الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
استبشرت خيراً بما وَرد في الأنباء، عن ذلك الحشدِ الذي تجمّعت طلائعه في ميدان التحرير، تظاهراً ثم إعتصاماً، يحضّ عليه عدد من الشيوخ الأفاضل. ذلك أنّ الثورة التي نرتقب بعون الله تعالى، لابد لها من أمرين، أولهما وجود قيادة موحدة يقودها علماء صالحون. وثانيهما، كشف الزيف الذي تدّعيه تلك المَجالس التي تصبِغ على نفسها "العلمية" أو "الشرعية" أو "السلفية"، التي تزيف منهج السلف، وتزوّر أقوال الشرع، وتقود الناس إلى الهاوية.
أما عن الغرض الأول، فإن إجتماع مشايخ الخير، ممن بانت له مكائد الشيطان، وسطع أمام عينه بريق الحق، على رأيّ واحدٍ يتمثل في الحضّ على الخروج، وقيادة الشباب في الميدان، وللميدان، ضرورة لا غناء عنها. فإن القيادة لا بد منها لتوحّد الصفّ والتصرف، ولتوجيه الطاقات واستثمارها، وسدّ الخلل في التجمعات وضبط حركتها، وتأمين الإمدادات البشرية لملئ الفراغات التي قد يصيب القائمين على ثغورها تعب أو إرهاق أو إعتداء. كذلك هي الضمان الوحيد للإستمرار على الطريق وعدم النكوص أوالتراجع، أو العودة إلى البيوت، قبل يتحقق الهدف، كما حدث في "25 يناير" الأولى، حين انفض السامر قبل أن ينضج الشواء!
والراية التى أحسب أن الصادقين يرفَعونها، هي راية الإسلام، لا غيره، والتي تجعل من تطبيق الشريعة الهَدف الأول والأعلى في هذه المواجهة، التي فرضتها علينا قوى الظلام العسكرية. وهي راية إسلام، يجب أن يصطف تحتها كل من إدعى الإسلام، حتى ولو اختلطت عليه الأمور، أو انتمى لأيّ صف من صفوف الجماعات التي والت على غير الله، وعادت على غير الله.
هنا يثبت الولاء، وهنا تصح العقيدة أو تبطل، وهنا يكون إيماناً أو لا يكون، لا وسط ولا تردّد ولا مداهنة، ولا تخليط. الراية راية الإسلام، الصافي، السنيّ، الصحيح، النقيّ من شوائب الصّفقات، وتمحّكات الجبناء، وعمالة العملاء.
ولا يتقوّل أحد علىّ أني أقول أنّ الذين رفعوا هذه الراية اليوم، أيّا كانوا، هم كالصحابة عدلاً وفهماً، ولا والله، ولا قريب منهم، فأولئك لا مثيل لهم ولا قريب، كما إنّ لهم أقوالا قد تتباين وتختلف، وأفعالا قد لا تكون على أصحِ المناهج، ولكن نحن بصدد نازلة سَتُضرب فيها الأمة ودينها ضربة لا شفاء منها إلى أن يشاء الله. وقد رفع بعض هؤلاء لواء، وإن شابته شوائب مسايرة قديمة للحل القانونيّ، إلا أنها اليوم قد كَفَرَت به، وألقته جانباً، لصالح المواجهة، والمناضلة. وليس على الساحة من فعل ذلك إلا من عصم الله.
أما الثانية، فهى كَشْفُ من انضوى تحت راية لا يُعرف لها غاية، ولا يظهر لها سبيل. راية عٌمِّيّة، كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم، من أمثال ياسر برهاميّ، ومحمد عبد المقصود. أيّ راية يقف تحتها هؤلاء؟ والله لا ندرى نحن، ولا هم. فتارة يكذّبون الشيخ حازم، وتارة يطالبونه بالتضحية من أجل الشعب، وهو ما يعنى تصديقه، وتارة يقفون في صفه، وتارة ضده، وتارة يَصفون الخروج والتظاهر بأنه حرام ممنوعُ واذكاء للفتنة، فإذا وجدوا أن ليس لهم أتباع على ذلك، نصحوا بالخروج، دون "تعطيل طريق، أو إزحامه! أو رد الإعتداء أو تعطيل مرور..."، أيْ خروج دون خروج!!
أيّ راية إذن يرفعها هؤلاء؟ لقد ملأوا أسماع تلامذتهم بالحديث عن التوحيد، وعن الحكم بما أنزل الله، ثم إذا لاحت فرصة التنفيذ، وجاءت فسحة التطبيق، تخلفوا ونكَصوا، بل ثبّطوا ومَنعوا، بل حرّموا وجَرّموا! فما هو تأويل ذلك، يا أصحاب التزوير، وإختلاق المعاذير؟
الأمر كله لا يعدو أن الحديث في التوحيد النظريّ، داخل المساجد، مصحوباً، بفتاوى عدم الخروج على الحكام، ووجوب طاعة ولي الأمر، ولو كان بوش كما ذهب اليه متطرفوهم، هو أسهل أمرٍ يمكنه بهم أن يستولوا به على قلوب العامة، إذ لا مفر من آيات الله البينات في قضية التحاكم للشرع، لكن تحبيشها بما ليس في مناطها، جعلها غير قابلة للتنفيذ، كالأرض الوقف، أو الزوجة المعلقة! ولمّا أن جاء وقت الحقّ، ظهر انهم إنما كانوا مستهزئين بكتاب الله، لا يريدون تطبيقه حقاً وصدقاً، وإنما قدموا بين يديه أمنهم الشخصيّ، وعلاقاتهم المريبة، والعائلية لدى بعضهم، مع الجهات الحاكمة وأمنها.
هذه الراية العُمِّيّة التي يقف تحتها هؤلاء، لا يصح أن يكون معهم تحتها مسلمٌ مُخلص لدينه، ولا محبٌ لأهله ووطنه. فإنها في حقيقة الأمر، راية العسكر، وراية نظام مبارك، وراية نصرة الفساد، من باب "الطغيان أهون من الفتنة". وما هذا الطغيان بطغيان، ولا تلك الفتنة بفتنة. النظام القائم نظام كفريٌّ - لا من يعيشون تحته - يحكم بين الناس بغير ما أنزل الله، إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً وقضائياً، ويسلبهم بهذا حريتهم وكرامتهم وينهب ثرواتهم ومقدراتهم. وهذا أشد من مجرد الظلم الذي قد يأتي في ظل دولة الإسلام، من قبل حاكم ظالم طاغ، دون أن يجرد الدولة من صفتها الإسلامية وهويتها الشرعية.
لقد أثبت هؤلاء أنّ ولاءهم ليس لدينهم، قدر ما هو لوليّ أمرهم ولأنفسهم. وها هي شِهادة أحد أتباعِهم، أحمد أمين الشالي، شاهد الإثبات في قضية مقتل سيد بلال، رحمه الله، يقطع بخيانة هؤلاء المشايخ، ياسر يرهامي وسعيد عبد العظيم، وغيرهم ممن أعانوا أمن الدولة على طَمس مَعالم الجريمة، وإقناع الناس أنّ عائلة بلال قبلت الدية، كذباً وزوراً، إنما هي رشوة إكراهٌ وليست بديّة.
وهاهم قد أعلنوا عدم إشتراكهم في هذا الحشد الإسلاميّ الوطنيّ، ولاغرو، ولاعجب، فهم أهل التخاذل والخوف.هم أبناء أمن الدولة وكلاب حراستها، يستخدمون دين الله ليبرروا لهؤلاء الكفرة ظلمهم. فانبذوهم والفظوهم، فأمامهم يوم يكونون فيه "مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌۭ".
هاتان هما الرايتان المرفوعتان اليوم. راية تدعو إلى تطبيق الشريعة، والتزام حكم الإسلام، والحياة الكريمة، وراية عمية لا تدعو لشرعٍ ولا تَحضّ على خير، بل هي راية تثبيطٍ وتخذيلٍ وانضواء تحت حكم الذل والقهر والكفر، بإدعاءات أقل ما توصف بها البطلان والخيبة.
فهلم إلى راية الشرع يا أبناء الإسلام، وانفضوا عنكم تراب الخزي الذي شوهتكم به علماء السوء والخيبة. اسمعوا لضمائركم، وثقوا في فتوى قلوبكم، فإن الفطرة هاديةٌ، ما انتكست باستمراء الضلال، وتزيين الباطل.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: