من قواعد النصر في القرآن الكريم - 13 – وان جندنا لهم الغالبون
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4266
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه القائل : { وإن جندنا لهم الغالبون }، والقائل : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }، والقائل : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب } ، وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله، القائل : " والذي نفسي بيده لوددت أن أخرج في سبيل الله فأقتل، ثم أخرج فأقتل ثم أخرج فأقتل .. الحديث "، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا،
وبعــد :
- تقول القاعدة : " أن جند الله هم الغالبون "، وهي كما نرى قاعدة عقدية بالأساس تقود إلى أعمال وإجراءات ومساعي عملية لينال المسلمون شرف هذه النسبة، ولينطبق عليهم وصف " جند الله "، أما من تهاون في هذا الأمر، ولم يفلح في أن تتحقق فيه صفات جند الله، فلن يكون أهلا لهذا الوعد الإلهي الكريم وهذا أمر واضح،
- لقد جاءت تلك القاعدة في قول الله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون } ( الصافات : 171-173 )، والمعنى أن الله تعالى يخبرنا أن كلمته – بالنصر – والتي لا مرد لها، ولا معقب عليها، والتي تنطلق من إرادة إلهية نافذة لا يعوقها عائق، قد سبقت لعباده المرسلين عليهم صلوات الله وسلامه , أن لهم النصرة على أعدائهم بالحجة والقوة , وأن جنده المؤمنين – أتباع الرسل - المجاهدين في سبيل الله لهم الغالبون لأعدائهم من الكفار والمتمردين بالحجة والنصرة في الدنيا، وفي كل مقام باعتبار العاقبة والمآل، وفي ( تفسير الجلالين ) : " وإن لم ينتصر بعض منهم في الدنيا ففي الآخرة "،
قال " الشنقيطي " (1) : " إن هذه الاية الكريمة تدل على أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأتباعهم منصورون دائماً على الأعداء بالحجة والبيان، ومن أمر منهم بالجهاد منصور أيضاً بالسيف والسنان، والآيات الدالة على هذا كثيرة كقوله تعالى : { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي } ( المجادلة : 21 )، وقوله تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } ( غافر : 51 )، وقوله تعالى : { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين } ( الروم : 47 )، وقوله تعالى : { فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ } ( إبراهيم : 1314 )،
ومن ثمرات هذه القاعدة :
* التمسك بالدين وارتباطه بالنصر والغلبة :
- يقول " العلامة الشنقيطي " (2) : " أن النسبة بين التمسك بالدين والتقدم، كالنسبة بين الملزوم ولازمه، لأن التمسك بالدين ملزوم للتقدم، بمعنى أنه يلزم عليه التقدم، كما صرحت به الآيات القرأنية، ومعلوم أن النسبة بين الملزوم ولازمه لا تعدو أحد أمرين : إما أن تكون المساواة أو الخصوص المطلق، لأن الملزوم لا يمكن أن يكون أعم من لازمه، وقد يجوز أن يكون مساوياً له أو أخص منه، ولا يتعدى ذلك، ومثال ذلك : الإنسان مثلاً، فإنه ملزوم للبشرية والحيوانية، بمعنى أن الإنسان يلزم على كونه إنساناً أن يكون بشراً وأن يكون حيواناً، وأحد هذين اللازمين مساو له في الماصدق وهو البشر . والثاني أعم منه ماصدقاً وهو الحيوان، فالإنسان أخص منه خصوصاً مطلقاً كما هو معروف،
فانظر كيف خيلوا لهم أن الربط بين الملزوم ولازمه كالتنافي الذي النقيضين والضدين، وأطاعوهم في ذلك لسذاجتهم وجهلهم وعمى بصائرهم، فهم ما تقولوا على الدين الإسلامي ورموه بما هو منه بريء إلا لينفروا منه ضعاف العقول ممن ينتمي للإسلام ليمنكنهم الاستيلاء عليهم، أنهم لو عرفوا الدِّين حقاً واتبعوه لفعلوا بهم ما فعل أسلافهم بأسلافهم، فالدين هو هو، وصلته بالله هي هي، ولكن المنتسبين إليه في جل أقطار الدنيا تنكروا له، ونظروا إليه بعين المقت والازدارء، فجعلهم الله أرقاء للكفرة الفجرة، ولو راجعوا دينهم لرجع لهم عزهم ومجدهم، وقادوا جميع أهل الأرض، وهذا مما لا شك فيه { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ولكن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } ( محمد : 4 )،
ويقول أيضا : " وانظر قوله تعالى: {و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، فهو أمر جازم بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت. فهو أمر جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية، وعدم الجمود على الحالات الأول إذا طرأ تطور جديد. ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين، ومن أوضح الأدلة في ذلك قوله تعالى: {إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم...} الآية، فصلاة الخوف المذكورة في هذه الآية الكريمة تدل على لزوم الجمع بين مكافحة العدو، وبين القيام بما شرعه الله جل وعلا من دينه. فأمره تعالى في هذه الآية بإقامة الصلاة في وقت التحام الكفاح المسلح يدل على ذلك دلالة في غاية الوضوح، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}، فأمره في هذه الآية الكريمة بذكر الله كثيرا عند التحام القتال يدل على ذلك أيضا دلالة واضحة.
* الأمة بين أنوار الوعد الإلهي وظلمة الواقع :
علمنا القرآن أن وعد الله لا يتخلف، ولابد أن يتحقق، وإذا نظرنا الوعود الإلهية لهذه الأمة بالغلبة والنصر والتفوق والسيادة والتمكين والسؤدد لوجدنا أنها كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا ما حانت من الانسان التفاتة إلى واقع الأمة وجد شيئا آخر لا يتسق مع تلك الوعود، فالمسلمون متخلفون، وغيرهم متقدم، المسلمون تابعون، وغيرهم متبوع، المسلمون أذلة في مجتمعاتهم، وغيرهم يتصف بالعلو والعزة، المسلمون ضعفاء وغيرهم هم الأقوياء، المسلمون في تراجع مستمر، وغيرهم من الأمم في تقدم مستمر، هنا يصاب المسلم بالحيرة، ولا يجد لهذه القضية تفسيرا يقنعه، ورأينا ما قاله " الشنقيطي " في الربط بين التمسك بالدين والالتزام بتعاليمه، وبين التقدم، ولمزيد من الإيضاح ننقل هنا ما قاله " النابلسي " في إحدى خطبه حيث يقول : " زوال السموات والأرض أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، فإذا قرأ المسلم القرآن وجد أن وعود الله عز وجل محققة دائماً، وعوده واقعة قطعاً، بينما توعده يقع أو لا يقع رحمة بالعباد، فإذا وجدت في القرآن أن الله عز وجل يقول : ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( الروم : 47 )، ويقول : ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ( الصافات : 173 )، ويقول : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ ( النور : 55 )، ......وغيرها من الوعود الإلهية، لو قرأت هذه الآيات لأخذك العجب، فالواقع يقول لا استخلاف، ولا تمكين، ولا تطمين، ولا نصر، المشكلة كيف نفسرها ؟ كيف نفسر هذا التباعد بين وعود الله في القرآن الكريم للمؤمنين وبين حالة المسلمين اليوم؟ الحقيقة الذين يعملون في حقل الدعوة يجتهدون، كل يجتهد ليقدم تفسيراً مقنعاً لهذه الظاهرة العجيبة، وعود ضخمة جداً من قبل خالق الأكوان، وواقع سيئ جداً يراه الإنسان كل يوم، أي أن كل ثمار الدين التي وعد الله بها المؤمنين ليست في متناول أيدي المسلمين، لو نظرت إلى حالهم شيء لا يصدق من الضعف، من التمزق، من القلق، من القهر، من الفقر، من الذل أحياناً، وقد يسأل سائل كيف نفسر هذا؟ (3)
نعم : لماذا لا تتحقق الوعود الإلهية للمسلمين في هذا الزمان بالنصر والتمكين، مع ان الله سبحانه لا يخلف وعده ؟ سؤال أصبح اليوم مطروحا وبقوة تزداد يوما بعد يوم على الساحة الاسلامية،
وأحسب أن الإجابة على هذا التساؤل لا تحتاج إلى جهد أو معاناة أو تفكير لكل مسلم كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فكل مسلم فهم الإسلام على حقيقته وفهم منظومة المفاهيم الاسلامية على ما جاءت عليه في القرآن والسنة بعيدا عما طرأ عليها من تشويه وتحريف واضطراب متعمدا كان أو غير متعمد،
فالوعود الإلهية للأمة بالنصر والفوز والتمكين حق لا مراء فيه، والوعد الإلهي لابد أن يتحقق لأن الله لا يخلف الميعاد، إذا فما السبب في هذا التفاوت بين الوعود وبين واقع المسلمين ؟ هذا هو السؤال الذي نحاول الاجابة عليه باختصار،
السبب هو انتشار الاعتقاد الخاطئ في فهم تلك الوعود الإليهة، لقد انتشر في الأمة – للأسف – فهما خاطئا وقاصرا لتلك القضية، يقوم هذا المفهم الخاطئ على ان وعود الله واقعة دون ادنى جهد من جماعة المسلمين , وأنه بمجرد ان نكون مسلمين – ختى ولو شكلا - كشأن كثير من المسلمين اليوم - سيتحقق الوعد الإلهي، وهذا قمة الجبر والأرجاء، لانه يجب اتباع السنن الكونية والشرعية التي سنها الله لوقوع فعل ما، ولابد من العمل بمقتضيات تلك السنن الالهية، وعلى هذا فالوعود الإلهية هي أوامر للمسلمين لتحصيل أسبابها والسعي إلى إدراكها.
وتأسيسا على هذا الفهم – بالمناسبة - تبطل المقولة الذائعة : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقام على أرضكم "، فلو أقمتها في قلب حتى يرث الله الأرض لن تقوم على أرض الواقع إلا باتباع السنن الشرعية والكونية في إقامة الدولة، ولذلك عرف بعض أهل العلم المعاصرين التقوى بأنها " هي الإتيان بالأسباب المسببة لوقوع الفعل " (4)
فكي يتحقق وعد الله لنا في النصر فلا بد من إدراك السنن الكونية لتحقيق النصر لأن السنن الشرعية وحدها لا تكفي , فالله وضع سنن كونية لا تتبدل ولا تتغير من أجل أحد، ولا تجامل أحدا، ومن اهم عناصر هذه السنن الكونية لتحقيق النصر هو الإيمان الحق، والإستقامة على منهج الله، وإعداد العدة والقوة بشمولها، والأخذ بأقصى ما توصل إليه العلم في التخطيط والإدارة، والقتال والمواجهة، فالله لا يدفع الاعداء عن أرض الإسلام بالصلاة في المسجد وتلاوة القرآن والتخلف عن القتال كما فعل الصوفية عندما هاجم التتار بلاد المسلمين (5)،
وختما : هل نحن حقا جند الله الموعودون بالنصر والغلبة ؟ وهل المسلمون اليوم في شرق الأرض وغربها ممن ينطبق عليه هذا الوصف، ويستحقون تلك النسبة المشرفة ؟، أم أن الكثيرين منا لا يعرفون من الإسلام إلا إسمه، ولا عن القرآن إلا رسمه،
إن واقع المسلمين اليوم يملأ القلب حسرة وكمدا، وحقائق الواقع تشهد على ما وصل إليه حال المسلمين، وكيف أن الشقة قد بعدت، واتسعت بين قيم الاسلام وواقع المسلمين، مما يقدح في جنديتهم لله،
فأمة " إقرأ " لا تقرأ !!! وتلك حقيقة واقعة تثبتها الاحصاءات العالمية، حيث تفيد تلك الاحصاءات العالمية أن ما يستغرقه المواطن العربي في القراءة لا يتعدى الدقيقتين في العام، بينما تصل في أوروبا إلى ستة ساعات للفرد في العام الواحد، وأن عدد ما تطبعه الول العربية بأجمعها يقارب المليون كتاب موزعة على 365 مليون مواطن عربي، 30% أطفال، و 30% أميون، و 20% لا يقرأون أبدا، و 15 % يقرأون بشكل متقطع، وليسوا حريصين على اقتناء الكتاب، ونسبة 5% هم فقط المواظبون على القراءة (6)،
وأمة الوحدة والائتلاف :{ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }، وقعت للأسف في براثن الفرقة والاختلاف، والتشرذم والتدابر، يقاتل بعضهم بعضا،
وأمة ربها نور، ورسولها نور، وكتابها نور، ورسالتها إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ترزح في دياجير الظلام،
وأمة العلم { وقل رب زدني علما } تتخبط في أوضار الجهل والخرافة والتخلف،
ويوم أن تعود الأمة إلى النبع الصافي، إلى دينها الحنيف، وكتاب ربها الخالد، وسنة نبيها، يومها سيتغير الحال، وتتحق لها وعود النصر والتمكين،
هذا وبالله التوفيق،
وإلى حلقة قادمة بإذن الله تعالى،،،،،،،،،،،،
الهوامش والاحالات :
============
(1) - محمد الأمين الشنقيطي : " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1983م، ج6، ص : 483،
(2) - محمد الأمين الشنقيطي : " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1983م، عند قوله : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم "،
(3) - محمد راتب النابلسي : " حلاوة الإيمان "، بتاريخ : 28/6/ 2002م، المصدر : http://www.nabulsi.com/blue/ar/print.php?art=9257
(4) – وهو تعريف لابي قتادة الفلسطيني،
(5) – راجع : https://www.facebook.com/multaqas/posts/498022520209475
(6) – أنظر :
http://www.tech-wd.com/wd/2012/07/20/kotob-infographic/
------------
أ.د/ أحمد بشير – جامعة حلوان، القاهرة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: