الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تزال مواقف "الإخوان المسلمون" تثير تساؤلاتٍ، تحمل مشاعر الحِيرة والغَضب والقَلق بين أبناء الشعب المسلم، بإتساعه الذي يتجاوز الإخوان وغيرهم من التنظيمات. وما ذلك الغَضب، وما تلك الحيرة، إلا لأن الإخوان يُمثلون غالبَ التيّار الإسلاميّ الذي يدافع عن شَريعة الله، وعن عقيدة المُسلمين في مِصر، "أو هكذا قالوا".
وهذه الإدعاءات لا تصْمد لحظاتٍ أمام التصرّفات التي نراها على أرضِ الواقع ، بما يحمِله هذا الواقع من غيابٍ كامل في قضايا غاية في الحَساسية، ومن تصريحات صَادمة لمتحدِثهم العِريان، تُتعارضُ مع أبسط قواعد الولاء بين المسلمين، غير مواقفهم السياسية العديدة التي لا تعكس إلا خللاً في فهم الإسلام، وطبيعته وشريعته، بل وتشكك في قدرة الجماعة وجدواها في تقديم تغيير إسلاميٍّ سنيٍّ طاهرٍّ نَقيٍّ، لا يعرِفُ ثقافَة التلوّن والإغضَاء والهَوان والتبَعّية، مهما حَمَلت من أسْماءٍ مُوهِمة، أو صَدَرَت عن فتاوى تخدمُ نتيجَة مُحدّدة.
ويكفي الإشارة إلى ما كان من موقف الإخوان في ذلك التدسّس بمقابلة عمر سليمان، إبان وقت الثورة، وهو الموقف الذي، لو أنصَفَ المُنصفون، لرَموه بالخِيانة العُظمى، ولوَضَعت جَماعتهم على رأسِ القائِمة السَوداء، ولو إتخذه أي تجمعٍ آخر لرميناه بكلِّ قبيحٍ وذميم. ثم، يأتي موقف هذه الجماعة من قضية المُسلمات المُختطفات من قبلِ الكنيسة، وهي قضية مَركزية لا يُستهان بخطورتها على الساحة السياسية أو العقدية، سواءاً في بعدها الدينيّ الشرعيّ الذي هو الأساس والأهم، أو في إطارِ التركيبة الإجتماعية المصرية، ورَسم شَكلِ العِلاقاتِ بين طَوائِفها في مُستقبل الأيام على أساسٍ واضحٍ شرعاً وسياسةً، أو في إظهار حقيقة القوة التي تمثل الغَالبية في الشارع المصرىّ، لحفظ التوازُنات فيما يأتي من أيام.
وقد خرج د. محمد مرسى، من قيادات الإخوان، متحَدثا على برنامج "آخر كلام"، مع العِلماني اللادينيّ علاء الأسوانيّ، رادّاً على تساؤل يسرى فودة بشأن غياب تخلّف الإخوان عن أي تعليق بشأن أحداث إمبابة، بما لا يبرر مثل هذا التخلف على الإطلاق! قال إن الأحداث غير مقبولة، وأن الدولة بها نيابة يمكن الرجوع اليها في مثل هذه الأحوال! ونسي سيادته أنّ الكنيسة قد اختطفت غير عَبير من الفتيات اللاتي أسلمن قبل ذلك، وكاميليا ووفاء ليستا بقضيتين غائبتين، بل لم تتمكن النيابة، ولا الأمن بكامِله، أن يُنفذ قرار إحضار كاميليا للمثول أمامها!! فإى نيابة يقصدها الرجل؟
المُشكِلة مع الإخوان أنهم يريدون أن يكونوا مُمثلين للإسلام، تحتَ عَباءة التحضّر العِلمانيّ وبإستخدام أساليبه في التعامُل، بل وباستعارة مفاهيمه في التصوّر، وهو أمرٌ لا يستوى عند العقلاء، وهو أيضاً ما جعل الإخوان كمن وقف على السُلم، لا هم إسلاميون سُنيون أنقياء، ولا هم علمانيون لادينيون أدعياء. وهذا المَوقف هو الذي جَعل الحيرة والإضْطراب والتناقض بين ما يتوقعَه العَالِمون بما يَجرى، وبين ما يرونه ويستمعون اليه في الخِطاب الإسلاميّ الإخوانيّ، ودعْ عنكَ أمرَ العَوام.
الظاهرُ من الخِطاب الإخوانيّ هو التراجُع والإنحِناء أمام التيار العلمانيّ، وهو بالتالي ما يسمح لهذا الإتجاه بالإستقواء والتعدّى، بل بالتعبير عن أفكارٍ ومفاهيمٍ تضاد الإسلام دون أي ردّ شرعيّ قوىّ حاسم، كما حَدَث في ذلك اللقاء ذاته، حين نقدَ اللادينيّ الأسوانيّ عن آيات الله في كفر القائلين بالتثليث، فقال مرسى ، تَمَشّياً مع سياسَة الإنزواء الإخْوانيّ، "ومن قال أنّ الأقباط في مصر يقولون بالتثليث!؟" فأخرجهم عن صفة الكفر بما لم يدّعونه هم أنفسهم! هذا بالضبط ما نقصِد اليه، من أنّ سياسة الإنسحاب الإخوانية تؤدى إلى إستدراج الإخوانيّ للقول بمرفوضاتٍ شرعية وكوارث عقدية. وهو ما يُشككُ في قدرة الإخوان على تمثيل المُسلمين، أو إن شئت، الإسلام، في المَرحلة القادمة.
وشرح د. محمد مرسى رأي الإخوان في عدم رؤيتهم، كحِزبٍ وجَماعة، صِحّة ولاية القبطيّ والمرأة، إلا إنهم، في إطار الدولة المدنية (العِلمانية)، لا يمانعون من هذا التنصيب إن وقع تحت مِظلة الدُستور، وأقره القانون.
وقد يمكن أن نفهم ذلك الرأي في إطار النظرة السِياسية التي ترى أن لا سَبب للمُواجَهة، إذ إن الدستور سَينص حتماً على تأييد الشريعة، بإعتبار أن غالب الناخبين من المسلمين المتدينين، وأقليتهم من القبطِ أوالمُسلمين اللادينيين العِلمانيين. وهذا يعنى بالضرورة أنّ الدستور والقانون سوف يكونا مانعاً من تجاوز الشريعة. إلا إننا لا نرى صحة هذا الضعف والتنازل في وقتٍ فيه المسلمون أقوى ما يمكن أن يكونوا. وهذا لا يعنى سبّ الآخرين والتعدى بالقول. بل يعنى الصدع بالحقّ، الذي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين صَدَعَ بلا إله إلا الله، دون مداهنة ولا توسط ولا مُصانعة، ولا حديث عن قبول الكفر إن أقرته قريشٌ ورضيه الملأ! وهو التصور الذي نختلف فيه مع، وعن، الإخوان، فالحقّ لا مداهنة فيه، والخيار بين أن تقول الحقّ أو أن تصمت، والسياسة هي المُداهنة والمُصَانعة مهما أراد مُمارسوها أن يَبعُدوا بها عن حقيقتها.
ثم، تصريح العريان بشَأن استشهاد الشيخ أسامة بن لادن، وهو التصريح الذى صَدم كافة المُسلمين المُتدينين، بل وصَادم قواعد الوَلاء الشرعيّ في الإسلام، حين ساير الغرب في إسناد الإرهاب للشيخ أسامة، وتناسى، في خضم سياسة المسايرة والإنحناء، أنّ أسامة كان رمزاً لمقاومة الإحتلال الشيوعيّ ثم الصليبيّ، ورفض التدخل الصليبيّ في شؤون المسلمين ونهب ثرواتهم. نسى العريان أنّ السياسة الإخوانية فى صَدد الإشتراك في البرلمانات المزيفة الكرتونية قد أثبتت فشلاً زريعاُ مريعاً معيباً خلال الثلاثين سنة الماضية، وأن وسيلتهم في التغيير أثبتت عدم جدواها، إذ لم يكن لهم في تحريك الثورة، بشهادة الجميع، ناقة ولا جمل.
ولا يصحُ بحالٍ من الأحوال أن يَعتذِر الإخوان، أو أن يُعتَذَرُ للإخوان، بأن هناك قوى كثيرة متربصة بالإسلام وبهم، فرغم صِحة هذا القول، إلا أن الردّ لا يكون بالإنسِحاب والتلّون والضعف في وصف الإسلام وهويته، بل والخلط والخطل فيه، ونسيان قول الله تعالى: "ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا۟ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰنًۭا وَقَالُوا۟ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ" آل عمران 173، وقوله عزّ من قائلٍ "خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍۢ وَٱذْكُرُوا۟ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة 63. والأخذ بالقوة، يعنى القوة في الأخْذ، لا بقوة السلاح فقط التي لها محلها وفقههان لكن بقولة الحق في موضعها دون مواربة. فهو أمرُ الله سبحانه الذي يتجاوزه الإخوان خطأً أو تأويلاً.
الأزمة في مواقف الإخوان تتمثل في أمرين لا ثالث لهما، أولهما ضَعف المَرجعيّة الشَرعية وقدرة إستنباط الأحكام، والخلط بين الدليل الشَرعيّ الصَحيح، وبين مبادئ المصلحة المُرسلة في مَواضعها، ومن ثم في رَسم حدود ما يُقال وما لا يُقال، وما يًُفعل وما يُترك، ومحاولة صبّ الإسلام في قالب مفهوم الدولة المَدنية (العلمانية). وثانيهما، الضعف في المواقف العَملية وإيثار الفِرار من مُواجَهة أيّ إتجاه من الإتجاهات المُعادية للإسلام، وهو ما يعكس إنعدام الثقة في النفسِ أولاً، وفي قوة القاعِدة الشَعبية المُسلمة التي أتبتت وجودها على السّاحة ثانياً.
الضَعفُ، إذا، هو السّمة العَامة التي يمكن أن نفسّر بها مواقف الإخوان وتصريحاتهم. يفتقد الإخوان إظهارالثقة بالله، وممارسَة الإعتزاز به وبدينه، وأخذ ما أتاهم الله بقوة. وهو أمرٌ لا يلزم فيه التصريح، بل يثبت من المواقف العملية لا أكثر.
ثم ندعو الله سبحانه أن يرشد الإخوان إلى صالح القول والعمل، فإنهم قوةٌ للإسلام ولا شك، لكنها قوةٌ تفتقدُ صِحَة التوجّه والتوجيه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: