فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5155 groupfaz@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
...كما تكلّم الإسلام في الحرب، و جعل لها شرعة تقوم على فصل واضح بين الدّفاع و الهجوم. وحدّ بحدّ المنع القتلَ، إلّا في مواضع معيّنة. و حرّم الفتك بالحيوان و بالشّجر وبالطّفل و بالشّيخ و بالمرأة. و سنّ أحكامًا للغنيمة. و شرّع حدود استغلال خيرات و مقدّرات الشّعوب المنهزمة. درجةً يُمكن القولُ عندها أنّ ما أقرّه الإسلام في هذا المجال يُعتبرُ سابقةً في النّضج البشريّ لم تتجاوزه كل النُّظم و الدّول منذ بداية التاريخ إلى يومنا هذا.
فالإسلام حرّم الاستعمار كما وُجد في أواخر القرن التّاسع عشر إلى اليوم، وكما وُجد في الحقبات التّاريخية السّابقة. رغم أنّ جيوش الإسلام عاشت لفترات أكبر قوّة، دخلت بفضلها لعديد الأمصار و الأقطار. إلاّ أنها لم تستعبد شعوبَها، و لم تُصادر أموالَهم، و لم تُلزمهم بتغيير نهج حياتهم، و لم تُسخّر أهلها في حروبها. و لم تستجلب مصادر ثروتهم الطّبيعية لدولة المركز. بل فرضت على من يختار البقاء على دينه من تلك الشّعوب ضريبة تُعدّ زهيدة إذا ما قارنّاها بما تدفعه الشّعوب اليوم و قبل اليوم، نظير الحماية و الذّود عن محارمها، بما في ذلك دور العبادة فيها، و حقولها، وديارها، و مسالك إنتاجها. وأبقت على مجتمعات تلك الشّعوب دون إعمال التّغيير بالقوّة. فكان أن حصل تغيّرٌ في نمط عيشها بتأثير القدوة الحسنة، و التّقيّد بفكرة الحقّ و العدل في المعاملات، وصولا إلى الاقتناع التّدريجي بالدين الإسلامي المبني على المنطق و العقل، الذي و إن حصل فهو يُغيّر الفرد و المجتمع جذريّا لتكلّمه في كلّ مجالات الحياة الشّخصية و الجماعيّة بما نفصّله الآن.
و أحكام الإسلام في مجال الحرب و العلاقات الدّولية إنما تصبّ عمومها إلى تأسيس قيم كونيّة اصطبغت بطابع إنساني بمفهومها المعاصر، لم يُدركها الفكرُ البشريّ إلاّ بعد الحرب العالميّة الثّانية، أي بعد أكثر من ألف و أربع مائة سنة من أوّل نزول الوحي على الرّسول محمد صلى الله عليه و سلّم. و قد أثبتت عديد الدراسات المعاصرة هذه الفكرة، إلاّ أنّها لم تلق الاهتمام و الرّواج الذي تستحقّ. و أستطيع القول هنا أنّ الأحكام الإسلاميّة هذه، تتطابق تماما مع تلك القيم الإنسانيّة التي أفرزتها المعاهـدات والمنظّمات الدّوليّة في العقود الأخيرة من الحياة البشريّة. و التي تُعدُّ ركنا أساسًا في مفهوم الدّيمقراطية العام من حيث تأسيسها لحرّية الفرد، و منع الظّلم الفكري و البدني عليه، و اعتباره محور كلّ الفكر الإنساني... إلاّ أنّ الألفاظ اختلفت مثل اختلاف مواطن تطبيقها، ففي حين طبّق المجتمع المسلم تلك الأفكار على غيره قبل نفسه منذ قرون، لازلتُ أرى تطبيق هذه الأفكار منحصرا داخل المجتمعات الديمقراطيّة العريقة المعاصرة. و في نفس الوقت تُعــمِل الظّلــــــم و القــــــهر و الاستبداد على غيرها في خارج حدودها.
و سبقُ التشريع الإسلاميُّ للنظم القانونيّة الوضعيّة الحديثة و المعاصرة، يكمن حسب رأيي في أنّ البشريّة وصلت إلى قوانينها عبر قرون من التّجارب و ما تحويه من نجاح و فشلٍ لتلك القوانين، بالنّظر إلى أنّها تستنتج بنفسها مدى مُقايسة النّصوص لتعقيدات الحياة في تطوّرها، العمليّة التي تأخذ وقتا لا بأس به في الارتقاء من مستوى إلى مستوى آخر يليه. بينما الوتيرة السريعة لتشريعات الإسلام و قوانينُه كانت لأنّ مُصدرَها قوّة غيرِ بشريةٍ، لا تعتمد منهج الخطإ و الاستنتاج.
لكن يبقى السؤال - الإشكال في هذا الكتاب - هل تكلّم الإسلام في منظومة حكم الشعب؟ و هل سنّ ما يمكن اعتباره حكم الشعب نفسه؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: