البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"الإرهاب و مسألة الظّلم" ج1

كاتب المقال فتحي الزغل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5003


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لا شكّ في أنّ مصطلح "الإرهاب" أصبح من المصطلحات الّتي لا تخلو نشرة أخبار منها، إن لم أقل المصطلح الأكثر حضورا فيها، كما في كلّ تحليل سياسي قد يتناول العلاقة بين الدّول و جيوشها المنظّمة و جماعات مسلّحة تتصارع معها، في صراع قد يكون ضاربا في التّاريخ و لم ينته بعد إلى يومهم هذا.

و بطبيعة الحال و الأحوال، فإنّ هذا المصطلح قد أطلقه كل من امتلك الوسيلة الدّعائية لنشره واصما عدوَّه به، و قد يكون الحقُّ و العدل يقتضي بأنّه هو من يستحقّ تسميتَه بذاك المصطلح و بتلك التّسمية. فعديدة تلك الحركات التّحرّريّة و الجماعات التي تنادي باستقلالها مثلا، و التي نعتها محتلُّها و مستعمرها بالإرهاب ، رغم أنّها ليست إرهابيّة .

و علــــيه، و لأنّ المسمّى لا يعكس بوفاء التّسمية، و لأنّ المنعوت لا يكون بالفعل صاحب النّعت، فربّما يكون من الأجدى أن نوغل قليلا في هذا المصطلح في بعديه المعجمي و الدّلالي، قبل أن نتناول الظاهرة نفسها بالتحليل.

فكلمة "إرهاب" في لغتنا هي مصدر من فعل "أرهبَ" "يُرهبُ" بمعنى: أدخل "الرهبة" و هي الخوف في المرهوب أو في المُرهَبِ. و فاعل هذا الفعل يسمّى "مُرهِبٌ" و ليس "إرهابيٌّ". و ما هذا المصطلح، و أقصد "إرهابيٌّ" إلاّ شكل من أشكال الانحياز في المعنى، و هو ما يعرف عند اللّغويين بحلول اشتقاق محلّ اشتقاق آخر ليدلّ على نفس المعنى أو المسمّى . فـ"إرهابي" هي صفة مصدر تلحق الإرهاب بالمُرهِب. و هي تعني فيما تعنيه من اشتقاقٍ كثرة الإرهاب أو شدّته. و حسب هذا المعنى المتداول، فــ "الـمُرهب" أو "الإرهابي" هو من يقوم ببثّ الرّهبة و الخوف في غيره سواء كانت تلك الرّهبة مطلوبةٌ، مشروعة إنسانيًّا و قانونيًّا و فطريًّا، و هو ما يسمّى في قاموس السّياسة الحديثة بـ"الرّدع الاستراتيجي "، أو كانت ملفوظة، كما في حالة بثّ الرّعب في طفل أو في امرأة أو في شيخ أو في مجموعة من الأشخاص دون وجه حقّ.

أمّا دلالة، فكلمة "إرهاب" تغني كل ذلك التّخطيط و التّنفيذ للتّحرّكات و للعمليّات العدائيّة التي تستهدف مصالح أو أهدافا أو أرواحا، دون أن تكون تلك الأهداف أداة الحرب الأولى لدى العدوّ، مع ما يلحق بتلك الأعمال من خسائر موجعة له. و هي - أي العمليّات - تعرف بأنّها لا تفرّق بين أداة الحرب التي ذكرتُها، و من وجدوا صدفة في مكانها، من أرواح بشريّة تصنّف بريئة في أغلب الحالات.

و عليه و بعد هذا التّعريف، فيمكنني القول بأنّ العمليّات المصنّفة "إرهابيّة" إعلاميّا وسياسيّا و ثقافيّا، قد تكون ليست إرهابيّة إذا ما حللّناها، و جمعنا كامل خيوطها، و كشفنا كلّ عواملها، و مسبّباتها، و مراحلها، و طرق تنفيذها، و نتائجها. إلاّ أنّي و لرفع اللّبس في المفهوم سأستعمل كلمة "إرهاب" في هذا التّحليل في معناها الدّلالي السّياسي المعروف اليوم إعلاميّا، رغم عدم قناعتي بدلالتها على المعنى المفترض أن تدلّ عليه، و ذلك حتى يتسنّى لي الكلام في الفعل الذي يشترك في علمه أغلب النّاس.

إن المطّلع على الأعمال و الضّربات الإرهابيّة، يدرك أنها تحدث في إحدى صورتين: صورة ينفّذ العمليّة فيها من خطّط لها، و صورة ينفّذ العمليّة فيها شخص أو أشخاص غير من خطّط لها. سواء كان ذلك المخطّط فردا أو مجموعة. إلاّ أنّ القاسم المشترك بين المنفّذين في الصّورة الأولى و في الصّورة الثّانية، هو درجة الاقتناع بالرّأي الّذي يشكّل دافع العمليّة نفسها، و بالفكرة التي تعتبر أصل التّحرك نفسه. اقتناع لم يصل إلى فهمه كلّ الدّارسين للنّفس البشريّة عموما، لأنه يصل في صنف من أصناف تلك العمليّات، و هي التي يكون الدّافع فيها نتاج القهر و الظّلم درجة تفوت الغريزة الأولى للبشر، و هي غريزة حبّ البقاء. فمن ينفّذ عمليّة من تلك العمليّات، و هو يعلم مسبقا أنّه سيموت فيها لا محالة ، هو شخصٌ تجاوز غرائزَه، و فاق مرادُه مراد بقيّة البشر الغريزيّة.

و قد دفعتني هذه المسألة إلى النّظر إلى المسألة من زاوية الدّافع، إذ كيف يكون هذا الدّافع قويّا لهذه الدّرجة ؟ فيتفوّق على الغريزة التي تولد مع الإنسان و تموت بموته. فكما هو معلوم، فإنّ الصّبر على غير الغرائز ممكن لدى كلّ البشر، و الصّبر على متطلّبات الحضارة ممكن كذلك حسب حضارتهم، و الصّبر على ضرورات العيش ممكن أيضا. إلّا أنّ تجاوز غريزتي "حبّ البقاء" و "الأكل و الشّرب" هو ضرب من ضروب المستحيل. و ما قتل المرء نفسه هو عين تجاوز غريزة حب البقاء.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإرهاب، الثورة، تاملات، الفكر السياسي، تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-11-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إنذارات بمجتمع يهوي
  أنا اللّص الذي عنه تبحثون
  قراءة في المشهد الانتخابي البرلماني التونسي بعد غلق باب التّرشّحات
  السّياسةُ في الإسلام
  ماذا يقع في "وينيزويلّا"؟ حسابات الشّارع وموازين الخارج
   بعد تفجير شارع بورقيبة ... ألو... القائد الأعلى للقوات المسلّحة؟
  إلى متى تنفرد الإدارة في صفاقس بتأويل خاصّ لقوانين البلاد 2؟
  "التوافق" في تونس بين ربح الحزب وخسارة الثورة
  "ترامب"... رحمة من الله على المسلمين
  حكاية من الغابة... حكاية اللئيم و الحمير
  بقرة ينزف ضرعـــها دما
  تعليقا على مؤتمر النهضة... رضي الشيخان ولم يرض الثّائر
  بعد مائة يوم على الحكومة... إلى أين نحن سائرون؟
  الغرب و الشّرق و "داعش" و "شارلي"
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج3
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج2
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج1
  كيف تختار الرّئيس القادم؟
  قراءة في الانتخابات البرلمانية التونسية
  سكوتلاندا لا تنفصل... درس في المصلحيّة
  قراءة في النّسيج الانتخابي التّونسي
  "أردوغان" رئيسا لتركيا... تعازي غلبت التهاني
  "غزّة" و الإسلاميّون
  الانتخابات الفضيحة
  أُكرانيا و مصر و نفاق الغرب
  رئيسٌ آخر و حكومة جديدة.... قراءة في ما بعد الحدث
  بيان بخصوص رفض الأطبّاء العمل في المناطق الدّاخليّة
  بيان بخصوص إضراب القضاة
  سلطتنا التّنفيذيّة وعلامات الاستفهام
  سلطتنا القضائيّة و علامات الاستفهام

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- جابر قميحة، سامر أبو رمان ، سفيان عبد الكافي، صالح النعامي ، صفاء العربي، عبد الرزاق قيراط ، مجدى داود، سلوى المغربي، د - المنجي الكعبي، العادل السمعلي، د. مصطفى يوسف اللداوي، الناصر الرقيق، محمد الطرابلسي، فتحـي قاره بيبـان، خالد الجاف ، محمد الياسين، أحمد الحباسي، رافع القارصي، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد ملحم، د. خالد الطراولي ، عراق المطيري، تونسي، فتحي العابد، إسراء أبو رمان، كريم فارق، محمود طرشوبي، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد بوادي، سامح لطف الله، عبد الله زيدان، د. طارق عبد الحليم، ياسين أحمد، حسن عثمان، يزيد بن الحسين، د- هاني ابوالفتوح، أ.د. مصطفى رجب، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، سعود السبعاني، طلال قسومي، محمد أحمد عزوز، رمضان حينوني، رافد العزاوي، صباح الموسوي ، جاسم الرصيف، د. أحمد بشير، عمر غازي، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، حسن الطرابلسي، فتحي الزغل، فهمي شراب، محمود سلطان، مراد قميزة، محمد العيادي، د. عبد الآله المالكي، أنس الشابي، د- محمود علي عريقات، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح المختار، د - محمد بن موسى الشريف ، كريم السليتي، د - الضاوي خوالدية، د - مصطفى فهمي، د - صالح المازقي، أشرف إبراهيم حجاج، ضحى عبد الرحمن، إياد محمود حسين ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الغني مزوز، د- محمد رحال، د. صلاح عودة الله ، حميدة الطيلوش، محرر "بوابتي"، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سيد السباعي، أحمد النعيمي، المولدي الفرجاني، يحيي البوليني، د. أحمد محمد سليمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد شمام ، إيمى الأشقر، محمود فاروق سيد شعبان، منجي باكير، ماهر عدنان قنديل، وائل بنجدو، الهادي المثلوثي، محمد عمر غرس الله، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد اسعد بيوض التميمي، مصطفي زهران، سلام الشماع، حاتم الصولي، صفاء العراقي، د - محمد بنيعيش، فوزي مسعود ، رضا الدبّابي، الهيثم زعفان، رحاب اسعد بيوض التميمي، علي الكاش، رشيد السيد أحمد، علي عبد العال، محمد يحي، مصطفى منيغ، د - شاكر الحوكي ، عواطف منصور، خبَّاب بن مروان الحمد، عزيز العرباوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، نادية سعد، أبو سمية،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة