أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3099
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يحار المتابع في السادة القضاة و في مطالب السادة القضاة، فهم يطالبون بكل شيء يهم مصلحة السادة القضاة، و يصرون على الإلحاح ، في المقابل لا يقدم مرفق القضاء للمواطن الغلبان كل حقوقه و يكتفي السادة القضاة بالصفر فاصل حقوق للمواطن المغلوب على أمره، و بين ما هو ‘ متوفر’ بمجلة المرافعات المدنية و التجارية على سبيل المثال من ‘ضمانات’ حقوق و بين ما ‘يوفره ‘ السادة القضاة للمتقاضين ‘ العزل’ هناك مجال كبير للنقد ، على سبيل المثال يحتاج استصدار إذن على عريضة لإجراء عمل تحفظي يجنب حقوق المتقاضى التلف ما لا يقل عن أسبوع كامل من الذهاب و الإياب على مكاتب المحكمة و ‘ تعقيم’ كل المؤيدات المقدمة بجباية التامبر الوجوبى ثلاثة دنانير على الورقة الواحدة و هي عملية إثقال لكاهل المواطن المتضرر بمصاريف زائدة و غير مبررة إطلاقا بإمكانها أن تجره إلى عدم المطالبة بحقه أو التنازل عنه في نهاية الأمر، ليبقى السؤال لماذا التعطيل و لماذا التامبر و لماذا التضييق المتعمد على المتقاضى لحساب المدين ؟ .
ما الداعي لإضراب السادة القضاة بين الفينة و الأخرى ؟ و ما الداعي لتأخير القضايا صبره واحدة بسبب إضراب القضاة ؟ و من يتحمل عبء هذا التعطيل المبالغ فيه من هؤلاء المضربين ؟ و لماذا يستنزف هؤلاء أموال المجموعة الوطنية في أيام الإضراب العشوائية الانتهازية و هم يصرون على عدم خدمة هذه المجموعة المتضررة من القضاة و من المدينين، و أين تلك الشعارات الرنانة في حب الوطن و في فداء الوطن و في خدمة الوطن ؟ و ما الداعي لتعطيل مصالح الخلق الذين يمثلون الأغلبية لخدمة فئة قليلة بإمكانها أن تعتمد طرقا حضارية تنفع مطالبها و لا تضر بحقوق الشعب ؟ ثم لماذا يطالب هؤلاء بهيبة القضاء ؟ و بحماية هيبة القضاء ؟ و بالتنديد بمن ينالون من هيبة القضاء ؟ و هل أن هذا الشعار المثير لكثير من الشبهات ما هو إلا شعار ‘سياسي’ لتبرير مطالب أخرى تماما كما فعلت نقابة التعليم لاستنزاف موارد الدولة بكيفية مرعبة ثم يتحدثون بعد ذلك عن مصلحة التلميذ .
لنكن صرحاء، السادة القضاة هم من أضاعوا هيبة القضاء، بتصرفاتهم و ببطيء أحكامهم و هزال محتواها، و بخضوع البعض منهم إلى عمليات الابتزاز و البيع و الشراء التي أضرت بسمعة القضاء و القضاة، لكن صرحاء قليلا، لقد أضاع الكثير من أهل القضاء البوصلة و فقدوا مشاعرهم نحو أهمية القضاء في مصلحة الشعوب و بات البعض منهم محل ريبة و شك و تشكى لدى العموم بعد أن تفشت بشكل مرعب ظاهرة الرشوة و المحسوبية و الأكتاف، يضاف إلى ذلك المستوى الضحل للأحكام الصادرة عن عدة دوائر بعينها و هو ما تؤكده الإحصائيات المتعلقة بنقض تلك الأحكام لدى محكمة التعقيب، و نتساءل، هل أن تلك الأحكام ‘ الهزيلة ‘ لا تساهم في تمييع فكرة هيبة القضاء و في ضربها لدى العموم ، و هل تحولت الأحكام الصادرة بهذا الشكل مشكلة رأى عام يصر على تنظيف و تهوية غرفة القضاء لفرز الصالح من الطالح، ثم لماذا لا ينتبه جسم القضاء المريض لمداواة هذه المعضلة و لماذا لم تتضمن مطالبه ضرورة التخلص من الحمولة الزائدة .
العيش وراء القضبان مؤثر في نفسية المتهم أو المضنون فيه، و تحمل ‘بيئة’ السجون لها تبعاتها النفسية في مستقبل السجين، و قد تبين اليوم أن طول بقاء السجين بالحبس بالإمكان أن يستغله التكفيريون لصنع هذه القنابل المتفجرة التي أصبحت عبئا ذهنيا و ماديا على المجموعة الوطنية، يضاف إلى أن طول مدة السجن تكلف عائلة السجين رحلات الشتاء و الصيف الباهظة و المتعبة لزيارة السجين، مع ذلك لا يتحرك القضاء لسرعة البت و البحث عن الطرق المناسبة للعقاب، و بين أحكام البداية و أحكام الاستئناف يستنزف المواطن و تستنزف الدولة و تضيع هيبة القضاء في بعض الرشاوى، فلماذا لم يتكيف السادة القضاة مع مطالب الثورة و هي الثورة التي أعطتهم حرية التظاهر و المطالبة بعد أن كانوا نسيا منسيا في العهود السابقة، فكيف يرد القضاء الجميل للثورة بهذا الشكل ، و كيف يتم البت بهذه السرعة المذهلة في قضايا الإرهاب و يبقى سجين ‘ الحق العام’ رهن المعتقل سنوات و سنوات .
يدعى القضاة أنهم ‘يحتاجون ‘ للحماية الأمنية و النفسية و المادية، في مثل هذه الظروف الاقتصادية و الأمنية و المجتمعية البائسة لم يبق للسادة القضاة إلا المطالبة بمنحهم تذكرة لدخول الجنة، لهؤلاء نقول، من يحمى الشعب و من يحمى الجنود على الحدود و من يحمى الأستاذ في البقاع النائية و من يحمى هؤلاء المتاخمين لاماكن الإرهاب ؟ فعملية ‘ الحماية’ مكلفة و غير متوفرة و لا يحتاجها القضاء النزيه في كل العهود و في كل الحالات، الشعب يعانى من الانفلات الأمني أفلستم جزءا من الشعب ؟ و الشعب يعانى من التردي الاقتصادي أفلستم جزءا من الشعب و الشعب يعانى من الحالة النفسية المتردية أفلستم جزءا من الشعب ؟ فلماذا تزايدون على معاناة الشعب و تبحثون عن منتصف النهار عند الساعة الثانية كما يقول المثل الفرنسي المعروف، و هل أنه بمثل هذه المطالب المستمرة ستنجحون في تطهير جسم القضاء المفخخ بالفساد، تبقى نصيحة واحدة، إصلاح النفس، احترام قسم القضاء، هما من سيحميان القضاة و القضاء،فهل من مذكر ؟ .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: