ارتفع أذان العصر في خلفية المشهد. نقترب من مدخل ميدان العباسية، من تحت كوبرى 6 أكتوبر، ونترجل من السيارة، في مكان قريب. عدد من الإخوة يسيرون تجاه ميدان العباسية بجانبنا، فرادى ومثاني. نصل إلى أمام وزارة العدل، ونتخطاها قليلاً. الجو يبدو هادئاً، وعدد من المخبرين يقف أمام مباني الإدارة العسكرية، منتشرين يتلصّصون على الوافدين. الشارع مفتوح ولا أثر لعربات عسكرية.
فجأة، بلا مقدمات، بدأت سحائب دخان كثيفٍ تظهر في السماء. صرخات تتصاعد. هتافات تتعالى "أرجعوا للخلف فقد بدأ الضرب!" رجالٌ ونساءٌ يهرعون من قِبَلَ الداخل نحو الشارع، وهم يختنقون من الدخان. كثافة الدخان تتزايد، شعور بالإختناق يلتف بصدرى ويتصاعد إلى حلقى. تتوافد الدموع مسرعةً إلى عينيّ، وحريقٌ ينشب في وجهى. لا فائدة من تغطية الوجه أو العين، فالدخان يخترق كلّ مانع. هو نوع جديدٌ مطور غير ما استعلته قوى الطاغوت في محمد محمود. صمدنا قليلاً. ثم بدأت زخات الرصاص الحيّ تتوالى مخترقة صراخ الصارخين، ونداءات المنادين. فردية ومتتالية. الجموع تجرى من الداخل. شباب يحمل رشاشات مياه مملحة يرشونها على أوجههنا لدرأ الحرق. بدأنا في التحرك إلى الخلف. وإذا بالشارع الذى كان مفتوحاً من ورائنا قد سدّته علينا بكامل عرضه، مصفحات عسكرية، بلا مخرج منها. تهرع الجموع إلى شارع آخر جانبيّ، تحت أصوات الرصاص الحيّ، وسحائب الدخان الكثيف. تتعالى الصيحات أن "اركضوا فقد اصطف جنود الأمن المركزيّ في منتصف هذا الشارع إستعداداً لغلقه.
المصيدة تُحكَم قبضتها. كفار العسكر يريدون أن يوقعوا الناس في المصيدة ثم يقتلوهم بلا رحمة. نركض جميعاً بأسرع ما يمكننا نحو نهاية الشارع، ونرى قوات الأمن المركزيّ الإرهابيّ بدأت في الإنتظام. نتجاوزها ونقف في مفترق الطريق. يتجادل الإخوة فيما نفعل، أينتظر الجمع الكرّ، أمْ يتجه إلى ميدان التحرير؟ نوارة نجم تجلس على جانب الرصيف بعد عملية الفرّ. يقرر الجمع ان يتجه لميدان التحرير، حيث الأوضاع هادئة. حيث يقبع الإخوان، في تظاهرتهم "الماتينيه"، "من ثلاثة لسته"! يخابرني أخٍ من الداخل أنّ العسكر قد فتحوا الرصاص الحيّ فأوقعوا عشراتٍ بين قتيل وجريح. وتنقض قوات الكفر على بعض الإخوة فتضربهم بلا رحمة لتسقط فكوكهم وتدقّ أسنانهم. يتصل بيّ أخٍ يهرَع بين الدمرداش وغَمرة حيث أحكمت قوات الكفر الحصار على المنطقة وراحت تضرب برصاص حيّ، حيث اختبأ في منزلٍ مجاور حتى هدأت أصوات الرصاص، ثم خرج في صحبة عائلة، ليخرج من المنطقة. أخبار تأتي من مستشفى الدمرداش أنّ من فيها من الجرحى محاصرون، وأنه يتعرضون للرصاص. إعتقال الشيخ حسن أبو الأشبال، ثبته الله في محنته.
هكذا بدت ساحة العباسية، لشاهد العيان في 4 مايو.
كلّ هذا يجرى، والشياة من أدعياء السلفية يجلسون في بيوتهم، يطلبهم إخوة سائلين أن يقولوا شيئاً أو يفعلوا شيئاً، فكان جواب بعضهم "هؤلاء مكفراتية يستاهلوا"، غيرهم يقول "وأنا مالي، هؤلاء سَبّوني من قبل"، وأمثلهم طريقة يقول "قد نصحناهم فلم ينتصحوا، أفيطلبون منا النصرة الآن لنموت معهم"! جبن وخساسة ونذالة، لم نر لها مثيلاً في تاريخ أمتنا. ولتفرض أنّ أخاك أخطأ في التقدير، أخطأ في التصور، أخطأ في إهانتك، أفيكون موقفك أن تتركه يُقتل؟ والله إن أبا جهل ليفضل أحد هؤلاء المتعممين مئات من المرات في ميزان الله سبحانه.
هذا، واللواء أمن دولة محمد حسان، يقف بين يدي ملك السعوديين، يقبل الأيادى، ويلعق الأقدام، ويمرغ كرامة شعب مصر في الوحل، يستجدى عودة سفيرهم إلى بلادنا! ألا ما أذلك وما أخسّك وما أحقرك من رجل! ويجلس المفتون في دينه، سعد الكتاتنيّ، خذله الله وأضله، بجوار ملك السعوديين، كأنه يرى نفسه في هذا المقام قد بلغ منتهى أمله في دنياه، فهو يقول كصاحب الجنة "ما أظن أن تبيد هذه أبدا"! تبّاً له من تعيس!
الأمر أكبر من أن نتعرض له في مقالٍ واحد، والجسد منهك، والفكر مشتت. لكنّ ما حدث، ويحدث اليوم، ينبئ عن مستقبلٍ مظلمٍ، ستعود فيه قوى الظلم والقهر، تخسف بشعب مصر الأرض، وتهلك له حرثه ونسله. والمستفيد هم مشايخ السوء أولياء الكفر، وإخوان البغي من عباد البرلمان، وخنفس السلفية نادر بكار بطبيعة الحال!
لعل الأمر أن يكون له ما بعده، في ميدان التحرير.
وإلى إخواننا الصامدين، أنتم شوكة في حلق الكفر، فاثبتوا ورابطوا، فإن حملوا السلاح، حملتم الأرواح، وإن تحصّنوا بالعدّة، تحصنّا بالعدد.
وفي جنة الخلد يا أبناءنا الأبرار، الذين باع المنافقون من المشايخ دماءهم، وتغاضوا عن حقوقهم خوفاً ورهباً، أو نفعاً ومصلحة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: