البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نفحات قرآنية - 4 - ذلك بأن الله هو الحق

كاتب المقال د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5190


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


* " اذا وافق الحق الهوى , فهو ألذ من مذاق العسل " ،( عمر بن عبد العزيز ) ،
* " كن للحق عبدا .. فعبد الحق حر " ، ( على بن ابى طالب ) ،

الحمد لله رب العالمين ، خالق الكون والكائنات ، وباريء النسمات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قيوم الأرض والسماوات ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله سيد السادات ، ونبي المعجزات الباهرات ، عليه من الله تبارك وتعالى أفضل الصلوات وأتم التسليمات ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،

أما بعد

- إن حب الحق ، والالتزام به ، والعمل به وله ، والدعوة إليه والتواصي به .. كل ذلك يعد من طبيعة الفطرة الإنسانية السليمة السوية في ضوء التصور الإسلامي للطبيعة الإنسانية ، شريطة ألا يلحق تلك الفطرة تشوه أو انحراف ، فالإنسان – بطبيعته الإنسانية – مفطور في جبلته على حب الحق ، ومفطور على كراهية الظلم ، طموح إلى كل ما هو حق وخير وجمال ، وإذا كان هذا بالنسبة للإنسان عموما ، فهو ينطبق بشكل خاص على الإنسان المسلم ،

- والإيمان بالله عز وجل هو أساس العقيدة الإسلامية وأصلها الأول وركنها الركين ، وهو يعني الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه ، وأنه الخالق وحده ، المدبر للكون كله ، وأن الأمر كله بيده وحده ، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له ، وأن كل معبود سواه فهو باطل وعبادته باطلة ، ولذلك قال الحق تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏ ( الحج : 62 ) ، إنه إعلان صارخ يهز أرجاء الكون كله بحقيقة يغفل عنها كثير من الناس في دنيا البشر ، ورسالة واضحة جلية تقرع أسماع الغافلين الشاردين وقلوبهم بأن الله تعالى هو الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة والخضوع والذلة إلا له ، وأن ما يعبده المشركون من دونه من الأصنام والأنداد هو الباطل بعينه الذي لا ينفع ولا يضرُّ ، وأن الله هو العليُّ سبحانه على جميع خلقه ذاتًا وقدرًا وقهرًا، وهو المتعالي عن الأشباه والأنداد والنظائر ، وهو الكبير في ذاته وأسمائه وصفاته فهو أكبر من كلِّ شيء في الوجود كله ،
- وفي موضع آخر يقول الحق جل جلاله : {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}( النور: 24-25 ) ، هكذا يريد القرآن الكريم أن ينبهنا من غفلتنا ، ويضعنا وجها لوجه أمام الحقيقة التي لا مفر منها ، وهي أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن القيامة قادمة لا محالة ، وفي هذا اليوم يوفيهم الله جزاءهم كاملا على أعمالهم بالعدل ، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم – علم اليقين الذي لا يعتريه شك ولا ريب - أن الله هو الحق المبين الذي هو حق , ووعده حق ، ووعيده حق ، والقيامة حق ، والجنة حق ، والنار حق ، وكل شيء منه حق ، الذي لا يظلم أحدًا مثقال ذرة ، كل ذلك يعلمه الإنسان علم اليقين يوم يفاجأ بما لم يخطر له يوما على بال ، في هذا اليوم تشهد عليه أعضاؤه وجوارحه بما كان يعمل في الدنيا ، يشهد عليه لسانه ، ويديه ورجليه ، ساعتها يعرف الإنسان على وجه اليقين أن الله هو الحق المبين ،
نعم الله تعالى هو الحق ، وهو سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال ، منزه عن كل نقص وعيب‏ ، وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة ‏:‏ توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات‏ ،

ووقفتنا هنا عند قوله تعالى : " ذلك بأن الله هو الحق " ، وبتأمل هذه العبارة القرآنية نجد أنفسنا أمام حقيقة قرآنية ، وعقيدة إسلامية ، تمثل أس الإسلام ورأسه وذروة سنامه ، حقيقة أعلنها ورسخها وأكدها القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ، أعلنها عالية مدوية في سمع الزمان كله ، ليقطع دابر كل ألوان الكفر والشرك والضلال والزيغ والانحراف ، ويثبت بالدليل القاطع ، والبرهان الساطع أن الله تعالى هو غلإله الحق ، والمعبود الحق ، وما سواه هو الباطل ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ،
والقاريء للقرآن الكريم بتدبر - كما أمر الله - يعلم أن عبارة " ذلك بأن الله هو الحق " وردت - بهذا التركيب اللغوي - في القرآن الكريم وتكررت في ثلاث مواضع :

أما الأول : ففي قول الله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ( الحج : 6 ) ،
وجاءت تلك الآية الكريمة في سياق قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{6} وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ{7}( سورة الحج ) ،

ومعنى الآية - كما بينت كتب التفسير - أن كل ذلك المذكور مما تقدَّم من آيات تتعلق بطلاقة قدرة الله تبارك وتعالى , من بدء خلق الإنسان .....إلى آخر إحياء الأرض بعد موتها ، لفيه دلالة قاطعة ، وبرهان ساطع سطوع الشمس في ضحاها على أن الله سبحانه وتعالى هو الحق الثابت الدائم ، الذي لا يتغير ولا يتحول ، وهو الرب المعبود بحق , ولا معبود بحق سواه ، وهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له , وهو يُحيي الموتى , وهو سبحانه القادر على كل شيء ، " إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون " ،

وأما الموضع الثاني : ففي قول الله تعالى في نفس السورة : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } ( الحج : 62 ) ،
وسياق الآية يقول : {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{56} وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ{57} وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{58} لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ{59} ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ{60} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{61} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{62}( الحج ) ،
ومعنى قوله تعالى : " ذلك بأن الله هو الحق ..." في هذه الآية : أن كل ذلك المذكور في السياق السابق من أن الملك يوم القيامة لله وحده ، وهو الذي يحكم بين الناس ، فيجعل العذاب على الكافرين ، والنعيم للمؤمنين المجاهدين في سبيله ، وأن نصره وتأييده لعباده المؤمنين ، , وأنه يولج الليل في النهار والنهار في الليل .... ذلك المذكور كله ، بأن الله هو الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له جل جلاله ، وأن ما يعبده المشركون من دونه من الأصنام والأوثان والأنداد والشركاء هو الباطل بعينه الذي لا ينفع ولا يضرُّ، وأن الله هو العليُّ على خلقه جميعا ذاتًا وقدرًا وقهرًا، المتعالي عن الأشباه والأنداد والنظائر، الكبير في ذاته وأسمائه فهو أكبر من كلِّ شيء سبحانه ،

والموضع الثالث : هو قوله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } ( لقمان : 30 ) ،
وهذه الآية هي بذاتها الآية السابقة في سورة الحج بنفس كلماتها وحروفها ، ما عدا الضمير " هو " : في الأولى " هو الباطل " ، وفي الثانية " الباطل " ، بغير الضمير ، وسيأتي بيان ذلك ، والسياق الذي جاءت فيه آية سورة لقمان هو قول الله تعالى : {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{26} وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{27} مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{28} أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{29} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{30}( لقمان ) ، وما قيل في الموضعين السابقين يقال هنا ،

* بين الحق والباطل صراع قديم جديد :

يقول " الشعراوي " في تفسير آية " سورة لقمان " ......إشارة إلى ما تقدم ذِكْره من دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل ، وتسخير الشمس والقمر، ذلك كله ...........{ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ.. } ( لقمان: 30 ) ، فكل ما تقدم ( ذكره ) نشأ عن صفة من صفات الله وهو الحق ، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، فكأن ناموس الكون بكل أفلاكه وبكل المخلوقات فيه له نظام ثابت لا يتغير، لأن الذي خلقه وأبدعه حق { بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ.. } ( لقمان: 30 ) ، وما دام الله تعالى هو ( الحق ) فما يدَّعونه من الشركاء هم الباطل { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ.. } ( لقمان : 30 ) ، فلا يوجد في الشيء الواحد حَقَّان ، فإنْ كان أحدهما هو الحق فغيره هو الباطل ( لا محالة ) ، فالحق واحد ومقابله الباطل ، وأيُّ باطل أفظع من عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة وشركاء مع الله عز وجل؟ ، كيف وهي حجارة صوَّروها ( ونحتوها هم ) بأيديهم وأقاموها ليعبدوها من دون الله ، والحجارة جماد من جمادات الأرض ، والجماد هو العبد الأول لكل المخلوقات ، عبد للنبات ، وعبد للحيوان ، وعبد للإنسان ، ( لماذا ؟ ) لأنه مُسخّر لخدمة هؤلاء جميعاً ،

فكيف بك وأنت الإنسان الذي كرَّمك ربك ، وجعل لك عقلاً مفكراً ، تتدنى بنفسك وترضى لها أنْ تعبد أدنى أجناس الوجود ( وهو الجماد ) ، وتتخذها شريكاً مع الله عز وجل ، وأنت ترى الريح إذا اشتدتْ أطاحتْ بـ " اللات أو بالعزى " ، وألقتْه على الأرض ، وربما كُسرت ذراعه ، فاحتاج لمن يصلح هذا الإله ، إذن { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ.. } ( لقمان : 30 ) ، لذلك قلنا في الحروب التي تنشب بين الناس : إنها لا تنشب بين حقين ( أبدا ) ، لأن الحقيقة لا يوجد فيها حقَّان ، إنما هو حق واحد ( لا يتعدد ) ، والآخر لا بُدَّ أن يكون باطلاً ، أو تنشأ بين باطلين ، أما نشأتها بين حق وباطل فإنها في الغالب لا تطول ، لأن الباطل زهوق ( بطبعه ) ، قال تعالى : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }( الإسراء : 81 ) ، والعاقبة ( والنصر ) لا بُدَّ أنْ تكون للحق ولو بعد حين ، أما الباطل فإنه زَهُوق بطبيعته ، إنما تطول المعركة إنْ نشبت بين باطلين ، فليس أحد الطرفين فيها أهلاً لنصرة الله ، فتظل الحروب بينهما حتى يتهالكا ، وتنتهي مكاسب طغيان كل منهما ، ولا يردهما إلا مذلَّة اللجوء إلى التصالح بعد أنْ فقدا كل شيء ، لذلك نرى هذه الظاهرة أيضاً في توزيع التركات والمواريث بين المستحقين لها، حيث ينشب بينهم الخلاف والطعن واللجوء إلى القضاء والمحامين حتى يستنفد هذا كله جزءاً كبيراً من هذه التركة ، حتى إذا ما صَفَتْ مما كان بها من أموال جُمعتْ بالباطل ترى الأطراف يميلون إلى الاتفاق والتصالح وتقسم ما بقي ، واقرأ إنْ شئت حديث رسول الله صلى الله عليهم وسلم : " مَنْ أصاب مالاً من مهاوش أذهبه الله في نهابر " ومعنى : مهاوش يعني التهويش أو كما نقول (بيهبش) من هنا ومن هنا ، وطبيعي أن يُذهِب الله هذا المال في الباطل وما لا فائدة منه ، وسبق أن أعطينا مثلاً لمصارف المال الحرام بالأب يرجع إلى بيته ، فيجد ابنه مريضاً حرارته مرتفعة ، فيسرع به إلى الطبيب ويصيبه الرعب ، ويتراءى له شبح المرض ، فينفق على ابنه المئات ، أما الذي يعيش على الكفاف ويعرق في كسب عيشه بالحلال فيكفيه في مثل هذه الحالة قرص أسبرين وكوب ليمون ، فالأول أصاب ماله من مهاوش، والآخر أصابه من الحلال ، فقول الله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ.. } ( لقمان: 30 ) يعني : أن الحق هو الظاهر وهو الغالب ، فإنْ قلتَ كيف ونحن نرى الباطل قد يعلو على الحق ويظهر عليه؟ ونقول : نعم ، قد يعلو الباطل لكن إلى حين ، وهو في هذه الحالة يكون جندياً من جنود الحق ، كيف؟ حينما يعلو الباطل وتكون له صَوْلَة لا بُدَّ أن يعض الناس ويؤذيهم ويذيقهم ويلاته ، فيلتفتون إلى الحق ويبحثون عنه ويتشوقون إليه.

إذن: لولا الباطل ما عرفنا ميزة الحق ، ومثال ذلك الألم الذي يصيب النفس الإنسانية فينبهها إلى المرض ، ويظهر لها علتها ، فتطلب الدواء ، فالألم جندي من جنود الشفاء ، وقلنا سابقاً : إن الكفر جندي من جنود الإيمان ، لذلك لا تحزن إنْ رأيتَ الباطل عالياً ( في فترة من الفترات ) ، فذلك في صالح الحق ، واقرأ قول ربك عز وجل :
{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا... }( الرعد: 17 ) يعني : يأخذ كل وادٍ على قدره وسِعَته من الماء ، { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً... } ، ( الرعد : 17 ) وهو القش والفتات الذي يحمله الماء ، { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ... } ( الرعد : 17 ) أي : مثلاً لكل منهما ، { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً... } ( الرعد : 17 ) يعني : مطروداً مُبْعداً من الجفوة ، { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } ( الرعد: 17 ) (1) ،

* هذا ومن الفوائد التي نستخلصها من تلك الآيات ما يلي :

1- أن الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته وأفعاله : فهو واجب الوجود ، كامل الصفات والنعوت ، وجوده من لوازم ذاته ، ولا وجود لشيء من الأشياء في الوجود إلا به ، فهو الذي لم يزل ، ولا يزال ، بالجلال والجمال والكمال موصوفاً ، ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً ، فقوله حق ، وفعله حق ، ولقاؤه حق ، ورسله حق ، وكتبه حق ، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له ، هي الحق ، وكل شيء ينسب إليه فهو حق ، قال تعالى :{ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير}(سورة الحج الآية 62) ، وما ذكرناه من الآيات في هذا الصدد ، وقال تعالى :{وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(سورة الكهف الآية29) ، وقال عز من قائل : {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال}(سورة يونس الآية 32) ، وقال : {وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً}(سورة الإسراء الآية 81) وقال سبحانه : {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}(سورة النور الآية25) ، وهكذا كل هذه الآيات وغيرها تؤكد أن الله تعالى هو الحق ،وأوصافه العظيمة حق ، وأفعاله هي الحق ، وعبادته هي الحق ، ووعده حق ، ووعيده وحسابه هو الحق والعدل الذي لا جور فيه.

2- أن كل ما في الكون من مخلوقات ونواميس وموجودات ( الآيات الكونية ) لو تأملها الإنسان لأدرك أن ذلك كله من عظيم قدرة الله تعالى ، ليعلموا ويقروا أن الله هو الحق في ذاته وصفاته , وأفعاله , وأن ما يدعون من دونه الباطل ,

3- نفي استحقاق العبادة عن كل ما سوى الله تعالى ، وإثباتها لله عز وجل وحده لا شريك له في عبادته ، كما أنه ليس له شريك في ملكه ، وهذا هو المعنى الحقيقي لـ " لا إله إلا الله " ، إذ أن جميع الآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل هي آلهة ، لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقه وليس لها من حق الألوهية من شيء ، ولذلك قال أهل العلم من السلف والخلف أن معنى لاَ إله إِلاَّ الله؟ ، أي لاَ معبود بحقّ إِلاَّ الله ، وقولنا : " بحق " لنخرج من عُبِدَ بالباطل، وهم كل من صرف له نوع من أنواع العبادة من دون الله تعالى ، وهم كثير من الأصنام ومن الصالحين ومن غيرهم ، فالله تعالى هو المستحق للعبادة وحده ، وكل من عبد سواه فالباطل فلا حق في الألوهية لمخلوق ، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ، وهذه الكلمة تشتمل على ركنين : نفي وإثبات ، فالنفي هو قولنا " لا إله " ، والإثبات هو قولنا " إلا الله " ، فـ " لا إله " نفي جميع ما يعبد من دون الله تعالى ، " وإلا الله " : إثبات جميع أنواع العبادة لله رب العالمين وحده لا شريك له في عبادته ، كما لا شريك له في ملكه ، وربوبيته ، ففيها إذن براءة من كل ما يعبد من دون الله تبارك وتعالى ، وفيها تحقيق العبودية لله وحده ، وهذا يعني أن المعبودات كثيرة ومتنوعة ، ولكن المعبود الحق هو الله وحده لا شريك له ،

4- ومن الآيات التي أوضحت أن الله هو الحق قول الله تعالى : {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ }( المؤمنون : 71 ) ،

قال القرطبي :" الحق " هنا هو الله سبحانه وتعالى ، قاله الأكثرون. وقيل : " الحق " القرآن ، وكلا المعنيين صحيح فالله سبحانه وتعالى هو الحق ، كما قال سبحانه وتعالى: { ذلك بأن الله هو الحق ، وأنه يحيي الموتى ، وأنه على كل شيء قدير.. }( الحج : 6 ) ، وقال تعالى : {ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير..} ( لقمان : 30 ) ، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }( طه : 114 ) ، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }( المؤمنون : 116 ) ، وأرسل الله جل وعلا رسله ، وأنزل كتبه بالحق ، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } (البقرة119) ، وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }( فاطر : 24 ) ، وقال جل جلاله : {نزّل عليك الكتاب بالحق، مصدقا لما بين يديه، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان} ( آل عمران : 3-4 ) ، وقال تعالى : {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} ( النساء : 105 ) ، وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } (النساء170 ) ، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }( التوبة : 33 ) ،


3- أن قوله تعالى { وأن الله هو العلي الكبير } ، كما قال سبحانه : { وهو العلي العظيم }، و قال : { الكبير المتعال } ، أي أن الله هو العلي بذاته وقَدْره وقهره فوق جميع مخلوقاته , الكبير على كل شيء , وكل ما عداه خاضع له , فهو وحده المستحق أن يُعبد دون مَن سواه ، فهو سبحانه الإله الحق الذي لا تنبغي العبادةإلا له ، لأنه ذو السلطان العظيم الذي ما شاء كان ، و ما لم يشأ لم يكن ، و كل شيء فقير إليه ذليل لديه ، فكل شيء تحت قهره و سلطانه و عظمته لا إله إلا هو ، و لا رب سواه ، لأنه العظيم الذي لا أعظم منه ، العلي الذي لا أعلى منه ، الكبير الذي لا أكبر منه ، تعالى و تقدس و تنزه عز وجل عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا (2) ،

4- في آية سورة الحج رقم ( 6 ) نبه الله تعالى – وبرهن - على حقيقة البعث بالتفكر والتأمل في أطوار خلق الإنسان وتنقلاته في أطواره المختلفة ، فجعل الله تنقل الإنسان في هذه الأطوار من ناحية ، وإحياءه الأرض بعد موتها من ناحية أخرى ، دليلا وبرهانا على خمسة أمور يتميز بها المؤمنون ، ويثبتونها تصديقا لله ولرسله واستدلالا بهذه البراهين العقلية الحسية ، على الأمور الغيبية وهي :
* ذلك بأن الله هو الحق
* وأنه يحيي الموتى
* وأنه على كل شيء قدير
* وأن الساعة آتية لا ريب فيها
* وأن الله يبعث من في القبور
وهذا يعني أن كل ما في الدنيا من أمور حسية فهو مذكر بالآخرة ، ودليل عليه ، فنبات الأرض واخضرارها في الربيع بعد يبسها ، يدل على بعث الموتى من الأرض ، ولذلك يروى أن أبا رزين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه ؟ قال : " هل مررت بواد أهلك محلا ثم مررت به يهتز اخضرارا ، قال : نعم ، قال : كذلك يخرج الله الموتى وذلك آيته في خلقه " ، أخرجه الإمام أحمد ، ورحم الله القائل :
تفكر في نبات الأرض وانظر ***إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين ناظرات *** بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ***بأن الله ليس له شريك

5- وما دام الله تعالى هو الحق ، فإنه وحده يحيي الموتى ، ولذلك فلقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا ، وهناك الكثير من الأمثلة على تقرير ذلك في القرآن الكريم ، وفي سورة البقرة وحدها خمسة أمثلة على ذلك :

* المثال الأول :

قوم موسى عليه الصلاة والسلام حين قالوا : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }( البقرة : 55-56 ) ، فأحياهم الله بعد أن أخذتهم الصاعقة ..

* المثال الثاني :

في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل زمن موسى عليه الصلاة والسلام ، فأمرهم أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ليخبرهم بمن قتله ، ففعلوا ، فأحياه الله وأخبرهم بمن قتله ، قال جل في علاه : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ، فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ( البقرة : 72-73 ) ،

* المثال الثالث :

وهو في قصة القوم : { الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ -يَشْكُرُونَ }( البقرة : 243 ) ، قال وكيع في تفسيره : عن ابن عباس - ترجمان القرآن - ، قال في قوله تبارك وتعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ } ، قال : كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون ، قالوا : نأتي أرضاً ليس بها موت ، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم : { مُوتُواْ } ، فماتوا ، فلما كان بعد دهر ، مرَّ عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم ، فأمره الله تعالى أن يقول ، أيتها العظام البالية ، إنَّ الله يأمرك أن تكتسي لحماً ، وعصباً ، وجلداً ، فكان ذلك يحدث ، وهو يشاهد ، ثم أمره فنادى : أيتها الأرواح ، إنَّ الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تغمره ، فقاموا أحياء ينظرون ، قد أحياهم بعد رقدتهم الطويلة ، أحياهم وهم يقولون : لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين ، فكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع
على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ، لهذا قال الله سبحانه : { إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }، فهو سبحانه ذو فضل على الناس فيما يريهم من الآيات الباهرة ، والحجج القاطعة ، والدلالات الدامغة ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } : أي لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم ، وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر ، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه ، فإنَّ هؤلاء القوم خرجوا فراراً من الوباء طلباً لطول الحياة ، فعوملوا بنقيض قصدهم ، وجاءهم الموت سريعاً في آن واحد

* المثال الرابع لإحياء الموتى :

وهو ما جاء في قصة الذي مرَّ على قرية ميتة فاستبعد أن يحييها الله ،
فأماته الله مئة عام ثم بعثه ، قال جلَّ في علاه : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }( البقرة : 259 ) ، اختلف المفسرون في هذا الذي مرَّ ، فقال علي : هو عزير - وهذا هو المشهور - وقالوا : هو الخضر ، أما القرية فالمشهور أنها ببيت المقدس ، مرَّ عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها ،

* أما المثال الخامس :

في قصة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين سأل الله أن يريه كيف يحي الموتى ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( البقرة : 260 ) ،
فهذه صور خمسة في كتاب الله في سورة البقرة أخبرنا فيها أنَّ المولى عز وجل كيف يحيي الموتى ، وكذلك سيحييهم للحشر بعد البعث ..

الهوامش :
======
(1) – محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي " ، مطابع أخبار اليوم ، القاهرة ، ج 1 ، تفسير سورة لقمان ، الآية رقم : 30 ،
(2) - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ( 700 -774 هـ ) : " تفسير القرآن العظيم " ، تحقيق : سامي بن محمد سلامة ، دار طيبة للنشر والتوزيع ، ط2 ، 1420هـ / 2000م ، مجلد 5/6 ، ص : 329



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تأملات قرآنية، الحق، الهوى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 14-05-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رحاب اسعد بيوض التميمي، علي عبد العال، سلوى المغربي، رشيد السيد أحمد، حسن عثمان، محمود سلطان، إيمى الأشقر، د- هاني ابوالفتوح، محمد أحمد عزوز، صفاء العراقي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد يحي، صالح النعامي ، مراد قميزة، فوزي مسعود ، العادل السمعلي، فتحي الزغل، المولدي الفرجاني، ياسين أحمد، عبد الله الفقير، أحمد ملحم، د. عبد الآله المالكي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحي العابد، د- محمد رحال، منجي باكير، د - شاكر الحوكي ، صلاح الحريري، إسراء أبو رمان، عبد الرزاق قيراط ، حاتم الصولي، محمد شمام ، فهمي شراب، سامح لطف الله، مصطفى منيغ، ماهر عدنان قنديل، تونسي، مصطفي زهران، سفيان عبد الكافي، علي الكاش، خالد الجاف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الغني مزوز، أحمد بوادي، رافع القارصي، يزيد بن الحسين، كريم السليتي، عواطف منصور، عراق المطيري، د. أحمد محمد سليمان، سعود السبعاني، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، ضحى عبد الرحمن، حسن الطرابلسي، صفاء العربي، نادية سعد، عمر غازي، عمار غيلوفي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صباح الموسوي ، عبد الله زيدان، إياد محمود حسين ، محمد الياسين، د. طارق عبد الحليم، د- محمود علي عريقات، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محرر "بوابتي"، د. عادل محمد عايش الأسطل، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د. مصطفى رجب، وائل بنجدو، أحمد النعيمي، مجدى داود، محمود فاروق سيد شعبان، د - صالح المازقي، د. أحمد بشير، الهيثم زعفان، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد العيادي، سلام الشماع، محمد اسعد بيوض التميمي، يحيي البوليني، د. خالد الطراولي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، طلال قسومي، د - مصطفى فهمي، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، د - عادل رضا، كريم فارق، محمد الطرابلسي، رافد العزاوي، أحمد الحباسي، سليمان أحمد أبو ستة، د. صلاح عودة الله ، الهادي المثلوثي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود طرشوبي، صلاح المختار، عزيز العرباوي، سامر أبو رمان ، د.محمد فتحي عبد العال، رضا الدبّابي، جاسم الرصيف، فتحـي قاره بيبـان، أبو سمية، رمضان حينوني، د - الضاوي خوالدية، حميدة الطيلوش، د - محمد بنيعيش، أنس الشابي، محمد عمر غرس الله، د - المنجي الكعبي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة