د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7744
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه وأشكره على فضله العميم، الذي حبا به عباده المؤمنين، {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }( يونس : 58 )،
يارب :
يارب قد فسد الزمان فنجنا ** يا رب قلت حيلتي فتولنا
يارب من كل المصائب عافنا ** يارب قد عجز الطبيب فداونا
بخفي لطف واشفنا يا شافي
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه هو القوي المتين، جل جلاله، وعز سلطانه، وتقدست أسماؤه، سبحانه سبحانه القائل : {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }( البقرة : 163 )، وإلهكم -أيها الناس- إله واحد متفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وعبودية خلقه له, لا معبود بحق إلا هو, الرحمن المتصف بالرحمة في ذاته وأفعاله لجميع الخلق, الرحيم بالمؤمنين.
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه الواحد
الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، ولا ند له، ولا شبيه له، لا في ذاته ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله جل جلاله،
سل الواحة الخضراء والماء جاريا ** وهذي الصحاري والجبال الرواسيا
سل الروض مزدانا سل الزهر والندى ** سل الليل والاصباح والطير شاديا
وسل هذه الأنسام والأرض والسما ** وسل كل شيء تسمع الحمد ساريا
فلو جن هذا الليل وامتد سرمدا ** فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا
وأشهد أن نبيَّنا وسيّدنا محمداً عبده ورسوله الأمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
سيدي أبا القاسم يا رسول الله
بلغ العلا بكماله ** كشف الدجى بجماله
عظمت جميع خصاله ** صلوا عليه وآله
أما بعــــد
أيها الإخوة الأحباب
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلانية، وفي السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وفي المودة والعداوة، فالله تعالى أمرنا بتقواه حتى في حالة رد العدوان بعدوان مثله، قال تعالى : {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }( البقرة : 194 )، فيا لعظمة الإسلام، ويا لروعة هذا الدين القويم،
فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، واعلموا أن الدنيا عرض زائل يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صدق يحكم فيها ملك قادر، {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }( غافر : 16 )،
أيها المؤمنون
وقبل أن نلج إلى موضوع لقائنا اليوم، أذكرني وإياكم بمجموعة من الحقائق الإيمانية التي نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الموقنين بها، المنتفعين بثمراتها في الدنيا والآخرة،
الحقيقة الأولى : أن الدعاء سلاح المؤمن في هذه الحياة، به تتحقق العبودية الخالصة لله تعالي، وبه تستجلب النعم، وتستدفع النقم، : قال تعالى : { ادعوا ربكم تضرعًا وخفية } (الأعراف : 55)،
الحقيقة الثانية : أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله :" إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء " (1)،
الحقيقة الثالثة : أن الله تعالى تعهد لعباده أن يستجيب لهم إذا دعوه، وأن يعطيهم إذا سألوه، فقال عز من قائل : {وقال ربكم ادعوني استجب لكم }( فاطر:60 )، ويقول جل جلاله : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة :186) وانظر يا رعاك الله إلى قوله : ( فإني قريب ..أجيب دعوة الداع إذا دعان ..) فأية رقة هذه ؟ وأي انعطاف؟ وأية شفافية؟ وأي إيناس؟ وأين تقع تكاليف الحياة في ظل هذا الود الإلهي العظيم، وفي ظل هذا القرب الرباني الكريم، وفي ظل هذا الإيناس الذي يملأ القلب إيمانا وطمأنينة ومحبة ؟ {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}، أضاف العباد إليه، ويا لها من إضافة تشريف وتكريم لو تأملتها، وانظر إلى ما يحمله الرد المباشر عليهم منه جل جلاله وما يحمله من جليل عطاء المولى وتكريمه لهم .. فلم يقل : فقل لهم : إني قريب ..إنما تولى بنفسه جل جلاله الجواب على عباده بمجرد السؤال فقط!، قريب .. ولم يقل أسمع الدعاء ..إنما عجل بإجابة الدعاء : { أجيب دعوة الداع إذا دعان} .. إنها آية عجيبة .. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المـؤُنس، والرضى الـُمطمئن، والثقة واليقين .. ويعيش منها في جناب رضيّ وقربى ندية، وملاذ أمين وقرار مكين،قال عليه الصلاة والسلام: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له))(2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه))(3).
الحقيقة الرابعة : أن قضية إجابة الدعاء معلقة بالإستجابة التامة لله تعالى ، والإيمان به جل جلاله، والامتثال لأوامره ونواهيه، قال تعالى في آية الدعاء في سورة البقرة بعد أن أخبرنا أنه سبحانه يجيب دعوة الداع إذا دعاه، قال : { فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } نعم إنها الاستجابة الكاملة التي تعني السير على المنهج الأوحد الذي اختاره الله لعباده قال جل جلاله : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }( الأنعام:153 )، إنها الاستجابة لله تعالى التي تعني الانقياد التام لأمره ونهيه، والتسليم لقضائه والخضوع لجنابه، وبدون ذلك ربما تتعذر الإجابة.
الحقيقة الخامسة : ليس البلاء علامة على هوان العبد المبتلى على ربه كما قد يظن البعض، ففي الحديث عن مصعب بن سعد ابن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنهما قال : قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً ؟" قَالَ : ( الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) ( رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني ).
وليست العافية من البلاء علامة على الكرامة، بل قد يكون الأمر على العكس: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ أَخَذَتْكَ أُمُّ مِلْدَمٍ قَطُّ؟)، قَالَ: "وَمَا أُمُّ مِلْدَمٍ؟" قَالَ: (حَرٌّ يَكُونُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ)، قَالَ: "مَا وَجَدْتُ هَذَا قَطُّ"، قَالَ: (فَهَلْ أَخَذَكَ هَذَا الصُّدَاعُ قَطُّ؟)، قَالَ: "وَمَا هَذَا الصُّدَاعُ؟"، قَالَ: (عِرْقٌ يَضْرِبُ عَلَى الإِنْسَانِ فِي رَأْسِهِ)، قَالَ: "مَا وَجَدْتُ هَذَا قَطُّ"، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ويؤكد القرآن الكريم على تلك الحقيقة الإيمانية في سورة الفجر حيث يقول الله تعالى : {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، كلا ...... } ( الفجر15 – 16 )، والمعنى أن الإنسان إذا ما اختبره ربه بصنوف النعمة كالمال، والولد، والجاه، والصحة , وبسط له رزقه , وجعله في أطيب عيش , فيظن أن ذلك لكرامته عند ربه, فيقول: إنما ربي أكرمن، وأما إذا ما اختبره , فضيَّق عليه رزقه , ( وينسحب ذلك على النعم الأخرى ) فيظن أن ذلك لهوانه على الله , فيقول: ربي أهانن، ولكن ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان , بل الإكرام إنما يكون بطاعة الله , والإهانة بمعصيته ,
أيها الإخوة الأحباب :
ونأتي إلى موضوع وقفتنا اليوم، ومع الوصفة الجعفرية الرابعة التي يقدمها لنا الإمام جعفر الصادق عليه سحائب الرحمة والرضوان، من كنوز القرآن الكريم، إذ يقول : وعجبت لم ابتلي بالمرض كيف يغفل عن قول الله تعالى على لسان أيوب عليه السلام، أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فإني سمعت الله بعقبها يقول، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين،
هذا هو العلاج القرآني للمرض كما استنبطه هذا العالم الجليل - من سلفنا الصالح - من كتاب الله تعالى، ولقد جاء هذا العلاج والترياق في سياق يتحدث عن دعاء أنبياء الله تعالى ورسله على نبينا وعليهم الصلاة والسلام،
هكذا كانت دعوة نبي الله أيوب، وهكذا كانت إجابة الله لتلك الدعوة الأيوبية، ونحن إزاء هذا الموقف القرآني أمام مجموعة من القضايا الهامة نوجزها فيما يلي :
الأولى قضية الابتلاء والاختبار: وهو سنة ربانية ماضية، قال تعالى : أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( العنكبوت :2-3 )، نعم أحسب الأبرار والأخيار، والصالحون والعلماء والدعاة أن الإسلام ادعاء، وأن لا إله إلا الله كلمة تقال فقط، إذاً كان يدّعيها المدّعي، ويفتري بها المفتري، ولا يُميز بين المؤمن والمنافق، والصادق والكاذب، ولكن أبى الله إلا أن يميز بين الصنفين: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ( الأنبياء : 18 )،
وقال تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }( البقرة : 155 -157 )، وقال عز من قائل : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }( الأنبياء : 35 )، نعم الابتلاء سنة الله في خلقه، الابتلاء من أسرار الدين، الابتلاء تمحيص وتمييز وفرز للناس، يقول ابن القيم رحمه الله: "يا ضعيف العزم! الطريق شاق طويل، ناح فيه نوح، وذبح يحيى، واغتيل زكريا، وطُعن عمر، وضرج عثمان بدمائه، وقُتل علي، وجلدت ظهور الأئمة، وحبسوا لماذا؟ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3] ولكن من الحق؟ من القوي إلا الله؟
الثانية : قضية المرض : فالمرض للمؤمن لون من ألوان الابتلاء، وهو تطهير للذنوب، وتقريب من الرب جل جلاله وهو سنة ماضية،
الثالثة : قضية التداوي : أن التداوي لا ينافي التوكل على الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تداوى، وأرشد أمته إلى التداوي، وهو سيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم رحمه الله : " في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ـ كما يقدح في الأمر والحكمة ـ ويضعفه، من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا " أ.هـ (4)،
الرابعة : قضية الدعاء واللجوء إلى الله : اللجوء إلى الله لكشف الضر، وشفاء الأمراض بيد الله وحده، ( وإذا مرضت فهو يشفين )، فالشفاء من عند الله وحده، وزوال المرض بإذن الشافي سبحانه، وهو يتعلق بعقيدتنا كمسلمين , فبعض الناس يربط قلبه وعقله وجسمه بطبيب أو دواء ما أو غير ذلك من الأسباب الدنيوية , ومهما كان الطبيب قويا أو ماهرا أو متقنا أو حاذقا , ومهما كان الدواء ناجعا، فعلينا أن نؤمن أن الشفاء لا يتم إلا بإذن الله سبحانه وتعالى , فالطبيب نفسه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا , فكيف به أنه يملك لغيره نفعا أو ضرا , وصدق من قال :
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** ياشافي الأمــراض : من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا ياصـــحيح دهاكا؟
أيها الإخوة المؤمنون :
نحن أمام نموذج فريد من نماذج الصبرعلى البلاء، أمام نبي الله أيوب عليه السلام، وما أدراك ما أيوب، نبي ذكر اسمه في القرآن أربع مرات في أربعة مواضع، في سورة النساء، والأنعام، والأنبياء، و (ص)، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل الذين يجب الإيمان بهم تفصيلا، وهو من ذرية إبراهيم أبي الأنبياء عليه الصلاة السلام على وجه التحقيق، لقوله تعالى في معرض الحديث عن إبراهيم عليه السلام : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }( الأنعام : 84 )،
نعم إنه نبي الله أيوب الذي أثنى عليه ربه فقال في قرآن يتلى إلى يوم القيامة : { .....إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }( ص : 44 ) ، أي إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلاء، نِعم العبد هو، إنه رجَّاع ( كثير الرجوع ) إلى طاعة الله تبارك وتعالى
ولاشك أن هذا ثناء عظيم من الله تعالى، نعم العبد، وشهادة من الله تعالى له وكفى بالله شهيدا : شهادة بالصبر، وبكثرة الرجوع إلى طاعة الله تعالى، وجاء ذلك في سياق تذكيرنا بقصته العجيبة، قال تعالى : {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ {41} ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ{42} وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ{43} وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ{44} ( ص : 41 – 44 )، أي واذكر - أيها الرسول - عبدنا أيوب، حين دعا ربه أن الشيطان تسبب لي بتعب ومشقة، وألم في جسدي ومالي وأهلي، فقلنا له على الفور : اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد، فاشرب منه , واغتسِلْ فيذهب عنك كل مابك من الضر والأذى، ففعل فذهب عنه كل داء كان بباطنه وظاهره، فكشفنا عنه ضره وأكرمناه، ووهبنا له أهله من زوجة وولد , ( وقيل : أي أحيا الله من مات من أولاده ورزقه مثلهم بنين وحفدة ) , كل ذلك رحمة منَّا به، وإكرامًا له على صبره، وعبرة وذكرى لأصحاب العقول السليمة، ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج وكشف الضر، وقلنا له : خذ بيدك حُزمة شماريخ، ( من النخيل، وقيل حزمة من حشيش أو قضبان من النبات ) فاضرب بها زوجك إبرارًا بيمينك، فلا تحنث، وذلك أنه أقسم ليضربنَّها مائة جلدة إذا شفاه الله، لـمَّا غضب عليها من أمر يسير أثناء مرضه ( قيل لابطائها عليه يوما )، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى الربانية القدسية، إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلاء، نِعم العبد هو، إنه رجَّاع إلى طاعة الله.
وانظر إلى أدب الدعاء الأيوبي حيث نسب أيوب ما نزل به من نصب وعذاب وضر إلى الشيطان، وإن كانت الأشياء كلها من الله تأدبا معه تبارك وتعالى
أيها الاخوة الأحباب :
رسالتنا اليوم موجهة لكل من ابتلي بالمرض، ومن منا لايمرض، عافانا الله وإياكم والمسلمين من كل داء، فإلى كل مريض يتألم، وإلى كل مبتلى يعاني، وإلى كل مكلوم يتأوه، لك العبرة والعظة والدرس البليغ في نبي الله أيوب عليه السلام كما يحكي لنا القرآن الكريم، فلقد أبتلى الله عز وجل عبده ونبيه أيوب عليه السلام بالمرض وكان بلاءً شديداً (5)
، ويخبرنا القرآن الكريم أن أيوب عليه السلام استخدم سلاح الدعاء بعدما نزل به من أنواع البلاء وصنوفه ما الله به عليم، وانقطع عنه الناس وهجروه، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، وهو في ذلك كله مؤمن صابر محتسب، فلما طال به البلاء ( حتى بلغ 18 سنة ) يا الله، ثمانية عشر عاما وهو مريض يتلوى ويتأوه من آلامه، وبعدها دعا ربه بتلك الكلمات الرقيقة النيرة التي تقطر إيمانا ويقينا وصبرا وأدبا، وذلك في الدعاء الذي نحن بصدده، ولقد أشاد الله تعالى بصبره كما أشاد بدعائه عليه السلام فقال تعالى : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ( الأنبياء: 83 )،
ياله من دعاء عظيم تقصر عنه همم البلغاء والفصحاء، والأدباء، فلقد كانت دعوة أيوب موجزة في مبناها، ولكنها معجزة في معناها، وبليغة في مغزاها ومرماها، فهي مكونة من ست كلمات فقط ، لكنها كلمات لو كتبت بآماق الإبرعلى أوراق الشجر لكانت عبرة لمن يعتبر، وإليكم بعض الملامح مما قاله بعض أهل العلم في عجائب وفوائد هذه الدعوة الأيوبية :
أدب الدعاء :
إن أيوب عليه السلام ألطف في المسألة رغم شدة بلائه، وعظيم معاناته، ومن علامات اللطف في المسألة، ومن مظاهر الأدب النبوي في الدعاء نلحظ ما يلي في دعاء أيوب عليه السلام فيما يتعلق بآداب الدعاء :
- أنه – عليه السلام - ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ( أني مسني الضر )، فهو بكل أدب وبكل تواضع وذلة وخضوع، لا يشكو ما نزل به إلى الخلق، وإنما يرفع شكواه إلى الخالق جل جلاله، ويستمطر رحمة ربه تبارك وتقدس، في وقت هو أحوج ما يكون إلي تلك الرحمة، نعم أيوب لم يشك إلى الناس وإنما كانت شكوه إلى رب الناس، تماما كما قال أيوب عليه السلام عندما أصابه ما أصابه بسبب فقده ليوسف وأخيه، فماذا قال، قال ما حكاه لنا القرآن الكريم : { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ( أي عن أولاده ) وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ، وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ{84} قَالُواْ ( أي الأولاد ) تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ{85} قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{86}( يوسف : 84 – 86 )، نعم فها هو يعقوب يعرض عن أبنائه وقد ضاق صدره بما قالوه، وقال : يا حسرتا على يوسف وابيضَّتْ عيناه , بذهاب سوادهما مِن شدة الحزن فهو ممتلئ القلب حزنًا على فقد ولديه , ولكنه شديد الكتمان لهذا الحزن، قال بنوه : تالله ما تزال تتذكر يوسف , ويشتدُّ حزنك عليه حتى تُشْرِف على الهلاك، أو تهلك فعلا فخفف عن نفسك وهون عليها، فقال يعقوب مجيبًا لهم : لا أظهر همِّي وحزني إلا لله وحده , ولا أشكو إلا إليه، فهو وحده كاشف الضرِّ والبلاء , وأعلم من رحمة الله وفرجه ما لا تعلمونه،
وهذا درس عظيم ما أحوجنا إليه، وخلق كريم ما أحرانا أن نربي أنفسنا على التخلق به، فإياك أن تشكو شيئا نزل بك إلى الخلق، بل وطن نفسك على أن تكون شكواك لرافع السماء بلا عمد،
ولقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله دعاء سيدنا موسى ابن عمران على نبينا وعليه الصلاة والسلام في طور سيناء يوم سجد لله رب الأرض والسماء، وتضرع إلى ربه فقال : "اللهم إليك المشتكى , وأنت المستعان , وعليك التكلان , ولاحول ولا قوة إلا بك " لا إله إلا الله، والله أكبر، اللهم إليك المشتكى : وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، فيامن ضاقت عليك الدنيا إلى من تشتكي، إلى الله، لتكن شكواك إلى الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، إن فإن الشكوى إنما تكون إلى الله تعالى،
ولذلك من أروع ما قرأت لابن القيم يرحمه الله قوله في كتابه البديع الفوائد (6)، كلمات في هذا المقام توزن بميزان الذهب الخالص، قال : " الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، أي غاية الجهل بالله تعالى الذي يشكوه ، وغاية الجهل بالمخلوق الذي يشتكي إليه، فإنه لو عرف ربه حقا لما شكاه، ولو عرف الناس على حقيقتهم لما شكا إليهم، ولقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فقره وفاقته وضرورته وحاجته، فمان منه إلا أن قال له معاتبا، العالم قال للذي يشكو فقره للناس، فقال له : يا هذا والله ما زدتَ على أن شكوتَ من يرحمك، إلى من لا يرحمك، وفي ذلك قيل :
إذا شكوت إلى ابن آدم إنما **تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
والعارف إنما يشكو إلى الله وحده، وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجِبات تسليط الناس عليه، فهو ناظر إلى قوله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) وإلى قوله تعالى : ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) وقوله تعالى : ( أوَ لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم )، فالمراتب ثلاثة : أخسها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. انتهى كلام ابن القيم،
ولقد صدق من قال :
لا تسألن بني آدم حاجة ** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبني آدم حين بسأل يغضب
- أن أيوب في دعائه ذكر ربه بغاية الرحمة ( وأنت أرحم الراحمين )، وقال ( ابن عاشور ) : قوله عليه السلام (وأنت أرحم الراحمين) هوثناء على الله عز وجل، مع تعريض بالدعاء، وقال الثعالبي : وهذا الاسم المبارك مناسب لحال أيوب عليه السلام ( أرحم الراحمين )، وفيه فضيلة الدعاء بإسم من أسماء الله جل و علا، وهذا الإسم من أسماء الله الحسنى ( أرحم الراحمين ) ورد في القران الكريم ( 4 ) مرات :
1)- على لسان موسى عليه السلام { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ( لأعراف:151 )،
2)- على لسان يعقوب عليه السلام { فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ( يوسف : من الآية64 )،
3)- على لسان يوسف عليه السلام { قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ( يوسف :92 )،
4)- وحكاية عن أيوب عليه السلام { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ( الأنبياء:83 )،
- أن أيوب في هذا الدعاء لم يصرح بالمطلوب ( وهو هنا الشفاء ورفع الضر ) فلم يقل ارفع ضرى، واكشف كربي، وأزل بلائي، ولا حتى سأل الله الشفاء مما يعانيه من أمراض وآلام،
- ولم يعين الضر الذي مسه وهذا منه أدب ولطف،
- ولم ينسب الضر والمرض إلى الله مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو جل جلاله، وإنما قال مسني الضر، والدرس الذي نأخذه من هذا الأدب النبوي أنه لا ينبغي للداعي أن ينسب ما أصابه من ضُرٍ أو بلاءٍ أو نصبٍ إلى الله عز وجل تأدباً معه سبحانه وتعالى، مع أنه قدره وكتبه، وذلك كما في قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه فقال كما حكى القرآن الكريم : الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ{78} وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ{79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ{81} وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ{82}( الشعراء ) ، فانظر يا رعاك الله كيف أضاف الخليل عليه السلام كل الأفضال والنعم إلى الله عز وجل، حتى إذا ذكر المرض أضافه إلى نفسه أدباً مع ربه عز وجل ولنا في ذلك قدوة حسنة، وأسوة طيبة، ففي الطعام والشراب قال : الذي يطعمني ويسقين، أما في المرض فقال : وإذا مرضت فهو يشفين، ولم يقل الذي هو يمرضني ويشفين،
وعلق النسفي على دعاء أيوب عليه السلام فقال : لقد ألطف أيوب في المسالة .
* دروس مستفادة من دعاء أيوب عليه السلام :
هذا ومن الدروس المستفادة من دعاء أيوب عليه السلام في آداب الدعاء :
- التوجه إلى الله عز وجل بأحد أسمائه أو صفاته المناسبة لحال الداعي، أوطبيعة الطلب والحاجة، فإن ذلك أبلغ في الدعاء وأسرع في الإجابة، قال تعالى : {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }( الأعراف : 180 )،
- أن عدم التصريح بالمطلوب هو من دواعي إجابة الدعاء، ومن كمال الأدب مع الله عز وجل،
- أن استخدام التأكيد اللفظي في الدعاء لبيان شدة الحاجة من آداب الدعاء التي استخدمها أيوب عليه السلام وهو من باب الإلحاح على الله في الدعاء،
- ومن الدروس الهامة التي نستفيدها من موقف أيوب عليه السلام أن الدعاء سبب عظيم من أسباب تفريج الهموم وزوال الغموم، وإنشراح الصدور، وتيسير الأمور، وفيه يناجي العبدُ ربّه، ويعترف بعجزه وتقصيره وضعفه، وفقره وحاجته إلى خالقه ومولاه، وهو سبب لدفع غضب الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من لم يسأل الله يغضب عليه } ( رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني)، وما أحسن وأفصح قول الشاعر :
لا تسألن بني آدم حاجة *** وسلِ الذي أبوابُه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضبُ
والدعاء سلاح المظلومين، ومفزع الضعفاء المكسورين المستضعفين والمقهورين إذا انقطعت بهم الأسباب، وأغلقت في وجوههم الأبواب، ولم يبق أمامهم سوى باب الكريم الوهاب، الذي ليس عليه حاجب ولا بواب، يقول الإمام الشافعي:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمدٌ وللأمد انقضاء
عباد الله :
وإلى كل مريض ومبتلى - نسأل الله لجميع المرضى أن يمن عليهم بالشفاء التام الذي لا يغادر سقما، إلى هؤلاء نقول تذكّروا ابتلاء أيوب عليه السلام، والزموا دعائه " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " فماذا حدث ؟ على الفور كانت الإجابة من رب الأرض والسماء " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين "،
ألا أيها المقصود في كل حاجة **شكوت إليك الضـر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي **فهب لي ذنوبي كلها واقضي حاجتي
اين آدم :
كن عن همومك معرضاً ** ودع الأمور إلى القضا
وانعم بطول ســـــــلامة ** تغنيك عمـــــا قد مضى
فلربما اتسع المضـــــيق ** وربما ضــــــاق الفضا
الله يفــــــــــــعل ما يشاء** فلا تكن معتـــــــــرضا
وختاما أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين،
**************
الهوامش :
======
(1) – الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء " ( قال الألباني : حسن لغيره )، أنظر :
- محمد ناصر الدين الألباني : " صحيح الترغيب والترهيب "، مكتبة المعارف – الرياض، ط3، ج 2، ص : 128،
(2) رواه مسلم ورقمه (1261) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(3) رواه الترمذي ورقمه (3295) وابن ماجه ورقمه (3817)من طريق أبي المليح المدني .. والحديث رجاله ثقات وأبو المليح وثقه ابن معين وابن حبان والذهبي .
(4) - ابن قيم الجوزية : " في زاد المعاد في هدي خير العباد " تحقيق : شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، توزيع دار الريان للتراث، ط15، 1987م، ج: 4، ص: 15،
(5) – فلقد جاء في الحديث الصحيح : " إن نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب : لا أدري ما تقولان غيرأن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفرعنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق، قال : وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحي إلى أيوب أن { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } فاستبطأته فتلقته تنظر وقد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ والله على ذلك ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحا ! فقال : فإني أنا هو وكان له أندران ( أي بيدران ) : أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض . ( قال الألباني : صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه )، أنظر :
- محمد ناصر الدين الألباني : " السلسلة الصحيحة "، مكتبة المعارف – الرياض، (د.ت )، ج 4، ص : 15،
(6) - الامام ابن قيم الجوزية : " الفوائد "، دار ابن كثير، بيروت، الطبعة رقم 1،2012 م، ص : 87-88،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: