أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4287
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
‘الثورة ‘ التونسية لم تكن ثورة ، لذلك سقطت في أول امتحان ، ثم تتالت سقطاتها تباعا بحيث أصبح الحديث اليوم عن ‘ الثورة’ أمرا ممجوجا و كريها و لا بطعم ، و على عكس ما ينافق به البعض فهذه ‘ الثورة’ لم تنجب حرية التعبير و لم تأت بالديمقراطية و لا بحقوق الإنسان و لا ببقية ‘الأدوات’ الأخرى المكملة للديمقراطية ، ما جاءت به هذه الانتفاضة الموتورة المشبوهة هي قلة الحياء في كل شيء ، في الجدال الإعلامي ، في كيفية التعامل بين الأفراد في الشارع ، في كيفية التعامل بين الإدارة العمومية و المواطن ، أصبح التونسي قليل حياء و قليل تربية و مجرد صعلوك في الطريق العام ، يتحدث لغة سوقية ، يمارس حياة سوقية ، و يفعل أفعالا سوقية ،أيضا جاءت الثورة ‘بحرية تعبير’ من نوع هابط معين ، بحيث أصبح الجميع يفهمون في السياسة و في التاريخ و الجغرافيا و فى سايس بيكو و في الحرب الفيتنامية و في المناخ و في ثقب الأوزون و في علم الكواكب ، و يعبرون عن هذا ‘الفهم’ بذوق مثير للغثيان .
كان هناك من يتحدثون عن أن ‘الثورة ‘ قد فشلت و أنها ماتت على الولادة كما يقال ، بعضهم لعن المنتحر محمد البوعزيزى و بعضهم ترحم على أيام الرئيس المخلوع ، لكن هناك من تنبأ بقرب اندلاع ثورة أخرى خاصة بعد أن استغل الرئيس المؤقت السابق هفوة لسان و سوء ترجمة فكرية إبان الحملة الرئاسية بيته و بين السيد الباجى قائد السبسى ليشعل فتيل الفتنة الكبرى التونسية بين أهل الشمال و أهل الجنوب ، كان الأمر غريبا في تلك الفترة أن تتحول كلمة عفوية الى كرة نار كادت تحرق الانتخابات و نتائج الانتخابات و من انتظروا نتائج تلك الانتخابات ، و حين نعلم مدى تناغم الرئيس المؤقت السابق مع المصالح القطرية و تهديده بنصب المشانق لكل من يقول ‘طز’ الشهيرة للدولة القطرية نفهم أن تحريك أبناء الجنوب لصنع ثورة على بن غذاهم جديدة في شمال افريقية هو فعل خادش للكرامة السياسية للمرشح الرئاسي المتعاطف مع المصالح القطرية على حساب المصلحة التونسية ، لكنه فعلها بكل جرأة و تصميم و دون ذرة خجل من التاريخ .
قبل فترة قليلة ‘بشر’ البعض هذا الشعب الملطوم على قفاه بقرب حصول ‘ ثورة’ ثانية بدون حاجة إلى صاحب عربة الخضار الشهير محمد البوعزيزى ، و حين تسلمت حكومة السيد الحبيب الصيد الحكم في قصر القصبة ظن البعض أن شاحنات المطافئ الحكومية ستطفئ نيران الكراهية و الحقد و الشك في نفوس ما سمى دستوريا بالمناطق المميزة ( بالمعنى السلبي للكلمة ) بسبب ما عانته هذه المناطق طيلة عقود من تهميش ، لكن عثرات الحكومة و ترددها و ارتعاشها فرط على ‘الثورة’ فرصا عديدة لتحقيق أهدافها أو الأهم و المهم من أهدافها و انتهى الأمر سريعا إلى كوارث يومية متنقلة و إلى إعلان حالة الطوارئ ثم بالنهاية إلى حظر التجوال منذ ساعات فقط ، طبعا ، كانت هناك بوادر و علامات ثورة مدمرة و خبيثة و موتورة في الأفق ، لكن يظهر أن السيد رئيس الحكومة لا يملك ‘ بعد ‘ النظر الكافي لاستطلاع الأحداث الدموية القادمة على عجل و ليس الرجل المناسب القادر على فك شفرة تصريحات أصدقاءنا في ‘ الجبهة’ و في محطة ‘ الجزيرة’ و ‘فرانس 24 ‘ .
الجميع في الكادر السياسي كان على علم بالمؤامرة إلا رئيس الحكومة ، و هناك من تحدث عن اتهام للجبهة بإشعال الحرائق المتنقلة و هناك من اتهم المخابرات القطرية و هناك من أشار إلى خزائن المال النفطي الخليحى الفاسد و هناك من أشار إلى بارونات التهريب ، لكن الدخان لم يكن بلا نار ، و ما حدث منذ يومين إلى حد الآن يدعو فعلا للريبة و التساؤل لأنه لا أحد يتصور أو يتفهم أن ما يحدث من حرائق و قتل و رعب هو بفعل مظاهرات ‘ سلمية’ لبعض العاطلين عن العمل ، فهل أن وزارة الداخلية قد أخفت معلومات مهمة أو تباطأت عمدا أو أنها قد وقعت في خطأ في تقدير أم أن تغيير الوزير ناجم الغرسلى بوزير جديد قد أتى بنتائج عكسية ، في كل الحالات من الواضح أن هناك من يحرك فتيل كرة النار في عدة مناطق و من الواضح أن ما يحدث هو مقدمة ملموسة و طبيعية و منتظرة لما يتحدث عنه البعض من أن ساعة الصفر لإعلان دولة الخلافة في تونس قد حانت خاصة أن قناة فرانس 24 قد عادت إلى ‘جدول أعمالها’ المعروف و الذي يؤكد للمتابعين لمثل هذه القنوات المشبوهة أن ما حصل من اضطرابات عنيفة طيلة اليوميين الماضيين هو الإعلان عن بداية ما يسمى بالمرحلة الثانية من ‘ثورة’ الياسمين التي ما زال الجميع يبحثون عن بعض أسرارها ، ليبقى السؤال الملح : من يحرك لهيب النار في تونس ؟ من ؟ ....
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: