تقويم تجربة برنامج الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء(5)
د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5579
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الخدمة الاجتماعية علم وفن :
الواقع أن من السمات الهامة للخدمة الإجتماعية والتي تجمع عليها كافة المحاولات المطروحة لتعريفها أنها مهنة تقوم على العلم والفن معا وفي آن واحد.
فهي علم Sience من حيث كونها تستند في ممارستها وتطبيقاتها إلى قاعدة علمية معرفية ثلاثية المصدر ( أي تستمد من ثلاثة مصادر ): (1)
1- قاعدة علمية توليفية منتقاة من علوم أخرى، ومثلت داخل المهنة كي تكون صالحة للإستخدام المباشر، ومن تلك العلوم : علم الاجتماع، وعلم النفس، القانون، العلوم السياسية، علم الاقتصاد، الإدارة، علم السكان،
2- قاعدة علمية خاصة بالخدمة الاجتماعية مكونة بالأساس من نتائج البحوث العلمية التي أجريت لتحسين مستوى أداء المهنة لوظائفها،
3- معلومات ومعارف ناتجة عن خبرات ميدانية ذات تعميمات واسعة ومقبولة مهنيا، فيما يعرف بحكمة الممارسة Practice Wisdom، وهذه هي أضعف حلقات القاعدة العلمية للخدمة الاجتماعية،
هذا وتمتزج المعارف المستقاة من تلك المصادر الثلاثة في بوتقة واحدة لتشكل القاعدة المعرفية النظرية التي تنطلق منها الممارسة المهنية في شتى المجالات والميادين،
وتجدر الإشارة إلى أن نقطة الضعف في الخدمة الاجتماعية كمهنة حاليا هي أن تلك القاعدة العلمية الخاصة بها، وإن كانت في سبيلها إلى التطور، إلا أنها لحداثة المهنة ولطبيعة المواقف التي تتعامل معها، والتي تتأثر بالعديد من المتغيرات والتي يصعب تحديدها، أو تحديد التأثير المتبادل فيما بينها بدقة، ما زالت محدودة وإن كانت ستكبر تراكميا مع مرور الوقت،
والخدمة الاجتماعي "فن" Art بالمعنى المهاري :
وكما أن تكوين المعرفة هو " علم الخدمة الاجتماعية " فإن استخدام المعرفة العلمية وتطبيقها في الواقع وجعلها طيعة للإستخدام هو " فن " الخدمة الاجتماعية، بمعنى الفن العلمي وليس الفن الجمالي (2)، وعلى ذلك فالفن في الخدمة الاجتماعية يتعلق بالمهارة والقدرة على استخدام وممارسة القاعدة العلمية، وهو يعتبر فنا علميا لأنه يوجه لخدمة أغراض المجتمع، وليس للتعبير عن انفعالات شخصية كما هو الحال في الفن الجمالي،
ولذلك يطلق البعض على هذا الجانب من الخدمة الاجتماعية "تكنولوجيا الخدمة الاجتماعية"(3) Social Work Technology بمعنى المهارة والكفاءة والقدرة المتخصصة في استخدام وتطويع المعارف والمعلومات أثناء عملية التدخل المهني والممارسة، مثل مثل مهارات العلاقة المهنية، التشخيص- إجراء المقابلا ت، التخطيط الاجتماعي، التقويم – الاتصال، التسجيل، المناقشة الجماعية ... وغيرها، ويتم اكتساب وتنمية تلك المهارات من خلال برامج التدريب الميداني، إن المهارات الفنية للخدمة الاجتماعية تقوم على مجموعة متكاملة من الأفكار والدربة المهنية التي يكتسبها أفراد هذه المهنة فترة معينة من التعليم والتدريب في معاهد ومؤسسات خاصة (4)،
مواقع عمل الخدمة الاجتماعية وطبيعة دورها
إن ميدان ومواقع عمل الخدمة الإجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات كما هو واضح من أدبيات المهنة والممارسات الواقعية، إنما يتمثل في ما يمكن أن نطلق عليه " مناطق القصور المجتمعي " Societal Lack Areas وهي تلك المناطق التي تحدد لنا فئات الناس الذين لم تشبع حاجاتهم، ومناطق الحاجات التي لا تشبعها النظم الاجتماعية القائمة في المجتمع، ولا شك أن وجود هذا القصور المجتمعي في إشباع الحاجات يعني أنه :
• إما أن الفرد نفسه لم يستطع تدبير الموارد الضرورية واللازمة لإشباع تلك الحاجات،
• أو أن شبكة العون أو الدعم الإجتماعي Social Support Network ( أفراد الأسرة – الأصدقاء – النسق القرابي – الجيران ) لم تقدم تلك الموارد،
• أو أن السياسات والخدمات المجتمعية لم تنجح في تقديمها،
وهذا يعني أن مناطق القصور المجتمعي تلك إنما تعكس المواقع أو المواقف التي يوجد بها "سوء توافق " بين حاجات ومطالب المواطنين من ناحية، وبين الموارد المتاحة في المجتمع لإشباعها من ناحية أخرى، وتلك هي تحديدا المواقع التي يشملها نطاق عمل الخدمة الاجتماعية، فالخدمة الاجتماعية تتدخل أينما وجدت هوة عميقة بين الحاجات، وبين الموارد التي ارتضى المجتمع تقديمها لإشباع تلك الحاجات من خلال النظم الاجتماعية القائمة، ويمكن القول أن هذه الفجوات بالذات كانت دائما تمثل منطقة عمل وتميز الخدمة الاجتماعية تاريخيا وفي الوقت الحاضر،
وإذا كان نطاق عمل الخدمة الاجتماعية مركزا على مناطق القصور أو الفجوات التي تفصل بين الحاجات المتصلة بالرفاهية العامة للمواطنين، وبين الموارد المتاحة لمواجهتها، فمن الطبيعي أن يكون الهدف الذي تسعى المهنة إلى تحقيقه من تدخلها هو تضييق نطاق تلك الفجوات، والمواءمة بين الموارد والحاجات على أساس تطويع أو تعديل تلك الموارد، حتى تستطيع القيام بأداء هذه الوظائف الناقصة، أي أن جهود المهنة ينبغي أن تنصب على مساعدة الأنساق الإجتماعية Social Systems على تحمل المسؤليات التي يتعين عليها القيام بها، وهذا يعني أنه حيثما وجد نسق اجتماعي عاجز عن القيام بوظائفه المتصلة بإشباع حاجات المواطنين، أو متجاهل لعملية إشباع تلك الحاجات، فان على الخدمة الاجتماعية كمهنة التدخل بشكل مقصود ومخطط لمساعدة تلك الأنساق على بدء أو تعديل خدماتها لإشباع تلك الحاجات،
-ومن الممكن أن يتم هذا من خلال عدد من الحلول المتدرجة المتمثلة فيما يلي :
1- أول تلك الحلول وأهمها وأكثرها جاذبية بالطبع يتمثل في مساعدة الناس ( فئات المواطنين ) أنفسهم لكي يعيدوا توزيع مواردهم وإمكانياتهم، بحيث يتم التوصل إلى إشباع تلك الحاجات ( مثلا : الإعتماد على أنفسهم من خلال حصولهم على عمل يتعيشون منه، أو تحسين قدرتهم على رعاية أطفالهم من خلال زيادة فهمهم للأطفال ومشاركتهم )،
2- أما الحل الذي يلي الحل السابق في الأهمية والجاذبية : فهو توفير الموارد المطلوبة من خلال شبكات المساعدة الاجتماعية الطبيعية ( كالأسرة أو الأقارب، الجيران، الأصدقاء، أو الأشخاص الآخرين الذين يشتركون في المعاناة من نفس المشكلة )،
3- ثم هناك الحل الأخير عند غياب تلك المصادر جميعا ألا وهو تعبئة الموارد المجتمعية من خلال استصدار التشريعات اللازمة، أو تعديل السياسات التي توجه أعمال المنظمات الاجتماعية القائمة بما يحقق تلك الغاية،
ويجدر بنا أن نلاحظ أنه أحيانا ما تحدث تغيرات بنائية في المجتمع قد تؤثر سلبيا على فئات عديدة من الناس في المجتمع، وفي هذه الحالة فان دور الخدمة الإجتماعية يكون في المقام الأول هو اتخاذ الإجراءات الكفيلة " بالوقاية " من حدوث فجوات بين الموارد والحاجات في المستقبل،
وبطبيعة الحال فإن مهنة الخدمة الإجتماعية كلما نجحت في إيجاد البناءات اللازمة لتقديم الخدمات والموارد التي يحتاجها المواطنون في موقع ما، فإنها تنسحب من هذا الموقع وتتجه إلى غيره من المواقع، حيث توجد فجوات أخرى بين الموارد والحاجات وهكذا، وهذا هو بالتحديد ما فعلته الخدمة الاجتماعية تاريخيا، وهو ما يحدث في الحاضر حيث تتحول من موقع حاجة إلى موقع حاجة أخرى، ومن مجال إلى آخر بحسب ما يحتاجه الناس،
يتبــــــع
===========
الهوامش :
(1) – عبد الحليم رضا عبد العال : " الخدمة الاجتماعية المعاصرة "، مرجع سبق ذكره، ص : 132،
(2) – حيث يميز البعض بين " الفنون الجميلة "، وبين " الفنون العلمية " ولعل العامل الأبرز في هذا التمييز يتعلق بأن الفنون الجميلة تخدم عادة هدفا خاصا بالفنان نفسه، وهي بمثابة تعبير عن انفعالاته وعواطفه، بينما تستخدم الفنون العلمية من أجل حل المشكلات الاجتماعية،
(3) – يشيرهذا المصطلح إلى نماذج التدخل المهني التي طورتها الخدمة الاجتماعية من قاعدتها العلمية وخبراتها الميدانية، والتي تستخدم وتطبق لتحقيق أهداف الخدمة الاجتماعية طبقا للموقف الذي تتعامل معه،
(4) – الفاروق زكي يونس : " الخدمة الاجتماعية والتغير الاجتماعي "، عالم الكتب، القاهرة، ط3، 2005م،ص : 141
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: