من قواعد النصر في القران الكريم – 15 - وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3848
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" إن الله تعالى يقيم دولة العدل وإن كانت كافرة، ولا يقيم دولة الظلم وإن كانت مؤمنة " ( شيخ الاسلام ابن تيمية )
*********
" يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم "
*************
" سيعلم الظالمون حقَّ من انتقصوا، إنَّ الظالم لينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصر والثواب " ( شريح القاضي )
***********
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين،
أمـــا بعــد :
قاعدة أخرى من قواعد النصر في القرآن الكريم مؤداها أن أعداء الإسلام وأعداء الأمة من الظلمة والجبابرة والعتاة الذين يستهدفون الدين وأهله لن يجعل الله لهم نصيرا ينقذهم من مصيرهم المحتوم في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالهزيمة والخسارة المحققة، وفي الآخرة بالعذاب الأليم، قال تعالى : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } ( الحج : 71 )،
- لقد بينا في الحلقات السابقة أن الصراع بين الحق والباطل صراع أزلي أبدي، وهو سنة ربانية، ولعله من أظهر سنن الله في هذا الكون، قال تعالى : {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}( فاطر: 43 )، وعلى هذا خلق الله الخلق، فكان خلقه وحكمه وتصرفه في الكون عادل، ولا يزل هذا الصراع موجوداً إلى حين يبعث الله الأواخر والأوائل. فهو الذي أمر إبليس بالسجود لآدم فأبى، استكباراً وحسداً، فطرد من رحمة الله أبداً، ولم يكن له بعد الطرد والإبعاد يدا، فخسر خسراناً كبيراً سرمداً.. ومن حينئذ بدأ الصراع، وتفاقم النزاع، فكانت سنة الله تعالى أن يحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة ولا يظلم ربك أحداً.
- ولقد أكد القرآن الكريم أن من سنن الله في الوجود ثبات الحق ورسوخه وانتصاره وطيشان الباطل وزواله : قال تعالى : {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } ( الأنفال : 8 )، أي : ليعزَّ الله الإسلام وأهله, ويذهب الشرك وأهله, ولو كره المشركون ذلك، وقال تعالى : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } ( الإسراء : 81 )، وقال تعالى : {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }( سبأ : 49 )،
- ولقد قرأنا في القرآن الكريم وعد الله تعالى بنصر الحق وأهله، ودحر الباطل وأهله وهزيمته، قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } ( الفرقان :31) , وهذه الخاتمة : { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا }إشارة إلى أن الله تعالى ينصر المهتدين , ويؤيدهم, ويحفظهم، و قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ.... } , ثم عقب ذلك بقوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ...} ( الأنعام : 115 ) , أي : صدق في الأخبار, وعدل في الأحكام، وكذلك قال الحق تعالى :{ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }( إبراهيم : 24 ) , ولما ذكر الله تعالى " الكلمة الخبيثة " في القرآن قال جل جلاله : { اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }( ابراهيم : 26 ) , ثم قال سبحانه بعقبها مباشرة : { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } ( إبراهيم : 27 ) , والطائفة التي تحمل الحق وتنافح عنه سماها الرسول صلى الله عليه وسلم : " الطائفة المنصورة " ؛ (1) إشارة إلى أن النصر هو حليفهم في النهاية , طال الزمن, أو قصر وهذا وعد الله تعالى،
- أن العدل قرين الحق، والظلم قرين الباطل، ولذلك فالعدل من صفات أهل الحق، والظلم والجور والطغيان من صفات أهل الباطل، وفي هذا يقول " الأهدل " (2) : وبهذا يعلم أن العدل-وهو صفة ملازمة لأهل الحق-هو الذي يثبت الحق ويطرد الباطل، وأن الظلم - وهو ملازم لأهل الباطل - هو الذي تشقى به البشرية على مدار التاريخ،
وكثيرة هي تلك الآيات التي تتحدث عن إهلاك الله تعالى للظالمين، وتوعدهم بعقوبات في الدنيا والآخرة، يقول تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ( هود : 102 )، ويقول تعالى : { وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }( هود : 102 )، وقال الله تعالى : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } (غافر : 18 )، أي: ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كلِّ خير، وقال عز من قائل : { أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } ( هود :18 )، وقال تعالى : { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ( الزمر:24 )، وقال جل جلاله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } ( الأنعام : 21 )، وقال : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ( المائدة : 51 )،
- يقول " العودة " : " ...ولما قال الله عز وجل : {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ... }( النساء : 76 )، وهذا نموذج من الخصومة بين الحق والباطل , وأن الخصومة قد تكون فكرية , وقد تكون في ميدان القتال، عقب بقول : {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }( النساء : 76 )، ولذلك نقطع بأنه : إذا وجدت معركة حقيقية بين الحق والباطل , ووجد للحق حماته الذين يدافعون عنه، وهم موجودون لا محالة، كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام فإن العاقبة لهؤلاء المتقين : { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }( الأعراف : 128 )، { وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } ( طه : 132 )، { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } ( الأنبياء : 105 ) (3) .
- قال " الشعراوي " : " وقوله تعالى: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } ( الحج : 71 )، لم يقُلْ سبحانه : لن ينتصر الظالمون، ولم ينْفِ عنهم النصر؛ لأن هذه مسألة مُسلمة إنما لا يفزع لنصرتهم أحد، فلن ينتصروا ولن ينصرهم أحد، ولا يفزع أحد لينصر أحداً إلا إذا كان المنصور ضعيفاً (4)،
- يقول " سلطان " (5) : " إن هذه الآية فريدة في موضوع النصرة، حيث لم تجري مثل بقية الآيات في وعد المؤمنين بالنصر، وإنما جاءت بشكل آخر وهو تجريد الظالمين من أدنى درجات النصرة، وقد جاءت أيضا في أعلى درجات التوكيد، فكلمة "نصير" نكرة جاءت في سياق النفي، وسبقت النكرة بحرف "من" لنفي الجنس، والقاعدة اللغوية الأصولية تقول: "النكرة في سياق النفي تعم"، فالنصرة هنا منعدمة سواء من الله، أو ممن يظنهم الظالمون أنصارًا وأعوانًا، كما قال سبحانه وتعالى : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } ( البقرة : 270 ) ، وقال سبحانه وتعالى : { وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ( التوبة : 74 ) ، وقوله سبحانه وتعالى : { وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } ( الشورى : 8 )،
وختاما نقول أن خلاصة هذه القاعدة وزبدتها تؤكد أن جنس النصرة في الأرض والسماء محجوب عن هؤلاء الظالمين الأعداء، فأي بيان أوضح من ذلك يُطمْئن المجاهدين الأتقياء من أمة سيد المرسلين والأنبياء ؟!، وليعلم المسلمون يقينا أن الله تعالى يقول : { .....وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } ( طه : 61 )، وقال تعالى : {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } ( طه : 111 )،
***************
الهوامش والإحالات :
============
(1) – كما في حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " ( البخاري ومسلم وأحمد، وصححه الألباني، أنظر :
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 478 )،
(2) – عبد الله الأهدل : " الغاية الثالثة لأهل الحق: العدل "، المصدر :
http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:6qmM5uF776oJ:www.ahlalhdeeth.com/ vb/showthread.php%3Ft%3D339056+&cd=13&hl=ar&ct=clnk&gl=eg
(3) - سلمان بن فهد العودة : " الصراع بين الحق والباطل "، المصدر :
http://www.saaid.net/alsafinh/12.htm
(4) – محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، ص : 2647،
(5) - صلاح الدين سلطان : " سورة الحج منهجيات في الإصلاح والتغيير - اليقين بنصـر اللـه القوي العزيـز "، في : 11/11/2012م، المصدر :
http://salahsoltan.com/Print.aspx?print_ID=462
*************
------------
أ.د/ أحمد بشير – جامعة حلوان، القاهرة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: