فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5578
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ ما يقارب السّنة في مصر، متى حدث الانقلاب العسكري المدني على الرّئيس ذي التّوجه الإسلاميّ "محمد مرسي" و المنتخب من الشّعب في انتخابات نزيهة شفّافة لم تشهدها البلاد منذ عهد الفراعنة، و الانقلابيّون يُروّجون لشرعيّة يريدون، و لم ينفكّوا، فرضها إعلاميّا في داخل البلاد و خارجها، بتواطؤ مفضوح قيل أنه يُرادِفُ النّذالة، من إعلام المخلوع "مبارك" بأجهزته، و عناوينه الصحفيّة، و أسمائه الّتي استكرشت في عهده بعمالتها له و لزبانيته، فكانت أقرب لأن تكون عدوّة للشّعب لا أمينة عليه، نابعة منه. و ذلك.... بمُعانقة حيلة "مكافحة الإرهاب" تارة و بمواطأة تخريجة "القطع مع أخونة الدّولة المصريّة" تارة أخرى. و كأّنّ الإرهاب لم يكن سمة بارزة من سماتهم و هم القتلة في ميدان "رابعة"... و كأنّ الإخوان ليسوا مصرييّن حتّى تكون أخونة البلاد جريمة أو خطأ... بل و كأنّ الإخوان ليسوا هم الأغلبيّة السّاحقة في الشّعب المصري كما بيّنته الأحداث هناك، فلا يستطيع منصف إنكار هذه الحقيقة.
فانقلاب مصر نفّذه عسكر متنفّذٌ في التّجارة و الاقتصاد و الكسب غير المشروع، بعيدٌ كلّ البعد عن السّلاح و البسالة و المعارك و الفداء و الوفاء للشعب و لاختياراته. بتواطؤ لم يخف مع دعاة الدّيمقراطية الذّين أثبتت الأيّام و الأحداث في دول الربيع العربيّ بأنّهم أبعد ما يكونون عنها و عن مبادئها، من الحداثيّين المتأمركين و المستغربين و اليسارييّن و القوميّين و السّلفييّن و "المستخلجين". فمنهم من سكت على القتل، و منهم من أوحى به، و منهم من شجّع على الظلم، و منهم من دعى له، و منهم من سخّر قنواته العارية العاربة و المستعربة تُلمّع صورة القتلة و تزيّنُ سكاكينهم بالورد الأبيض و هي تقطرُ مخضّبة بدماء الأبرياء.
و منذ فعلتهم النكراء تلك، و ظلمهم الناس بسجنهم و قتلهم، و هو أشدّ الظلم عند الله، و المجرمون و أقصد الانقلابيين، يُروّجون لفعلتهم تلك على أنّها استمرار للثورة، و فصل من فصول تحقيق أهدافها. رغم أنّهم - و عن غير قصد طبعا- كشفوا للمتابعين كفرهم بها، و ذلك بتجاهل تاريخ 25 جانفي – يناير – و اعتماد تأريخ آخر و هو 30 جوان – يونيو- . و أنّهم أيضا، و بفعلتهم تلك، إنّما يُصحّحُون مسارا ديمقراطيًّا، بطريقة ذكّرتنا كثيرا بعناوين الانقلابات العسكرية العربية السابقة –و ما أكثرها- تلك التي روّجت لنفسها على أنّها إمّا "حركة تصحيحيّة" كانقلاب "حافظ الأسد" في سوريا، أو "تغيير و تحوّل مباركٌ" كانقلاب "بن علي" في تونس، أو "إعادة السلطة للجماهير" كانقلاب "معمّر القذّافي" في ليبيا. و الأمثلة في هذا الفعل الدّمويّ عديدة في عالمنا العربي من العراق إلى موريطانيا.
إلا ّأنّه و منذ ذاك الحدث الجلل، و ما اقترفه المجرمون فيه من مجازر بشعة و قتل بدم بارد في "رابعة" و "رمسيس" و غيرهما من ساحات سيأتي يوم يظهر فيه حقيقة فعلهم فيها لا محالة، و رغم التّعتيم الواضح و الممنهج، و التّغطية المفضوحة على مستوى و شدّة الجرم المقترف فيها، و الانقلابيّون يحاولون بسط سلطتهم و تغيير وجهة المصرييّن نحو مساندتهم، بالقوّة و بالبروباقندا الإعلاميّة. فمارسوا القتل و التّرهيب، و نصبوا المحاكم الصوريّة الّتي وجدوها جاهزة بقضاة "مبارك" و "أحمد عز" و "سالم"، و جرّموا كلّ فكر يخالفهم أو رأي يُجانِبُهم ، و لم يتركوا وسيلة قمع إلا جرّبوها في الشّعب المصري من الدّبابة و التّفجيرات إلى الميكروفون و الشّاشة.
إلاّ أنّ المتابعين للأحداث في هذا البلد -الذي أحسّ نفسي بأنّ هواي نحوه- استوقفتهم موجة الرّفض الّتي واجه بها شعب أعزل فقير تلك الماكينة الرّهيبة، ووقفوا مُكبِرين لطول نفسه بخروجه - كلّ يوم منذ الانقلاب إلى اليوم- في الشّوارع بلا كلل أو ملل، رغم أنّ العصابة تغرس في كلّ يوم يخرجون هم فيه، جذورا لترسيخ حكمهم و ترسيخ نتائج ما فعلوه في داخل البلاد و خارجها بمشاركة و إعانة سخيّة من غرب منافق صدّع آذان العالم لعقود بالكلام في الديمقراطيّة، حتى إذا سنحت الفرصة لتجسيم كلامه أفعالا انتكس على عقبيه و فضّل تأييد الاستبداد و الانقلاب و سلطة العسكر مادام الوضع القائم الجديد يخدم مصالحه الاقتصادية و مصلحة ما يسمّى بــ "إسرائيل". و إعانة سخيّة أيضا من خليج إقطاعيّ - و أستثني هنا استثناء قطر الّتي تشرّفها مواقفها و لا تزال- آخر عهد حكّامه بالانتخابات في أيّام قريش لمّا اختاروا من كلّ قبيلة شابّا يُمثِّلُها لقتل الرسول صلى الله عليه و سلّم في فراشه غدرًا في الليل.
فهؤلاء الّذين أصبح الشّارع عنوانهم، و التّظاهر نشاطهم، و كسر الانقلاب هدفهم، لم يكترثوا لنتائج الأمر الواقع الّتي يتشدّق بها أهل الكرافاتات في النّدوات و الاجتماعات السّياسية و الإعلاميّة في النّزل الفارهة، بأنّهم لن يستطيعوا إعادة السّاعة إلى الوراء كما يردّدون ، بل استبسلوا و صمّموا و عقدوا العزم على النّصر ماداموا على حقّ، و العصابة و ما فعلت على باطل.
حتّى إذا أخذت العصابة زخرفَها و ازّيّنت و ربت، و ظهر لها أن تضفي شرعيّة انتخابيةً لانقلابها، أمر كبيرها المجرم بتنظيم انتخابات، و لو دون مرشّحين. فاستدعى لذلك الكهنة و القساوسة و المشيخة، من أولي البطون الكبيرة و العقول الصغيرة، و قال لهم أفتوني في انتخاباتٍ كالّتي صعّدت "محمد مرسي" للرّئاسة، تكون خفيفة الفعل، أكيدة النتيجة، فماذا أنتم فاعلون؟ فما كان جواب عُصبته إلاّ أن قالوا إئت ببيدقٍ من بيادقنا، يكون لك و لنا ماصًّا للّومِ أمام النّاس يوم الحشر، و اجعل صورته إلى جانب صورتك في الشوارع و السّاحات، و أذّن في النّاس ليوم سمِّه انتخابات يأتينك حتما من كلّ فجّ عميق... فابتلع جميعهم الطّعم و نفّذوا ما كانوا يسطرون ...
و بينما هم كذلك تحت تأثير النشوة، و في قمّة خيال النّصر بوأد العلّة و الضمير... و بينما هم في غمرتهم يعمهون، و يتناسون الشعب العظيم الذي استمدّ عظمته من الله العظيم وحده، و الصّبر الذي استمدّه من الله الجبّار وحده. ضربوا للعالم و للمجانين أمثالهم موعدًا ليومين سمّوهما أيّام التصويت كما يحدث في كلّ بلدان الأرض.
حتّى إذا جاء يوم الزّينة و بدأوا يقرعون الطّبول و يؤذّنون لولائهم لسيّدهم كبيرهم، و يبشّرون بالنّصر المحتوم، و بأنّهم سيكونون حكّاما شرعيّين لمصر الكنانة، و هم غافلون عن أنّ ما بُني على باطل فهو باطل و لو كان حقّا... لقّنهم ذلك الشّعبُ -الذي كان يُصنّف بعضه من الجاهلين لو لم يفعل- درسا في السّياسة و إحقاق الحقّ فلم يأتهم لصناديق الاقتراع و قاطعهم مقاطعة سُمِع صداها في كلّ زاوية من العالم و في كل شاشة فيه، عدى "عربيّتُهم".
فجنّ جنون العصابة، و بدأ عرّابوها يخرجون عن طورهم، وبدأ صياحهم و عويلهم يتردّد في العالم بأسره، و انكشفت عورتُهم حتّى دون أن تكون شجرة توت بجوارهم... فافتضحوا بفضيحة مزلزلة، لا أرى مخرجا منها سوى اعتذارا للشّعب المصري و لرئيسه المنتخب.... شعب سطّر ملحمة في إجباره الانقلابيّين على التّوسل إليه ليخرج ليقترع في أوّل الأمر، قبل أن يهدّده بغرامات المقاطعة. و في إجباره إيّاهم في فصلٍ آخر على تخصيص اليوم الثّاني للانتخابات إجازةً محاولة منهم زيادة عدد المقترعين. و في إجباره إيّاهم في فصلٍ ثالثٍ من فصول الجنون و ضياع ماء الوجه على الإتيان بما لم يُؤتَ من قبل أبدًاُ، و عُدَّ سابقة في كلّ بلدان العالم، و فضيحة بكلّ المقاييس... و أقصد زيادة يوم ثالث للاقتراع لضعف الإقبال، و العادة أن تكون زيادة ساعة أو ساعتين ليوم الاقتراع إجراء فوريّا لمجابهة كثافة الإقبال و طول الصفوف.
فكلّ الاحترام لك يا شعب مصر ... و كلّ التّحقير للمجرمين الّذين قتلوا أبرياء... و كلّ التّأكيد أنّ السّياسة حقّ و باطل و ليس كما عهدنا و يحاولون إقناعنا بأنّها... فنّ الخدع و تحقيق النّتائج و لو بالظلم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: