الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا أعرف والله كيف يمكن في مصر، البلد الذي أنجبت مصطفى صادق الرافعيّ، ومحمد محمد حسين، وسيد قطب، أحمد شاكر ومحمود شاكر، وعباس العقاد، وطارق البشري، وغيرهم عشراتٌ بل مئاتٌ من أكابر الكتاب والآدباء والمفكرين، يمكن أن يخرج فيها اليوم مثل هذا الغثاء الذي يدعى بلال فضل (وأحسبه بلا فضل، واللام زائدة!). بل إن مصر التي نعرفها حين أنجبت عقوقاً أو زندقة، أخرجته على درجة عالية من الاحتراف والثقافة، وعليك بطه حسين أو زكي نجيب محمود أو توفيق الحكيم. لكن أن تنجب مثل هؤلاء الأناسيّ الذين يلتحفون رداء الكتابة عنوة وخلسه من ضمير الأمة الثقافيّ ومن وعيها الحضارى، لهو أمرٌ يحتاج إلى تأملٍ تفسير.
وقد لا يكون عَسيراً هذا التفسير، بل لعله قريبٌ مفهومٌ، إذ إن العقود السِّتة الخَالية، قد أخْلت مصر، لا من الشخصيات العبقرية أو الفذة في مجال الأدب والفكر، بل جريمتها الرئيسة كانت في القضاء على البيئة التي يمكن أن ينشأ فيها فِكرٌ أو تنمو فيها موهبة. فقد قضت أولاً على اللغة العربية، فانعدم الحسّ اللغويّ، ثم سعت في القضاء على الدين، ففصلت الناس عن القرآن، ثم نشرت الفضيحة بدلا من الفضيلة، فانحدرت لآفاق الفكر ليجلس على قمته أمثال علاء الأسوانيّ برواية عِمارته التي يسكنها شياطين الجنس والشذوذ، وبلا(ل) فضل، الذى .. والله لا أعرف له عملاً يُذكر ولو في مقام التَبْكيت!
ولكن قضية هذا الرجل أنه تخطى حُدوده المتواضعة، والتي كان من الواجب أن يشكر عليها المولى سبحانه، أن هيأ له مناخاً فكرياً منحطاً، يجعل لأمثاله كلمة تُقرأ، وصورة تننشر، وذهب يتحدث في دين الله، أي والله يتحدث هذا العِلماني اللادينيّ الصفيق في دين الله، ويرسم لله حدود رحمته سبحانه، وما يقبلها من الله سبحانه وما لا يقبل بها! ولا أريد أن أقول أن هذا كفرٌ بواحٌ فالرجلُ قد أعلن الكقر حين أعلن العلمانية والليبرالية وإعتناق هذه المَبادئ الخائبة، التي شاءت الأقدار أن يكون مدّعوها من مُفلسى الفكر، ومُنحَطى الثقافة، وممن يتكئُ على الفكرة العلمانية، من جانبها الجنسي لا غير، على أنها هي الحرية وهي التقدم.
وأمر هذا الدّعي الزنديق أنه لم يكتف باقتراف التدخل فيما ليس منه في شئ، بل إنه راح يعتذر عن هذا الكلام الغث المريض بما هو أقبح من ذنبه، وراح يكذب فيما ذكره، ليدرأ عن نفسه الألسنة الحِداد التي ليست إلا قطرة في بحر ما سيلاقيه على يدي الله الذي استهان برحمته. فقد أحس بوطأة القَادحين المُحقّين في تكفيره، فراح ينبش في الكتب، يريد أن يجد لنفسه مخرجاً، فوجد أمامه قضية العذر بالجهل لمن لم تصله الدعوة، وهي قضيةٌ معروفة في علم الأصول، والفقه، ومعروفٌ الخلاف فيها بين من قال بإعذار من لم تبلغه الدعوة، وبالإمتحان في عرصات القيامة، ومن قال بعدم العذر بالجهل بإطلاق، فإن كلّ من مات على الكفر فهو كافر، وحكم الكافر معروف لأهل هذا الدين. هذه قضية لا علاقة بها بما تقيّأ هذا الزنديق، حيث أنّ مورد حديثه اصلاً كان في أعقاب تلك المساجلات بين أصحاب الصليب من القبط الكفار، وبين بعض مشايخ المسلمين مؤخراً، وما ذكر من أن كلّ من ليس على دين الإسلام فهو كافرٌ وكلُ كافرٍ مخلدٌ في النار، إذ هذه من بديهيات الإسلام، ومما علم من الدين بالضرورة مما يكفر منكره. فإن كلامه كان منصباً على قبط مصر، اليوم، وهل هم من أهل الجنة! وهي القضية التي تحدث فيها القمنى اللعين، وجمال البنا الشيطان الرجيم، من قبل هذا الزنديق. فأن يأتي باستشهاداتٍ على أنه إنما كان يتحدث في تلك القضية الأصولية المتخصّصة، التي تتعلق بحكم من لم تصله الدعوة، لهو كذب واحتيال ونفاق وجبن، في آنٍ واحد.
ومصر اليوم تمتلأُ بمثل هذه الشخصيات العَفنة، التي تتصور إن لها قدراً في الفكر والثقافة، بل وهي التي تقود جماهير ممن ضَحُل علمهم وانعدَمت ثَقافتهم فظنوا أنّ ما عليه هؤلاء عِلماً يقرأ وثقافة تتبع.
وصحيح ما تقوله العامة "الأعور بين العميان مفتح"!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: