أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3896
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا أدرى لماذا يصر البعض على إيتاء المنكر و الإجحاف في حق التاريخ و في حق الذاكرة الوطنية، هناك من يعيشون على هذه الأرض الطيبة بنفس العقلية السيئة التي يعيش بها هؤلاء الذين نصبوا الفخاخ و خزنوا السلاح و حرفوا القرآن عن مواضعه بغاية القضاء على الدولة المدنية و إنشاء دولة الخلافة، و هناك من رفض عمدا و عن سوء نية فاضحة أن يتناول الحقبة البورقيبية بما لها و ما عليها، و هناك من أراد تسخيف كل انجازات الزعيم الراحل و ‘تعظيم’ ما رآه مناسبا حقا أو باطلا من مساوئ ما سمي بأخطاء و خطايا الرجل، و هناك من يصر إلحاحا على أن كل ما فعله بورقيبة هو تدمير البنية التحتية الدينية في تونس، و هناك من لا يزال يقف عند بداية عهد بورقيبة و من لا يزال يقف في 7 نوفمبر 1987 و سيبقى طريد بعض الأفكار الملعونة السيئة منتظرا محاكمة بورقيبة على مساوئ مفترضة و بنهم جزافية لا تخضع لأي منطق .
كثيرهم يكذب على الحقيقة، و كثير من هؤلاء يعرفون أنهم يكذبون، الشيء الغريب في مسألة هؤلاء أنهم يضعون أنفسهم في مكان الضحية و المحقق و لسان الدفاع و المحكمة ، و كثير منهم يرفض الخضوع إلى المحاسبة و المناقشة و الرأي المخالف بعلة أن محاكمة بورقيبة هي فرض عين و ليست فرض كفاية و أن كل مدافع عن هذه الحقبة هو زنديق و كافر علماني و محرض على التبرج و إيتاء المعاصي، كثير من هؤلاء يرفض أن يحاكم بورقيبة من طرف كل من عايشوه و ليس من جهة اتهامية محددة واحدة عرفت مقاصدها و مخططاتها و من وراءها من زمان، و هم لا يريدون محاكمة علنية و لا لسان دفاع لأنهم يعرفون أن تلك المحاكمة العلنية ستكشف هويتهم المشبوهة فينقلب السحر على الساحر و تكشف لائحة الاتهام المزيفة لتصبح وثيقة اتهام ضد كل الذين فعلوا كل شيء طيلة ستين سنة ليدنسوا الإرث البورقيبى بجريدة قالوا و قيل و قالولو .
يريدون أن نقتنع أن الزعيم بورقيبة هو من شجع المرأة على التبرج و شجع البعض على ترك الصيام و هو من أغلق المساجد و شجع على هجرها و هو من قتل صالح بن يوسف، يريدون صنع حقيقة من الكذب و التلفيق و سوء قراءة الوقائع، يريدون أن نقتنع أن من حرر المرأة هو فاسق فاجر و أن هؤلاء الذين نادوا من الإخوان بعد الثورة بختان البنات و جهاد النكاح و زواج المتعة هم رواد الإصلاح، يريدون أن نفهم أن صانع وجوبية التعليم هو علماني فاسد و أن هؤلاء الذين ينشرون الفكر التكفيري هم الأجدر بهذا الشعب، و لأنهم كذبوا و ما صدقوا يوما، فنحن نسمع عنهم اليوم كل هذه المراجعات في حق الإرث البورقيبى بعد أن عاثوا في هذا الإرث فسادا و تنكيلا و نفاقا طيلة ستين عاما، اليوم يقبلون بعكس ما كذبوا ستين عاما و اليوم يقرون بأن بورقيبة زعيم إصلاح و تنوير و فكر حداثى متطور بعد أن انغلقوا طيلة ستين عاما في متابعة و نشر الفكر الوهابي التكفيري المفلس الذي يؤدى اليوم إلى كوارث دموية في حين أن فكر بورقيبة قد جعل من شباب تونس طبقة مثقفة قل نظيرها في العالم الثالث.
لا ندرى صراحة ما هو ارث الإخوان من حسن البنا إلى الآن، و لسنا في وارد الاقتناع بأن هؤلاء الذين يذكرون الشيخ راشد الغنوشى في شبابه و الذين زرعوا الموت في بنقردان منذ أيام فقط هم بنفس المقاس البورقيبى الذي أبهر العالم ، و حتى مشكلة البطالة فهناك افتخار لان الأغلبية العاطلة عن العمل المنتمية لفترة بورقيبة تحمل شهادات عليا في حين أن الأغلبية ‘العاطلة’ عن العمل التي تنتمي لفكر الإخوان قد رجعت من أفغانستان و العراق و سوريا بعد أن مثلت الفكر الوهابي تعيش بفكر لاهوتي قذر، ثم ما الضرر من توجه بورقيبة نحو ثقافة و علوم الغرب ، و هل أن توجه بورقيبة نحو العرب سينفع شباب تونس للنهل من باب العلم و المعرفة، و هل يريد هؤلاء أن يتجه بورقيبة جامع الزيتونة إلى شيوخ الظلام الذين دمروا العقل العربي مثل القرضاوى و أشباه القرضاوى، و بالنهاية نتساءل، لماذا يصر هؤلاء على مزيد نهش الذاكرة التونسية المحبة للزعيم بورقيبة كأحد عمالقة هذا العصر ؟ من يدفع لهؤلاء حتى يستمروا في هذه الحملة ‘الصليبية’ الفاشلة ضد الإرث البورقيبى ؟ لماذا تراجعت النهضة اليوم عن ‘خطابها’ ضد بورقيبة و باتت بورقيبة أكثر من البورقيبيين أنفسهم ؟ أهي لحظات صدق و مكاشفة أم لحظات مخاتلة حتى التمكين كما تعودنا من ‘ إخواننا’ الإخوان ؟ بالنهاية من كان يكره بورقيبة فقد مات ، فلماذا تنكرون على الزعيم حتى مجرد الرحمة و انتم تزعمون رفع راية الإسلام ؟ .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: