أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4998
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بانتهاء مهرجان قرطاج قامت كتلة برلمانية بإرسال عريضتين واحدة إلى رئيس الوزراء وأخرى إلى رئيس مجلس النواب تدعي فيهما أن إدارة المهرجان استدعت صهاينة يحملون جوازات سفر إسرائيلية، وبالبحث تبيّن وفق ما كتبت الأستاذة كوثر الحكيري بوغلاب في جريدة الصريح ليوم 9 نوفمبر 2016 أن الشخص المعني هو الفنان الفلسطيني محمد بكري، وبصرف النظر عن الشخص في حد ذاته وجب أن نشير إلى أنه من المفروض على هذه الكتلة البرلمانية قبل أن تكيل الاتهامات جزافا دون رويّة أن تتثبت وأن تقرأ جيّدا الموضوع الذي تتحدث فيه وأن تميِّز بين المتشابهات التي تدقّ عن التحقيق، أما المسارعة إلى المتاجرة بالقضية الفلسطينية بوهم جلب الاهتمام ولفت الأنظار إليهم فسلعة بائرة لا تدلّ إلا على وضاعة الخلفية الفكرية والسياسية التي يصدر عنها الممضون وبيان ذلك:
1) لم يميِّز أصحاب الكتلة بين ما هو إسرائيلي وما هو صهيوني فجمعوا الكل في شكارة واحدة بحيث أصبح حامل جواز السفر الإسرائيلي صهيونيا حاملا لخطيئته معه، هنالك اختلاف جوهري بين ما هو إسرائيلي وما هو صهيوني لأن الخلط بينهما مفسد للرؤية والتحليل فرغم أن الصهيونية تمثل الإيديولوجية التي على أساسها بُنيت دولة إسرائيل ومؤسّساتها فإن المجتمع الإسرائيلي لا يمكن أن يحشر كله تحت هذا الغطاء لأنه كأي مجتمع بشري آخر يعيش التناقضات والصراعات التي قد تكون طبقية أو قومية أو عرقية أو دينية، في إسرائيل نجد العرب واليهود والمسلمين والمسيحيين والدروز والإشكيناز والسافرديم ويهود الحبشة واليمن وغير ذلك من التجمعات التي تقف تحت سقف الانتماء إلى دولة إسرائيل كرابطة قانونية تسمى جنسية ولكنها تختلف فيما بينها حول مدى علاقتها بالصهيونية إيديولوجية الدولة، ويجب أن نضع في الاعتبار أن هنالك يهودا إسرائيليين غير صهيونيين يدعون إلى تمكين الأقليات القومية أو العرقية من حقوقها إما لأسباب سياسية كالانتماء إلى اليسار أو لأسباب دينية.
2) سنة 1948 كان عدد الفلسطينيين الذين تمسّكوا بأرضهم بعد إنشاء الدولة الجديدة حوالي 150 ألفا رفضوا التهجير وبقوا هنالك رغم كل شيء، هؤلاء الذين اصطلح على تسميتهم عرب 1948 أصبح عددهم اليوم يقارب المليون و500 ألف نسمة فهم اليوم بمعنى من المعني أقلية قومية داخل إسرائيل وليس أمامهم سوى واحد من إثنين إما أن يحملوا الجنسية الإسرائيلية ليصبح وجودهم قانونيا ضمن المؤسّسات القائمة أو أن يهاجروا إلى الشتات ومن هؤلاء محمد بكري ضيف المهرجان الذي أصرّ على البقاء في أرضه غير أن جماعة الكتلة يخوِّنون الرجل ويدعونه إلى التخلص من الجنسية وبالتالي التخلي عن أرضه، هل هنالك غباء أكثر من هذا؟.
3) فلسطينيونا الذين بقوا داخل الخط الأخضر تعرّضوا وما زالوا يتعرّضون إلى التشريد والتهجير والمذابح وافتكاك الأراضي ومصادرتها.. حتى لا يبقى هنالك من يحمل جرحا نازفا وذكرى دامية عن شعب شُرِّد عن وطنه وأبعد عن أرضه لكن هذه المؤامرة فشلت وبقي جزء من أمتنا هناك يناضل من أجل الإبقاء على الهوية حيّة برفضه الهجرة، من بين الأسماء التي انتقلت من المحلية إلى العالمية بصفتها الفلسطينية وأبقت جذرنا حيًّا هناك رغم أنها حملت الجنسية الإسرائيلية نذكر محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق فياض وإميل حبيبي وسالم جبران وتوفيق زياد وإميل توما وغيرهم ممن عضوا بالنواجذ على الهوية الفلسطينية وعملوا على إبقائها حية في النفوس والعادات والتقاليد وصدوا كل محاولات التغييب والتدمير، هذه المعادلة الصعبة صاغها محمود درويش في تساؤله التالي: "أيهما أكثر إيلاما أن تكون لاجئا في أرض سواك أم تكون لاجئا في أرضك".
الذي يهمنا من كل ما ذكر أن اعتراض هذه الجماعة على قدوم محمد بكري إلى تونس لأنه يحمل جواز سفر إسرائيلي ليس إلا تعلة للفت الأنظار والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والحال أن الذين أمضوا جميعهم تحوم حولهم شبهات لا تتسق مع ما يدّعون الدفاع عنه فأحدهم أعلن فرحه لما عيِّن علي العريض بالقول إن رئاسة الحكومة خرجت من السواحلية وهي جهوية مقيتة وآخر يرسل من يحضر بدلا عنه في أول جلسة لبرلمان باردو بعد انتخابات 2014 وثالث يتستر على صنيع رفيقه ورابع يدّعي الدفاع عن العروبة ولكنه يتحالف مع قتلة أحد الوجوه القومية وخامس لا همّ له سوى مناكفة الباجي والصراخ في التلافيز.
حتى ترتفع الجهالة عن هؤلاء الممضين أدعوهم إلى العودة إلى الكتاب الرائع لمحمود درويش الذي تحدث بتفصيل عن فلسطيني الداخل ومعاناتهم وعنوانه "يوميات الحزن العادي" يقول عن العربي هناك بأنه: "لم يختر انتماءه الإسرائيلي إطلاقا ولم تتح له فرصة الخيار في يوم من الأيام بين أن يكون إسرائيليا أو لا يكون" هل سمعتم أم على قلوب أقفالها؟.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: