الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المحور الأساسيّ الذي ستدور حوله رحى السياسة المصرية في المستقبل القريب، هو ما تَرسمه لها السياسة الإخوانية والتصور الإخوانيّ، الذي أصبح، فجأة وبدون مقدمات، ظهيراً للعسكر، وداعماً للنظام، بما فيه الداخلية وأجهزة الأمن، بعد أن شَرّدوا بهم، واعتقلوهم وأهانوهم سنين عدداً، لكن، قاتل الله المنصب، ذاعت كلّ هذه الأفعال، وضاع معها حق الشهداء، وضاعت معها حقوق الشعب كله، بعد أن تمت صفقة هؤلاء مع العَسكر، والتي شواهدها أكثر من أن تكون محل تساؤلٍ أو تمحيص.
السياسة الإخوانية، تقوم على أساس أنّ الهوية الإسلامية للدولة المصرية تنحصر في حقيقة أنّ الأغلبية مُسلمة، لكنها لا تتعدى إلى حق التشريع، الذي تُرك مَشاعاً بين كافة المَذاهب والطَوائف، والمَصادر والمَرجِعيات. كذلك في محاولة فرض الرؤية الإخوانية، بكل ما فيها من سلبيات عديدة، على السياسة المصرية، في كافة مجالات التطبيق، سواءً الإقتصادية أو الإجتماعية أو الإعلامية. وبإختصار "أخونة" النظام المصريّ.
وفي سبيل هذا الهدف، الذي تحقق منه معظمه، في حسابات المكسب والخسارة الإخوانية، يفعل الإخوان ما يتبدى لهم لإكمال هذه المسيرة، دون مراعاة لشرع ولا وضع ولا حقٍ لقتيلٍ ولا دية لمصاب، ولا كرامة لمواطن. بل هم يخطّطون للحفاظ على الداخلية قائمة، وهم يعلمون أنه لن يتم تطهيرها، ولا إعادة هيكلتها كما يقال. وهم يسارعون بطلب التصويت على قرار السماح للداخلية بقتل الثوار، قبل أن يصدروا قراراً بشأن ما حدث من مجازر في نوفمبر وديسمبر، وفي يناير مؤخراً. بل لم يتقدم أحد منهم بطلب إقالة النائب العام العميل، لضمان نزاهة النيابة وكفاية أدلتها.
إن هؤلاء قد فقدوالقدرة على الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وإنه من المعلوم في علم الأصول، وفي منطق العقل الراشد، أنّ النظر مآلات الأقوال والأفعال، تتساوى في أهميتها مع إعتبار مقاصدها ونياتها. إي إنه لا يكفى أن نصحح عملا بصحة نية فاعله، قبل أن ننظر في مآل قوله وما يؤدى اليه، فمآله جزء لا يتجزأ من صحته أو بطلانه. وانظر يا رعاك الله، إلى قول هؤلاء السلفيين المرضى بداء الحرفية في الفهم، مآل ما يتقولون به على سنة الحبيب المصطفى، إمام العدل وقاهر الطغاة والجبارين، حيث قد أل اليه تأويلهم بما لا يفهمون من سنته أن وقفوا في صفّ قتلة الداخلية، وطغاة العسكر! أولئك الذين قتلوا وسرقوا ونهبوا وسحلوا، وحكموا بحكم الجاهلية، عنوة وكفاحاً، ليس إلا لأنهم جالسون على كرسى الحكم. أرأيت، يا رعاك الله، بعد ما يفعلون عن دين الله. والأمرّ أنهم ينسبونه لدين الله سبحانه! لا والله إن دين الله وسنة رسوله منهم براء. هذا الذي يفعلون لا يليق ولا بدين البوذية، بل إن البوذية قد وقفت لطُغاتها مؤخراً كما حدث في ميدان تيانانمن عام 1989.
هذان الفريقان، هما ما ابتلانا الله به، بعد أن ظننا أن عصر الطغاة قد ولى وأدبر. فريقٌ امتهن سياسة الخِداع والتّلاعب والتآمر والصفقات، وحسبوا أنهم يَخدعون الله سبحانه "وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون"البقرة. وفريقٌ ذهب مذهب الصوفية، وإن ادّعوا السّلفية، حين أسلموا عقولهم لمَشايخ، ممن ابتدع قولاً أدى إلى نصرة القتلة والمجرمين والطغاة، دون سندٍ من شرعٍ أو أثَارة من عَقل. ولو افترضنا أنّ هؤلاء الطّغاة الكافرين بشرع الله، فسقة عاصون، فهل يعنى هذا تأييدهم والدفاع عنه؟ في أي دينٍ هذا؟ خاصة دين الإسلام، الذى أعلى الكرامة والعزة، ورفض العبودية والذلة والخنوع.
الكارثة الكبرى التي حدثت في سياق إضاعة الثورة وإحباطها، والتي خَطّط لها العسكر، واستخدم فيها الداخلية وأمن الدولة كأداة للسيطرة، هي هذا البرلمان الذى يُستَخدم كأداةٍ لتطويع الشعب الثائر، وتخديره، بصورة برلمانية لا حقيقة لها. البرلمان لا قوة له ولا فاعلية، ولا صَلاحية، وهذا أمرٌ معروف مُعترَفٌ به. ثمّ إنّ هؤلاء النواب، لا يتحدثون عن هذا الشَلل الذي وُلد البرلمان مصاباً به. بل هم فرحون بحضور وزير الداخلية، ويردّدون أنها المرة الأولى التي يمثل فيها وزير داخلية أمام البرلمان منذ عقوداً عديدة! وكأن هذا هو منتهى أمل النواب الكرام. ما شاء الله عليكم وعلى مكاسبكم!
والله، إنه لمن دواعى العار أن يكون نواب العلمانية من الكتلة المصرية وغيرها، هم من أنطقهم الله بالحق، وغيبه عن أولئك الذين يدعون الإسلام، ويتحدثون باسمه، ويخدعون الشعب بشعاره. العلمانيون يقفون موقفاً مشرفاً، ويعتصمون لحفظ حقوق الأبرياء، بينما الكتاتني الإخوانيّ يمنعهم من الدخول للمجلس يعتصموا فيه! أي عارٍ عليهم هذا، وأنت ترى الواحد منهم إما يتزين بلحية أكثر من تسعة بوصات، ثم إذا به يتحدث فيقطر كلامه غثاءً من نوع نصرة الداخلية والولاء للعسكر، أو تجده حليقاً نظيفاً قد لمّع وجهه من شدة حكّ الموسى عليه، ثم يتحدث بنفس الحديث، لا يستحى أن يطلق علي نفسه إسلاميّ!
لكن لله جنود لا يزالون، لا تأخذهم في الله لومة لائم، لا يضرّهم من رماهم بالشدة أو القسوة أو التطرف، من منتسبى التيار الإسلاميّ، منهم المهزومين داخلياً، ومنهم من لا تزال بصمة الإخوان مطبوعة عليهم منذ أن انتموا إلى هذا التيار البدعى يوماً. ففتش عن ماضى أحدهم، تعرف لماذا يتفوه بما يتفوه.
إن هؤلاء النواب، من الإخوان والسلفيين، هم الأخطر على الدولة المصرية، وعلى كرامة مواطنيها، وعلى دينها الصحيح، إذ هم الآن أدوات القمع الخفية التي يستخدمها العسكرى لضمان استمراره في السيطرة من وراء الستار، وللحفاظ على الدولة البوليسية التى عانت منها مصر عقوداً، وما على النواب من هذا كله، فهم بالفعل أعضاء في البرلمان، و"خليهم يتسلوا"!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: