والآية تتحدث عن معجزة الإسراء والمعراج، التي اختص بها الله تعالى خاتم رسله، وصفيه وحبيبه من خلقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها مسجدين من أكابر المساجد في الإسلام : المسجد الحرام، ومنه كان مبتدأ الرحلة الأرضية " الإسراء "، والمسجد الأقصى وإليه كان انتهاء الرحلة الأرضية، وابتدأ الرحلة العلوية " المعراج "، وهو الأمر الذي بينته السنة النبوية الصحيحة،
ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل المساجد الثلاث في الإسلام " المسجد الحرام (1)، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة (2) "،
- فعلمنا أن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاث مساجد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تشد ( وفي لفظ : لا تشدوا ) الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا " أي المسجد النبوي بالمدينة "، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى " ( متفق عليه )، قال شراح الحديث : " لا تشد الرجال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه المساجد الثلاثة " (3)، وقال صاحب " طرح التثريب " : " ......فِيهِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَمَزِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِهَا وَذَلِكَ لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا (4)
- وعلمنا أن الصلاة في تلك المساجد الثلاث أفضل من الصلاة في غيرها، ففي الحديث عن جابر رضي الله عنه مرفوعا : " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " ( صححه الألباني، أنظر : صحيح الجامع الصغير وزيادته )،
- وفي فضل المسجد النبوي جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ جَاءَ مَسْجِدي هَذَا لم يَأْته إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ " ( رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وصححه الألباني )، وعن جابر رضي الله عنهما مرفوعا : " خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق " ( صححه الألباني، أنظر : صحيح الجامع، ج1، ص : 627،
- والمسجد النبوي هو المسجد الذي أسس على التقوى، المذكور في قوله تعالى : { .... لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }( التوبة : 108 )، ففي الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا : " المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا " ( صححه الألباني، أنظر : صحيح الجامع : ج2، ص 1126 )،
والسؤال هنا : هل ذكر المسجد النبوي في القرآن الكريم ؟
وللإجابة على هذا السؤال يقول الإمام الشعراوي رحمه الله تعالى قائلا : " وقوله تعالى : {إلى المسجد الأقصى. .} (الإسراء : 1 )، في بُعْد المسافة نقول : هذا قصيّ. أي : بعيد، وهذا أقصى أي : أبعد، فالحق تبارك وتعالى كأنه يلفت أنظارنا ( تلميحا ) إلى أنه سيوجد بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى مسجدٌ آخر قصيّ، وقد كان فيما بعد مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فالمسجد الأقصى : أي : الأبعد، وهو مسجد بيت المقدس " (5)،
وقال صاحب " طرح التثريب " : " .....إنْ قُلْت لِمَ سُمِّيَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غَيْرُهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْت : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْت كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً "، قُلْت عَلِمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ سَيُبْنَى فَيَكُونُ قَاصِيًا أَيْ بَعِيدًا مِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَيَكُونُ مَسْجِدُ بَيْتِ الْقُدْسِ أَقْصَى، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ حَالُهُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى – أَعْلَمُ (6)،
وصفوة القول : أن المساجد الثلاث ذكرت في القرآن الكريم، إثنان منها تصريحا ( المسجد الحرام، والمسجد الأقصى )، والثالث تلميحا ( المسجد النبوي )، وكل ذلك جاء في آية واحدة هي الآية الأولى من سورة الإسراء،
وإلى لطيفة أخرى بإذن الله تعالى .......
****************
الهوامش
========
(1) - قال الشعراوي : المسجد الحرام هو بيت الله تعالى : الكعبة المشرفة، وسُمّي حراماً ؛ لأنه حُرّم فيه ما لم يحرُمْ في غيره من المساجد، وكل مكان يخصص لعبادة الله نسميه مسجداً، قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر. .} ( التوبة: 18 )، ويختلف المسجد الحرام عن غيره من المساجد، أنه بيت لله باختيار الله تعالى، وغيره من المساجد بيوت لله باختيار خَلْق الله؛ لذلك كان بيت الله باختيار الله قِبْلة لبيوت الله باختيار خَلْق الله، أنظر : محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة،
(2) - المسجد النبوي، أو مسجد النبي، أو الحرم النبوي، أحد أكبر المساجد في العالم وثاني أقدس موقع في الإسلام (بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة)، وهو المسجد الذي بناه النبي محمد في المدينة المنورة بعد هجرته سنة 1 هـ الموافق 622م، بجانب بيته بعد بناء مسجد قباء، مرّ المسجد بعدّة توسعات عبر التاريخ، مروراً بعهد الخلفاء الراشدين، والدولة الأموية، فالعباسية، والعثمانية، وأخيراً في عهد الدولة السعودية حيث تمت أكبر توسعة له عام 1994م، ويعتبر المسجد النبوي أول مكان في الجزيرة العربية يتم فيه الإضاءة عن طريق استخدام المصابيح الكهربائية عام 1327 هـ الموافق 1909م، بعد التوسعة التي قام بها عمر بن عبد العزيز عام 91 هـ أُدخِل فيه حجرة عائشة ( والمعروفة حالياً بـ "الحجرة النبوية الشريفة "، والتي تقع في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد ) والمدفون فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وبُنيت عليها القبة الخضراء التي تُعد من أبرز معالم المسجد النبوي، كان للمسجد دور كبير في الحياة السياسية والاجتماعية، فكان بمثابة مركزاً اجتماعياً، ومحكمة، ومدرسة دينية، ويقع المسجد في وسط المدينة المنورة،
(3) - محمد بن علي بن ادم بن موسى الإثيوبي : " شرح سنن النسائي المسمى : ذخيرة العقبى في شرح المجتبى "، دار المعراج الدولية للنشر، ودار ال بروم للنشر والتوزيع، ط1، 1420هـ /1999م، ج8، ص : 576،
(4) - أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ) : " طرح التثريب في شرح التقريب "، الطبعة المصرية القديمة - وصورتها دور عدة منها (دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي)، ج6، ص : 46، المصدر : موقع المكتبة الشاملة،
(5) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، ج 1، تفسير سورة الإسراء، الآية رقم : 1،
(6) - أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ) : " طرح التثريب في شرح التقريب "، الطبعة المصرية القديمة - وصورتها دور عدة منها (دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي)، ج6، ص : 46، المصدر : موقع المكتبة الشاملة،
***********
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: