الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7961
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقال في السياسة أنه لا مجال للصدفة و أن كلّ شيء محسوب لهذا فإن جميع الأطراف السياسية الفاعلة تجدها دائما محاطة بخبراء و مستشارين يقررون ما يجب فعله أو إتخاذه من خطوات في أوقات مدروسة بشكل دقيق حتى يتحقق ما هو مطلوب كما أنه إذا أردت تحليل ظاهرة سياسية معينة أو تحركّ ما عليك بطرح سؤال مركزي من المستفيد؟ لهذا أعتقد جازما أن إضراب سوّاق شركة النقل بتونس لم يكن عفويّا و كذلك الفيديو الذي سرّب عن إجتماع لرئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي ببعض السلفيين أجزم أن له علاقة كبرى بالإضراب و قد يتعجب البعض منكم من هذا الطرح الذي سأحاول تحليله حسب ما أعتقده.
لنبدأ بالإضراب الذي خاضه سوّاق شركة النقل بتونس الذي كان مفاجئا للجميع بما فيهم قيادة الإتحاد نفسها حيث أني حرصت على متابعة مختلف تصريحات القيادة النقابية و قد لاحظت أن المواقف لم تكن منسجمة كما عودتنا بذلك قيادة الإتحاد و هو ما يجعلني أجزم أن الإضراب كان مفاجئا لها بشكل كبير و إذا ما أضفنا إلى ذلك أن الإضراب لم يستجب للشروط القانونية المعمول به في مثل هذه الحالات حيث أنه يجب أن يقع إعلام شركة النقل بموعد الإضراب قبل خمسة عشر يوم حتى تعلم حرفائها و هو ما لم يتم في هذه الحالة لذلك إذا ما رجعنا لأصل حكاية الإضراب نلاحظ أنها عادية جدا و ليست بما كان تأخذ كل هذا الحجم ليضرب جميع السواق من أجلها و هذا أيضا أربك قيادة الإتحاد أما بالنسبة للذين ذهبوا ليحتجوا أمام مقر الإتحاد بساحة محمد علي فأعتقد أن البعض منهم من المواطنين العاديين الذين ذهبوا للتعبير عن سخطهم لما حدث لكن إذا ما دققنا النظر قليلا فسنجد أن وجوها معروفة كانت في طليعة هؤلاء بل و سعت إن الدفع في إتجاه التصادم بين النقابيين و المواطنين الغاضبين و قد حدثت بعض المناوشات لكن من ألطاف الله أنه تم تطويقها و لم تتطور و هذا بدور أحرج قيادة الإتحاد التي أظن أنها لم تكن ترغب فيما حدث خاصة و أن الإتحاد هو الراعي لمنبر الحوار الوطني الذي سينعقد خلال أيام و بالتالي فإن كل مجهودات قيادة الإتحاد متجهة نحو إنجاح هذه المحطة خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها البلاد و نجاح القيادة النقابية في هذه المهمة كفيل بإعادة الإتحاد لتوهجه القديم لذلك أظن أن ما أقدم عليه السوّاق هذا اليوم يخدم هذا المسار و بالتالي فإن قيادة المنظمة الشغيلة ربما كانت بدورها ضحية للذين يريدون تعطيل هذا الحوار الوطني المزمع إنطلاقه برعاية الإتحاد فمن هو المستفيد ؟
أما بالنسبة للفيديو الذي قيل أنه تم تصويره بطريقة سرية لرئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي و تم تسريبه في تزامن غريب مع إضراب السوّاق فقد تبين أنه ليس بالجديد و لا السري فالفيديو كاملا منشور على موقع اليوتيوب منذ شهر فيفري الفارط و قد تم إقتطاع جزء منه و تركيبه بشكل يفهم من الكلام خلاف ما هو مقصود و بما يخدم مصالح أطراف معينة و إظهار الشيخ راشد الغنوشي بمظهر الرجل الذي يشكل خطرا على مستقبل الإنتقال الديمقراطي في تونس و ربما أزيد فأطرح سؤال بريء جدا كيف أمكن للسيد الباجي قائد السبسي معرفة محتوى الفيديو و التحدث عنه م خلال اللقاء الذي جمعه بقناة حنبعل في حين أن هذا اللقاء كان مسجلا و توقيت نزول الفيديو لا يمكن له أي حال من الأحوال أن يكون قبل وقت تسجيل البرنامج إنها السياسة و قد قال الصحفي و المحلل السياسي نصر الدين بن حديد في خصوص موضوع الفيديو أنه جلس لأكثر من أربع ساعات برفقة ثلاثة خبراء لتحديد مدى مصداقية هذا المقطع المصور و في الأخير إكتشف أن الفيديو مركب أي أنه تم إقتطاع جزء من الكلام و تركيبه بشكل يوحي بما أرادت له الجهة التي أشرفت على العملية أن يفهم من خلاله و بالتالي فإن مصداقية ليست بالكبيرة لكن إذا ما ربطنا بين تسريب هذا الفيديو المركّب و بين إضراب السوّاق و ما تسبب فيه نلاحظ أنه يوجد تزامن غريب بين الحدثين و أن الجهة المستفيدة من المؤكد أنها نفس الجهة التي تسعى جاهدة للضغط بأي الأشكال و الطرق لإنتزاع إعتراف بالوجود خاصة من قبل حركة النهضة و هو ما يقتضي محاولة وضع قيادتها في موقف محرج حتى يتزايد الضغط عليها في الداخل من قبل المعارضة التي تتصيد هكذا فرص و خاصة من الخارج حتى تقبل بالجلوس على نفس الطاولة مع من لا ترغب في الجلوس معهم فصانعوا الفيديو يدركون جيدا حجم التأثير الذي ربما قد يتركه خاصة في الخارج فالرسالة ليست موجهة للداخل التونسي بصفة رئيسية بقدر ما هي موجهة إلى الأطراف الإقليمية و الدولية التي تراقب الوضع عن كثب في تونس مما قد يحرج قيادة حركة النهضة و يجعلها أكثر مرونة تجاه أطراف بعينها و هذه هي الغاية القصوى التي يأمل تحقيقها من قام بتركيب هذا الفيديو لأن هذه الأطراف في سباق مع الزمن خاصة و أن الحوار الوطني الذي يضم جميع القوى السياسية و الذي سكون برعاية إتحاد الشغل لم يعد يفصلنا عنه سوى أيام معدودة و بالتالي فإن أي طرف سياسي سيتخلف عن هذا الموعد سيكون أثر ذلك عليه سيئا للغاية.
أظن أن الشعب التونسي له من الذكاء و القدرة على الفهم ما يجعله يلتقط مثل هذه الإشارات ليفهم ما يحاك له و لثورته بالزوايا المظلمة من قبل البعض من أفراده الذين أصبح لا همّ لهم إلا إفشال ما نجح فيه الشعب و هم يحاولون بكل ما أوتوا من قوّة فرض أمر واقع على كل القوى الثورية حتى تجد نفسها مجبرة على التفاوض لكن لا أظن أن ذلك سيحدث لكن إن حدث ذلك لا قدّر الله فإن الشعب لن يفاوض على ثورته و مستقبلها و سيكون ردّه حاسما و لكم أن تتخيلوا كيف سيكون الردّ عندما يكتشف الشعب من هو المستفيد من جملة هذه الأحداث.
----- مكافح في الجبهة الفكرية
الناصر الرقيق
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: