وقفة مع آية - 1 - " وتقلبك في الساجدين " وبيان فضل النبي صلى الله عليه وسلم
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4922
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الحمد لله رب العالمين،
سبحانه أكرمنا بالشريعة الإسلامية الغراء التي ما جاءت إلا لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد معا، ولذلك أرسل الله الرسل لعباده مبشرين ومنذرين، فقال جل شأنه : {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }( النساء : 165 )، مبشرين لمن آمن بالثواب الجزيل، ومنذرين لمن أعرض وتولى بالعذاب الأليم،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، سبحانك رب سبحانك، لا إله إلا أنت رضاك أمان ورحمة، وأمرك قضاء وحكمة ........، لقد شاءت إرادته جل جلاله أن يكون الإسلام خاتم الرسالات، وأن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، فقال جل شأنه : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }( الأحزاب40 )، فبمحمد صلى الله عليه وسلم ختم الله النبوة والرسالات، فلا نبوة بعده إلى يوم القيامة،
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، هو محمد وهو أحمد، وهو الحاشر، وهو الماحي وهو العاقب، القائل صلى الله عليه وسلم في الحديث : " إن لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد و أنا الحاشر : الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي : الذي يمحو الله بي الكفر وأنا العاقب " والعاقب الذي ليس بعده نبي، ( صححه الألباني )، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، وعلى آلك وصحبك الطيبين الطاهرين، الغر الميامين، ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين،
سيدي أبا القاسم يا رسول الله :
صلت عليك ملائك الرحـــمن *** وسـرى الضياء الأكوان
لما طلعت على الوجود مزودا*** بحمى الإله وراية القرآن
أما بعـــــد :
الغاية من خلق الإنسان :
بداية نتوجه إلى مسلم اليوم بالسؤال التالي : هل تعرف ما الغاية التي من أجلها خلقت ؟ وإذا كنت تعرف فما مدى حرصك على أن تحقق تلك الغاية : أن الغاية من وجودك في الكون أيها الإنسان، هي تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى مصداقا لقول الله جل جلاله : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{58} ( الذاريات ) (1)، تلك هي غاية الغايات، إنها معرفة الله حق المعرفة ، وعبادة الله حق العبادة، وتوحيد الله وإفراده بالعبودية،
وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان في رحلة حياته القصيرة على الأرض، فما زال الإِنسان يشق طريق حياته من خلال معرفته بالله تعالى وتحري سبل رضاه في كل خطوة يخطوها ، مدركا وواعيا ومتمثلاً قوله تعالى : {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى }( الليل : 19 – 20 ) فهو على سبيل النجاة.. إذ هو ماضٍ مع كلمة الله تعالى في خلقه : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }( الذاريات : 56 )، وتلك هي العبادة في مفهومها الواسع الذي لايند عنه، ولا يخرج عن إطاره صغيرة ولا كبيرة مما يصدر عن الإنسان من سلوك وتصرفات قولية أو عملية، في طريق الكدح الإنساني الطويل في الحياة الدنيا، مصداقا لقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }( الانشقاق : 6 )، وهكذا تكون حياة الإنسان عامرة – بكل جوانبها وجنباتها - بالعبادة والعبودية والمراقبة لله جل شأنه، والمحاسبة الدائمة لنفسه على كل ما يصدر منها، فهو على صلة وثيقة بالله تعالى لا تنقطع، ومراقبة لله لا تفتر، ولسان حاله يقول :
ما في الحياة بقاء *** ما في الحياة ثبوت
نبني البيوت وحتما *** تنهار تلك البيوت
تموت كل البرايا *** سبحان من لا يموت
* معرفة الله ومعرفة النفس :
فإذا أردت أيها الإنسان أن تحقق تلك الغاية – من وجودك في الكون - بعد أن تبين لك مفهومها الشامل والعميق والممتد، وإذا أردت أن تفوز بالسعادة والفلاح في الدنيا، والفوز برضوان الله في الآخرة، فلابد لك أن تبذل قصارى جهدك في معرفة ربك وخالقك الذي تعبد، ومعرفة نفسك التي بين جنبيك، والتي بها تسير إلى ربك ، ومعرفة رسولك المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي له تتبع، وبه تتأسى وتقتدي، ومعرفة دينك الذي به آمنت، وعلى هديه تسير، وهذا أمر يغفل عنه، ويقصر فيه كثير من الناس اليوم،
نعم لا سبيل لك - أيها الإنسان – إلى تحقيق غاية وجودك إلا :
- بمعرفة ربك وخالقك حق معرفته، بما عرفك به جل جلاله في كتابه الكريم وما جاءت به سنة إمام الأنبياء وسيد المرسلين، تعرفه أسماءا وصفاتا وأفعالا، فالأنسان لا يؤمن بما لا يعرف، ولا يعبد من يجهل، ولا يحب من يجهل، ولا يتوكل على من لا يعرف، نعم أن تعرف على سبيل اليقين أنه لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه، قال تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }( محمد : 19 )، وأن تعرف أسماءه وصفاته، قال تعالى : {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }( الأعراف : 180 )، فله سبحانه الأسماء الحسنى, الدالة على كمال عظمته , وكل أسمائه حسن , {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً }( الإسراء : 110 )، وقال أيضا : {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى }( طه : 8 )،
وأن تعرف حقوق الله تعالى عليك حق المعرفة، ليتسنى لك الالتزام بتلك الحقوق في مسيرة حياتك، فحق الله على العبد كما علمنا الإسلام إنما يتجلى في تجريد التوحيد لله جل جلاله وأن يعبده وحده لا يشرك به شيئا (2)
- وبمعرفة رسولك وإمامك وقدوتك وأسوتك ومعلمك ورائدك وموجهك ومربيا، ومعرفة فضله وقدره ومكانته، وأخلاقه وشمائله، وسيرته العطرة، ومعرفة سنته، فهو أمر لا مناص لك عنه، حتى يتسنى لك اتباعه وطاعته والسيرعلى نهجه فيما جاء به عن ربه جل وعلا، فكما أن الإنسان لا يعبد من لا يعرف، فهو أيضا لا يطيع ولا يتبع من لا يعرف، وإن فعل كان في ذلك هلاكه ودماره، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم نعمة أسداها الله إليك وتفضل بها عليك جل جلاله، تستوجب منك الشكر والعرفان، فأنت تسمع قول الله تعالى : {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }( آل عمران : 164 )، والمن هو العطاء بلا مقابل، فلقد أنعم الله على المؤمنين من العرب، إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم , يتلو عليهم آيات القرآن , ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة , ويعلمهم القرآن والسنة , وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل ظاهر، فإذا سئلت عن النعمة المسداة فقل هي محمد، وإذا سئلت عن الرحمة المهداه فقل هي محمد، وإذا سئلت عن معلم الناس الخير فقل هو محمد، وإذا سئلت عن سيد الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين فقل هو سيدنا وحبيبنا ابن عبد الله محمّد،
سيدي أبا القاسم يا رسول الله :
إذا ما الناس يوم الدين قاموا *** وجل الخطب وانقطع الرجاء
هناك يقوم أحمد في يديـــــه *** إلى الرحمن واجتمع الجميع
ونادي العالمون من الشفيــع *** لواء الحمد مزدهر رفيع
واعلم أنه لا نجاة لك ولا فوز إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }( آل عمران : 31 – 32 )، فالهداية كل الهداية في طاعته صلى الله عليه وسلم، قال تعالى : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }( النور : 54 )، في طاعته الهداية والرشد والأمن والأمان والسلامة والسلام في الدنيا والآخرة،
وكثيرا ما تحدث القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرفنا بمكانته وفضله وأخلاقه وشمائله وخصائصه ورسالته وحقوقه الواجبة علينا، ونحن على موعد في هذه المحاولة لنعيش مع جانب من جوانب حديث القرآن عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، لنقترب أكثر من شخصيته الفذة، ونتعرف عن قرب على بعض ما لا يسعنا الغفلة عنه،
* من حديث القرآن عن النبي العدنان :
إن الباحث في القرآن الكريم سيتبين له كم هي كثيرة تلك المواضع التي تحدث فيها القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن زوايا متعددة ليعرفنا به حق المعرفة، حتى أنه تضمن سورة كاملة باسم " محمد "، ولذلك فنحن مدعوون للإلتفاف حول مائدة الرحمن، وكتاب الكريم المنان، الذي بلغ غاية الإعجاز في النظم والبيان، فمع القرآن الكريم، في إحدى وقفاتنا التي نسعى من خلالها لتدبر بعض آياته نستقي منها الدروس النافعة، والعبر النافعة، والمعاني الماتعة، بحسب ما يفتح الله تعالى على عبده من أسرار، والله نسأل أن يفتح علينا فتوح العارفين،
نقف مع قول الله تعالى مخاطبا رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم في سورة الشعراء قائلا :
الهوامش :
=====
(1) – جاء في تفسير الآيات من ( التفسير الميسر ) : " وما خلقت الجن والإنس، وبعثت جميع الرسل إلا لغاية سامية , هي عبادتي وحدي دون مَن سواي، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون, فأنا الرزاق المعطي، فهو سبحانه غير محتاج إلى الخلق , بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم , فهو خالقهم ورازقهم والغني عنهم، إن الله وحده هو الرزاق لخلقه , المتكفل بأقواتهم , ذو القوة المتين , لا يُقْهَر ولا يغالَب , فله القدرة والقوة كلها، أنظر : (1) – عبد الله بن عبد المحسن التركي (إشراف ) : " التفسير الميسر "، إعداد : مجموعة من العلماء، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ص : 401، المصدر : موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
http://www.qurancomplex.com
وجاء في تفسير الجلالين : " (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ولا ينافي ذلك عدم عبادة الكافرين، لأن الغاية لا يلزم وجودها، كما في قولك بريت هذا القلم لأكتب به فإنك قد لا تكتب به، (ما أريد منهم من رزق) لي ولأنفسهم وغيرهمم (وما أريد أن يطعمون) ولا أنفسهم ولا غيرهم، (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الشديد،
(2) – كما في حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا معاذ بن جبل ! هل تدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله ؟ فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، ( قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) أنظر حديث رقم : 7968 في صحيح الجامع )،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: