تقويم تجربة برنامج الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء(8)
د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5219
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
وتأسيسا على كل ما سبق جاءت التجربة الوليدة للخدمة الاجتماعية في المجتمع اليمني، لبناء وتشييد مؤسسات تعليم الخدمة الاجتماعية المعنية بإعداد وتأهيل الكوادر الفنية والمهنية المتخصصة من أبناء المجتمع لتحمل على عاتقها مهمة العمل على تحقيق أهداف الخدمة الإجتماعية المنبثقة من واقع المجتمع اليمني وخصائصه الاجتماعية والحضارية والتاريخية، تلك الأهداف المتمثلة فيما يلي :
أهداف الخدمة الاجتماعية في المجتمع اليمني:
في إطار الخصوصية المتفردة للمجتمع اليمني تاريخيا وحضاريا واجتماعيا وثقافيا وعقديا ينبغي أن تتحدد الأهداف التفصيلية للخدمة الاجتماعية التي ينبغي أن تنبع من طبيعة وخصوصية المجتمع الذي تمارس فيه، إنطلاقا من الهدف العام للمهنة المتمثل في تهيئة الظروف لتحسين نوعية الحياة الإنسانية لجميع فئات وطوائف المجتمع على اختلافها، وتحقيق معدلات عالية من الرفاهية الاجتماعية من خلال إحداث التغييرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المنشودة، ومن هنا يمكن القول أن أهداف الخدمة الاجتماعية في المجتمع اليمني تتمثل في الإضطلاع بالمهام التالية :
1- تحقيق الأهداف العلاجية من خلال المساهمة في التصدي للمشكلات الشخصية والاجتماعية Personal And Social Problems، وذلك باستخدام تكنيكات فردية أو جماعية للمساعدة في حل تلك المشكلات ذات الأسباب الاجتماعية.
2- المساهمة في عملية التنشئة الاجتماعية Socialization Process وتوجيه التفاعل الجماعي بغرض تشكيل أنماط سلوكية يمارسها المواطن في تعامله اليومي العادي تتمشى مع القيم السائدة في المجتمع.
3- مساعدة سكان المجتمعات المحلية على وجه الخصوص بغرض توفير قدر من الخدمات التي يريدونها بالاعتماد على جهودهم الذاتية وما يمكن توفيره من موارد نابعة من مصادر خارجية.
4- مساعدة منظمات الرعاية الاجتماعية(الحكومية والأهلية) على القيام بمهامها ووظائفها التي يتطلبها منها المجتمع على الوجه الأكمل .
5- المساهمة في وضع وصياغة سياسة اجتماعية قومية National social policy لزيادة وتفعيل الخدمات التي يؤديها المجتمع للمواطنين بكافة فئاتهم، وفي وضع الخطط والبرامج التنفيذية لتلك السياسة.
6- السعي الحثيث والجاد إلى تكوين صورة ذهنية إيجابية للخدمة الاجتماعية لدى كافة المواطنين وصناع ومتخذي القرارات في المجتمع اليمني، وذلك حتى يزداد تأييد وتدعيم المجتمع للخدمة الاجتماعية الوليدة في سعيها لتحقيق أهدافها.
لقد سبقت الإشارة إلى الإتفاقيات الموقعة بين هيئة اليونيسيف، وجامعتي عدن وصنعاء باليمن، وجامعة حلوان بجمهورية مصر العربية (1)، والتي أسفرت عن إنشاء قسم الخدمة الاجتماعية بجامعة عدن في العام الجامعي 2001م/2002م، وشعبة الخدمة الاجتماعية بقسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء العام الجامعي 2003م/2004م، وسيقتصر حديثنا على تجربة جامعة صنعاء لأنها التجربة التي كان لكاتب هذه السطور شرف المشاركة فيها لمدة أربعة سنوات من 2005م إلى 2009م
سادسا : برنامج الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء :
بالنظر الى برامج تعليم الخدمة الاجتماعية في العالم العربي منذ نشأتها في الثلاثينيات من القرن الماضي، يجد أن هذه البرامج في الوقت الحالي تأخذ مناحي ثلاثة على النحو التالي :
- كليات جامعية قائمة بذاتها لدراسة الخدمة الاجتماعية تتضمن عدة أقسام كما هو الحال في جامعات حلوان، والفيوم، وجنوب الوادي، واسيوط في جمهورية مصر العربية، وكلية البنات للخدمة الاجتماعية بالرياض، وتلك الكليات تتضمن عدة أقسام متخصصة في طرق ومجالات الخدمة الاجتماعية،
- معاهد عليا للخدمة الاجتماعية ( نظام الأربع سنوات ) وهي معاهد خاصة بمصروفات ومعترف بها رسميا، وتضم عدة أقسام علمية
- أقسام الخدمة الاجتماعية الملحقة ببعض الكليات الجامعية كالاداب أو التربية، كما هو الحال في تربية الأزهر بمصر، وقسم الخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقسم الخدمة الاجتماعية بجامعة عدن، والعديد من الأقسام بالجامعات العربية في عدة دول،
- شعبة للخدمة الاجتماعية منبثقة من أقسام علم الإجتماع كما هو الحال في جامعة بغداد وجامعة أم القرى بالسعودية وغيرها،
شعبة الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء :
نحاول فيما يلي إلقاء الضوء على وضعية شعبة الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء، قبل تطويرها إلى قسم مستقل، وتسليط الأضواء على بعض أوجه القصور التي شابت مسيرة الشعبة خلال أربعة أعوام جامعية شارك كاتب هذه السطور في العامين الأخيرين منها، تلك الوضعية التي كانت حافزا للتفكير الجاد في ضرورة تحول الشعبة إلى قسم مستقل، وذلك توخيا للبدء في وضع خطة قابلة للتنفيذ من أجل تطوير البرنامج وتلافي تلك السلبيات وتدعيما لمسيرة التجربة الوليدة، وتفعيلا لدورها الهام في اعداد الكوادر المتخصصة في الخدمة الاجتماعية في المجتمع اليمني، من أجل العمل على تحقيق الاهداف التي أنشئت من اجل تحقيقها، وفي هذا الصدد نشير إلى بعض الملاحظات التي رصدها كاتب هذه الورقة ورفعها في تقرير إلى إدارة الكلية والجامعة، وذلك على النحو التالي :
1- بالنظر الى وضعية شعبة الخدمة الإجتماعية بجامعة صنعاء فإنها أنشئت في العام الجامعي 2003/2004م، وذلك بعد أن لاقى الإقتراح المتعلق بإنشاء قسم مستقل للخدمة الاجتماعية بكلية الآداب – كما هو الحال في جامعة عدن - رفضا تاما من قبل بعض المسؤلين والأكاديميين بالجامعة، وبوجه خاص من أعضاء قسم علم الاجتماع لأسباب لا صلة لها بالصالح العام للجامعة وللمجتمع اليمني، حيث رأوا في إنشاء قسم مستقل للخدمة الإجتماعية إنتقاصا من قيمة ومكانة ودور قسم علم الإجتماع، واستقر الأمر في نهاية المطاف إلى إنشاء شعبة الخدمة الاجتماعية بقسم علم الاجتماع، بحيث يبدأ التشعيب للطلاب بدءا من السنة الثالثة وهو أمرلا يتماشى مع ما هو متعارف عليه الجامعات العالمية والعربية، وذلك من حيث :
* مسمى القسم هو قسم علم الاجتماع، وكان ينبغي أن يكون مسمى القسم هو " قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية "
* أن الطلاب يلتحقون بقسم الإجتماع في العامين الأول والثاني من الدراسة، وتقتصر المناهج الدراسية في هذين العامين كلية على مناهج علم الاجتماع وفروعه وبعض العلوم الإجتماعية المساندة، دون أن يكون هناك أي مقرر خاص بالخدمة الإجتماعية،
* أن التحاق الطلاب بشعبة الخدمة الاجتماعية من العام الثالث يكون حسب رغبة الطالب نفسه، ولا يتم عمل اختبارات شخصية عن بداية التحاق الطلاب بشعبة الخدمة الاجتماعية وهو أمر متعارف عليه ومطبق في جميع مدارس وكليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية في العالم الغربي والنامي والعربي، حيث يشترط أن يتوافر في من يلتحق بتلك البرامج التعليمية للخدمة الاجتماعية توافر مجموعة من الشروط والخصائص والسمات والقدرات التي تؤهله ليكون كادرا من الكوادر المتخصصة في الخدمة الاجتماعية مستقبلا، ومهمة الإختبارات الشخصية سواء كانت اختبارات نظرية ومقاييس ومقابلات هو التأكد من استعداد الطالب وصلاحيته للإنتماء لمهنة الخدمة الاجتماعية وما تتطلبه من مواصفات واستعدادات وهو أمر معتمد في كافة مؤسسات تعليم الخدمة الاجتماعية في العالم،
* يبدأ الطلاب بالإنخراط في شعبة الخدمة الاجتماعية بدءا من العام الثالث من الدراسة الجامعية، وليس لديهم أدنى فكرة عن المهنة التي سيتخصصون فيها، وهو ما ينعكس سلبيا على المستوى العلمي للطلاب ( اذ أن الطالب في هذه الحال يكون قد غير مسار تخصصه وانتقل من تخصص إلى تخصص آخر مغاير للأول مما يصيبه بالتشتت والاضطراب التحصيلي )، وكذا على مدى قدرة الطلاب على مواكبة الخطة الدراسية للشعبة وهي جديدة عليهم وتبدو لهم منبتة الصلة بما سبقها من برامج دراسية خلال المرحلة السابقة، كما أن ذلك ينعكس سلبيا على درجة شعور الطلاب بالإنتماء المهني والشعور بالولاء للمهنة التي يتخصصون فيها،
* أما في الشعب المناظرة في برامج تعليم الخدمة الاجتماعية في العالم العربي فان مقررات الخدمة الاجتماعية تبدأ منذ العام الدراسي الأول من الدراسة الجامعية، مما يعزز صلة الطالب بالمهنة، ويتدرج الطالب بشكل طبيعي في التعمق في دراسة المقررات التخصصية من عام إلى آخر،
2- أن تصميم خطة الدراسة والمساقات الدراسية المتخصصة في الخدمة الاجتماعية لم يقتصر على المتخصصين في الخدمة الاجتماعية وانما شارك فيه عدد من اعضاء هيئة التدريس بقسم علم الاجتماع الأمر الذي أدى إلى وجود العديد من الإختلالات وجوانب القصور في تصميم البرنامج التعليمي للشعبة ولعل من أهم تلك المشكلات :
* لا توجد أية صلة للطالب بالمنظمات الاجتماعية العاملة في ميادين الرعاية الاجتماعية خلال العامين الأول والثاني، ولا حتى مجرد زيارات لتلك المنظمات للتعرف عليها، وتفهم طبيعة عملها وفلسفتها وسياساتها وأهدافها ودورها في المجتمع وصلتها بحياة الناس واحتياجاتهم ومشكلاتهم، هذا فضلا عن توثيق صلة الطلاب بالمنظمات التي سيعملون من خلالها بعد التخرج،
* التكثيف الشديد للمناهج والمقررات الدراسية التخصصية خلال وقت وجيز لا يتجاوز العامين، بما في ذلك برامج التدريب الميداني وهو ما كان ينعكس سلبيا على عملية الإعداد المهني النظري والعملي للطلاب،
3- وبسبب كل ما سبق كان من الطبيعي القول بأن النظام الحالي لايسمح للطلاب باكتساب الخبرات والمعارف والمهارات والقيم المهنية اللازمة للممارسة المهنية، والتي تؤهلهم بالمستوى المطلوب ليصبحوا أخصائيين اجتماعيين،
4- بالنسبة لبرنامج التدريب الميداني للطلاب، لوحظ أن هناك العديد من السلبيات التي ارتبط بعضها بوضعية الشعبة، والبعض الآخر بعدم وجود مشرفين بالعدد الكافي على الطلاب من قبل الكلية، وعدم وجود متخصصين في الخدمة الإجتماعية لتوجيه الطلاب في مؤسسات التدريب، وعدم وجود خطة واضحة محددة للتدريب الميداني، فضلا عن أن الوقت المحدد للتدريب الميداني للطلاب هو " يوم واحد اسبوعيا " للمستوى الثالث والرابع، في حين أن هناك شبه اتفاق بين القائمين على تعليم الخدمة الاجتماعية في المجتمعات الغربية والعربية على السواء على أنه ينبغي أن لا تقل الساعات المخصصة للتدريب الميداني على مستوى مرحلة البكالوريوس عن "400" ساعة في تلك المرحلة، وهو ما يعادل يومين في الأسبوع بمعدل أربع ساعات يوميا خلال العامين الدراسيين الثالث والرابع من المرحلة الجامعية،
5- في النظام الحالي توجد العديد من السلبيات والعراقيل والصعوبات التي تقف حجرعثرة أمام تحقيق الهدف من تأسيس الشعبة، والجهود المفترضة لتطويرها، والخاصة بأعضاء هيئة التدريس بقسم الاجتماع، واعتراضاتهم المستمرة على المناهج والمقررات الدراسية للشعبة، ومحاولتهم المستمرة لإجراء تعديلات عليها لا تتفق مع رؤية المتخصصين في الخدمة الاجتماعية، وتنازع الإختصاصات بينهم وبين الخبيرين المنتدبين من جامعة حلوان، هذا فضلا عن الشكوى المستمرة من الطلاب من قيام بعض أعضاء هيئة التدريس ومحاولاتهم المستمرة لتشكيك الطلاب في مدى أهمية وجدوى تخصص الخدمة الاجتماعية وهي ظاهرة تكاد تكون عامة ومستمرة، خاصة وأن بعضهم يستخدم في ذلك عبارات تهين الطلاب وتحقر من شأنهم وتصيبهم بالاستياء والتشكك في مستقبلهم،
6- لا يوجد أي استعداد لتشكيل نواة لأساتذة متخصصين في الخدمة الاجتماعية، ولا تعيين للمعيدين، كما تتضمن الاتفاقيات المبرمة،
7- من الملاحظ أن هناك فجوة عميقة بين البرنامج من ناحية وبين المنظمات والمؤسسات الحكومية والأهلية العاملة في مجلات الرعاية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية، وهو ما يشكل خللا يقتضي سرعة تداركه والعمل على علاجه، ولما كانت الخدمة الاجتماعية مهنة تطبيقية مؤسسية، لا تمارس إلا من خلال المؤسسات الاجتماعية الحكومية والأهلية القائمة في المجتمع، ولما كانت منظمات الرعاية الاجتماعية تشكل سوق العمل الأساسي لخريجي الخدمة الاجتماعية، كان من الأهمية بمكان مد جسور التواصل وتوثيق العلاقات مع تلك المنظمات، وهو أمر يحتاج – ولا شك - إلى خطة علمية للتواصل مع تلك المنظمات ، وتحديد أساليب وسبل ذلك التواصل بما يعود في النهاية بالفائدة على البرنامج وعلى المنظمات في نفس الوقت،
يتبـــــــع
الهوامش :
======
(1) – وقع الاختيار على جامعة حلوان تحديدا لأن بها أقدم كلية لتعليم الخدمة الاجتماعية في مصر والمنطقة العربية والشرق الأوسط وهي كلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان، التي أنشئت عام 1975م، وهي تعتبر الكلية الأم التي انبثقت منها كافة الكليات والمعاهد والمؤسسات التعليمية للخدمة الاجتماعية في العالم العربي،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: