بعض الملاحظات حول واقع البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية
أ.د. احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6395
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يكاد يتفق المهتمون بالبحث العلمي في الخدمة الاجتماعية في عالمنا العربي اليوم على أنه يعاني من أزمة تكاد تكون مستحكمة، أزمة يستشعرها معظم الدارسين – إن لم يكن جميعهم - في مجالات الخدمة الاجتماعية والمشرفون على الطلاب والباحثين، والمحكمون لتلك البحوث وأعضاء لجان الترقية، وهي أزمة يجسدها في نهاية المطاف الانتاج العلمي ومستواه المتدني على كافة الأصعدة سواء في بحوث التخرج أو الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراة، أو على صعيد بحوث الترقية التي يتقدم بها أعضاء هيئة التدريس للمجلات والمؤتمرات العلمية ولجان الترقية، ونجمل فيما يلي بعض الملاحظات التي ربما تفتح الطريق لإثارة الإهتمام ولإجراء دراسات علمية مفصلة حول واقع تلك الأزمة ومظاهرها وشواهدها وأسبابها وسبل مواجهتها أو الحد من آثارها السلبية على واقع الممارسة المهنية في مجتمعنا العربي وما تعانيه من عدم فاعلية وتدهور مستمر ومن تلك الملاحظات :
- باديء ذي بدء نود التأكيد على أن عناصر البحث العلمي في أي مجال من مجالاته إنما تتثمل في ثلاث عناصر رئيسة ومترابطة وهي :
1- المشكلة أو الموضوع الذي ينطلق منه البحث ويدور حوله، والذي يجب أن يكون وثيق الصلة بمجال التخصص للباحث،
2- الهدف الذي يتوخى الباحث تحقيقه من خلال إجراء البحث الذي يعتزم القيام به، ولا شك أن الهدف ينبغي أن يكون مرتبطا بمشكلة البحث وموضوعه،
3- المنهج الذي سيتبعه الباحث لمعالجة موضوع البحث وتناول مشكلته، من أجل الوصول إلى تحقيق الهدف ( الأهداف المحددة )، ولابد أن يكون المنهج ملائما لمشكلة البحث من ناحية، ومناسبا لأهداف البحث من ناحية أخرى،
- لا يكفي مجرد المعرفة النظرية للعناصر الثلاث السابقة وفهمها واستيعابها، بل الأمر يتطلب في الأساس فهم واستيعاب كيفية التطبيق في الواقع العملي، وهو ما يتطلب تدريبا جادا يكسب الباحث المهارات البحثية التي لا غنى عنها لأي باحث جاد، ولابد للباحث أن يكون له دور فاعل في هذا الصدد كالالتحلق بالدورات التدريبية وورش العمل الخاصة بمهارات البحث العلمي، حضور الندوات والمؤتمرات العلمية، والحرص على حضور المناقشات العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراة المرتبطة بمجال التخصص العام والدقيق، والاطلاع على الأدلة العملية التي تتضمن إرشادات للباحثين حول كيفية إجراء البحوث العلمية وكتابتها.... وغير ذلك من الأساليب والوسائل المتاحة،
- على قدر نجاح الباحث في تحديد مشكلة بحثه بدقة ووضوح، بحيث يصبح على بينة تامة بها وملما بجوانبها ومتغيراتها المختلفة، وتقويمها وفق المعايير المعتمدة علميا، على قدر نجاحه في تحديد أهداف بحثه بحيث تتوافر فيها الشروط العلمية لتحديد الأهداف، وفي ذات الوقت سيتمكن الباحث من إختيار وتحديد المنهج الملائم لمعالجة موضوع بحثه، واختيار وتصميم الأدوات المناسبة لجمع بيانات الدراسة، وفي ذات الوقت فإن ضبابية فهم الباحث لتلك العناصر الثلاثة سيؤثر سلبيا على كافة اجراءات ومراحل البحث المختلفة،
- من الأخطاء الشائعة فيما يتعلق بالعناصر المشار إليها، عدم بذل الجهد الكافي من قبل الباحثين في اختيار وتحديد وصياغة مشكلة البحث حسب القواعد والضوابط العلمية والمنهجية المتعارف عليها، وعدم إعطائها الإهتمام والوقت والتركيز والدقة الكافية، باعتبارها الخطوة الأولى والأهم والنقطة المحورية التى ينطلق منها أى بحث علمي، و تدور حولها كافة مراحل وإجراءات البحث التالية، وهو الأمر الذي يترتب عليه بالضرورة تدني مستوى البحوث بوجه عام وافتقادها إلى الأسس العلمية والمنهجية نتيجة للضبابية الشديدة التي تكتنف موضوع البحث ومشكلته. ومما هو معلوم بالضرورة لدى المشتغلين بالبحث العلمي أهمية تحديد مشكلة البحث وصياغتها صياغة علمية، وهو ما يعبر عنه بعضهم بأن تحديد مشكلة البحث بدقة ووضوح يعادل نصف البحث، تماما كما هو القول الشائع بأن معرفة المشكلة هو نصف الحل !!!، كما أن تحديد المشكلة بوضوح قبل البدء في الإجراءات البحثية تماما مثل تحديد الوجهة قبل القيام برحلة، ومثل أساس البناء الذي يتوقف عليه نوع وتصميم وتماسك وسلامة البناء، فإذا كان الأساس جيدا من ناحية التصميم وقوي من ناحية المكونات، فانك تستطيع أن تتوقع بأن يكون البناء كذلك. مشكلة البحث إذا هي أساس الدراسة البحثية، فإذا ما حددت وصيغت بشكل جيد، فإنك تستطيع أن تتوقع بأن تكون الدراسة جيدة، والعكس صحيح، ولن نستطرد هنا في كيفية اختيار وتحديد وصياغة وتقويم مشكلة البحث فإن هذا الأمر يخرج عن نطاق اهتمام هذه الورقة، وإنما نريد أن نلفت نظر الدارسين والباحثين إلى خطورة الأمر وأهميته، وضرورة أخذه بالجدية الكافية والإهتمام اللازم، وعند توفر هذه القناعة لدى الباحث يمكنه الرجوع إلى العديد من المراجع المتوفرة لمعرفة كل ما يتعلق بهذه النقطة وغيرها مما سيأتي بيانه،
- يشرع اغلب الباحثين في كتابة بحثه فورأن يقرر إجراء بحث ما، دون الإهتمام بأن يعطي نفسه فرصة للقراءة التحليلية الناقدة حول الموضوع الذي يتناوله بما يمكنه من الإلمام بجوانبه المختلفة، وهذا خطأ شائع،
- أهمية الإطلاع على المراجع العلمية المتعلقة بالبحث في الخدمة الاجتماعية إلى جانب كتب مناهج البحث الإجتماعي، وهو ما يغفله الكثير من الباحثين، وفي الحقيقة فإن هناك مصادر ومراجع عديدة متوفرة في هذا الخصوص سواء باللغة الانجليزية أو العربية، وتتمثل فائدة هذا الإجراء في إلمام الباحث بالسمات والخصائص التي تميز البحث في الخدمة الاجتماعية عن البحث الاجتماعي، ولعل من أهم تلك السمات كما أشارت العديد من الأدبيات أن البحث في الخدمة الاجتماعية لا ينتهي إلى توصيات أو مقترحات كما هو الشأن في العديد من البحوث الاجتماعية، ذلك أن التوصيات التي ينتهي إليها الباحث تحتاج إلى تطبيق في الواقع، ولما كانت الخدمة الاجتماعية بطبيعتها هي مهنة تطبيقية تقوم على التدخل المهني لإحداث التغييرات المطلوبة في شتى مجالات الممارسة المهنية، ومن هنا فإن بحوث الخدمة الاجتماعية تنتهي غالبا بتصميم برنامج للتدخل المهني للتعامل مع المشكلة أو الموقف أو الظاهرة المبحوثة،
- لا يميز بعض الباحثين بين المفهوم والمصطلح والتعريف، ولا يميزون بين التعريفات النظرية والتعريفات الإجرائية، ويغفلون عن أهمية تحديد المفاهيم والمصطلحات ليس في البحث العلمي فحسب، وإنما في أي حوار أو اتصال إنساني مثمر يعد تحديد المفاهيم شرطا ضروريا له ، ويؤثر عن الأديب الفرنسي ( فولتير ) أنه كان يقول : إذا أردت أن تتحدث معي فعليك أن تحدد مصطلحاتك بدقة !!!!، وفي عجالة سريعة يمكن القول :
1- أن المفهوم عبارة عن : "تصور ذهني لشيء أو واقعة أو حدث أو موقف موجود في الواقع سواء كان هذا الوجود مادي أو غير مادي،
2- هذا المفهوم بالمعنى المشار إلية يصب في قالب أو يحمله رمز يصطلح عليه أهل فن أو تخصص أو فرع معرفي معين، يتناقله الناس فيما بينهم، ويحمل كافة دلالات وإيحاءات المفهوم،
3- بيان وتحديد معنى المفهوم في عبارات نظرية يسمى التعريف النظري للمفهوم، ويشترط فيه شروطا معينة لعل أبرزها – كما يقول المناطقة - أن يكون جامعا مانعا.
4- كثيرا ما يتطلب الأمر في البحوث العلمية الميدانية تحديد ما يعرف بالتعريف الإجرائي للمصطلحات والمفاهيم، والذي يعني تعريف المفهوم بما يمكن أن يقاس به في الواقع، كتعريف مفهوم الذكاء بأنه ما يقيسه مقياس الذكاء.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: