الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
عَلمٌ آخر من أعلام العِلمانية اللادينية المُعاصِرة في مِصر، ومِمّن أصبَح من الوجوه التلفزيونية الحَاضرة في كل وقت في الآونة الأخيرة، مثله مثل عمرو حمزاوى، إلا إنه أكثرُ مَعرفة وأبعد عن النفاق من هذا اللادينيّ الأخير.
في ندوة أظنها عُقدت في مكتبة الإسكندرية منذ يومين، تحدّث الإسوانيّ عن عدة أمور، أصاب في أقلها وأخطأ في أكثرها. فمِمّا أصاب فيه، مع شديد الأسف، ذلك التحليل الذي قدمه عن تاريخ الإخوان، وتمسّحهم بالسلطة، رغم تجرعهم هوانها. وأن يَصْدُر عنهم هذا الحق والتحقيق، من لسانٍ علمانيّ بحت، لهو حَطٌّ للحركة الإسلامية كلها. لكن أظن أنهم جَلبَوه على أنفُسهم بهذا المَنهج المُتعاون مع أصْحاب السُلطة في كل آن، والذي لا يزال لم يُنجيهم من بَطشِ السُلطة في كل آن!
لكنّ الأسوانيّ أساء وأنحرف حين تحدّث عن الحَضارة الإسلامية كأنها حَضارة خمرٍ ورِقص، وقتل وسَلب، لا أكثر. بل تعدّى ظلمه وتجنيه إلى أن قارنها بما كانت عليه أوروبا في عُصورها المُظلمة، حتى يكون مُنصفاً للعَرب، بزعمه، في عدم نِسبة القتل والسَفك والسَلب والشُرب إليهم وحدهم، كما قال!
الأسوانيّ كاتب قصَصىّ، تربي في أحْضان راهبات الليسيه، وتخرّج من جامعة أمريكية في طب الأسنان. فما لهذا بالحديث في تاريخ الحضارة، وفي روح الإسلام وشَرعه؟ أقصى ما يُتاح للأسوانيّ أن يتحدث عنه ما في "عمارة يعقوبيان" من عُهرٍ، وهل يصح أن يُنشر الفَساد والشُذوذ على الناس علناّ بدعوى أنه واقعٌ موجود، كما هو مذهب هالة سَرحان وإيناس الدغيدى، أختاه في الرضاع من الفكر اللاديني الحديث. لذلك، أردت أن أزيّف عليه ما زَيّف على حَضارتنا وتاريخنا وتراثنا.
نود أن نقول، بوجه عامٍ، إن هذا الذي قال هو محضُ إدعاءٍ مريض وتصويرٍ فاجرٍ للحضارة التي أشرقت على الدنيا فأظلتها قرون متتالية، وحملت للناس إشراقة "لا إله إلا الله"، وأخرجتهم من عبادة العباد إلى عبادة الواحد القهار.
وحين يميز الأسوانيّ بين دين الإسلام وحضارة الإسلام، فإنه من الواجب عليه أن يبين هذا التمييز، ويوضح حدوده وآثاره، حتى لا يغمط الدين حقه، من ناحية، ولا يبخس الحضارة فضلها من جهة أخرى، ولكنّ هذا عزيزٌ على مثل الأسوانيّ، إذ هو صفة من صفات العدل الإسلاميّ التي ينحلى بها المسلمون بما رسخ في فطرتهم.
حضارة الإسلام، إن أردنا إستخدام هذه التعبير، هي ما نشأ في أحضان الإسلام، وليس لازما أن يكون تابعاً للإسلام من كل وجه. فالمسلمون، ومنهم الخلفاء في عصر الأمويين والعَباسيين، ليسوا من الصَحابة الراشدين، وليسوا بشراً غير البَشر، لم يدّعوا لأنفسِهم هذا، ولم يدّع مؤرخ مُسلم لهم هذا. فترى في سِير بعضهم ما ينحرف عن النهج الإسلامي القويم، في أحيان من سيرتهم. لكن ما لم يدركه الأسوانيّ، وأمثاله، أن هؤلاء الخلفاء حكموا بشرع الله بين الناس فأقاموا العدل وجاهدوا في سبيل الله، كان أحدهم يحجّ عاماً ويغزو عاماً، ومنهم، كالمأمون، من عنى بنشر العِلم، رغم ما أحدثه من بلاء خَلق القرآن. ثم إنهم نشروا العدل واحترموا حق الأقليات، من أهل الذمة، والتي يتشدق به الأدعياء من الليبراليين اليوم.
كما لا نحتاج إلى أن نذكر بأن ما كان يتعاطاه بعض هؤلاء الخلفاء هو ممّا أباحت بعض الأحناف من نبيذ لا يُسكر، تأولاً، وإن اشتد وقَوِى في بعض الأحيان. ثم إن أحاديث الرقص والمغاني التي تحدث عنها، مصدرها كتاب الأغاني للأصفهانيّ الشيعيّ، وأكثره غير محققٍ تاريخياً ولا وثائقياً. وإن كان من هذه الأحاديث ما وقع، فإنه مما كان في غفلة من الحِسّ الإسْلاميّ، ولم يكن مقنناً ولا مُصرّحاً به، بل وردت الأنباء بهَجَمات أهل السّنة من أهل الحِسبة على الكثير من هذه الأماكن وتدميرها. وكيف يُلام الإسلام وحَضارته وشَريعته على ما يفعل حُكام الخليج اليوم؟
ثم ما لتصرفات بعض الخلفاء، في بعض الأحيان، وما لرفض شريعة الإسلام، وقوانين الإسلام، وأحكام الإسلام؟ ما لهذا وما لأحكام الطلاق والزواج والميراث؟ ما لهذا وما لأحكام البيوع وصحة العقود وفسادها وبطلانها؟ ما لهذا وما لأحكام القصاص واللباس، وتحريم الخمر والميسر؟ ما لهذا وما لتوجيهات الإسلام في الخُلق والمُروءة والشَرف والعزة بالدين والحِفاظ على الصَلاة والأمر بالمَعروف والنهي عن المُنكر؟ ما هذا الخَلط الذي لا يراد به إلا التنصّل من شرع الله، كراهة له، وكفراً به.
ثم لِمَ تعلق الأسوانيّ بهذه العَوارض، التي هي كالشعرة السوداء في الحصان الأبيض الناصع، ونسى، أو تناسى، ما تحلّى به العَصر الإسلاميّ من علماءٍ قائمين لله بالحق، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحفِزون الأمراء والناس على الجهاد ونشرُ كلماتِ الله، وصدّ العدوان الصليبيّ. كيف نسىّ الرجل، أو تناسى، أحمد بن حنبل ومواقفه وجهاده، والبخارى وعلمه، وفقه مالك والشافعىّ، وشجاعة موسى بن نصير وطارق بن زياد. كم من فقيه ومجاهد وعالمٍ وأصوليّ ومُحدّث، بل ورياضىّ وفيزيقيّ وطبيب برَع في هذه الحَضارة، وتحت ظلال القرآن. نسىَ الأسوانيّ، أو تناسى، ما استحدث العرب من علومٍ تخدم الدين والدنيا، وتؤسّس لمناهج النظر كأصول الفقه، وعلم الفروق، وعلم العروض، وعلم الجَرحِ والتعديل، وللعلوم التجريبية والرياضية، وما لا يُحصى مما خدم الفَكر القانونيّ والتشريعيّ والعلميّ الوسيط والحديث، بل نسىَ، أو تناسى أن الغرب يكتب أرقامه بالأرقام العربية إلى يوم الناس هذا.
ولم يُعرَف عن المجاهدين المسلمين، على طول تاريخ الإسلام الجهاديّ أي حادثة تدميرية لبلدٍ دَخلوه، أو إغتصاب وقع فيه، بل دائماً وأبدا، حَملوا العِلم والنور والرحمة والحرية، لمن تابعهم على دينهم، ولمن خالفهم عليه. لم تعرف بلاد العرب دماراً إلا على يد التتار، ثم على يد الصليبيين، ثم على يد الإستعمار الأنجلوسكسوني، ثم الأمريكيّ الحديث. لم يعرف العرب المسلمون تدميراً كتدمير الحروب العالمية، ولا بشاعة كبشاعة هيروشيما والفالوجة.
من السَهل أن يلقى المَرءُ الكلام على عَواهنه، ذلك ممن لم يغترف من العلم إلا كنقرة الديك من صفحة المَاء، يتحدث إلى جَمعٍ لا يعرف عن العلم إلا اسمه، ولا يعرف عالماً إلا أمثال الأسوانيّ. والإنصاف خُلة تتحدى الهوى وترتفع عن الهَوية، وكم من مؤرخى النصارى من نصَرَ الإسلام وحضارته، لمّا تجرّدوا عن هواهم، وارتفعوا عن هويتهم المسيحية، وأبرزهم الألمانية سيجريد هونكة.
يقول الله تعالى " ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيًّۭا ﴿69﴾ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّۭا" مريم 70. أُشفق والله على أمثال هذا الرجل يوم ينتزعَه الله سبحانه من بين شيعته اللادينيين، ثم يُصليه جهنم بما لا يدرك عقل مداه، إذ لم يقل الله سبحانه ما سيفعل بهؤلاء العتاة بعد أن ينتزعهم من بين شيعتهم، تدليلاً على هولٍ ما سيلاقون، إلا أن يتوب فيتوب الله عليه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: