ناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1573
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
1 - الشعب مصدر السلطة
للإجابة عن سؤال من يحكم ؟ ( تحديدا في الحالة التونسية ) يجب علينا أوّلا استبعاد فكرة أنّ « الشعب مصدر السلطات » لأنّ هذه الفكرةرغم أنّها جوهر الديمقراطية و المطمح لكلّ ديمقراطية ناشئة باِعتبار أنّ الفيصل في أي نزاع السياسي هو الشعب ( الصناديق ) و الذييحتكم له للخروج بحكم يقبل و يرضى به جميع السياسيين لتجنّب الإحتكام لأساليب أخرى ( النزاع المسلّح، الإنقلاب، التزوير....)عاليةالتكلفة لحسم النزاع السياسي.
لماذا استبعادها ؟
لأنّ تحقّق هذه الفكرة يتطلّب توفّر حَدٍّ أدنى من قبول جميع المتنافسين على حيازة هذا الأمر ( تفويض الشعب ) بشروط هذا التفويض و الذيلا يكون مطلقا بل مقيّدا بما يؤدي في نهاية المطاف لتحقيق المصلحة العامة التي هي في الحقيقية مصلحة المفوِّض ذاته ( الشعب ) و بشكلآخر الوصول للسلطة بالإنتخاب و التداول السلمي عليها و عدم الإحتكام للقوة في فضّ الخلافات.
كما أنّ تحققها يتطلب أيضا حدٍّ أدنى من الوعي المواطني يتجاوز مجرّد الإنتخاب فقط أيّ أن يستبطن المواطن أنّه مصدر السلطة و أنيستبطن أيضا تحمّل مسؤولية اختياره السياسي لا كما يحدث في الحالة التونسية ( و هذا طبيعي باِعتبار أنّ تونس مازالت في خطواتهاالديمقراطية الأولى ) حيث يختار المواطن اختيارا حرّا ثم يعود فيلعن الديمقراطية التي جاءت بمن اختاره ( مثال انتخاب نداء تونس في2014 ) فيُصبح المشكل في الديمقراطية ( الإنتخاب ) التي ليست إلاّ مجرّد آليّة في حين أنّ المشكل الحقيقي في المواطن ذاته الذي لميحسن الإختيار و هذا قد يحيلنا على دور الإعلام الذي من مهامه توعية هذا المواطن لكن الإعلام التونسي لعب جميع الأدوار إلاّ هذا الدور.
2 - أدوات الحكم
حين الحديث عن أدوات الحكم تقفز للذهن مباشرة فكرة السيطرة و النفوذ. فالحكم يعني السيطرة ( القوّة ) و النفوذ ( بسط السلطان ) و هذاالأمر يتطلّب أدوات لجعله واقعا حيث يصبح الحاكم مسموعا و مطاعا في نفس الوقت.
السلاح : المقصود هنا القوّات الحاملة للسلاح ( جيش و شرطة و حرس و ديوانة ) أوّل أداة من أدوات الحكم و هي أقدمها في تاريخالبشرية حيث أنّ الحاكم يحتاج سلاحا يفرض به سلطانه على الآخرين و من يملك هذا السلاح أو الجزء الأقوى منه سيتمكن حتمامن التغلّب على البقية كما حدث و يحدث في الصراعات البشرية التي مازالت تحتكم لهذه الأداة فقط.
النقابات : ثاني الأدوات و هي حديثة نسبيا في التاريخ البشري حيث تمثّل تجمّعا لكتل بشريّة ( عمّال أساسا ) هدفها الظاهرالدفاع عن حقوق العمّال و باطنها العمل السياسي ( فعلا كما في تونس أو بشكل خفيّ كما في عدد من الدول ) حيث أنّ هذهالتكتلات يمكنها بما لها من إمكانيات مادية و بشرية لعب دور سياسي بصفة مباشرة أو تغليب طرف سياسي على آخر أو حتّىتعطيل المرافق العامة في حالة عدم قبولها بوضع سياسي معين ( كما حدث في بلدان شهدت انقلابات عسكرية حيث لعبت النقاباتدورا مهما في التصدي له من خلال الإضراب مثال الإنقلاب الذي حدث على الرئيس الفينزويلي هوغو تشافيز )
الإعلام : و هو من أخطر أدوات الحكم حيث يلعب الدور الرئيسي في التحكم و السيطرة على المزاج العام و أيضا التلاعب بعقولالجماهير. فالإعلام سلاح فتّاك يستهدف عقل المواطن ( هنا أتحدث عن عموم المواطنين الذين قدرتهم على التمييز محدودة ) الذييكون عرضة بشكل يومي لكميّات مهولة من المعلومات و المعطيات يحتاج أكثر من 90 ٪ منها للتثبّت من صحّتها لكن كثرة تكرارها وتعرّض عقل المواطن لها يجعل منها حقائق ثابتة لا تقبل الدحض و قد رأيت على سبيل المثال عددا من المثقفين المحترمين يتناقلونمعلومات وردت بوسائل إعلام تونسية لا يمكن بحال أن يصدّقها عاقل لكن كثرة تكرارها جعلها قابلة للتصديق و من مثقفين فما بالكبالمواطن العادي الذي لا يملك قدرة كبيرة على التمييز و لا أدوات للتحليل و خاصة التساؤل عن مدى صحّة هذه المعلومات.
المال : و هو أحد أهمّ أدوات الحكم باِعتباره أيضا ركيزة أداتيْ السلاح و الإعلام لكن على أهميّته يبقى الأضعف من بين هذه الأدواتو الأكثر ميلا لمناصرة المتغلّب و إن كان على باطل. فالمال يحكمه عاملان رئيسيان الخوف و المصلحة، الخوف من الضياع و المصلحةفي المحافظة على مكانة ما لذلك يلجأ رأس المال للتواري و التخفّي و لعب أدوار سياسية من وراء الستار و في حالة النزاع الإنسحابو الإنتظار حيث لا يمكن بأيّ حال من الأحوال رؤية رأس المال يقدّم موقفا سياسيا واضحا من حدث ما و لو كان انتهاكا صريحالقاعدة العمل السياسي الديمقراطي.
هذه هي أدوات الحكم الرئيسية و كلّ حاكم لم يمتلك أو لم تكن له سيطرة فعليّة على الأقلّ على أجزاء منها لا يمكن بحال أن يتصّف بوصفالحاكم.
و لعلّ من مزايا الديمقراطية ( الإنتخاب ) كآلية سلميّة من آليّات الوصول للحكم ( أي السيطرة على تلك الأدوات بشكل قانوني) أنّها تقومبتقسيم تلك الأدوات بين مختلف الأحزاب و الشخصيات السياسية حسب الدستور و القوانين المتفق عليها مسبقا ( القانون الإنتخابي ) بحيث لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتجمّع تحت إمرة شخص أو كيان واحد بما يضمن عدم الزيغ بها عن مهامها الرئيسية و حتى فيداخل تلك الأدوات ذاتها كالنقابات و الإعلام و رؤوس الأموال ( المؤسسات ) يتمّ اخضاعها لآلية الديمقراطية ( الإنتخاب ) في اختيارالأشخاص المشرفين عليها لضمان أكبر قدر من التعددية داخلها و بالتالي حتى لا يتمّ احتكارها من أشخاص أو تيار أو جهة و بالتاليتحويل وجهة عملها من أداة للحكم الديمقراطي إلي نقيضه.
بقي الإشارة لأداة أخرى من أدوات الحكم و هي :
الأحزاب السياسية : يفترض أن تكون أهمّ أداة لممارسة الحكم لأنّها المرتبطة مباشرة بآلية الديمقراطية ( الإنتخاب ) لكن هذا يكونصحيحا في الأنظمة و الدول الديمقراطية أما في غيرها فتصبح إمّا مجرّد غطاء للديكتاتورية أو أداة حكم على الورق ( حكم صوري ) كما في الحالة التونسية حيث الحكم الحقيقي للنقابات ( جميعا و ليس المقصود الإتحاد فقط، فالنقابات الأمنية مثلا لا تخضعللإتحاد و لها يد طولى في الداخلية ) و رجال الأعمال و الإعلام.
3 - إذن من يحكم في تونس ؟
الحاكم الفعلي ( يأمر فيُطاع ) هو من يمتلك هذه الآليات أو إحداها على الأقلّ و الذي يستطيع من خلالها إصدار أوامر تتحول لقرارات يتمتنفيذها دون عصيان أمّا الحاكم الذي ليس له من هذه الآليات شيء فهو ليس بحاكم و إنّما مجرّد مدعّي للحكم أو تمّ إيهامه بذلك و هذا ماحدث تقريبا في تونس حيث شاهدنا أنّه في أوّل إختبار حقيقي لتنازع حول السلطة تمّ تعطيل آلية الديمقراطية و السيطرة على الحكم بقوّةالسلاح ( الجيش في هذه الحالة حيث تمّ استعماله من طرف الرئيس في غلق مقارّ الهيئات الدستورية دون وجه قانوني ) و بان أنّ الأحزابالسياسية ( الحكومة ) التي من المفترض أنّ لها الجزء الأكبر من السلطة ( حسب الدستور التونسي و قانون تنظيم السلطة العمومية ) ليسلها أيّ سلطة و قد ظهر ذلك جليّا فِي مشهد رئيس البرلمان و نائبته الأولى حين تمّ منعهم من قبل جنود من دخول مقرّ عملهم ( البرلمان ) و لوكان فعلا لرئيس البرلمان سلطة ما لتكمّن لحظتها من دخول مقرّ أعلى هيئة دستورية في البلاد و التي تقع تحت إمرته.
أمّا النقابات ( إتحاد الشغل ) و رأس المال ( إتحاد الأعراف ) فلم تكن لهم مواقف واضحة بل انتظروا حتّى اللقاء برئيس الدولة ( الموقفليس مبدئي ) الذي قدّم لهم تطمينات بأنّهم ليسوا مستهدفين من وراء الخطوة الإنقلابية التي أقدم عليها و لعلّه يعرف أنّ أيّ محاولة منهللمساس بهم ستكلّفه ربّما خسارة حلفاء مفترضين و بذلك يكون لهذه الجهات الثلاثة ( الرئاسة و اتحادي الشغل و الأعراف ) شبه اتفاقحيث لا يقدم الرئيس على خطوات عقابية ضد الفاسدين منهم ( متخليّا على أحد أهمّ شعاراته و قد ظهر ذلك في الطرح الذي قدّمه البارحةلحلّ مشكلة الأموال المنهوبة) في المقابل لا يقف الإتحادان خاصة اتحاد الشغل ضدّ ما قام به.
أمّا الإعلام التونسي فحقيقة لا يستحق كلاما كثيرا إذ يكفي أنّ التونسيين عرفوا ما حدث ببلادهم من خلال قناة الجزيرة التي كان لها بثّمباشر لحظة إعلان الرئيس إنقلابه على الدستور و سيطرته على جميع السلطات في البلاد في حين كانت القنوات التونسية جميعها تبثّبرامج الطبخ و الحيوانات و على العموم الإعلام التونسي ليس بجديد عليه هذا السلوك حيث أنّه منذ ما قبل الثورة لم تكن له علاقة كبيرةبهموم الشعب التونسي و حتى خلال الثورة فقد خذلها الإعلام خذلانا كبيرا بل أنّه كان من المساهمين الرئيسيين في ترذيل العمل السياسي والعمل على إعاقة كلّ ما من شأنه تحقيق أهداف الثورة و هاهو اليوم يواصل في نفس سياسته المعادية للديمقراطية.
4 - كلمة أخيرة
الديمقراطية ( الإنتخاب ) ليست آلية للحكم في ذاتها بل هي آلية للوصول إليه فقط أما أدوات ممارسة الحكم بشكل فعلي فهي بلا شكّالقوات الحاملة للسلاح ( الغلبة ) و النقابات ( النفوذ الإداري ) و الإعلام ( التحكم في العقول ) و المال ( للتمويل ).
و لعلّ من أهمّ أسباب تعثّر الثورة التونسية و من ورائها ديمقراطيتها الناشئة أنّها لم تنجح في إختراق هذه الأدوات التي مازالت إلى الآنشبه محافظة على ما كانت عليه قبل الثورة مما جعلها بشكل أو بآخر مستفيدة من مزايا الثورة ( الحرية و المزايا المالية من منح و ترقيات ) متحفظة على جوانب أخرى منها ( المحاسبة و الإصلاح ).
تونس تحتاج تفكيكا حقيقيا لإرث ما قبل الثورة و إعادة التشييد على أسس صحيحة لأنّ نسائم الثورة طالما لم تمسّ أساسات الدولة فيعمقها فستبقى الأمور على حالها و لو بعد قرن و صدق المناضل اليساري جلبار نقاش حين قال « تونس بلد يجب إعادته ».
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: