أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3816
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لو جمعت و تجمعت كل المقالات و التحاليل و البرامج و المخططات التي حاولت جاهدة إيجاد علاقة حميمة بين إيران و الولايات المتحدة الأمريكية في مكان ما لحجزت مساحة تفوق مساحة السعودية التي حاول نظامها منذ نجاح الثورة الإيرانية و سقوط نظام شرطي الخليج العميل محمد رضا بهلوى أن يصفها بكل الأوصاف المخجلة و من بين هذه الأوصاف وجود علاقة ود بين الراحل أية الله الخميني و الإدارة الأمريكية، كل ذلك للإيحاء للعامة و المتابعين أن هذه الثورة التي نعتت الإدارة الأمريكية بالشيطان الأكبر هي ثورة منافقة و أن هناك علاقات و ترتيب خفي بين الإمام و بين حكام البيت الأبيض و أن العداوة الإيرانية المعلنة ما هي في حقيقة الأمر إلى خيط دخان يخفى وراءه علاقات أكثر من طبيعية بين البلدين، طبعا سال حبر كثير و تفتقت مواهب نفاق كثيرة و صال و جال البعض في المنابر الإعلامية متخذين من بعض التسريبات الصادرة عن وكالة المخابرات الأمريكية و بعض توابعها في المنطقة ‘ الدليل’ الشافي الضافي الغير قابل للدحض أو الاعتراض أو التمحيص .
أولا لنتفق من البداية أن كل هؤلاء الذين يزعمون وجود علاقة بين الإمام أية الله الخميني و الإدارة الأمريكية لا يملكون في جعبتهم أي دليل مادي مقبول لتأكيد هذه العلاقة الآثمة، في كل الأحوال لا يمكن لعاقل أو محلل أو متابع أن ينطلق في هذا الاتهام و ‘سلاحه’ الوحيد هو تسريب صادر عن جهاز مخابرات يعلم الجميع أن مهمته كأي جهاز في العالم هو زرع الشك و الدسائس و بث الفوضى، و على مدى عقود من الزمن سربت المخابرات الأمريكية ملايين الوثائق الكاذبة من بينها ما اتهمت فيها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بكونه عميلا لديها، نفس الشيء مع الراحل الكبير ياسر عرفات، مع الراحل صدام حسين، مع الرئيس محمود عباس، و مع كثير من القيادات المهمة في العالم و بالذات الرئيس الكوبي فيدال كاسترو، لذلك كان منطقيا أن نفاجأ بمقال بعنوان ‘ علاقة الخميني ب’الشيطان الأكبر ‘ للكاتب العراقي شيروان عبد الله الذي يأتي في سياق طويل من عملية تشويه الحقائق و القفز على المنطق السليم في ضرب فاضح للمصداقية و الموضوعية المطلوبة .
نحن لا نتحدث بنظرية المؤامرة بل عن مخططات منشورة و معلنة و يجرى تطبيقها باستغلال الأوضاع العربية المتدهورة لدفعها للاتجاه الذي يخدم المصالح الصهيونية في عنوانها العام و نحن نتساءل في هذا السياق لماذا كلما انعقدت قمة أو اجتماع عربي مهما كانت مستوياته يهرع الجميع إلى وصف الدور الإيراني بالخبيث و بالإرهاب فيما يغمض الجميع أعينهم عن إسرائيل و عن دور الإدارة الأمريكية المسموم، فعلى حد علمنا إسرائيل هي التي وصفها المجتمع الدولي بالإرهاب و بمعاداة الإنسانية و ضد حليفتها أمريكا صدرت مئات القرارات الأممية المنددة بسياسة المكيالين، و هل أن عملية صب الزيت على النار و تأجيج مشاعر الكراهية ستؤدى إلى نتائج تضعف القوة الإيرانية المتصاعدة مقابل حالة تشرذم عربية غير مسبوقة، و هل المطلوب اليوم أن نجد ‘تسريبا’ مهما كان مصدره و درجة صدقتيه لنشفى غليلنا بتوجيه اتهام نعلم من البداية يقينا أنه مجرد كذبة مخابرات و لعبة أمم و بالنهاية هل أن وجود عداوة محتدمة بين دولتين و مشروعين سياسيين يمنع إيجاد قنوات اتصال بينهما، فعلى حد علمنا كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي و أمريكا أكبر العداوات عبر التاريخ و لكن ذلك لم يمنع وجود خط الهاتف الأحمر الذي التجأ إليه الرئيس جون كينيدي في أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1963 و الذي جنب الدولتين هاوية حرب عالمية ثالثة .
ينطلق الكاتب في هذا التحليل معلنا أنه سيبدى رأيه بعيدا عن المواقف المسبقة، هذا جميل و منطقي و مطلوب، رأيه في الوثيقة المسربة من المخابرات الأمريكية التي تشير إلى محادثات جرت بين الإمام الخميني و الإدارة الأمريكية أثناء وجوده في منفاه الباريسي طمأن فيها الرجل أمريكا حول مصالحها في إيران بحسب تقرير نشره موقع البى بى سى البريطاني، طبعا يسقط الكاتب من المقال و لأسباب تثير السؤال تاريخ كشف هذه ‘ الوثائق السرية’ و تاريخ تقرير المحطة البريطانية و يسقط من المقال ‘ البعيد عن المواقف المسبقة’ عدم تساؤله المفروض حول أسباب نشر هذه الوثائق و التوقيت و هي عناصر من بين عناصر مهمة أخرى بإمكانها كشف الهدف الحقيقى من نشر هذه ‘ الوثائق ‘ لأنه من المعلوم أن كل تسريبات أجهزة المخابرات تطرح دائما تساؤلا حول الهدف والتوقيت إضافة إلى ما عرفت به المحطة البريطانية من نفاق و تضليل يؤكده مسارها المذنب تجاه الشعب السوري و تجاه عدم كشف حقيقة ما يجرى على يد الجماعات الإرهابية السعودية، بهذا المعنى فقد كانت بداية القصيدة كفر .
يذهب الكاتب أن كثيرا من الشعوب التي تعاطفت و ساندت الثورة الإيرانية قد فوجئت بهذه ‘ الوثيقة’، و لذلك فهو يحاول الوقوف عندها لفك ‘شفرة’ هذه العلاقة بالتساؤل لماذا أخفت إيران هذه ‘ العلاقة’ و لماذا تتكتم عليها الآن و ترفضها أو تكذب وجودها، الحقيقة أن الكاتب قد بدأ من هنا رحلة الخطأ في التحليل لأنه انطلق من ‘ حقيقة’ غير ثابتة و من مجرد شك و من مجرد تسريب مخابرات و بنى بعض الأسئلة على هذا الأساس الخاطئ و بالتالي فانه و كما في علم الحساب فان البدايات الخاطئة تفرز دائما النتائج الخاطئة، و لعل المثير في هذا الجانب أن يتفوه الكاتب بكونه يعتقد ‘ أن الإجابة عن هذه الأسئلة أهم من ....إثبات وجود العلاقة أو عدم وجودها –شكرا جزيلا و بدون تعليق -، و نكتفي بالقول أنها المرة الأولى منذ بداية ‘الحرب’ الإعلامية على إيران أن يعترف أحد الكتاب المنصهرين في هذه الحملة الخاطئة أنه ليس معنيا إطلاقا بإثبات وجود علاقة بين النظام في إيران و بين أمريكا و هي القاعدة الأصولية المعتمدة دائما ( الحجة على من ادعى ) بل هو معنى بالانطلاق من الغيبيات و التخمينات للوصول إلى ‘حقيقة’ مطلوبة من بعض الدول الخليجية و العربية لضرب العلاقة الإيرانية العربية لا أكثر و لا أقل .
من عيب العرب أنهم يواجهون إيران بأسلحة الافتراضات و المشاعر الحانقة و بكثير من الشك و من عيوبهم أيضا أن هناك من يدفعهم إلى معاداة إيران و اعتبارها الشيطان الأكبر في المنطقة، و لان الدول لها مصالح بما فيها إيران و هذه المصالح تدفعها للتمدد داخل كل المجتمعات و الدول فالمطلوب هو التعامل بحذر مع جميع هذه ‘المصالح الدولية’ بدون تمييز، فليس مقبولا أن نترك الأبواب مشرعة لإسرائيل و الغرب بكل عيوبه و منزلقاته الفكرية و دعواته لكراهية العرب و المس من مقدساتهم واحتلال أراضيهم و نشر ثقافة التمييز العنصري و أن ندخل في عداوة مصطنعة مع إيران لمجرد أنها تفكر في نشر ثقافتها و كسب الأصوات المساندة لسياستها، فمن علامات الدول الجادة أنها تملك القدرة على مواجهة كل الأخطار من أين تأتى ، لذلك يكفى من جلد العلاقة الإيرانية العربية لمجرد تسريب مخابرات، و لعل الكاتب قد أنتبه متأخرا و بعد أن صب الزيت على النار كالعادة إلى وجوب التساؤل من البداية حول دوافع توقيت التسريب و أهدافه، و كما يقول المثل أن تأتى متأخرا خير من لا تأتى أبدا .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: