البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

كيف نعرف الإسلام على حقيقته -1

كاتب المقال د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5198


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الحمد لله رب العالمين ،
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، دعا الناس جميعا إلى توحيده وعبادته وطاعته ، وعلمنا ألا معبود بحق سواه جل جلاله ، ففي أوائل سورة البقرة يطالعنا هذا النداء الإلهي للناس جميعا في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }( البقرة : 21- 22 ) ، فأين نحن من هذه المعاني إخوة الإيمان ، وما حقيقة توحيدنا لله وعبادته وطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ،

إلهــــــي :

يارب إن عظمت ذنـــوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظـم
إن كان لا يدعوك إلا محـــــسن *** فبمن يلوذ ويستجير المجــرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجــــــــا *** وجميل عفـــوك ثم إني مسلم
أدعوك رب كما أمرت تضرعا *** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، وصفيه من خلقه وحبيبه ، بعثه الله رحمة للعالمين ، فخاطبه قائلا : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ، والعالمون هم كل ما سوى الله عز وجل ، وبهذا المعنى فإن رسالة الإسلام رحمة للإنس والجن والملائكة ، ورحمة للحيوان والجماد ، ورحمة لكل مكونات الكون ، رحمة للعالمين ، صلى الله عليك يا سيدي يا أبا القاسم يا رسول الله ، يا إمام الموحدين ، إنه رسول الله ، بعثه الله تعالى داعيا إلى التوحيد الخاص لله ، فكان حامي حمى التوحيد ، الحريص على سد أبواب الشرك ، وما من باب يؤدي إلى نقص التوحيد أو نقضه إلا وأوصده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوما : " ما شاء الله وشئت يا محمد " ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، وكان إذا غضب عرف ذلك من وجهه ، وكان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله ، غضب لأجل كلمة قيلت ، لكنها كلمة تمس العقيدة ، ما شاء الله وشئت يا محمد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم غاضبا للرجل ، أجعلتني لله ندا يا هذا ، قل ما شاء الله وحده ، لماذا غضب النبي وهو الذي لا يغضب إلا لله ، لأن الرجل قرن مشيئة النبي بمشيئة الله بحرف في العربية يقتضي التسوية بينهما وهو الواو ، أي يقتضي التسوية بين الله تعالى وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، وقريب من ذلك ما نراه كثيرا من بعض الناس حيث يكتبون على بيوتهم ومحلاتهم إسم الله على الجانب الأيمن ، واسم محمد على الجانب الأيسر ، وهذا أيضا نوع من السلوك المستهجن عقديا ، صلى الله وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله ، يا من كنت أميا ولكنك علمت المتعلمين ، ولذلك اسمع إلى ما قاله أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين قال : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما ، فكان الناس بعد ذلك على المحجة البيضاء – أي على طريق بيضاء – لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا يتيه فيها إلا أعمى القلب ،

يا سيدي يا رسول الله معذرة *** إذا كبا فيك تبيــــــاني وتعبيري
ماذا أوفيك من حق وتكــرمة *** وقد علوت على ظني وتقديري
سيدي يا رسول الله ،

أرسلت داعية إلى الرحمن *** ودعوت فاهتزت لك الثقلان
أخرجت قومك من ضلالات الهوى ***وهديتنا للواحد الديان
صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك الطيبين الطاهرين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،

أمــا بعد :

أيها الإخوة المؤمنون :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية ، فهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين ، وللأنبياء والمرسلين ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }( الأحزاب : 70 – 71 ) ،
إبن آدم :
تزود من حيـــاتك للمــــــعاد ** وقم لله واجمع خير زاد
ولا تركن إلى الدنيا طـــويلا ** فإن المـــال يجمع للنفاد
أترضى أن تكون رفيـق قوم ** لهم زاد وأنـت بغير زاد

أيها الاخوة الأحباب

من أوجب الواجبات على المسلم معرفة حقيقة الإسلام - أبعاد التصور الإسلامي الفريد – المفاهيم الإسلامية وتميزها عن المفاهيم الوضعية

من الأمور التي لا يسع المؤمن الجهل بها ، والغفلة عنها ، وإنما يجب عليه معرفتها حق المعرفة هي أن يعرف الدين الذي يدين الله تعالى به ، وديننا هو الإسلام ، وما أدراك ما الإسلام ، ذلك الدين الذي من الله تعالى علينا به ، الإسلام الذي من عرفه حق المعرفة لا يملك إلا أن يتوجه إلى الله تعالى بالحمد والشكر والثاء على هذه النعمة والفضل ، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى به نعمة ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ،
الإسلام وما أدراك ما الإسلام ، وإذا سألت القرآن عن هذا الدين ، عن الإسلام أجابك القرآن ولا ينبئك مثل خبير ، فانتبه وتهيأ لتعرف دينك ، أجابك القرآن قائلا :
- {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }( آل عمران : 19 ) ، فهو الدين الحق ، الدين المرضي من الله ، قال صاحب التفسير الميسر : " إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله, ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام, وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية, واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم , الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به ، وما وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى, فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا ، ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته وألوهيته , فإن الله سريع الحساب , وسيجزيهم بما كانوا يعملون " (1) ،
- وإذا سألت القرآن عن أهمية الإسلام وضرورته ومكانته بين الأديان الأخرى جاءك الجواب الجلي الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }( آل عمران : 85 ) ، أي ومن يطلب دينًا غير دين الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة , والعبودية , ولرسوله النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وبمتابعته ومحبته ظاهرًا وباطنًا , فلن يُقبل منه ذلك , وهو في الآخرة من الخاسرين الذين بخسوا أنفسهم حظوظها ،
- وثمة جواب قرآني آخر يقول : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }( الصف : 7 ) ، والمعنى : ولا أحد أشد ظلمًا وعدونًا ممن اختلق على الله الكذب, وجعل له شركاء في عبادته, وهو يُدعى إلى الدخول في الإسلام وإخلاص العبادة لله وحده ، والله لا يوفِّق الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك , إلى ما فيه فلاحهم وفوزهم ،

هذا هو الإسلام الذي أمرنا الله تعالى أن نأخذه كله ، وأن ندخل فيه كله ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }( البقرة : 208 ) ، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا وبالإسلام دينًا, ادخلوا في جميع شرائع الإسلام, عاملين بجميع أحكامه, ولا تتركوا منها شيئًا, ولا تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من المعاصي. إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه ،

ولذلك ، وفي ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية من أزمات في واقعها المعاصر ، تلك الأزمات التي نعلمها جميعا ونعيشها واقعا نراه كل يوم ، فإن لقاءنا اليوم حول سؤال نصدر به موضوع خطبتنا هذه ، السؤال يقول : هل غابت مفاهيم الإسلام عن وعي المسلمين اليوم ، وبالتالي غابت عن دنياهم وواقعهم فكان ما كان ،
إن المسلم يعلم أو ينبغي له أن يعلم ، وأن يكون على وعي كامل بأن للإسلام - الذي ينتمي إليه ويدين لله تعالى به - تصوره الخاص والمتميز والفريد للوجود كله ، والموجودات كلها ، جاء به الوحي الشريف المنزل من عند الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتمثل في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة الصحيحة سندا ومتنا ، نعم للإسلام رؤيته وتصوره لله تعالى خالق الخلق وباريء النسمات ، وأنه المعبود بحق جل جلاله ، فلا معبود بحق سواه ، وأنه له الخلق والأمر ، قال تعالى : {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }( البقرة : 163 ) ، وللإسلام تصوره للإنسان باعتباره مخلوقا لله ، كرمه الله ، وجعله خليفة في الأرض ، وأمره بعمارتها ، وحدد له غايته في الوجود تلك الغاية المتمثلة في معرفة الله وتوحيده ،وعبادة وطاعته وحده ، حدد لنا مولانا تلك الغاية في كتابه الكريم في آيات لا أظن أن أحدا من المسلمين لا يحفظها ، قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }( الذاريات : 56 - 58) ، وكذلك للإسلام تصوره للكون المحيط بالإنسان ، وتصوره للمجتمع ، والحياة الدنيا ، والحياة الآخرة ،

إن هذا التصور الإسلامي الخاص والفريد والمتميز للوجود وعناصره وأبعاده ينبغي أن يكون حاضرا في وعي المسلم وضميره ووجدانه وهو يعيش هذه الحياة لتكون منطلقة من هذا التصور ، وعلى وفاق مع محدداته ومقوماته وأبعاده ، تلك هي الحياة التي أرادها لنا الله جل جلاله ، حياة يحكمها الإسلام بتصوره الفريد ، وقيمه الأصيلة ، ومفاهيمه الشاملة ، ومبادئه الرفيعة ،
ومعنى هذا أن نقطة الانطلاق الجوهرية لتحقيق الإسلام وتجسده واقعا على الأرض ، وفي حياة المسلمين هو أمر يتوقف في المقام الأول على مدى المعرفة اليقينية بأن للإسلام مفاهيمه الخاصة ، وقيمه الخاصة ، وتصوراته الخاصة وأحكامه الخاصة ، للإنسان والحياة والكون والمجتمع ، بل وللوجود بأسره ،

إنها مفاهيم وتصورات كما أسلفنا تختلف اختلافا جذريا عن تلك المفاهيم التي جاءت بها المذاهب والأفكار والفلسفات الوضعية التي صنعها البشر ، فأين الثرى من الثريا ، وأين حضيض الغبراء من باذخ الجوزاء ،
مرة أخرى نقول إن لأهل الأرض مفاهيمهم الجزئية القاصرة ، وتصوراتهم المنحرفة ، وعقائدهم الباطلة ، التي تفتقت عنها عقولهم البشرية ، وأفكارهم الوضعية ، دون سند من وحي السماء ، بينما للسماء مفاهيمها الثابتة ، الشاملة ، وتصوراتها الفريدة المطابقة للواقع ، ولن تستقيم الحياة الإنسانية ، ولن تحقق غايتها المنشودة ، ما لم تصحح المفاهيم المنحرفة ، والعقائد الزائفة ، والتصورات الفاسدة ، ولا نبالغ إذا قلنا أن العالم اليوم يتجه نحو الهاوية بسبب تخليه عن مفاهيم السماء ، التي جاء بها صاحب الرسالة العصماء صلى الله عليه وسلم لتصحح في ضوئها مفاهيم الأرض ، ولذلك بين القرآن أن مهمة الرسول الأولى هي ترسيخ مفاهيم التوحيد وتصورات الإسلام ، وتربية الأمة على تلك المفاهيم والتصورات ، قال تعالى مبينا تلك المهمة : {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }( البقرة : 151 ) ، والمعنى أننا كما أنعمنا عليكم باستقبال الكعبة أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل , ويطهركم من دنس الشرك وسوء الأخلاق , ويعلمكم الكتاب والسنة وأحكام الشريعة , ويعلمكم من أخبار الأنبياء, وقصص الأمم السابقة ما كنتم تجهلونه ، وهكذا قال أيضا : {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }( آل عمران : 164 ) ، ونفس المعنى تقريبا جاء في قول الله تعالى في سورة الجمعة : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }( الجمعة : 2 ) ،

* أهمية المفاهيم والأفكار في حياة الإنسان :

نعم إن لنا - كمسلمين - مفاهيمنا وقيمنا وأفكارنا الخاصة الفريدة والمتفردة التي جاءتنا من خالق الوجود جل جلاله ، وعز سلطانه ، وتقدست أسماؤه ، وعلماء النفس والاجتماع يقولون أن خطورة المفاهيم والقيم والأفكار إنما تأتي من أنها تتولد عنها كل التصرفات والأقوال والأفعال التي تصدر عن الإنسان في مواقف الحياة اليومية ، فكل قول تحكمه فكره أو مجموعة أفكار ، وكل تصرف تحكمه قيمة أو مجموعة قيم ، وكل فعل يوجهه مفهوم أو مجموعة مفاهيم ،

* الرسول يؤسس للمفاهيم الإسلامية في الفترة المكية :

ولأهمية المفاهيم والقيم والأفكار ولخطورتها الشديدة في حياة الإنسان ، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية بعثته ودعوته ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة ، كانت مهمته الأساسية ، وشغله الشاغل فيها أن يصحح المفاهيم ، ويغير القيم والأفكار الجاهلية ويحل محلها القيم والأفكار التي جاء بها الوحي الشريف ، نعم كانت مهمته خلال هذه الفترة ( 13 ) سنة ، تدور حول كلمتين اثنتين لا ثالث لهما :

الأولى : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ( تجريد التوحيد للواحد الديان )
والثانية : أن الله تعالى يبعث من يموت ( عقيدة البعث بعد الموت ) ،

* المفاهيم والفكر والسلوك – شمول الإسلام :

إن المفاهيم والأفكار والقيم التي جاء بها الإسلام هي التي ترسم للمسلم الإطار المعرفي الذي يحيط بنشاطاته كلها ، وأعماله كلها ، وتصرفاته كلها ، بل وحياته كلها ، وهذا يعني أن المفاهيم والأفكار والقيم والتصورات تؤثر على البرنامج العام لحياة المسلم في هذه الدنيا ، عن طريقها يدرك الإنسان ويعي ويفهم المضمون الأوسع الذي تقوم عليه أهداف ومرتكزات حياته ، مما يولد لديه الحوافز الدافعة لكل حركة أو سكنة تصدر عنه في تلك الحياة ، ولذلك وفي هذا الإطار ينبغي أن نفهم شمول الإسلام كمهج حياة لكافة مجالات وميادين الحياة الإنسانية ، لا يند عنه مجال ، ولا يخرج عنه ميدان ، فللإسلام كلمته النهائية في كل شأن من شؤون الإنسان مهما قل أو كثر ، ومهما عظم أو صغر ، ولا يسع المسلم إلا أن تنضبط حياته كلها بضابط الإسلام ، إقرأ إن شئت قول الله تعالى : {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ( الأنعام162 - 164 ) ، قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين والجاحدين ، وأعلنها لهم واضحة جلية : إن صلاتي وعبادتي , ونسكي , أي: ذبحي ، لله وحده , لا للأصنام , ولا للأموات , ولا للجن , ولا لغير ذلك مما تذبحونه لغير الله , وعلى غير اسمه كما تفعلون , وأن حياتي كلها بكل دقائقها وتفاصيلها ، وموتي أيضا لله تعالى رب العالمين ، وحده لا شريك له ،
وكم نحن في حاجة ماسة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى أن يفهم المسلم حقيقة ومضمون وجوهر الإسلام وطبيعته كدين كامل وتام وشامل لكافة جوانب الحياة وميادينها جميعاً ، وإلى قيام الساعة ، هذا الدين الذي ما ترك شاردةً ولا واردةً في حياة الإنسان إلا وله فيه حكمٌ ، إما نصاً أو استنباطاً ، ولا خيار لنا في أن نأخذ به أو أن نتركه أبداً ، قال الحق سبحانه : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ( النساء :65 ) ، وقال جل جلاله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً } ( النساء :60 ) ، ولقوله سبحانه أيضاً : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } ( الشورى :10) ، ويقول عز من قائل : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }( المائدة :44 ) ، وكل الآيات التي تذكر موضوع الكفر بالطاغوت كما ذكر الله تعالى : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى }( البقرة :256) ، أي : أن الكفر بالطاغوت ركن شهادة أن لا إله إلا الله ،
هذا هو الإسلام الذي ندين الله تعالى به كما ينبغي أن نعرفه باعتباره أعظم نعمة منَّ الله بها على هذه الأمة ، حيث أنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إليها خير كتبه ، وأرسل إليها أفضل رسله ، وارتضى لها الإسلام ديناً، وهذه نعمة عظيمة من الله تعالى على هذه الأمة ، نعمة لا يقدرها حق قدرها إلا من رأى المساكين الذين حرموا هذه النعمة وهم ينتشرون في أرجاء العالم ، فالمحرومون من تلك النعمة الإلهية يمثلون في عالمنا اليوم حوالي أربعة أخماس سكان العالم ، حيث يمثل المسلمون خمس سكان العالم ،
نعم الإسلام أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة ، ولما كان كل صاحب نعمة محسود ، كان من الطبيعي ، أن تتأجج نيران الحقد والعداوة لهذه الأمة في قلوب أعدائها ، وهذه سنة الله تعالى في خلقه ، تلك السنة التي لم تكن أبدا قاصرة على هذه الرسالة لوحدها، وإنما هي عامة في كل الرسائل السابقة فكل من نادى بالحق ، ودعا إليه عودي ، وأول البشرية وأول الموحدين هو آدم عليه السلام، لم يسلم من هذا العداء، وإنما حصل له من ذلك ما حصل، فوسوس له الشيطان وأخرجه وزوجه من الجنة، كما بين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه، واستمرت هذه العداوة في الأجيال المتعاقبة بعد ذلك، وكان للأنبياء عليهم الصلاة والسلام الحظ والنصيب الأوفى من هذه العداوة، وقد بين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه الكثير من هذه العداوة بين أنصار الحق وأعدائه ، وهذه سنة الله في خلقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ،


* القرآن يعطي أهمية خاصة لقضية المفاهيم :

لقد أعطى القرآن الكريم أهمية خاصة لقضية المفاهيم وارتباطها الوثيق بسلوك الإنسان وتصرفاته ، ففي سورة البقرة - كمثال - آية تجلي لنا محورية قضية المفاهيم في التصور الإسلامي وخطورتها ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( البقرة : 104 ) ، والمعنى أن الآية تقول : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم : راعنا , أي : راعنا سمعك ، فافهم عنا وأفهمنا ، لأن اليهود كانوا يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم يلوون ألسنتهم بها , يقصدون سبَّه ونسبته إلى الرعونة , وقولوا - أيها المؤمنون - بدلا منها : انظرنا , أي انظر إلينا وتعهَّدْنا , وهي تؤدي المعنى المطلوب نفسه واسمعوا ما يتلى عليكم من كتاب ربكم وافهموه ، وللجاحدين عذاب موجع ،
ويشير المفسرون إلى أن المسلمين كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا يا رسول الله ، يعني احفظنا وارقبنا ، وذلك من المراعاة ، ولكنها كانت تعني بلغة اليهود كلمة سب وانتقاص ، أي لاسمعت ، وقيل بمعنى الرعونة ، ولما علم اليهود أن المسلمين يقولون لرسول الله راعنا ، انشرحت صدورهم وقالوا : كنا نسبه سرا فالآن نسبه علانية ، فكانوا يقولون ذلك ذلك للنبي وهم يضحكون ، فقال لهم الصحابي الجليل سعد بن معاذ ، وكان يعرف لغتهم : لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لأضربن عنقه ، قالوا أولستم تقولونها ؟ فنزلت الآية ، ونهي المسلمون عنها لئلا تقتدي بهم اليهود في اللفظ وهم يقصدون المعنى الفاسد (2) ،

* اليوم أكملت لكم دينكم – حجة الوداع :

هذا هو الإسلام، الدين الحق الذي لا يقبل الله تعالى من مخلوق دينا سواه ، هذا هو الإسلام الذي أكمله الله تعالى ، ورضيه لنا دينا ندين الله تعالى به ، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ،
واسمحوا لي أن أنتقل بحضراتكم عبر الزمان والمكان من هنا إلى هناك وما أدراكم ما هناك ، عبر الزمان ننتقل إلى السنة العاشرة للهجرة النبوية المباركة ، وعبر المكان من هنا إلى جبل عرفات بالحرم الشريف بمكة المكرمة زادها الله تكريما وتشريفا وتعظيما ومهابة ، أنتقل بكم إلى مشهد مهيب من مشاهد العظمة في تاريخ الإسلام المجيد ، يوم أن وقف سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم على صعيد عرفات في حجة الوداع ، وهي الحجة الوحيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشهد حملته لنا كتب السنة الموثوقة ، أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب ناقته القصواء على جبل عرفات ، تحيط به جموع الموحدين الأوائل في حجة الوداع ، أكثر من مائة وعشرين ألف موحد ، من الله عليهم بأداء فريضة الحج مع إمام الموحدين ، وأسوة المؤمنين ، وقدوة العابدين صلى الله عليه وسلم ، الرسول على ناقته يضرع إلى الله تعالى ويدعوه ، وبينما هو كذلك ، وفي لحظة من لحظات اتصال الأرض بالسماء ، يهبط عليه الأمين جبريل عليه السلام بقرآن يتلى يحمل بيانا حاسما جازما ليصدح به الحبيب المصطفى في سمع الزمان ، ويعلنه بأعلى صوته ، هذا البيان الذي يقول : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ ، فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } ( المائدة : 3 ) ، صدقت يارب الأرباب ، ويا مسير السحاب ، ويامن ليس على بابه حاجب ولا بواب ، ياله من بيان إلهي معجز نزل في أواخر عهد رسول الله بدنيا الناس ، بيان ما أحوج المسلمين اليوم إلى تأمله وتدبره ، واستيعاب معانيه ومضامينه ، بيان يتكون من أربعة أخبار وأمر ونهي ، أما الأخبار فواجبة التصديق ، وأما الأمر والنهي فواجب التنفيذ ، هذا هو الموجز المختصر وإليكم التفاصيل والبيان :

* العداء للإسلام – يأس الكافرين من القضاء على هذا الدين :

أما الخبر الأول : فهو قول الله تعالى : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } ، والمعنى : الآن أيها المسلمون ، أيها الموحدون ، أيها المؤمنون فلتطمئن قلوبكم ، ولتسكن نفوسكم ، اليوم انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك ، بعد أن نصَركم الله عليهم نصرا مؤزرا وتحقق وعد الله ، ووجاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفراجا ، قال ( الشعراوي ) : إنهم " يئسوا لأن المراحل التي مرت بالكتب السابقة لن تمر بهذا الدين ، وقد توهم أهل الكتاب أن الإسلام سيمر بما طرأ عليهم ، وظن بعضهم أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب من ترك لدينهم وإهدار له ، وكذلك ظن بعض كفار قريش أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب ، فقد كانت عندهم التوراة وهم مع ذلك لا يتبعون كتابهم ، فيرد الحق على كل هؤلاء : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } ، وفتحت مكة للمسلمين ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وصار القرآن مكتوباً ومحفوظاً ، وبذلك تأكد يأس الكافرين والمشركين أن يُنسى القرآن أو أن يُكتم القرآن ، لأن من أنزل عليه الكتاب ، كان إذا جاء أمر يتعلق به فهو يقوله ، وعندما مال قلب المسلمين ذات مرة إلى تبرئة المسلم الذي سرق ، وأن تلصق التهمة باليهودي البريء ، هنا نزل من القرآن قوله تعالى : { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ ، وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }( النساء : 105 ) ، وتلك هي عظمة الإسلام ،

لقد أمر الحق أن يكون النبي هو الحكم العدل حتى ولو كان حكماً ضد مسلم , ويأمر الحق رسوله أن يستغفر الله إن كان قد ألم به خاطر أن ينصر المسلم الخائن على اليهودي الذي لم يسرق ، إنها سماحة دين الإسلام ، ولن يحرف القرآن أحد ، ولن يحدث للقرآن ما حدث للكتب السابقة من نسيان وكتمان وتحريف ، أوالإتيان بأشياء أخرى والقول والزعم بأنها من عند الله ، وهي ليست من عند الله ، إذن فقد يئس الذين كفروا من أن يتزيد المسلمون في دينهم ، ولن توجد بين المسلمين تلك المثالب والعيوب التي ظهرت في الأقوام السابقة ، لقد يئسوا من أن يُغلب الإسلام ، بل إن الإسلام سَيَغْلب ، وأرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره (3)

إنها أنوار الوعد الإلهي بنصرة هذا الدين ، وبقاء هذا الدين ، واستمرار هذا الدين ، وأن الكافرين والجاحدين والمعاندين من أعداء الإسلام فلن يستطيعوا أن ينالوا من هذا الدين ، مهما كانت قوتهم ، ومهما كانت سطوتهم ، ومهما كانت براعة كيدهم ومكرهم وتدبيرهم وعدائهم ، ويكفي أن الله تعالى يزف هذه البشرى إلى المسلمين أن الكافرين قد يئسوا من دين الإسلام ،

* كمال الدين فلا نقص ولا زيادة :

وأما الخبر الثاني : فهو قوله تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ، فلقد كمل الدين بحيث لا يحتاج إلى زيادة ، والإكمال هو أن يأتي الشيء على كماله ، وكمال الشيء باستيفاء أجزائه ، واستيفاء كل جزء للمراد منه ،
قال ( القرطبي ) في تفسيره : " وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها ، فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حج ، فلما حج وكمل الدين نزلت هذه الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .....الآية } ، و" الْيَوْمَ" قد يعبر بجزء منه عن جميعه ، وكذلك عن الشهر ببعضه ، تقول : فعلنا في شهر كذا كذا ، وفي سنة كذا كذا ، ومعلوم أنك لم تستوعب الشهر ولا السنة ، وذلك مستعمل في لسان العرب والعجم ، والدين عبارة عن الشرائع التي شرع وفتح لنا ، فإنها نزلت نجوما وآخر ما نزل منها هذه الآية ، ولم ينزل بعدها حكم ، قاله ابن عباس والسدي ، وقال الجمهور: المراد معظم الفرائض والتحليل والتحريم ، قالوا : وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير، ونزلت آية الربا ، ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك ، وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج ، إذا لم يطف معهم في هذه السنة مشرك ، ولا طاف بالبيت عريان ، ووقف الناس كلهم بعرفة ، وقيل:" أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" بأن أهلكت ( لكم ) عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول : قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك (4) ، وقيل : " أكملت " أي فلا نقص في دين الإسلام ، وقيل " أكملت " فلا تزيد في الدين ، والكامل غني بنفسه عن غيره ،

يتبــــــــــــع إنشاء الله ،

**************

الهوامش والإحالات :
============

(1) - عبد الله بن عبد المحسن التركي (إشراف ) : " التفسير الميسر " ، إعداد : مجموعة من العلماء ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، تفسير الآية ، المصدر : موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ،
http://www.qurancomplex.com

(2) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ، (المتوفى : 671 هـ) : " الجامع لأحكام القرآن " ، تحقيق : هشام سمير البخاري ، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية ، الطبعة : 1423 هـ - 2003 م ،
(3) - محمد متولي الشعراوي : " خواطري حول القرآن الكريم " ، ( تفسير سورة المائدة ) ،
(4) - أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي : " مرجع سبق ذكره " ، ( تفسير سورة المائدة ) ،



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تأملات، الإسلام، حقيقة الإسلام،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-05-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د.محمد فتحي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، د. خالد الطراولي ، علي عبد العال، صلاح المختار، محمد علي العقربي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مراد قميزة، محمد يحي، ضحى عبد الرحمن، أحمد ملحم، محمود سلطان، د. صلاح عودة الله ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أشرف إبراهيم حجاج، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - صالح المازقي، محمد اسعد بيوض التميمي، سامح لطف الله، أبو سمية، د. مصطفى يوسف اللداوي، مصطفى منيغ، أنس الشابي، عزيز العرباوي، د. أحمد بشير، إيمى الأشقر، رمضان حينوني، يحيي البوليني، صالح النعامي ، صفاء العراقي، أحمد الحباسي، د. عبد الآله المالكي، عبد الرزاق قيراط ، عواطف منصور، محمود فاروق سيد شعبان، وائل بنجدو، عراق المطيري، محمد شمام ، د - مصطفى فهمي، رشيد السيد أحمد، أحمد النعيمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، د- محمود علي عريقات، سامر أبو رمان ، إياد محمود حسين ، عبد العزيز كحيل، تونسي، جاسم الرصيف، العادل السمعلي، عبد الغني مزوز، حسني إبراهيم عبد العظيم، سيد السباعي، الهادي المثلوثي، عبد الله زيدان، د - عادل رضا، حاتم الصولي، رافد العزاوي، مصطفي زهران، عبد الله الفقير، ياسين أحمد، د. أحمد محمد سليمان، سلوى المغربي، كريم السليتي، كريم فارق، أحمد بوادي، صباح الموسوي ، الهيثم زعفان، أ.د. مصطفى رجب، فتحـي قاره بيبـان، فهمي شراب، عمار غيلوفي، نادية سعد، رافع القارصي، فوزي مسعود ، د - الضاوي خوالدية، خالد الجاف ، د- محمد رحال، محمد الطرابلسي، حميدة الطيلوش، رضا الدبّابي، صفاء العربي، إسراء أبو رمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، طارق خفاجي، محمد الياسين، د- هاني ابوالفتوح، فتحي العابد، مجدى داود، المولدي اليوسفي، د - محمد بنيعيش، بيلسان قيصر، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، ماهر عدنان قنديل، صلاح الحريري، د - شاكر الحوكي ، د - المنجي الكعبي، فتحي الزغل، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن الطرابلسي، عمر غازي، سعود السبعاني، محمد أحمد عزوز، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. طارق عبد الحليم، سفيان عبد الكافي، طلال قسومي، محمد عمر غرس الله، محمد العيادي، خبَّاب بن مروان الحمد، يزيد بن الحسين، علي الكاش، سلام الشماع، محرر "بوابتي"، منجي باكير،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز