البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"الإرهاب و مسألة الظّلم" ج1

كاتب المقال فتحي الزغل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5313


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لا شكّ في أنّ مصطلح "الإرهاب" أصبح من المصطلحات الّتي لا تخلو نشرة أخبار منها، إن لم أقل المصطلح الأكثر حضورا فيها، كما في كلّ تحليل سياسي قد يتناول العلاقة بين الدّول و جيوشها المنظّمة و جماعات مسلّحة تتصارع معها، في صراع قد يكون ضاربا في التّاريخ و لم ينته بعد إلى يومهم هذا.

و بطبيعة الحال و الأحوال، فإنّ هذا المصطلح قد أطلقه كل من امتلك الوسيلة الدّعائية لنشره واصما عدوَّه به، و قد يكون الحقُّ و العدل يقتضي بأنّه هو من يستحقّ تسميتَه بذاك المصطلح و بتلك التّسمية. فعديدة تلك الحركات التّحرّريّة و الجماعات التي تنادي باستقلالها مثلا، و التي نعتها محتلُّها و مستعمرها بالإرهاب ، رغم أنّها ليست إرهابيّة .

و علــــيه، و لأنّ المسمّى لا يعكس بوفاء التّسمية، و لأنّ المنعوت لا يكون بالفعل صاحب النّعت، فربّما يكون من الأجدى أن نوغل قليلا في هذا المصطلح في بعديه المعجمي و الدّلالي، قبل أن نتناول الظاهرة نفسها بالتحليل.

فكلمة "إرهاب" في لغتنا هي مصدر من فعل "أرهبَ" "يُرهبُ" بمعنى: أدخل "الرهبة" و هي الخوف في المرهوب أو في المُرهَبِ. و فاعل هذا الفعل يسمّى "مُرهِبٌ" و ليس "إرهابيٌّ". و ما هذا المصطلح، و أقصد "إرهابيٌّ" إلاّ شكل من أشكال الانحياز في المعنى، و هو ما يعرف عند اللّغويين بحلول اشتقاق محلّ اشتقاق آخر ليدلّ على نفس المعنى أو المسمّى . فـ"إرهابي" هي صفة مصدر تلحق الإرهاب بالمُرهِب. و هي تعني فيما تعنيه من اشتقاقٍ كثرة الإرهاب أو شدّته. و حسب هذا المعنى المتداول، فــ "الـمُرهب" أو "الإرهابي" هو من يقوم ببثّ الرّهبة و الخوف في غيره سواء كانت تلك الرّهبة مطلوبةٌ، مشروعة إنسانيًّا و قانونيًّا و فطريًّا، و هو ما يسمّى في قاموس السّياسة الحديثة بـ"الرّدع الاستراتيجي "، أو كانت ملفوظة، كما في حالة بثّ الرّعب في طفل أو في امرأة أو في شيخ أو في مجموعة من الأشخاص دون وجه حقّ.

أمّا دلالة، فكلمة "إرهاب" تغني كل ذلك التّخطيط و التّنفيذ للتّحرّكات و للعمليّات العدائيّة التي تستهدف مصالح أو أهدافا أو أرواحا، دون أن تكون تلك الأهداف أداة الحرب الأولى لدى العدوّ، مع ما يلحق بتلك الأعمال من خسائر موجعة له. و هي - أي العمليّات - تعرف بأنّها لا تفرّق بين أداة الحرب التي ذكرتُها، و من وجدوا صدفة في مكانها، من أرواح بشريّة تصنّف بريئة في أغلب الحالات.

و عليه و بعد هذا التّعريف، فيمكنني القول بأنّ العمليّات المصنّفة "إرهابيّة" إعلاميّا وسياسيّا و ثقافيّا، قد تكون ليست إرهابيّة إذا ما حللّناها، و جمعنا كامل خيوطها، و كشفنا كلّ عواملها، و مسبّباتها، و مراحلها، و طرق تنفيذها، و نتائجها. إلاّ أنّي و لرفع اللّبس في المفهوم سأستعمل كلمة "إرهاب" في هذا التّحليل في معناها الدّلالي السّياسي المعروف اليوم إعلاميّا، رغم عدم قناعتي بدلالتها على المعنى المفترض أن تدلّ عليه، و ذلك حتى يتسنّى لي الكلام في الفعل الذي يشترك في علمه أغلب النّاس.

إن المطّلع على الأعمال و الضّربات الإرهابيّة، يدرك أنها تحدث في إحدى صورتين: صورة ينفّذ العمليّة فيها من خطّط لها، و صورة ينفّذ العمليّة فيها شخص أو أشخاص غير من خطّط لها. سواء كان ذلك المخطّط فردا أو مجموعة. إلاّ أنّ القاسم المشترك بين المنفّذين في الصّورة الأولى و في الصّورة الثّانية، هو درجة الاقتناع بالرّأي الّذي يشكّل دافع العمليّة نفسها، و بالفكرة التي تعتبر أصل التّحرك نفسه. اقتناع لم يصل إلى فهمه كلّ الدّارسين للنّفس البشريّة عموما، لأنه يصل في صنف من أصناف تلك العمليّات، و هي التي يكون الدّافع فيها نتاج القهر و الظّلم درجة تفوت الغريزة الأولى للبشر، و هي غريزة حبّ البقاء. فمن ينفّذ عمليّة من تلك العمليّات، و هو يعلم مسبقا أنّه سيموت فيها لا محالة ، هو شخصٌ تجاوز غرائزَه، و فاق مرادُه مراد بقيّة البشر الغريزيّة.

و قد دفعتني هذه المسألة إلى النّظر إلى المسألة من زاوية الدّافع، إذ كيف يكون هذا الدّافع قويّا لهذه الدّرجة ؟ فيتفوّق على الغريزة التي تولد مع الإنسان و تموت بموته. فكما هو معلوم، فإنّ الصّبر على غير الغرائز ممكن لدى كلّ البشر، و الصّبر على متطلّبات الحضارة ممكن كذلك حسب حضارتهم، و الصّبر على ضرورات العيش ممكن أيضا. إلّا أنّ تجاوز غريزتي "حبّ البقاء" و "الأكل و الشّرب" هو ضرب من ضروب المستحيل. و ما قتل المرء نفسه هو عين تجاوز غريزة حب البقاء.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإرهاب، الثورة، تاملات، الفكر السياسي، تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-11-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إنذارات بمجتمع يهوي
  أنا اللّص الذي عنه تبحثون
  قراءة في المشهد الانتخابي البرلماني التونسي بعد غلق باب التّرشّحات
  السّياسةُ في الإسلام
  ماذا يقع في "وينيزويلّا"؟ حسابات الشّارع وموازين الخارج
   بعد تفجير شارع بورقيبة ... ألو... القائد الأعلى للقوات المسلّحة؟
  إلى متى تنفرد الإدارة في صفاقس بتأويل خاصّ لقوانين البلاد 2؟
  "التوافق" في تونس بين ربح الحزب وخسارة الثورة
  "ترامب"... رحمة من الله على المسلمين
  حكاية من الغابة... حكاية اللئيم و الحمير
  بقرة ينزف ضرعـــها دما
  تعليقا على مؤتمر النهضة... رضي الشيخان ولم يرض الثّائر
  بعد مائة يوم على الحكومة... إلى أين نحن سائرون؟
  الغرب و الشّرق و "داعش" و "شارلي"
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج3
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج2
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج1
  كيف تختار الرّئيس القادم؟
  قراءة في الانتخابات البرلمانية التونسية
  سكوتلاندا لا تنفصل... درس في المصلحيّة
  قراءة في النّسيج الانتخابي التّونسي
  "أردوغان" رئيسا لتركيا... تعازي غلبت التهاني
  "غزّة" و الإسلاميّون
  الانتخابات الفضيحة
  أُكرانيا و مصر و نفاق الغرب
  رئيسٌ آخر و حكومة جديدة.... قراءة في ما بعد الحدث
  بيان بخصوص رفض الأطبّاء العمل في المناطق الدّاخليّة
  بيان بخصوص إضراب القضاة
  سلطتنا التّنفيذيّة وعلامات الاستفهام
  سلطتنا القضائيّة و علامات الاستفهام

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد الحباسي، د. أحمد بشير، الهيثم زعفان، رمضان حينوني، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد علي العقربي، مصطفي زهران، رضا الدبّابي، طلال قسومي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - المنجي الكعبي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الله زيدان، صباح الموسوي ، حميدة الطيلوش، سامح لطف الله، إسراء أبو رمان، د - صالح المازقي، د- جابر قميحة، عراق المطيري، المولدي الفرجاني، د- هاني ابوالفتوح، كريم فارق، رشيد السيد أحمد، محمد شمام ، عمر غازي، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، وائل بنجدو، أحمد ملحم، محرر "بوابتي"، مراد قميزة، العادل السمعلي، حاتم الصولي، عبد الغني مزوز، محمود سلطان، محمد يحي، د. خالد الطراولي ، محمد أحمد عزوز، طارق خفاجي، الناصر الرقيق، د - شاكر الحوكي ، أنس الشابي، صفاء العربي، محمود فاروق سيد شعبان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. عبد الآله المالكي، فتحـي قاره بيبـان، أحمد بوادي، د - عادل رضا، إياد محمود حسين ، عبد العزيز كحيل، د- محمد رحال، كريم السليتي، تونسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد عمر غرس الله، د - محمد بن موسى الشريف ، سعود السبعاني، نادية سعد، جاسم الرصيف، رافد العزاوي، أحمد النعيمي، أبو سمية، منجي باكير، د. صلاح عودة الله ، ضحى عبد الرحمن، د.محمد فتحي عبد العال، ياسين أحمد، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد محمد سليمان، فتحي الزغل، محمد الياسين، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - الضاوي خوالدية، يحيي البوليني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عزيز العرباوي، إيمى الأشقر، حسني إبراهيم عبد العظيم، سيد السباعي، د - مصطفى فهمي، سامر أبو رمان ، عبد الله الفقير، سلوى المغربي، المولدي اليوسفي، مجدى داود، حسن عثمان، فهمي شراب، صلاح المختار، سلام الشماع، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الرزاق قيراط ، صلاح الحريري، د - محمد بنيعيش، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن الطرابلسي، سفيان عبد الكافي، علي الكاش، د- محمود علي عريقات، صالح النعامي ، ماهر عدنان قنديل، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، صفاء العراقي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عواطف منصور، أ.د. مصطفى رجب، محمود طرشوبي، يزيد بن الحسين، د. طارق عبد الحليم، محمد الطرابلسي، فتحي العابد، رافع القارصي، أشرف إبراهيم حجاج، فوزي مسعود ، بيلسان قيصر، محمد العيادي، علي عبد العال،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة