تقويم تجربة برنامج الخدمة الاجتماعية بجامعة صنعاء(6)
د. أحمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5391
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ثالثا : مصادقة المجتمع واعتماده لأنشطة المهنة وممارساتها :
لقد سبقت الإشارة إلى أن الجمعية القومية للأخصائيين الاجتماعيين ( NAOSW ) الأمريكية قدمت تعريفا عاملا Operational Definition لممارسة الخدمة الاجتماعية في العام 1958م، ولعل أبرز ما في هذا التعريف أنه يرتكز على أساس تحليل " الممارسة المهنية " إلى مجموعة من المكونات الرئيسة المتمثلة في القيم، المعارف، الأهداف، الطرق الفنية، وأخيرا التصديق أوالمصادقة المجتمعية ( الاعتراف المجتمعي بالمهنة )، وهذه المكونات لابد من توافرها معا للحكم على وجود الخدمة الاجتماعية بالشكل المهني من عدمه،
ويقصد بالتصديق المجتمعي Sanction تصديق المجتمع واعترافه بالمهنة , أو ترخيصه الرسمي, أو تأييده المعنوي , أوموافقته الرسمية والمجتمعية على ممارسة المهنة في المجالات المتنوعة، بمعنى أن تتم الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية في إطار شرعي معترف به من قبل المجتمع،
وبعبارة أخرى فإن قيام المهنة بدورها وأداء وظائفها وتحقيق أهدافها التي تم تحديدها وتوضيحها آنفا، إنما يقتضي موافقة المجتمع على قيام المهنة بالعمل بشكل مقصود على سد الفجوات التي تظهر فيه بين الموارد والحاجات، وهذا يعني اعترافاً من المجتمع بالطبيعة القاصرة للترتيبات الاجتماعية القائمة بصفة عامة، وبالحاجة إلى تعديلها كلما كان ذلك ممكناً، وهذه المصادقة مبنية من جهة على القيم والأهداف المجتمعية Values & Aims Social المتفق عليها، ومن جهة أخرى على الحاجات والمشكلات Problems & Needs القائمة في واقع الحياة الاجتماعية الناشئة عن حاجة الترتيبات الاجتماعية إلى التعديل المستمر لإشباعها.
ويرى " يونس " أن التصديق إنما يعني السلطة Authority المنوط بها الإشراف على ممارسة الخدمة الاجتماعية والرقابة على هذه الممارسة حتى تتحقق من المستويات التعليمية Educational Levels التي لابد من توافرها في الأخصائي الاجتماعي، ومدى التزامه بالأخلاقيات المهنية في عمله، وتختلف هذه السلطة من دولة إلى أخرى، وإن كان من الملاحظ عموما أن التصديق عملية تشترك فيها هيئات حكومية وأهلية، إلى جانب النقابات المهنية والمعاهد التي تتولى تدريب الأخصائيين الاجتماعيين (1)،
ومن الطبيعي أن لا يتم التصديق المهني على حق الفرد في ممارسة المهنة إلا إذا توافرت لديه مجموعة من الشروط والعناصر الهامة والضرورية ومنها :
- التعليم والتدريب : Education And Tranning وذلك بالحصول على مستوى معين من التعليم و التدريب المتخصص في مجال الخدمة الاجتماعية وفقا لخطة محددة وبرنامج تعليمي مخطط .
- الإستعداد والكفاءة : Readiness And Qualification بمعنى توفر مستوى معين من الكفاءة لديه، والتأكد من ذلك من خلال اجتيازه للاختبارالمحدد الذي تنظمه المهنة.
- الإجازة والترخيص : Licence وذلك بالحصول على إجازة بالعمل من خلال ترخيص تمنحه له الدولة للممارس المهني .
- العمل والممارسة : في مؤسسة أو منظمة تفوضها الدولة في توفير خدمات الرعاية الاجتماعية في مجال معين، سواء كانت تلك الهيئات والمؤسسات حكومية (رسمية )، أو أهلية ( تطوعية )،
- التنظيم : Organization بحيث تنظم المهنة في نوع من الروابط أوالتنظيمات أو النقابات المهنية التي تهدف – في واقع الأمر - الى تحقيق مجموعة من الأغراض المحددة منها :
أ - زيادة كفاءة أداء الممارس المهني من خلال البرامج التأهيلية والتدريبية والتعليم المستمر .
ب - تنظيم رتب أعضائها لتأمين الأداء الكفء لهم.
ج - حماية حق ممارسة المهنة بحيث يكون قاصرا على أعضائها فقط.
- وتجدر الإشارة إلى أنه من الطبيعي أن الخدمة الاجتماعية كمهنة ستجد تأييداً مجتمعياً واسعا وكبيراً، وستزدهر الخدمات والبرامج التي تقدمها، حيثما وجد مجتمع إنساني يؤمن بالقيم الإنسانية، كما يؤمن بحاجة الترتيبات الإجتماعية القائمة إلى التعديل المستمر ليتسنى إشباع حاجات المواطنين في إطارها، وعلى الجانب الآخر – وعلى العكس من ذلك - فإنه حيثما لا تجد القيم الإنسانية سوقاً رائجة، وحيثما كان المجتمع يرفض فكرة حاجة النظم الاجتماعية إلى التعديل المستمر فإن الخدمة الاجتماعية لن تجد تأييداً مجتمعياً وقد لا توجد بشكلها المهني على الإطلاق (كما هو الحال في الدول الشيوعية سابقاً).
رابعا : الخدمة الاجتماعية وموقعها المميز من الرعاية الاجتماعية:
يعتبر مصطلح الرعاية الاجتماعية Social Welfare من المصطلحات التي تثير الجدل والنقاش والإختلاف، ولعل مما يزيد من حدة المشكلة أن هناك ترجمات عربية عديدة لهذا المصطلح مثل : الرفاهية الاجتماعية، الإنعاش الاجتماعي، الخير الاجتماعي، السعادة الإجتماعية، ولقد ارتبطت مهنة الخدمة الاجتماعية منذ ظهورها في أوائل القرن الماضي بنظام الرعاية الاجتماعية، بل أصبحت بمثابة المهنة الأساسية بين كافة المهن العاملة داخل نطاق الرعاية الاجتماعية (2)
وتشير أدبيات الرعاية الاجتماعية إلى أن هناك اتجاهين أساسيين لمفهوم الرعاية الإجتماعية :
- الإتجاه الأول : ويتمثل في المفهوم الضيق للرعاية الاجتماعية، ويحصرها في جهود وأنشطة مهنة الخدمة الاجتماعية،
- الإتجاه الثاني : ويركز على المفهوم الواسع وهو المفهوم الأكثر دقة وموضوعية حيث ينظر إلى الرعاية الاجتماعية على أنها مجالا واسعا يشمل جهود وأنشطة مهن وتخصصات عديدة مثل : الخدمة الاجتماعية والطب والتعليم والتمريض والادارة العامة وغيرها (3)
وما من ريب في أن المكانة المتميزة والموقع الرئيسي لمهنة الخدمة الاجتماعية في نظام الرعاية الاجتماعية، موضع اتفاق بين كل المهتمين والمشتغلين بالخدمة الاجتماعية وإن اختلف التعبير عنها، كما أن دور المهن المختلفة في نظام الرعاية الاجتماعية لا يلغي المكانة المتميزة والموقع الرئيسي لمهنة الخدمة الاجتماعية في هذا النظام حيث أنها كانت المنبع الأساسي للعاملين فيه، كما أنها ساهمت، وتساهم في القسط الأكبر من برامجه وأنشطته، هذا علاوة على رسوخ اهتماماتها فيه عبر التاريخ (4)
وبتعبير متكافيء فإن الرعاية الاجتماعية تعتبر بمثابة تلك النشاطات والجهود التي تقوم بها الدولة ( من خلال المنظمات الحكومية )، أو منظمات غير حكومية لتأدية خدمات للمواطنين يحتاجون إليها (سواء كانت تلك الخدمات تعليمية – صحية- إسكانية – رعاية ذوي الإحتياجات الخاصة ... الخ)، وتتميز الرعاية الاجتماعية الحكومية بالذات بأنها قد تؤدي في ظل سياسة قومية وخطة عامة بغرض توفير خدمات أساسية للمواطنين كافة كالتزام من جانب الدولة إزاء مواطنيها.
- وتعتبر الخدمة الاجتماعية بمثابة مهنة تعمل في نطاق الرعاية الاجتماعية، وأداة لتحقيقها إلى جانب العديد من المهن والتخصصات الأخرى (كالتعليم، والطب ... الخ). وهذا يعني أن مفهوم الرعاية الاجتماعية أشمل وأعم من مفهوم الخدمة الاجتماعية (رغم أن الكثير يخلطون بينهما).
- ورغم أن الخدمة الاجتماعية إحدى المهن العاملة في نطاق الرعاية الاجتماعية إلا أنها تعتبر مهنة بؤرية للرعاية الاجتماعية، بحيث تشغل مركزاً متميزاً بالنسبة لغيرها من المهن في هذا الصدد، وذلك لعدة أسباب منها: (5)
1- أن الخدمة الاجتماعية تعمل في معظم قطاعات وميادين الرعاية الاجتماعية تقريباً. فهي تعمل في مجالات:
- التنمية الاجتماعية Social Development
- الدفاع لاجتماعي. Social Defence
- المنظمات الإصلاحية C orrections
- المنظمات العلاجية. Theraputic Oganizations
- رعاية السكان Population Welfare
- التعليم. Education
- الرعاية الصحية Healthy Welfare
- التأمينات الاجتماعية. Social Insurance
وغيرذلك من المجالات والميادين،
2- تشغل الخدمة الاجتماعية مركزاً رئيسياً في بعض هذه القطاعات بوجه خاص، ( كرعاية الأحداث، والمعاقين، والمسنين، والضمان الاجتماعي و...و.... إلخ )، وتعمل كمهنة مساعدة لمهن أخرى رئيسية في القطاعات الأخرى , ( كالتعليم، والرعاية الصحية، والرعاية النفسية، رعاية العمال، و.... و.... إلخ )، ورغم ذلك فعند قيام الخدمة الاجتماعية بعملية المساعدة لمهنة أخرى( كالطب والتعليم مثلا ) فإنها لا تلعب دوراً ثانوياً، إذ أنها تقوم بتأدية وظائف لا غنى عنها بالنسبة للمهنة الرئيسية في هذا القطاع، ففي المنظمات التعليمية مثلاً تقوم الخدمة الاجتماعية بدور رئيسي وفعال - ولايستهان به - في العملية التعليمية، كما أن الأخصائي الاجتماعي في منظمات العلاج الطبي
3- تعمل الخدمة الاجتماعية على المساهمة في صياغة سياسة الرعاية الاجتماعية Social Welfaire Policies والتخطيط لتنفيذها، ومن ثم فهي بذلك تعتبر في بعض الأحيان صانعة لسياسة الرعاية الاجتماعية وموجدة لها.
4- أنها تعمل بين التخصصات المهنية العاملة في ظل الرعاية الاجتماعية.
5- جماهيرية الخدمة الاجتماعية تجعلها أكثر قرباً وإحساساً وإدراكا لتطلعات الجماهير، وأكثر تجاوبا معها .
6- أن قيم وأخلاقيات الخدمة الاجتماعية تدعوها لتدعيم الرعاية الاجتماعية كنظام أساسي في المجتمع.
7- عالمية الخدمة الاجتماعية، واكتسابها الخبرات المتبادلة بين الممارسين في كافة دول العالم يمكن من سرعة تجديد أنشطتها تبعاً للمتغيرات الدولية المؤثرة على نسق الرعاية الاجتماعية.
8- أن الخدمة الاجتماعية تعتبر – بطبيعتها - من أكثر المهن تعاملا مع المواطنين بنظرة شمولية متكاملة،
يتبـــــع
الهوامش والمصادر :
===========
(1) - الفاروق زكي يونس : " الخدمة الاجتماعية والتغير الاجتماعي "، مرجع سبق ذكره، ص : 152،
(2) - فوزي بشري احمد وآخرون : " اسس وعمليات ادارة منظمات الرعاية الاجتماعية "، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، القاهرة، ص ص : 1-2
- (3)- Richard M. Titmus ; " Social Policy And Economic Progress , The Social Welfare Forum " , 1966, N.Y, Columbia University Press, pp : 25- 39
(4) - فوزي بشري احمد : " التصديق المجتمعي على ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية "، أعمال المؤتمر الدولي الثامن للاحصاء والحسابات العلمية والبحوث الاجتماعية والسكانية، مارس 1983م، القاهرة – مطبعة جامعة عين شمس – 1983م ص 181
(5) - عبد الحليم رضا عبد العال : " الخدمة الاجتماعية المعاصرة "، مرجع سبق ذكره،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: