أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3456
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لمّا تكون النخبة عاجزة أو غير راغبة لانتهازية فيها عن مواجهة التحديات التي تعترض مجتمعها فإنها تتجه إلى افتعال قضايا وهمية تثبت بها حضورها من ناحية وتخفي بإثارتها ما هي عليه من عجز أو استقالة أو هوان من ناحية ثانية، هذه الظاهرة انتشرت خصوصا بعد سنة 2011 حيث تشاغلت النخب وشغلت نفسها وغيرها بالساقط من المواضيع التي طرحت في غير وقتها أو افتعلت بغاية حشر الخصوم في الزاوية والانتصار عليهم في معارك مفتعلة في غير وقتها وبغير أدواتها المعرفية كالتسوية في الميراث أو تجسيم الصحابة والتابعين أو التكامل بين الذكور والإناث أو التناصف العمودي والتناصف الأفقي أو الفحص الشرجي وغير ذلك، في 13 أوت الجاري أثار رئيس الجمهورية موضوع المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى وصنع لها لجنة شبيهة بسفينة نوح فيها من كل زوجين اثنين مغفلا في ذات الوقت أن لمسألة الميراث خصوصياتها وبيان ذلك:
1) الخطاب في أحكام المواريث المتعلقة بالأنصبة موجه إلى المؤمنين الأفراد والحكم فيها الإباحة وليس الوجوب كما هو الحال في العبادات ممّا يعني أنه لا يتعلق بها لا ثواب أو لا عقاب كما أن الالتجاء إليها واعتمادها عند قسمة التركة لا يصح إلا عند حدوث أو إمكانية حدوث خلاف بين الورثاء بحيث لا تصبح الأنصبة واجبة إلا بتوفر شرطها الذي هو التنازع بين الورثاء.
2) أوجد المشرّع الأنصبة بهدف نزع أسباب الخلاف من داخل العائلة الواحدة حول اقتسام التركة فهي من هذه الناحية وسيلة احتكام وتراض بين المتخاصمين يُلجأ إليها كفا للشغب أما مقترح الرئاسة بتقنين المساواة فإنه سيجعل منها وسيلة إلزام وفرض.
3) لا يقع الالتجاء إلى الأنصبة الشرعية إلا عند الاختلاف بين الورثاء حول اقتسام التركة وفي باقي الأحوال للورثاء أن يقتسموها وفق ما يرضون ولا حرج في ذلك كأن يسوّوا بين الأصول والفروع وبين الذكور والإناث أو أن ينفلوا البعض دون البعض الآخر وهو ما درجت عليه الكثير من العائلات ومن بينها عائلة كاتب هذه السطور.
4) الالتزام بأحكام المعاملات مشروط بتحقق المصلحة فمتى انتفت هذه الأخيرة جاز لنا تغيير الحكم حتى وإن كان واردا بالنص في القرآن ولنا فيما ترك الصحابة والأسلاف خير مثال فعمر بن الخطاب منع المؤلفة قلوبهم من نصيبهم في الزكاة رغم ورود ذلك بالنص الصريح وكذا صنع مع حد السرقة الذي ألغاه عام الرمادة، يقول نجم الدين الطوفي في رسالته: "أما مصلحة سياسة المكلفين في حقوقهم فهي معلومة لهم بحكم العادة والعقل، فإذا رأينا دليل الشرع متقاعدا عن إفادتها علمنا أنّا أحلنا في تحصيلها على رعايتها"، الأمر الذي يعني أن اقتسام التركة بين الورثاء يجب أن يكون رضائيا ولا يؤدي إلى إيجاد النفرة بين أفراد العائلة الواحدة ولو كان ذلك مخالفا للنص القرآني.
5) القول بأن مسألة التسوية في الميراث اجتهادية قول خاطئ لأن الاجتهاد لا يكون إلا فيما سكت عنه المشرع أو طرأ حدوثه بعد ختم الرسالة أمّا ما ورد حكمه في المعاملات فيندرج ضمن تقييد المباح أو فرضه بحسب ما تقتضي المصلحة.
6) لم يمنع المشرع المساواة في الأنصبة عند اقتسام التركة بل ترك التصرف فيها وفق ما يقتضي تحقيق الترابط الأسري والتكافل العائلي فأيهما أولى المحافظة على تماسك الأسرة أو اللهاث وراء مساواة شكلية في مجتمع لم يعد فيه ما يورث لا للذكور ولا للإناث سوى ديون دولة أفلسها جشع أناس حكموها في غفلة من الزمان واعتبروها غنيمة رافعين شعار خذ نصيبك قبل فوات الأوان.
أما على المستوى السياسي فالذي رشح لدي بعد الاطلاع على هذا الخبر وتقليبه من مختلف أوجهه أن المسألة مرتبطة بالانتخابات القادمة حيث استهدف صاحب المقترح مغازلة كتلة الأصوات النسائية التي رجّحت الكفة في انتخابات 2014 لصالح القوى المدنية ولكن تمّ الغدر بها وما هذا الذي قيل في 13 أوت الجاري سوى محاولة لجرّها إلى التصويت ثانية لمن خانها وسلم أصواتها إلى خصوم الدولة ومكاسب الاستقلال هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قد يذهب في ظن البعض أن مثل هذا المقترح يمكن أن يضع فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في مونبليزير في الزاوية ويحرجه ويثبت تلاعبه وعدم فصله بين الدعوي والسياسي وهو أمر لا أتصور حدوثه لأن الفرع مستعد للاستجابة إلى أي شيء طالما أن ذلك سيمكنه من المحافظة على المكاسب التي حقّقها إلى أن تمرّ العاصفة، ولا يجب أن يغيب عن الأذهان أنه لدينا فن يمكننا من إباحة فعل ما لا يتصوّره عاقل سليم الطوية ويسمّى علم الحيل الفقهية من ذلك أن بعض جهابذة الإخوان أفتوا بإرضاع الكبير وإباحة جهاد النكاح وجواز اللواط لتوسيع الدبر ووضع المتفجرات فيه....
ومما يؤكد أن المسألة برمتها مرتبطة بالانتخابات القادمة بقصد جمع الأصوات أن اللجنة التي شكلت للنظر في هذا الموضوع ضمّت أسماء لا علاقة لها بالقانون أو بالفقه والفرائض زادها الوحيد في الساحة هو اللغو ونشر الأوهام والحضور في التلافيز والمذاييع.
معركتنا اليوم سياسية مع تتار العصر وهمّجه ومع حلفائهم ممّن استأمناهم على مستقبل البلاد بالتصويت لهم ولكنهم غدروا بنا وخانوا الأمانة وها هم يعودون اليوم إلى ممارسة ألعوبة الفوت أوتيل (vote utile) تحت ستار المساواة في الإرث، انتبهوا معركتنا مع الإخوان المسلمين بمختلف مسمياتهم وكل ما عدى ذلك فيمكن أن يؤجل ومقدور عليه في كل آن وحين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: