ناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1284
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
محورا الصراع في تونس، هما الثروة والسلطة، وكلّ ما ترونه من صراعات أخرى إنّما هي مجرّد أغلفة لهذا الصراع الحقيقي.
فالثروة التي تركزت في أيدي مجموعة قليلة جدا من التونسيين صارت مع مرور السنين حكرا خاصا لهم وحقّا حصريّا لا ينازعهم فيه منازع،أما السلطة فكانت أيضا لسنين متركزة عند جهة معينة دونا عن باقي جهات الجمهورية.
ولأنّ للمال والحكم ارتباط وثيق حيث إنّ المال سبيل للحكم والأخير وسيلة جيّدة لحماية الأوّل، فإنّهما عملا معا على التحالف لتشديدقبضتهما على الدولة التونسية، إذ هناك مجموعة صغيرة تملك الثروة ومجموعة أخرى (واجهة للأولى) تملك السلطة. وهما يعملان بشكلمتوازي ومتناغم إلى حدّ كبير ولو اطلّعتم على التقارير التي تحدثت عن خارطة الاقتصاد الريعي التونسي أو على كلام السفير السابقللاتحاد الأوروبي بتونس عن العائلات العشر التي تحكم قبضتها على المال في تونس، لعرفتم معنى أن تكون تونس دولة في قبضة بضععشرات من الأشخاص.
هؤلاء الأشخاص يدركون جيّدا أنّ الدولة هي المصنع الرئيسي للثروة لذلك عملوا وسيعملون لافشال كلّ من يريد منازعتهم فيها. فالدولة بماتطرحه من صفقات عمومية تعتبر مصنعا عموميا للمال، فالثراء الفاحش هناك إذ يكفي أن توقع عقدا مع الدولة لانجاز مشروع أو صفقة ماء،فتجني من وراء ذلك مالا لا يُتَخَيَّلُ حجمه ناهيك إن كان هذا الأمر مستمرا لعشرات السنوات؛ ثمّ إنّ العمل مع الدولة ربحه مضمون ولاخسارة فيه، فالدولة تدفع في كلتا الحالات سواء أُنجز العمل أم لم يُنجز (الرشاوى والعمولات تجعل الدفع مضمونا).
وحين حدثت الثورة جاء آخرون من خارج دائرة النفوذ (سلطة ومالا) يطالبون بجزء من الثروة والسلطة، فحاربهم ومازال أولئك الذين يرون فيالدولة (سلطة ومالا) ملكا حصريا لهم بكلّ الوسائل من خلال التشويه الاعلامي والاضرابات والاغتيالات والارهاب لكن مع فشل كلّ ذلك مرّواللعملية الأخطر وهي الانقلاب بقوّة السلاح عليهم والاطاحة بهم لإعادة هيمنتهم على الدولة وبالتالي استرجاع السلطة لحماية ثروتهمومنابعها التي لم تمسّ بعد.
إنّ أيّ ثورة لا تتكمن من تغيير خارطة المال والحكم لن يُكتب لها النجاح وستفشل حتما لذلك تعثّرت الثورة التونسية وهي سائرة نحو حتفهاإن لم يتمّ تدارك ذلك.
يجب على الثورة أن تعمل على كسر مَرْكَزَة المال والسلطة في تونس وذلك من خلال كسر الاحتكار المالي وكسر هيمنة فئة بذاتها علىالسلطة، والثورة لها من السند الشعبي ما يمكّنها من فعل ذلك وهو ما لم يفهمه من حكم باسم الثورة إثر هروب المخلوع ثم رأيناه يتحالف معهؤلاء الذين تحدثنا عنهم.
ثمّة خطوات يمكن القيام بها للوصول إلى تلك النتيجة تدريجيا، إذ يجب العمل خلال عشر سنوات على مدّ شبكات طرقات جيّدة في كاملتونس (طرقات سيّارة إن لزم الأمر)، تعقبها عشر سنوات لنقل عدد من الادارات العامّة العمومية من العاصمة للولايات الأخرى (شمالا وجنوباووسطا) وتركيزها هناك كسرا لهيمنة العاصمة.
فلن تتغيّر خارطة الثروة في تونس طالما أنّ كلّ أسبابه متركّزة بشكل كبير في العاصمة والساحل، يجب نقل هذه الأسباب إلى باقي ولاياتالجمهورية لتصبح هي أيضا أمكنة لصناعة الثروة والسلطة، وفي غياب ذلك لن يتغيّر حال التونسيين إذ سيبقى جزء صغير منهم يَحْكُمُون(سلطة) ويُحْكِمُون (ثورة) قبضتهم على البلد وجزء كبير جدا يعيش على الهامش وبينهما جزء لا يستهان به يصفّق ويعتاش على الفتات الذييُرْمَى له ظنّا منه أنّه نجح في العيش بسعادة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: