أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3574
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في الاحتفال بعيد المرأة لهذه السنة أعلن رئيس الجمهورية أن النيّة متجهة إلى إلغاء المنشور 73 الذي منع بمقتضاه زواج المسلمة من غير المسلم إلا بعد الحصول على شهادة في الإسلام من الشيخ المفتي، وقد ثارت ثائرة البعض من الذين يدّعون الانتساب إلى الشأن الديني فعُقدت الندوات الصحفية وصدرت البيانات التي تروّج جميعها لما مفاده أن هذا النوع من الزواج محرّم شرعا دون تقديم أي دليل يطمئن إليه السامع، سعيا منا إلى الفصل بين ما هو شرعي وما هو سياسة نقول وعلى الله الاتكال.
ذهب القائلون بمنع زواج المسلمة من غير المسلم إلى الاستشهاد بالآية 221 من سورة البقرة التي نصها: "وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ " والمشرك كما ورد في التحرير والتنوير هو: "من يدين بتعدد آلهة مع الله سبحانه وتعالى" أما أهل الكتاب فهم: "الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه ولكنهم أنكروا رسالة محمّد صلى الله عليه وسلم"(1) وبيّن أن المنع يتناول المشرك فقط ولا يتناول غيره من الكتابيين وحتى في هذه الحالة فإن المنع أعقبه تعالى بقوله ولعبد مؤمن خير من مشرك أي أن المنع ليس باتا وقطعيا ونهائيا وإلا لَما خُيِّر بين العبد المؤمن والمشرك الحرّ فالتخيير هنا لتبيان الأفضلية في المنافع الحاصلة من الطرفين ولا يحمل حكما شرعيا فقد ورد الثلاثي خير في القرآن الكريم 196 مرّة وفي جميعها لم يحمل إلزاما بحكم بل ذكر على سبيل التخيير هذا التفصيل الدقيق دفع بالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إلى القول: "فبقي تزويج المسلمة من الكتابي لا نصّ عليه ومنعه جميع المسلمين إما استنادا منهم إلى الاقتصار في بيان التشريع وإما إلى أدلة من السنة ومن القياس وسنشير إليه أو من الإجماع وهو أظهر"(2) والمستفاد من قول الإمام أن هذا النوع من الأنكحة بين المسلمة والكتابي:
1) لا نصّ على تحريمه.
2) وأن ما يتمّ تداوله بشأنه إنما هو من صنع المسلمين أي أن الناس تواضعوا على هذا التصرف دون أن يكون هنالك نص قطعي الدلالة والثبوت وإن استندوا في ذلك إلى أحاديث أو قياس أو إجماع إلا أنها تبقى جميعها ظنية الدلالة أو الورود.
ففي المسالة المبحوثة ذهب الشيخ محمد أبو زهرة عند حديثه عن الإجماع إلى القول بأن الصحابة: "أجمعوا على بطلان زواج المسلمة بغير المسلم"(3) وهو القول نفسه الذي نجده يتردّد بكثرة عند الحديث عن تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يقول الإمام محمود شلتوت: "وهو من الأحكام التي أجمعت عليها الأمة من عهد الرسول إلى يومنا هذا"(4) هكذا ينقل الخلف عن السلف حكما لا نجد له سندا شرعيا وتحفّ به شكوك كثيرة تفيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمر بالتفريق بين المسلمة وزوجها المشرك رغم علمه وعدم اعتراضه من ذلك ما ورد في الموطأ من أن: "صفوان بن أمية خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حُنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ولم يفرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته...."(5) كما أن زينب ابنة رسول الله (ص) كانت متزوّجة من أبي العاص بن الربيع ابن أخت خديجة رضي الله عنها الذي بقي على شركه وتوفي في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ورد في سيرة ابن هشام: "وكان الإسلام قد فرّق بين زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرّق بينهما، فأقامت معه على إسلامها وهو على شركه، حتى هاجر رسول الله عليه وسلم فلما سارت قريش إلى بدر سار فيهم أبو العاص بن الربيع فأصيب في الأسارى فكان بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم..... ولما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، بعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقّة شديدة وقال إن رأيتم أن تُطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها مالها فافعلوا، فقالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردّوا عليها الذي لها"(6) والمستفاد مما ذكر أن زينب ابنة الرسول (ص) رغم إسلامها بقيت في عصمة زوجها المشرك الذي حارب في بدر ضدّ المسلمين ووقع في الأسر وافتدته ولكن الرسول (ص) أطلق سراحه وردّ عليها فديتها، ترى هل يتصوّر عاقل أن يتجرأ الصحابة على إجماع يخالف رغبة الرسول وسيرته مع ابنته وسنته مع المشركين من أزواج المسلمات، الأمر الذي يجعل من صدور إجماع يخالف ما كان عليه الأمر في حياة الرسول (ص) ممتنع امتناعا مطلقا وهو ما يؤدي بنا إلى القول بأننا بصدد تجوّز لفظي وانفلات كلامي لا علاقة له بالشرع فالإجماع الذي يرفعه الغوغائيون في هذه المسألة ويتناقلونه بعماهة لا يُحسدون عليها دون فهم أو وعي ليس هو الإجماع الذي فصّل فيه الفقهاء القول وعدّوه أحد الأدلة الشرعية بل هو: "تشريع الجماعة لا الفرد"(7) كما ذكر ذلك الأصولي عبد الوهاب خلاف، وبيّن أن الكافة لا يعوّل على إجماعها فالمعتدّ به هو إجماع أهل الاختصاص وليس العامة من ذوي الأغراض الحزبية والمشاعر المنفلتة من أي عقال، واللافت للنظر أنه رغم ضعف سند هذا الإجماع وهوانِه الشرعي فإننا نجد إصرارا على العمل به وإشاعته بين الناس حتى غدا من المسلّمات التي لا يُسمح بنقاشها ووصل الأمر بالبعض إلى وضعه في مرتبة المعلوم من الدين بالضرورة "يحكم على من أباحه بالخروج عن الدين"(8) والسبب فيما أرى يعود إلى أن إباحة زواج المسلمة من غير المسلم تضرب في العمق البناء الفقهي بكامله كالتالي:
1) قال تعالى: " وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"(9) وهي الآية التي تضبط الإطار العام لحقوق وواجبات الإنسان فتضع المسلم في المرتبة الأعلى لإسلامه وتضع المشرك دونه درجات لعدم إيمانه بالإسلام وهو ما يسمى الاستعلاء بالإيمان، هذا التصوّر تحدّدت على أساسه جملة من الضوابط التي نجدها موزّعة في مختلف الأبواب الفقهية ومن بينها أحكام أهل الذمة التي لخصتها الآية: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ"(10) والمستفاد ممّا ذُكر أن السماح بزواج المسلمة من غير المسلم لا يمكن أن يستقيم مع جملة الأحكام الواردة في المدوّنة الفقهية لأنه مفسد لترتيبها وتناسقها من ذلك مثلا أنه لا تقبل شهادة أهل الذمة على المسلمين لأن فيها معنى الولاية ولا ولاية لكافر على مسلم كما أنه لا يجوز استئجار المسلم لخدمة الذمي لما فيها من إذلال للمسلم فما بالك بزواج الكافر من مسلمة.
2) من حقوق الزوج على زوجته القوامة وتعني: "أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم يكن معصية"(11) وهو أمر لا يمكن أن يقبله العقل الفقهي قال القرطبي في تفسيره: "وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَطَأُ الْمُؤْمِنَةَ بِوَجْهٍ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ"(12) وهو نفس المعنى الذي صاغه السيّد سابق عند حديثه عن الحكمة من منع زواج المسلمة بغير المسلم قال: "وحكمة ذلك أن للرجل حق القوامة على زوجته، وأن عليها طاعته فيما يأمرها به من معروف، وفي هذا معنى الولاية والسلطان عليها، ما كان لكافر أن يكون له سلطان على مسلم أو مسلمة"(13).
إذا وضعنا في الاعتبار أن الأصل في المعاملات الإباحة ولا تحريم إلا بنص ثابت الدلالة والورود كما هو معلوم فإن الحكم الشرعي لزواج المسلمة من غير المسلم هو الإباحة لغياب الدليل الشرعي المحرّم من ناحية وتأسيا بسنة الرسول (ص) التي لم تفرّق بين المسلمة وزوجها غير المسلم من ناحية ثانية، زواج المسلمة من غير المسلم مباح شرعا رغما عن إجماع العوام وهرجهم.
----------
الهوامش
1) الجزء الكتاب الثاني ص360.
2) نفسه.
3) "أصول الفقه"، دار التبليغ للنشر والتوزيع، تركيا دون تاريخ ص201.
4) "الفتاوى" لمحمود شلتوت، دار الشروق القاهرة 1991، ط16 ص276.
5) "الموطأ" للإمام مالك بن أنس، صحّحه ورقّمه وخرّج أحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1985، ج2 ص544.
6) "السيرة النبوية لابن هشام" حققها وضبطها وشرحها ووضع فهارسها مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، نشر دار القلم بيروت، دون تاريخ، ج2 ص307 و308.
7) "علم أصول الفقه" لعبد الوهاب خلاف، دار القلم الكويت، ط10 ص50.
8) فتاوى شلتوت ص177.
9) سورة آل عمران الآية6.
10) سورة التوبة الآية29.
11) تفسير القرطبي، طبعة دار الكتب المصرية 1936، ج5 ص186.
12) تفسير القرطبي ج3 ص72.
13) "فقه السنة" للسيّد سابق، نشر دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة 1994، ط11 ص182.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
3-09-2017 / 21:05:08 سرمد
sarmad
اهل الكتاب صنفان ( المؤمنون) يقولون ان عيسى رسول الله وليس اله وهاؤلاء لم يعد لهم وجود وكثير منهم اسلم في عهد الصحابة اما اهل الكتاب الموجودين حاليا وهم الاغلبية فيقولون ان عيسى اله او ابن الله ووصفهم الله في القرآن بالمشركين فلماذا تتلاعب بالايات.
قلت أما أهل الكتاب فهم: "الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه ولكنهم أنكروا رسالة محمّد صلى الله عليه وسلم.
غير صحيح فكتب اهل الكتاب الحاليين تطعن في الانبياء ولا تعترف بنبوة سليمان واسماعيل فكيف تكذب وتدعي ان هاؤلاء هم وصفهم الله بالمؤمنين.
لا توجد اية واحدة تدعم حجتك في زواج المسلمة من نصراني يدعي ان عيسى اله وابن اله .
اثبت ان النصراني الذي لا يعتقد بنبوة سيدنا محمد وسليمان واسماعيل عليهم السلام من كتاب الله انهم اهل الكتاب المؤمنين
3-09-2017 / 21:05:08 سرمد