أمران يبرّران ويَحكمان ما نراه يجرى على السّاحة السياسية المصرية، من نقد لرئيس الجمهورية، محمد مرسى، يصل إلى السبّ والقذف والتَحريض على القتل والإهانة. أولهما، الثورة المضادة التي لا تزال تعمل جاهدة لإجهاض أيّ نوعٍ من التقدم في تحقيق مطالب الثورة، وثانيهما فقد الحسّ بالحرية وحدودها وضوابطها، وفهم طرقها ووسائلها.
أما الأمر الأول، فإنّ الفلول لا تزال تعمل عملها سراً وعلانية للإحتفاظ بدولة الفساد والعهر، من خلال دعوات التظاهر كما في وقفات المنصة المُمَولة من ساويرس وعصابة مبارك، وتظاهرة 24 أغسطس، وعلى رأسها رباعية الخيانة والرشوة، محمد أبو حامد، ومصطفى بكرى وأحمد الزند وتوفيق عكاشة. والأمر أنّ الثورة لم تنتصر بعد، ولم تحقق أهدافها بعد، سواءً العلمانية أو الإسلامية، إذ دولة الفساد والكفر لا تزال تُسيطر على كافة مَفاصل الدولة، بل وعلى دستورها المقترح، وإن كانت هناك محاولات لتحجيمها، إلا إنها أقوى من أن تسقط سَريعا، أو دون ضحايا. كما أن ما يسمونه باليسار، وهي المجموعة الملحدة التي يقودها رفعت السعيد لعنة الله عليه، والليبراليين اللادينيين، وهم اليوم كثرٌ في الإعلام الفاسد، هؤلاء هم من يعادى الإسلام علانية ومن ثم يعادى كلّ ما هو نظيف طاهرٌ عفيف اليد واللسان.
ثم إن دولة الجيش لا تزال قائمة كما هي، لم يتغير منها شئ. وإن سَقَطَ حُكم العسكر السياسيّ ، بتنحية أولئك الذين كانت لهم أطماع سياسية، لكن دولة العسكر أمرٌ آخر. فالجيش لا يزال دولة داخل الدولة، وميزانيته ومزاياه ومخصصاته المادية كما هي، بعيدة عن يدٍ الرئاسة، والدليل على ذلك ما أعلنَه الجيش من تبرّعه بمليار جنيه لتعمير سيناء! ووالله إن ذلك الإعلان فضيحة لا يتجاوزها نظام حكم إلا في مصر. إذ كيف للجيش أن يؤمن هذه الأموال من ميزانية يُفتَرض أنها في يد البرلمان، ويفترض أنها تسدّ حاجات الجيش العسكرية، ولا مَحل فيها للتبرعات!؟ إن دولة الجيش لم تسقط بعد، بل ولم تدخل تحت سيطرة الرئاسة بعد، إلا بقدر وجودها في الظلّ، وولاء رؤوسها لمحمد مرسى، طالما هو حافظٌ لشروط اللعبة، بأن يترك دولتهم قائمة، ويكتفي بالحكم.
والأمر الثاني، هو إنعدام الوعيّ بمعنى الحرية لدى جيل عاش كلّ عمره تحت ظل ديكتاتورية قمعية عسكرية. وأمرٌ طبيعيّ أن تكون هناك تجاوزات وتعديات، كالطفل الذي يبدأ أول خطواته، يتعثر فيها ويوقعُ بنفسه الأذى، حتى يحكمها ويمشى سوياً دون اضطراب.
لكنّ نقص هذا الوعي، لا يصل إلى الحدّ الذي نراه في التعامل مع محمد مرسى، والذي يتخَطى حدود كلّ حرية رأيناها حتى في الغرب، إذ لا يمكن لأحدٍ في الغرب "الديموقراطيّ" أن يهدد رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء بالقتل أو بالسجن، وبالثبور وعظائم الأمور. هذا أمرٌ غير وارد على الإطلاق. ونحن نعيش في الغرب منذ ثلاثين سنة لم نرَ هذا الفجور في النقد والتعدى في المعارضة.
نحن نعارض محمد مرسى، بل ونقف على نقيض موقفه في أهم القضايا التي تعنى المسلم في بلادنا، وهي قضية حق التشريع، وموضع النظام الديموقراطيّ الغربيّ في المنظومة الإسلامية، والتصور الإسلاميّ. لكن هذه المعارضة لا تستخدم السبّ والقذف واللعن والتهديد بالقتل كوسائل لها. بل هي مُعارضة تنزع إلى البيان والإعلان، ثم حشد الهِمم وتجميع الناس على نظرٍ واحدٍ، ثم نرَ ما يكون من هؤلاء الإخوان، فإما الرجوع إلى شرع الله سبحانه، وإعلانه مُشرّعاً وحيداً ومطلقاً، وإما المفاصلة والثورة والخروج على السلطة التي تصبح بخروجها عن حكم الله "غير شرعية"، حين يحين حينها، إذ مفهوم السلطة الشرعية، في نظر المسلمين، ليست تلك التي اكتسبت حق وجودها من الشعب باسم الشعب، بل التي اكتسبت حق وجودها من إتّباعها شَرع الله وحكمها به في الشعب، والفارق بين المَوقفين هو الفارق بين الإسلام والكفر.
ولا يقولنّ أحد المغرورين إنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد قَبِلَ تهديد من قال له "لقومناك بسيوفنا"، فإنه أولا أثرٌ فيه كلام، ثم إنه يفترض أنّ إعوجاجاً حدث في الحاكم، فهو يهدد بتقويمه "إن إعوج"، لا أنه يَسبه ويَلعنه بلا دليل وقبل أن يبدأ حكمه.
إن التحقير والسَّب والمُعارضة السافلة من بعض "الإعلاميين والإعلاميات، والفنانين والفنانات" من العلمانيين والعلمانيات، والكافرين والكافرات، إن هي إلا محاولة لتجريح الإسلام، لا الإخوان. فإن محمد مرسى، ويتبعه الإخوان، يمثل الإسلام وشَرعه، سواءً رضينا أو كَرهنا، والهجوم عليه هو في حقيقته هجوم على الإسلام، سواءً كان حقاً أو باطلاً. فما نريده من مرسى هو الإسلام الصافي، وما يريده هؤلاء من مرسى إسقاط الإسلام كلية.
وما نرى هذا الإجتراء إلا من ضَعف الرئاسة وهوان حَقّها عليها، وخوفها من الباطل واستضعافها بالحقّ وللحق. فمحمد مرسى هو المسؤول الأول عمّا يجرى له، إذ إن الحرية هي حرية الكلمة والتعبير، ثم البيان والتدليل، ثم نشر الدعوة وحرية القول فيها، ثم بعدها تأتي المفاصلة، إن أصَرّ الولاة على تحكيم الكفر وإخضاع البلاد لقوانين العباد. هذا هو الفرق بين المعرضة البنّاءة السويّة والمعارضة المغرضة الشريرة، بين النقد الذي يقصد إلى الإصلاح، والنقد الذي يقصد إلى التخريب.
ولعله لا يخرج علينا رويبضاتٌ يقولون "هاهو الشيخ طارق يدافع عن محمد مرسى، الكافر الزنديق...الخ الخ"، ونقول لهؤلاء، والله إن أمثال من يقول هذا ليس أهلاً للرد والمدافعة، ونحن لا ندافع عن محمد مرسى، بل نحن نكاد نكون على طرف نقيض منه في تصوراته العَقدية وكثير من تصرفاته الواقعية، إنما هو حسن التصرف، والإنطلاق في النقد والنقض على أسس صحيحة، وليس مَنْ أصاب الحق دون أن يقصده، كمن قصد الحق فأخطأه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: