فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3648
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ أن بدأت الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية والمهتمين بالحدث يتابعون ما يسمى بــ "الظاهرية التّرامبيّة". وأقصد الصعود العمودي السريع لــ"دونالد ترامب" لينتهي في آخر المطاف سيّدا للبيت الأبيض بعد الأسود الذي كان يسكنه قبله لفترتين رئاسيّتين أي لثمان سنوات كاملة، وهو بالطبع الرئيس "باراك حسين أوباما".
وكما هو معلوم، فقد شذّ الرجل عن المألوف في وعوده الانتخابية إبّان مراحل حملته كلّها، فجعلها محلّ انتقاد من قبل المتابعين باستثناء أنصاره. وصفها العديد منهم بالشعبويّة، و وصفه البعض الآخر بالتّهوّر في إطلاق التّصريحات الناريّة هنا وهناك، وبتجاوزه للمؤسّسات الرّسميّة المتجذّرة في السّياسة والمجتمع الأمريكيّين. إلّا أنّ الرّجل ومناصروه تمادوا إلى الأمام ولا يزالون، وفي تقديري سيتمادون.
فها هو رجل الأعمال النّاجح، يتسبّب في أزمتين من النوع الكبير بعد أسبوع فقط من تولّيه السلطة في بلده، فقد حظر دخول رعايا بلدان إسلاميّة للتّراب الأمريكي، وقد قرّر بناء جدار فصل مع جارته "المكسيك" البلد الذي يقطنه سكّانه الأصليّون خلاف بلده الذي يقطنه وافدون عليه من وراء البحار قبل أن يصيروا "أمريكيّين" بالأقدميّة زمنًا، أو عن طريق قرار إداريٍّ، من قبَل شخص كان مثلهم قبل هجرته إلى هناك.
فالرجل لم يُخفِ عداوته نحو المسلمين في إجراءاته وفي قراراته، بل وصف دينهم بأنّه دين الإرهاب، وبدأ في فرز المسلمين داخل بلاده، وأعلن أنّه سيفرزهم خارجه كذلك بما أنّه يتربّع على عرش القوّة الأولى عالميًّا.
وفعلا فقد أنجز "دونالد ترامب" ما وعد... ومنع آلاف الناس من دخول بلاده،ولو كانوا حاملين لتأشيراتٍ رسميّة ولإقامات، وذلك فقط لأنّهم ... مسلمون. فاصطفّت الطّوابير وامتلأت المطارات والسفارات والموانئ والساحات بهؤلاء الذين لا ذنب لهم إلاّ أنّهم يدينون بدعوة الإسلام.
فماذا فعل "ترامب" بفعلته تلك وهو لا يدري؟
فقد تضامن العالم قاطبة مع المسلمين... وتضامن أهل العدل والحقّ من المفكّرين والسياسيّين والإعلاميّين وأصحاب القرار والتأثير وغيرهم مع المسلمين ومع الإسلام نفسه... وصار الإسلام يذكر مرّات ومرّات في كلّ ثانية، في مختلف المحطّات والقنوات الإعلامية و في كل تعليق على ما يحدث، وفي كلّ رواية للأحداث... وانتشر اسم محمد صلى الله عليه وسلّم بين الألسن العجميّة... فتهافت الناس في أيام قليلة فقط على دين الرّجل الذي توفاه الله منذ 1400 سنة فزاد بذلك في نشر دعوته على ما نشر قبل وفاته وهو عند الله في ملكوته الأعلى... فأحبّ هؤلاء الذين صرّحوا بذلك الحقّ الذي بعثه الله به منذ قرون، فأعلن عدد منهم اعتناقهم لهذا الدين، وأنّهم لم يكونوا يعلمون تعاليمه قبل تهوّر "ترامب" الأخرق ذاك... بل رُفِع الأذان الإسلاميّ للصّلاة في جلّ مطارات الولايات المتحدة، وفي جلّ سفاراتها في عواصم العالم، وفي جلّ موانئها، وفي أمكنة كانت لن تقام فيها صلاة فرديّة حتّى، لبعدها الموضوعيِّ عن هذا الدين جغرافيا مثلا أو تاريخيا أو حضاريا وإثنيّا.
ثمّ هاهو العالم الحرّ يجيّشُ - وعلى غير عادته - الحملات المؤثرة ضدّ مناصرٍ لهذا الرئيس الأشقر الألماني الأصل المتجنّس أمريكيًّا سنة 1892، وأقصدُ ذاك الإرهابيُّ الذي قتل مسلمين يؤدّون الصلاة في مسجد في "كندا" البلد المجاور لبلاد صاحبنا. فانتصر كلّ العالم للمسلمين وشجب المهاجم وفكره "الترامبيّ" المتطرّف الإرهابيَّ.
وأذكر أنّي قد نعتُّ الرئيس "ترامب" في أحد تعليقاتي الإعلامية قبل فوزه بأنّه يحمل حركات وطباع المجانين، واليوم – وأنا اكتب هذه الكلمات لقرّاء انجليز أغلبهم مسيحيون ولا دينيّون - أسمع وزير خارجيتكم "بوريس جونسون" ينعته بالمجنون أصلا وأنّه "لا يصلح لقيادة بلده". فعن أيّ رجل نتكلّم؟
لكن إذا نظرنا بزاوية أخرى وهي الزاوية التي أشرف بها بما انّني من المسلمين ... فقد قدّم "المجنون" هذا ما لم يقدّمه مسلم قبله في عصرنا... فقد تسبّبت عدائيّته للدّين الإسلاميّ في تعرّف العالم على هذا الدين، ومن سمع منه أحبّه كما يقال عندنا نحن العرب، فكان أن اهتدى عديد منهم إليه، علمنا بعضهم وجهلنا أغلبهم. وعليه، وبهذا المقياس، صرتُ كأنّي أرى عمامةً فوق رأس الرّجل، وأقصد الداعية دون أن يدري "أبو الدّوّ بن النّالد التّرمبي".
لكن سؤال آخر قد بدأ يرد في خلدي وأنا في خاتمة هذا التحليل... وهو: هل سيكون لخرف صاحبنا دافعا لتوحّد كلمة المسلمين حكوميّا وسياسيّا ومن بعدُ إجرائيا قد يكون بمثابة شرارة لتموضع استراتيجي جديد بين دول العالم؟... إذا حصل، سيكون عندها صاحبنا من الذين ستدرسه الأجيال القادمة من الأمّة التي إليها انتمي بأنّه "المسيحي المتطرّف" الذي تسبّبت صفعاته للمسلمين التي أراها ستتواصل وستشتدّ ما بقي في مكتبه رئيسا، في تحرّرهم من عقدة "الدّونيّة" لديهم، وفي تطوّرهم نحو إقامة العدل في دولهم...
الأمر الذي إذا حصل أيضا، سيكونون بلا شكّ، أسيادًا لا إمَّعاتٍ كما وصفهم على حالتهم اليوم هذه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلّم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: