عن العلاقة بين حمّة الهمامي والنهضة من خلال مذكرات محمد الكيلاني
أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2661
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
صدر في الأيام الأخيرة كتاب يحمل عنوان "التاريخ المنسي، مذكرات مناضل وطني" للأستاذ محمد الكيلاني عن دار كلمات عابرة في حوالي 350 صفحة، ويتنزل هذا المؤلف ضمن صنف المذكرات التي صدر منها عدد كبير غير أن اللافت للنظر أن هذه المذكرات تميّزت عن مثيلاتها بأمرين اثنين:
1) تواضع صاحبها بحيث تقرأ المذكرات كاملة فلا يُشعرك بأنه قطب الرحى في المعادلات السياسية التي كان طرفا فيها بل يروي الأخبار وشهودها دون النفخ في صورته، ورغم أنه تحدث عن خلافاته مع رفاقه إلا أنه كان منصفا فيما روى فلم يشوّه أو يضخم أخطاء الآخرين بل كان يفتش لهم عن الأعذار وهو خلق نفتقده ولا نعثر عليه إلا في بعض الأحايين.
2) نبرة الصدق فيما روى الكيلاني من أحداث حيث يُشفع كل رواية بشهودها الأحياء والأموات.
وهو ما يكسب هذه المذكرات أهمية قصوى لأنها شهادة على فترة تاريخية مرّ بها جيل الستينات وما بعده فتقاطعت بنا السبل فيها وشاهدها كل واحد منا من زاوية خاصة به فالأحداث واحدة ولكن مواقع الرؤية مختلفة، على هذا الأساس وبحكم الاهتمام سوف أتناول طبيعة العلاقة بين حركة الاتجاه الإسلامي سابقا النهضة فيما بعد واليسار التونسي من خلال شهادة الكيلاني.
هل وجد تحالف بين الإسلاميين والسلطة لمواجهة اليسار؟
يقول الكيلاني في حديثه عن السلطة: "ثم أتى دور الحركة الإسلامية منذ الثمانينات بعد أن تحالفت معه (يقصد الحزب الاشتراكي الدستوري) لضرب اليسار في السبعينات"(1) وهو القول نفسه الذي دأب مختلف اليساريين على ترويجه ويلقى الأذن الصاغية ولكن دون تمحيص، صحيح أن حركة الاتجاه الإسلامي في بداياتها وجدت حاضنة تمثلت في بقايا الزيتونيين ومعارضي بورقيبة من يوسفيين وغيرهم ولكنها لم تتحالف مع الحزب الدستوري ولا استغلها هذا الحزب لمواجهة اليسار والأدلة على ذلك كثيرة أتيت على البعض منها في مقالات سابقة من بينها "الحزب الدستوري واليسار والإخوان"(2) و"حمة الهمامي والنهضة"(3) و"عن اليسار والإسلام السياسي في تونس (حمة الهمامي أنموذجا)"(4) يمكن الرجوع إليها وأضيف إلى ذلك:
1) في سبعينات القرن الماضي كان اليسار حاضرا بقوة في الجامعة بقيادات تاريخية استطاعت أن تعطي للحياة في الجامعة بعدا يساريا ظهر في المظاهرات ضد أمريكا ومساندة قوى التحرر في العالم وغير ذلك، في تلك الفترة بالذات لم يكن هنالك طالب إخواني واحد في الجامعة أيامها كانت الجماعة تشتغل في المدارس الثانوية وكنت شاهدا على تلك الفترة حيث انتشرت المساجد في المعاهد الثانوية وابتدأت دار الراية في طبع المنشورات الإخوانية البخسة الثمن لسيد قطب والمودودي وغيرهما، بعد سنوات قليلة انتقل التلامذة إلى الجامعة وأصبحوا طلبة حاملين معهم ما تشربوه من الحلقات المسجدية والكتيبات الإخوانية، والذي يجب أن نضعه في الاعتبار أن الحركة منذ بداياتها استهدفت افتكاك الجامعة من اليسار وذلك عبر الاندساس في المعاهد الثانوية وإعداد تلاميذ اليوم لمعارك الغد وهم طلبة في الجامعة وهو ما صاغه احميدة النيفر في مقالين شهيرين عنوانهما "من يملك الجامعة يملك المستقبل"(5) و"الجامع.. الجامعة.. المجتمع الصورة وظلالها"(6) في تلك الفترة لمع اسم حسن الغضباني خطيبا في الاجتماعات العامة الطلابية ورغم أنه كان أقليا إلا أنه سُمح له بأخذ الكلمة يقول محمد الكيلاني: "أراد حسن الغضباني أخذ الكلمة باسم الاتجاه الإسلامي عارضه عدد من الحاضرين فتدخلت للدفاع عنه وعن حقه في إيصال رأيه فأخذ الكلمة..... وكان يتكلم طليقا فشعرنا أنه شدّ انتباه الطلبة الذين واصلوا الاستماع إليه... وكنا نتابع أخباره وهو من أعطى صدى كبيرا للاتجاه الإسلامي وهو بصدد النشأة والظهور... لقد تركنا الإمكانية للاتجاه الإسلامي ليتكلم"(7) هكذا فتح اليسار الباب عريضا للاتجاه الإسلامي وهو باب سيعسر سدّه خصوصا بعد انتقال نشطاء الفرع التلمذي إلى الجامعة.
2) الحركات الإسلامية جميعها ومن بينها الفرع التونسي مهتمة بالرد على الثلاثي ماركس وفرويد ودارون عن طريق المنشورات والبيانات والكتب والمتأمل في مجلة المعرفة يلحظ ذلك بجلاء كما أن الغنوشي كتب في ذلك نصوصا متعددة، فعداؤها لليسار أصلي لم تتوقف عنه لحد الساعة رغم أن الحرب الباردة انتهت، فقد كانوا أداة من أدوات مقاومة اليسار في الجامعة وخارجها داخل الوطن وخارجه، والملاحظ أن الجماعة لدينا وجّهت سهام عداوتها في بداياتها إلى الاتحاد العام التونسي للشغل وإلى اليسار بمختلف مدارسه ولم يظهر نقدها للسلطة إلا في ثمانينات القرن الماضي بعد تنحية محمد مزالي وهو ما أشاع فرية استخدام حركة الاتجاه الإسلامي من طرف السلطة ضد اليسار، علما وأن السلطة وإن حاكمت اليسار ووضعت قيادته في السجون إلا أنها لم تكن تحمل نحوه عداوة ولا كانت منشغلة بمحاصرة الفكر اليساري لا في برامج التعليم ولا في الفضاءات العامة ويذكر من هم في سني أننا كنا نحصل على الكتب اليسارية في معارض الكتاب وفي غيرها بيسر وسهولة كما أن الرئيس بورقيبة كان يستقبل قادة اليسار من الطلبة كلما عفا عن بعضهم أما حركة الاتجاه الإسلامي فلم يكن الزعيم يحمل نحوها سوى العداء لأنه خبر الإخوان المسلمين وعنفهم في الفترة التي قضاها في مصر وشاهد الجرائم التي ارتكبوها ومن بينها الاغتيالات وتفجير القنابل وغيرهما(8) وقد أكدت الأيام صحة تقديره لخطورتهم على البلاد والعباد.
أما علاقة محمد مزالي بالحركة الإسلامية فقد تمت أثناء توليه الوزارة الأولى والأمانة العامة للحزب الاشتراكي الدستوري، ففي مواقع متفرقة من مذكراته تحدث عنها الكيلاني حديث العارف لأنه عاش تلك الفترة مثلنا تماما وكان مصيبا في كل ما ذكر يقول: "ما أن تولى محمد مزالي المسؤولية حتى بدأت الخلافة تراوده... وفي هذا الإطار مدّ يده لدول الخليج والسعودية بالتحديد وفتح طريق التعاون مع حركة الاتجاه الإسلامي... لقد عانت هذه القوى (يقصد اليسار) من ممارسات حركة النهضة في الجامعة حيث هاجمت المفطرين في المبيتات الجامعية والمقاهي والمطاعم وشجعتها مواقف الوزير الأوّل محمد مزالي الذي استجاب لمطالبها ورغباتها لغلق المقاهي والمطاعم في رمضان وترك المعتدين على المفطرين يُرهبون السكان ويملؤون قلوب الشباب رعبا بدعوى الحياء واحترام الصائمين... كان إبعاد مزالي من الوزارة الأولى ومحاكمته يعني إزاحته نهائيا من سباق الخلافة وتعيين رشيد صفر بدلا عنه وصعود بن علي إلى وزارة الداخلية كلها عناصر جعلت حركة النهضة ترى أن السلطة أصبحت على مرمى حجر... ولتحقيق هدفها... خلقت حالة من الفوضى في إطار خطة حرية المبادرة... وفي سياق تلك الخطة ظهر ماء الفرق والحقن والتشليط والتفجيرات....لقد جرت المواجهة بنسق تصاعدي منذ تنحية محمد مزالي من الوزارة الأولى حتى لا تقع السلطة في أيدي مناوئين لحركة النهضة وتؤول إلى شبيه بمزالي والموالين للسعودية"(9)، في آخر عهد الزعيم بورقيبة وبعد أن استفحل به المرض تغلبت المصالح الخاصة للمحيطين به على المصلحة الوطنية في إطار حرب الخلافة فباستثناء فترة محمد مزالي لا نعثر على تقارب بين الاتجاه الإسلامي والسلطة وحتى هذا التقارب كان يتم في البيوت بتخف واحتشام وسرية رصدته الشرطة وأعلمت به، ومن اللافت للانتباه أن العلاقة التي ربطت مزالي بالاتجاه الإسلامي يسرت وسهلت عملية اندساس هذا الأخير في الجيش والأمن الوطنيين قال محمد الكيلاني: "وقد اتضح فيما بعد أن للنهضة قيادات أمنية وعسكرية منذ عهد مزالي ومنهم من كان يدرس في الكلية العسكرية مثل شمام وكانت أهم الانتدابات هي تلك التي حصلت في الكلية العسكرية وفي مدرسة الشرطة إذ انتدبوا العديد من الضباط والأعوان لذلك كانت خلية البوب تتحكم في ثكنة بوشوشة"(10) لم يتوقف أمر هذه العلاقة عند هذه الحدود بل تجاوزها إلى المجال الثقافي والتمويل وهو ما فصّل القول فيه الأستاذ أحمد خالد مدير ديوان وزير الثقافة في ذلك العهد في كتاب موثق على غاية قصوى من الأهمية.
حمّة الهمامي والإسلاميون
موقف اليسار من الإسلاميين والتعامل معهم ملتبس غاية الالتباس لأسباب متعدّدة لعل أبرزها غياب المعرفة الدقيقة والعميقة بهذه الحركات وطبيعة خطابها السياسي والديني في آن واحد بحيث بقي التعامل معها منحصرا في البيانات والتصريحات، والمتأمل في أدبيات اليسار التي تناولت الحركة الإسلامية في مختلف مظاهرها يلحظ أنها لم تتجاوز الموقف السياسي من ذلك أنه لما ظهر ما سُمِّي اليسار الإسلامي أو الإسلاميين التقدميين نلحظ أن أسماء يسارية نشرت نصوصا مرحبة بهذا الوليد الجديد معتقدين أنه خطوة نحو دمقرطة الحركة الإسلامية وغاب عنهم أنه لا اختلاف بين الاثنين إلا في ذرابة اللسان، بحيث أصبحت مواقف بعض الوجوه اليسارية موضوعيا في خدمة الإسلاميين رغم أنهم يعتقدون خلاف ذلك، ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت بأن حمة الهمامي يتصدّر قائمة المطبعين فوق الطاولة والمتحالفين تحتها مع الإخوانجية، فقد أورد محمد الكيلاني جملة من الأسباب التي جعلته يمارس هذا الدور الذي شرذم القوى اليسارية ومنعها من أن تكون في قيادة المعركة من أجل دولة تحفظ للمواطن حقه في الحرية والكرامة بعيدا عن أي قهر ديني أو تسلط سياسي والغريب حقا أن بعض اليساريين أصبحوا اليوم موضوعيا وعمليا في خدمة المتطرفين بإصرارهم على تفتيت الجبهة المدنية تارة تحت مسمى حقوق الإنسان وأخرى مقاومة الدولة البوليسية والتجمع الذين شبعا موتا منذ ما يفوق العشر سنوات، وقد مثل الموقف من الحركة الإسلامية سببا من أسباب الخلاف بين محمد الكيلاني وحمة الهمامي وبالكثير من الفطنة والفهم الصائب أورد الكيلاني أسباب ذلك مبثوثة في ثنايا كتابه خصوصا في الفصلين الثالث والرابع.
تعود المواقف المهادنة لحمة من حركة الاتجاه الإسلامي النهضة لاحقا والتي وصلت إلى حدود تزكية ترشحه للرئاسية من قبل نهضويين إلى جملة من الأسباب أوردها الكيلاني موزعة نجمعها في النقاط التالية:
1) اليبس الإيديولوجي والتخشب الفكري الذي عليه حمّة وتبعيته المطلقة لأنور خوجة حتى في المسألة الإسلامية يقول الكيلاني: "بمناسبة زيارة حمة الهمامي ومحمد الفتاتي إلى ألبانيا حيث كنت قرأت كتاب أنور خوجا (الامبريالية والثورة) وجدت فيه أنه يعتبر الحركات الإسلامية في البلدان العربية حركات وطنية ديمقراطية شعبية فأكدت للرفيقين أنه لا بدّ أن تقدما نقدنا لهذا الموقف باعتباره يخفض اليقظة تجاه الحركات الإسلامية....."(11) هل يمكن لعاقل أن يبني سياسة حزبه في المسألة الدينية في بلد أهله مسلمون وعلى صلة مباشرة بالقرآن كما نزل على قول لأنور خوجا؟ إنه التحجر في أجلى صُوَره.
2) الخلل في التناول وفي ترتيب الأولويات ففي التسعينات لمّا وقع إيقاف حمة وُضع في جناح صحبة سجناء حركة النهضة يقول الكيلاني: "وحصلت بينهم نقاشات....لكن المهم هو أنه على إثر خروجه وبعد شهر أصبحت له مشاغل مختلفة تتعلق بالحزب يراجع المقررات العامة للمؤتمر الأول كان مشغله الكبير هو كيف أمكن لحركة النهضة أن يصبح لها مثل هذا الصيت بينما حزب العمال يشهد انحسارا؟ والجواب لديه كان واضحا وبسيطا ويتمثل في أن الأولى كانت في مواجهة مع السلطة بينما حزب العمال الشيوعي التونسي لم يسلك هذا المسلك لذلك فهو يعاني صعوبات ويشهد انحسارا.... ولما أطلق سراح حمة... انتصب مدافعا عن خيار المواجهة وعن التحريض والتوزيع الجماهيري باعتباره خيارا مكّن حركة النهضة من أن تصبح جماهيرية.... وهو ما يؤكد أن اللجنة التنفيذية..... كانت تبحث عن تسجيل اسمها في سجل المواجهين للسلطة."(12) فبدل أن يلتفت حمة إلى الأسباب الحقيقية التي مكنت النهضة من التمدّد كسهولة انتشار خطابها وتعوّد الأذن على سماعه في المدرسة والمذياع والتلافيز وغيرها من وسائل الاتصال ووجود حاضنة شعبية لها وإمكانية اندساسها تحت ستار الدين والأخلاق في أي مؤسسة نجد أن حمة انفرد بالقول أن مواجهتها للسلطة هي السبب في الصيت الذي عرفته ولم يتفطن إلى أن اليسار بكاريزمية قياداته وإضافاته الفكرية والسياسية ومواجهته للسلطة وهي في عزّ قوّتها ونجاحاتها بعد الاستقلال لم يتمكن من كسر الطوق النخبوي وبقي محصورا في فئات معيّنة ومحدّدة، فمواجهة السلطة ليست هدفا في حد ذاته بل هي وسيلة لاكتساب مواقع جديدة للمزيد من الانتشار، هذا الخلل في ترتيب الأولويات هو الذي أدّى بحمة إلى السقطات المتكرّرة التي لم تتوقف لحد الساعة فتقوية الحزب تسبق وهي كذلك الشرط الأساسي لأي مواجهة، أخطأ حمة قبل 2011 بأن واجه السلطة وهو طريّ العود فلم يحقق أي مكسب من ذلك بل ضعف واهترأ وبعد 2011 اعتقد أنه بمساندة تتار العصر الذين قدموا من الخارج ومن سمّوا أنفسهم ثوريين والانخراط في صفوفهم بالدعم والمشاركة سيمكنه من فرصة للاستقواء ولكنه في حقيقته استقواء بالآخرين ظهرت حدوده بما عليه حمة وحزبه من هوان.
3) هذا الفهم الأعرج لحمّة ظهرت نتائجه فيما بعد يقول محمد الكيلاني: "بدأنا نلاحظ تليينا في خطاب حزب العمال تجاه حركة النهضة بحيث أنه بعودتنا إلى صوت الشعب ومنشوراته لاحظنا غياب كل نقد أو إشارة لمشروعها الاستبدادي باسم الدين ولا نجد إلا التشهير بنظام الحكم... لقد ظهر الخلاف حول الموقف من حركة النهضة بصورة واضحة بعد 1996 حيث ابتدع حزب العمال نظرية تدعو إلى توحيد كل المتضررين من نظام الحكم بما في ذلك حركة النهضة لمناهضته"(13) وبيّن أن حشر كل المعارضات في سلة واحدة يدلّ على قصور في النظر وبؤس فكري ما بعده بؤس لأن المتضرّرين من النظام يختلفون في تحديد الضرر الذي أصاب كل واحد منهم، فالحركة الإسلامية تعتبر مجلة الأحوال الشخصية ضررا أما اليسار فيعتبرها مكسبا تجب المحافظة عليه وتطويره، الضرر في حد ذاته ليس وسيلة وأداة لتبرير التحالف بين المتنافرات فمواقفنا من أي نظام يحددها قربه أو بعده عن الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها نسانده إن وجدناه في صفنا في مسألة ما ونعارضه إن خالفنا في مسألة أخرى، المحدّد هنا هو برنامجنا الذي به نقيس مواقف الآخرين فنميز بين درجات الأصدقاء والمنافسين والخصوم إذ لكل واحد أسلوب في التعامل معه ويبلغ الغباء بحمّة منتهاه لمّا يقول: "نتحالف مع كل المتضررين من نظام بن علي وبعد التخلص منه جهدك يا علاف"(14).
كل ما ذكر أعلاه أدى إلى قيام تحالف 18 أكتوبر بين مجموعة من اليساريين والحركة الإسلامية كان من نتيجته أن أضاع اليسار بوصلته فتمكّن الإسلاميون من الاندساس صلب المجتمع المدني لتفتيته وشرذمته من الداخل قال محمد الكيلاني: "لقد رأيت بالملموس كيف اخترقت حركة النهضة الحركة الديمقراطية واليسار وبثت في صفوفهما الشقاق وجعلتهما يضيعان ثوابتهما ومرجعيتهما، كما اعتبرت أن تحالف 18 أكتوبر هو الذي سيرفع حركة النهضة إلى السلطة ويعبّد لها طريق التمكن من مفاصل الدولة وإضعاف جانب القوى الديمقراطية واليسارية المناهضة لمشروعها ويبث الوهم حول دمقرطتها وتحوّلها إلى حركة مدنية تؤمن بقيم ومبادئ الجمهورية.... وبذلك حدث انقسام في الحركة الديمقراطية واليسارية وجعل سبلنا تتباعد أكثر"(15) لتترى بعد ذلك المواقف المخزية التي اتخذها حمّة الهمامي ومن لفّ لفّه من دعوة إلى حل التجمع والأجهزة الأمنية صحبة سهام بن سدرين مرورا بالدعوة إلى مجلس تأسيسي وتكوين لجان الأحياء التي تحولت إلى روابط إجرامية وحصوله على تزكيات نهضوية لترشحه للانتخابات الرئاسية وغير ذلك، ولما أظهرت النهضة نكوصها عن كل ما تعهدت به لجماعة 18 أكتوبر نشر حمّة مقالا تحت عنوان (حركة النهضة ترتدّ عن التزاماتها وتستهدف حقوق النساء) في جريدة المغرب تباكى فيه على الأيام الخوالي مذكّرا النهضة بما أمضت عليه يقول: "إن حركة النهضة ترتد بموقفها الحالي عمّا كانت التزمت به منذ سنوات صلب هيئة 18 أكتوبر... بعد مصادقة قياداتها في المهجر والداخل عليه كل من علي العريض وزير الداخلية الحالي وزياد الدولاتلي الذي يشغل حاليا منصبا قياديا بالحركة وعضوا بالمجلس التأسيسي..... وأخيرا عهد تحرير النص النهائي إلى لجنة كانت حركة النهضة ممثلة فيها وليس من المبالغة في شيء القول إن هذا النص نوقش كلمة كلمة وحرفا حرفا مرات قبل المصادقة عليه وإخراجه إلى الرأي العام"(16) لم يتوقف حمّة عن دعم حلفائه والتفتيش لهم عن الأعذار والسعي إلى فرضهم حليفا للقوى الديمقراطية رغم نكوصهم عن تعهداتهم له ورغم الفظائع التي ارتكبوها في حق البلاد والعباد فإن حمة بقي على وفائه لهم يقول محمد الكيلاني: "وبقي (يقصد حمّة) 4 أشهر بعد الثورة وهو يدعو للتحالف مع حركة النهضة والعودة إلى التفاهم معها"(17).
قديما قال المتنبي:
لكلّ داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها.
4) رابطه كالتالي http://www.myportail.com/actualites-news-web-2-0.php?id=8305
5) جريدة الرأي بتاريخ 3 أوت 1984.
6) جريدة الرأي بتاريخ 5 أكتوبر 1984.
7) نفسه، ص82 و83، هذه الملحوظة المتعلقة بقدرة حسن على الخطابة ذكرها محمد الصياح في حديثه المطول للمولدي الأحمر "محمد الصياح الفاعل والشاهد" دار سراس للنشر، تونس 2012، ص222 و223.
8) عن ذلك انظر "بقايا ذكريات" لأحمد حسن الباقوري، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1988، ط1، ص56.
9) التاريخ المنسي ص178 و179 و207 و209 و210، للتوسع في دور محمد مزالي وعلاقته بحركة الاتجاه الإسلامي انظر لأحمد خالد "كيف زرع الفكر التكفيري في ثمانينات القرن العشرين بتونس؟ (شهادة للتاريخ)" منشورات زخارف الطبعة الأولى تونس 2014، ومقال لأنس الشابي تحت عنوان "ردا على البشير بن سلامة ودفاعا عن الحقيقة" منشور في جريدة الصحافة بتاريخ 11 أوت 2020.
10) التاريخ المنسي ص232.
11) التاريخ المنسي ص297.
12) نفسه ص252 وص254 وص263.
13) نفسه ص300.
14) نفسه ص344.
15) نفسه ص314.
16) جريدة "المغرب" بتاريخ 8 أوت 2012.
17) جريدة "الرأي العام" بتاريخ 4 جويلية 2019.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: