الشرك الأصغر داخلٌ تحت المشيئة : لقوله تعالى : ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ لأن الآية فيها تقسيم مغفرة، يُغفر، ولا يُغفر، ودلت النصوص أن الشرك له حقيقة، وأن المراد بقوله : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ المراد به الشرك الأكبر فحسب فحينئذٍ يدخل في مقابله ماذا ؟ الشرك الأصغر . إذًا ثالثًا : أن الشرك الأصغر داخلٌ تحت المشيئة لقوله : ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾، ﴿ مَا ﴾ اسم موصول بمعنى الذي فيعمّ، يعم كل الذنوب ويستثنى منه الشرك الأصغر لأنه خرج بأول النص فليس مرادًا (3)،
- أن باب التوبة مفتوح دائما أما العبد مالم يغرغر، ويرى بأس الله، ويعاين قبض روحه، ( أي ما لم يبلغ روحه الحلقوم ) (4)، ومالم تطلع الشمس من مغربها (5)، شيء يحول بين المسلم والتوبة مهما كان الذنب
- أن الآية الكريمة توجب شدة الخوف والحذر من الشرك الذي هذا شأنه عند الله تعالى، لأنه إذا علم المسلم أنه إن وقع في هذا الشرك، ومات عليه من غير توبة فالجنة عليه حرام، يخاف أو لا يخاف ؟ يخاف، وهذا الخوف يكون حقيقيًّا متى ؟ إذا أوجب له الفزع حتى يتعلم ما هو الشرك الأكبر وما أنواعه وما .. إلى آخره، وأما إذا لم يحصل له فزع واتجاه إلى تعلم هذه الأحكام فخوفه كاذب، دعوى أخاف من الشرك فقط فحينئذٍ نقول : ننظر في فعله هل استوجب هذا الخوف الذي قام بالقلب بأن اتجه إلى كتب أهل العلم ونظر في أنواع الشرك من أجل أن يتقي هذا الشرك يبتعد عنه، حينئذٍ نقول : نعم، الخوف موجود، وأما إذا كان مجرد دعوى فما أكثر الدعاوى، توجب شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله تعالى (6).
- دلت الآية على إبطال مذهب الخوارج المكفرين بالذنوب، ومذهب المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبيرة يدخلون النار ولا بد، أوجبوا بأنه لا بد وأن يعذب من مات على كبيرةٍ ولم يتب منها لا بد من النار ولا يخرجون منها، وهم أصحاب المنزلة بين المنزلتين يعني لا كفار ولا مؤمنين، ووجه ذلك يعني من الآية الدالة على إبطالها أن الله جعل مغفرة ما دون الشرك معلقةٌ بالمشيئة ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾، ﴿ يَشَاءُ ﴾ فعل مضارع وفي غالب استعمال القرآن مفعول المشيئة محذوف ﴿ لِمَن يَشَاءُ ﴾ يشاء الله مغفرة ذنبه ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ الله مغفرة ذنبه حينئذٍ ﴿ يَشَاءُ ﴾ الله مغفرة ذنبه وقد لا يشاء، فإذا شاء الله مغفرة الذنب حينئذٍ قد لا يدخله النار ابتداءً أليس كذلك ؟ فدل ذلك على أن من يموت على كبيرةٍ ولم يتب بعضه داخلٌ تحت المشيئة فقد يشاء الله عز وجل ويعفو عنه ابتداءً، إذًا لم تجب له النار، إذًا وجه ذلك أن الله تعالى جعل مغفرة ما دون الشرك معلقةً بالمشيئة، ولا يجوز أن يحمل قوله : ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ على التائب، لأن المراد هنا في هذه الآية من مات على كفره وشركه، ومن مات على كبيرته لم يتب لا من الشرك ولا من الكبيرة، هذا الذي أراده الله تعالى بهذه الآية، بخلاف آية الزمر فالمراد بها من تاب فلا يجوز أن يحمل قوله تعالى : ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ على التائب فإن التائب من الذنب مغفورٌ له سواءٌ كان تائبًا أو تاب من شركٍ أكبر أو كفرٍ أكبر أو كبيرة إلى آخره كما قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [ الزمر : 53] : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ﴾، ﴿ الذُّنُوبَ ﴾ جمع ذنب ودخلت عليه ( أل ) فهو من صيغ العموم فيعمّ ماذا ؟ الشرك الأكبر والشرك الأصغر والكبائر، انظر هنا لما أريد الحقيقة سوَّى بينها في الاسم، يدل هذا أن الحكم هنا باعتبار الذنوب قد يُراد به الحقيقة حقيقة الذنب من حيث هو، وقد يراد به الحكم المترتب على الحقيقة، حينئذٍ إذا نظرنا إلى الذنوب قلنا : كبيرة وصغيرة وبدعة مكفرة وبدعة غير مكفرة وشركٌ أكبر وشركٌ أصغر، أما يغفر أو لا يغفر محصورٌ في نوعين اثنين واضحٌ هذا ؟ هنا : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ﴾ لما أراد المغفرة سوّى بينها فأطلق عليها اسم واحد وهو الذنب، يؤكده أو لا يؤكد ؟ احفظوها (7) .
- إن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا للعبد التائب : فقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ يعني أن التائب لا فرق في حقّه بين الشرك وغيره لهذه الآية، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ فهنا عمّ وأطلق، عمَّمَ وأطلق لأن المراد به التائب، وهناك خاصَّ ما دون ذلك وعلَّق لأن المراد به من لم يتب، قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى، في آية النساء خصَّ وعلَّق، خصَّ مَنْ ؟ خصَّ من مات على كبيرةٍ لأن من مات على ذنبٍ يختلف قد يكون هذا الذنب شركًا أكبر وقد يكون ما دون ذلك، خصّ الحكم وهو كونه مات على كبيرةٍ ما دون الشرك الأكبر ويدخل فيه الشرك الأصغر، وعلّق ؟ علّق المغفرة بماذا ؟ بالمشيئة، وهنا عمم وأطلق، عمم الذنوب ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ﴾، ﴿ الذُّنُوبَ ﴾ عمم باسمٍ واحدٍ، وأطلق ؟ أطلق ماذا ؟ المغفرة،
- أن في الآية إثبات صفة المغفرة والمشيئة لله تعالى، وصفة المغفرة من الصفات الفعلية لماذا ؟ لأنها معلقة بالمشيئة، كل صفةٍ علِّقت بالمشيئة فهي فعلية، ومن أسمائه تعالى الغفور والغفار، وهو الذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي سترها قال تعالى : { إن ربك واسع المغفرة }، ففي هذه الصيغة إشعار بكثرة الستر على المذنبين والتجاوز عن مؤاخذتهم (8)،
* من آثار وتداعيات الشرك الأكبر :
أخبرنا القرآن الكريم في وضوح وجلاء أن من مات مشركا بالله شركا أكبر :
0 فقد حبط عمله : قال تعالى :
- {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }( الأنعام : 88 )،
- { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }( البقرة217 )،
-{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ }( التوبة : 17 )،
-{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }( الزمر : 65 )،
0 فقد حرم الله عليه الجنة : قال تعالى :
- { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }( المائدة72 )،
0 أن الله لا يغفر له : قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }( النساء : 116 )،
* بين قوله تعالى " { إن الله لا يغفر أن يشرك به }( النساء ) ، واية الزمر : { إن الله يغفر الذنوب جميعا }،
إن المتدبر على آيات الكتاب الكريم ربما يستوقفه إشكال ما عند قراءته لقول الله تعالى في سورة النساء في موضعين منها : { ....إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ...} ( النساء : 48، 116 )، وقوله تعالى في سورة الزمر : ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ( الزمر : 53)، حتى أن البعض قد يتوهم أن ثمة تناقض ما بين ما جاء في " النساء "، وما جاء في " الزمر "، ولعل الأمر يحتاج منا إلى بيان وإيضاح حتى تطمئن القلوب، ويتعمق الفهم، فنقول بتوفيق الله تعالى :
- سبب النزول : أن الآية التي نحن بصدد الحديث عنها وهي آية النساء، لها سبب نزول كما قال غير واحد من المفسرين، قال " ابن جرير الطبري " رحمه الله تعالى : وذُكِرَ أن هذه الآية نزلت في سبب أقوام ارتابوا في أمر المشركين حين نزلت : ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ( الزمر : 53)، فلما نزلت هذه الآية ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ ظن بعض الأقوام أن هذه الآية شاملة للمشركين – أي أنهم ارتابوا في أمر المشركين لما نزلت هذه الآية، هل هم داخلون تحت رحمة الله عز وجل أم لا - ؟ ثم ساق بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لما نزلت ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ قام رجل فقال : والشرك يا نبي الله ؟ ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي، أسرفوا على أنفسهم بالشرك الأكبر، هذا محتمل من حيث اللفظ فقام رجل فقال : والشرك يا نبي الله ؟ فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ .. إلى قوله : ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ ( النساء : 48 ) فدل ذلك على أن ثم ارتياب في أمر المشركين هل هم داخلون في آية ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ فبيَّن النبي بهذه الآية أو بهذا الجواب أن الشرك ليس داخلاً في هذه الآية (9) .
- مغفرة الذنوب بين الإطلاق والتقييد : أن الله تعالى قال : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }( الزمر : 53 )، فهنا أطلق المغفرة ولم يستثن ذنبا وانما قال : { يغفر الذنوب جميعا }، بينما يقول الله تعالى في آية النساء : ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾، فهنا استثنى الشرك من المغفرة، وأن ما دون الشرك من الذنوب إنما هو تحت مشيئة الله تعالى ان شاء غفر وان شاء عذب، فهل ثمة تعارض بين الآيتين كما قد يتوهم البعض ؟ ولإيضاح ذلك قال بعض أهل العلم : " ..فكل ذنب تاب منه العبد قبل وفاته فهو كمن لا ذنب له، لكن إن توفي وعليه ذنوب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله : إن شاء الله غفر له تفضلا منه وإن شاء عدلا منه عذبه بقدر ذنوبه ثم مصيره إلى الجنة، أما إذا كانت الوفاة على الشرك فهنا لا يغفر له فهو خالد مخلد في نار جهنم،
- أن الذي عليه جماهير العلماء على أن الشرك الأصغر تحت المشيئة وحاله كحال صاحب الكبيرة، فهما تحت مشيئة الله عز وجل، بمعنى أن من مات على شرك اصغر فهو تحت المشيئة إن شاء غفره له، وإن شاء عذبه، ويقول " الإمام ابن أبي العز الحنفي "، في " شرح العقيدة الطحاوية " : " وقوله : وهم في مشيئة الله وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله إلى آخر كلامه، فصل الله تعالى بين الشرك وغيرة لأن الشرك أكبر الكبائر كما قال صلى الله عليه وسلم وأخبر الله تعالى أن الشرك غير مغفور، وعلق غفران ما دونه بالمشيئة، والجائز يعلق بالمشيئة دون الممتنع، فإذا كان الله تعالى قد علق غفران ما دون الشرك كشرب الخمر أو السرقة أو خلافه بمشيئته سبحانه, تبين لنا ظلم من قطع على الله مغفرة الشرك إذا وقع بجهل إذ لم يدخله حتي في المشيئة أبداً مع الله تبارك وتعالى, فكان ذلك نوعاً من التالي على الله يحبط به العمل والله أعلم، ولو كان الكل سواء لما كان للتفصيل معني، ولأنه علق هذا الغفران بالمشيئة وغفران الكبائر والصغائر بعد التوبة مقطوع به غير معلق بالمشيئة كما قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله .إن الله يغفر الذنوب جميعاً. إنه هو الغفور الرحيم } ( الزمر : 53 )، توجب أن يكون الغفران المعلق بالمشيئة هو غفران الذنوب سوى الشرك بالله ( قبل التوبة ).أ.هـ (10).
- كلام نفيس لابن تيمية : قال شيخ الإسلام " ابن تيمية " : " وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ في النِّسَاء : {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء و}، َهَذِه الْآيَة فِي حق من لم يتب وَلِهَذَا خصص الشّرك وَقبل مَا سواهُ بِالْمَشِيئَةِ فَإِنَّهُ لَا يغْفر الشّرك لمن لم يتب مِنْهُ وَمَا دونه يغفره لمن يَشَاء، وَأما قَوْله " الزمر " : {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا } فَتلك فِي حق التائبين وَلِهَذَا عمم وَأطلق (11)،
- ومن كلام ابن تيمية في ذات الموضوع قوله (12) : فَصْلٌ الْمَغْفِرَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ :
- أن قوله تعالى : وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}( النساء : 48 )، أي: اختلق إِثْماً عَظِيماً} يعني : ذنبا عظيما، غير مغفور إن مات عليه، وفي الآية الثانية {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً}( النساء : 116 )، وكررها في سورة النساء مرتين للتأكيد.
- وحول قوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }، قرأت للشيخ محمد الغزالي ( المعاصر ) في أحد كتبه أنه قرأ يوما قول الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ .....} ( النساء : 48، 116 )، فاتجه تفكيره إلى قوله تعالى { لمن يشاء }، ثم تساءل : الشرك لا يغفر، ولكن ما دون الشرك من الذنوب يغفره الله تعالى لمن يشاء من الناس، من شاء الله غفر له، ومن لم يشأ لا يغفر له، ولكن أليس ثمة علامة أو قرينة تبين او ترجح من من الناس يمكن أن يقع تحت المشيئة فيغفر الله له، ومن منهم لا يدخل تحت المشيئة فلا يغفر له ؟ يقول الغزالي : فلم أصل إلى إجابة شافية على هذا السؤال !! إلى أن قرأت الحديث الصحيح : " عنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رجلا اسمُه عبدُ اللَّهِ، يُلَقَّبُ حمارا كَانَ يُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ ( أي في شرب الخمر )، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَا تلعنوه فوالله مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرسُولَهُ» ( رَوَاهُ البُخَارِيّ، وصححه الألباني في المشكاة )، وفي رواية عن أَبُي هُرَيْرَة رضي الله عنه قال : " أُتِىَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ رَجُلٌ : مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ "، وفي رواية : " .....لا تعينوا عليه الشيطان (ولكن قولوا: اللهم اغفر له) (13)، ثم يعلق الغزالي قائلا : علمت ساعتها أن الذي يدخل تحت المشيئة هو المؤمن المحب لله ورسوله، ولكن غلبته نفسه على المعصية حتى ولو كانت من الكبائر،
وإتماما للفائدة فإننا نذكر ماقاله بعض أهل العلم : ومن أن فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ :
- جَوَازُ التَّلْقِيبِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ هُنَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَكْرَهُهُ، أَوْ أَنَّهُ ذُكِرَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يُسَمَّى بِعَبْدِ اللَّهِ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ نُسِبَ إِلَى الْبَلَادَةِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَنْ يَتَّصِفُ بِهَا لِيَرْتَدِعَ بِذَلِكَ،
- وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ لَعْنِهِ وَالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ لَهُ،
- وَفِيهِ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ ارْتِكَابِ النَّهْيِ وَثُبُوتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَلْبِ الْمُرْتَكِبِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَ وُجُودِ مَا صَدَرَ مِنْهُ، وَأَنَّ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ لَا تُنْزَعُ مِنْهُ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ،
- وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَأْكِيدُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ لَا يُرَادُ بِهِ زَوَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ نَفْيُ كَماله،
- وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِمْرَارُ ثُبُوتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَلْبِ الْعَاصِي مُقَيَّدًا بِمَا إِذَا نَدِمَ عَلَى وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَكَفَّرَ عَنْهُ الذَّنْبَ الْمَذْكُورَ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ بِتَكْرَارِ الذَّنْبِ أَنْ يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يُسْلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ (14)،
- كراهة لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْمِلَّةِ، وأن من كان معه إيمان حقيقي فلا بد أن يكون معه من هذه الأعمال بقدر إيمانه وإن كان له ذنوب،
فهذا بين أن المذنب بالشراب وغيره قد يكون محبا لله ورسوله، وحب الله رسوله أوثق عرى الإيمان، كما أن العابد الزاهد قد يكون لما في قلبه من بدعة ونفاق مسخوطا عند الله ورسوله من ذلك الوجه،
ولهذا قال أئمة المسلمين كسفيان الثوري : أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها، ومعنى قولهم أن البدعة لا يتاب منها أن المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ورسوله، قد زين له سوء عمله فرآه حسنا فهو لا يتوب ما دام يراه حسنا، وهذا أمر طبيعي لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه أو أنه ترك حسنا مأمورا به أمر إيجاب أو أمر استحباب ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسنا وهو سيء في نفس الأمر فإنه لا يتوب، ولكن التوبة ممكنة وواقعه بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق، كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف أهل البدع والضلال، وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه، فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، كما قال تعالى في محكم الكتاب : {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ } ( محمد : 17 )، وقال في سورة النساء : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً، وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } ( النساء : 66 – 68 )، وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ( الحديد : 28 )، وقال أيضا : {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ( البقرة : 257 )،
وقال تعالى في المائدة : { ......قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }( المائدة : 15 – 16 )، وشواهد هذا كثيرة في الكتاب والسنة وكذلك من أعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعا لهواه فإن ذلك يورثه الجهل والضلال،
- الاشفاق على العصاة ورحمتهم وعدم احتقارهم والتعالى عليهم : فالمؤمن إذا رأى عاصياً ينبغي أن يستوعبه، أن يكون له قلب كبير، وأن يأخذ بأيدي العصاة والمذنبين ليعينهم على التوبة والاستقامة، وما أحوجنا إلى هذه الأخلاق في هذه الأيام، والتكفير المجاني على مصراعيه، والكل يحقر الآخر بمعصيته، وهكذا الأمر، أصبح فوضى مطلقة إذا صح التعبير، فضيلة الشيخ أخلاق التائب، وعدم احتقاره لمعصية غيره هذا فضل عظيم يمن الله به على عباده التائبين الطائعين، الركع السجود (15)،
- إن الرسل خافوا على أنفسهم من الشرك، والله حذر نبيه الشرك { ولقد أُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك }( الزمر : 65 )، قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}( النساء : 48 )، يعني : أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(16)،
قال ابن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب رضي الله عنه " يا أمير المؤمنين : الرجل يعمل من الصالحات لم يدع من الخير شيئًا إلا عمله غير أنه مشرك، قال عمر: هو في النار، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يدع من الشر شيئًا إلا عمله غير أنه لم يشرك بالله شيئًا، قال عمر : الله أعلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني لأرجو له كما لا ينفع مع الشرك عمل، كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب، فسكت عمر (17)،
- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما في القرآن أحب إلي من هذه الآية : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ( النساء الآيتان: 48، 116) أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب (سنن الترمذي : ج5، ص : 247 )
وأخيرا فإننا نعود فنذكر :
- أن ثمة اتفاق بين العلماء على أن اكبر الكبائر الشرك بلا خلاف،
- أن العلماء يقسمون الشرك إلى قسمين :
0 أحدهما شرك أكبر، وهو أن يصرف العبد نوعاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى،
0 والآخر هو الشرك الأصغر، وهو الذي يعرفه بعض العلماء بأنه هو : " ما أتي في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حدّ الشرك الأكبر "،
- أن الشرك من الخطورة بمكان بحيث يعد أول نواقض الإسلام، ونواقض كلمة التوحيد كما ذكر " بن عبد الوهاب " إذ يقول : من نواقض الإسلام الشرك في عبادة الله، إذ أن الشرك بالله تبارك وتعالى كبيرة من الكبائر الذنوب، وسبب في دخول النار، إذ لا يدخل الجنة رجل أشرك بالله تبارك وتعالى، قال الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}( النساء : 48 )، وقال : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}( النساء : 116)، وقال تعالى : {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}( المائدة : 72 )، ومن ذلك دعاءُ الأموات والاستغاثةُ بهم، والنذرُ والذبحُ لهم، ونحو ذلك، قال الله تبارك وتعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}( الأنعام : 162 ) (18)،
- ثمة قاعدة قرآنية في مغفرة الذنوب وتقوية الرجاء في رحمة الله : أن قول الله تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} ( الزمر : 35 )، إنما هو عام في جميع الذنوب، مِن كفرٍ وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك، كما قال أهل العلم، فهي في حق التائب، وكل من تاب أي : من أيِّ ذلك تاب الله عليه، وأن قوله تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } ( النساء : 48 )، إنما يعني أن من مات على الشرك لا يغفر له، فهي في حق من مات على غير توبة، أما ما دون الشرك من الذنوب فهو تحت المشيئة الإلهية (19)،
- ان ما دون الشرك معرض للمغفرة لمن يشاء الله،
وإلى لقاء آخر إنشاء الله،،،،،،،،،،،،،
الهوامش والاحالات :
============
(1) – الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الذنب أعظم، قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت : ثم أى؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قلت : ثم أى قال : أن تزانى بحليلة جارك " ( متفق عليه )،
(2) - عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ : " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد "، مؤسسة قرطبة، الرياض، السعودية، 1258هـ، ص : 101
(3) - أحمد بن عمر الحازمي : "شرح كتاب التوحيد "، الشريط الثامن عشر، المصدر : http://www.alhazme.net ، ص ص : 12-13،
(4) – لحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : " إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ " ( رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ )،
(5) – لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعا : " مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ الله عَلَيْهِ " ( رَوَاهُ مُسلم )،
(6) - أحمد بن عمر الحازمي : "شرح كتاب التوحيد "، الشريط الثامن عشر، المصدر : http://www.alhazme.net ،
(7) - أحمد بن عمر الحازمي : "شرح كتاب التوحيد "، الشريط الثامن عشر، المصدر : http://www.alhazme.net ،
(8) - الحازمي – شرح كتاب التوحيد – الشريط التاسع عشر ص 28 – 29
(9) – أنظر :
- محمد بن جرير الطبري ( 224 – 310هـ ) : " جامع البيان في تأويل القرآن "، تحقيق : أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ - 2000م، ج8، ص : 449،
- أحمد بن عمر الحازمي : "شرح كتاب التوحيد "، الشريط الثامن عشر، المصدر : http://www.alhazme.net ، ص ص : 12-13
(10) – أنظر :
- ناصر بن عبد الكريم العلي العقل : " شرح الطحاوية "، مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، ص ص : 372 – 373، المصدر : http://www.islamweb.net
- عبد الرحمن شاكر نعم الله : " حجة الله البالغة الجزء الثاني "، موقع التوحيد الخالص، www.twhed,com،
(11) - تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي ( ت : 728هـ) : " أمراض القلب وشفاؤها "، المطبعة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1399هـ، ص : 60،
(12) - تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي ( ت : 728هـ) : " الفتاوى الكبرى لابن تيمية "، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1987م، ج1، ص ص : 112 – 113،
(13) - ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك ( ت : 449هـ ) : " شرح صحيح البخارى لابن بطال "، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، ط2، 1423هـ - 2003م، ج8، ص : 398،
(14) - أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي : " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، دار المعرفة، بيروت، دار المعرفة - بيروت، 1379هـ، ج12، ص : 77،
(15) - محمد راتب النابلسي : " الآمر بالمعروف لا يحتقر مقترف الذنب1 "، المصدر :
http://www.nabulsi.com/blue/ar/print.php?art=7204
(16) - عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي : " زاد المسير في علم التفسير "،المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط3، 1404هـ، ج2، ص : 103،
(17) - أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي : " الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل "، تحقيق : عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، لبنان ج10، ص : 125، وهو قوله : قال ابن عباس : (إني لأرجو كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب.فسكت عمر)، وإن صحت الرواية فليس فيها تعلق لأهل الإرجاء، فإن المضرة التي يريدها ابن عباس في قوله : (لا يضر مع التوحيد ذنب) هي مضرة العذاب بالخلود في النار، وقد جاء في " تفسير السيوطي" : (2/ 557)، و " تفسير الشوكاني " (1/ 476) رواية أخرى عن ابن عباس تفسر هذه الرواية، وهي ما أخرجه أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم أن ابن عباس قال : " إن الله حرم المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة "،
(18) - الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز : " سبل السلام شرح نواقض الإسلام "، الرياض، السعودية، ط1، 2011م،
(19) - محمد نسيب الرفاعي ( أبو غزوان ) : " تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير "، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية، ( د.ت )، ص : 424،
************
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: