الإنتاج الثقافي في تونس بين الندرة و التعارض مع الموروث الحضاري
الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7079
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعتبر الثقافة المحرار الحقيقي لمدى تطور الشعوب فإذا أردت معرفة تقدم شعب ما، فأنظر إلى إنتاجه الثقافي و مدى تطابقه مع موروثه الحضاري.
لذلك إجتهد المفكرون في تعريف فئة المثقفين حيث يقول الشيخ راشد الغنوشي في كتابه "مقاربات في العلمانية و المجتمع المدني" صفحة 105 " نختار لتعريف فئة المثقفين في أمة ما أنهم القائمون على إنتاج عالم الأفكار و القيم و المروجين لها، المؤثرين في تصور الأمة لنفسها و لدورها و مكانتها و تاريخها و علاقتها بالأمم الأخرى و لتصور الإنسان عن نفسه و مكانته في المجتمع و الكون و معايير سلوكه و ذوقه "
و من خلال هذا التعريف يمكن أن نستنتج أن المعيار الذي يفصل بين المثقف و العامي، هو الإنتاج الفكري و الترويج له حيث تساهم هذه القيمة المنتجة في التأثير في الفرد و الأمة.
غير أن فئة المثقفين كثيرا ما عانت التهميش خصوصا إذا صادف تواجدها في وسط أمة متخلفة، لكن ما يلام عليه المثقف أنه في بعض الأحيان يترك الساحة فارغة أمام العامي الذي يرتدي جبة الثقافة و قد يتعلل المثقف بقلة الدعم و المساندة ( المثقف التونسي مثالا ) و حتى في صورة توفر الدعم فلن ترى إلا إنتاجا ثقافيا هزيلا لا يرقى إلى مستوى يمكنه من ولوج عقول أفراد الأمة لأنه ببساطة كل فرد يريد أن يرى نفسه في الإنتاج الثقافي لمثقفي أمته و هو ما لا يحدث إلا نادرا في تونس، فأغلب الإنتاج الثقافي لمثقفي بلادنا إذا ما أستثنينا البعض حتى أكون منصفا لا يشبه أفراد الشعب التونسي و لتنظروا لأغلب ما أنتج من كتب و روايات و أفلام سينمائية و مسلسلات و أغاني و أطرحوا سؤالين :
الأول هل يرقى هذا الانتاج إلى مستوى يمكن من إعتباره ثقافيا ؟
و الثاني ما مدى تطابق هذا الإنتاج مع الموروث الحضاري للشعب التونسي ما يجعله مرآة له ؟
لنبدأ بمحاولة الإجابة على السؤال الأول الذي يقودنا مباشرة لإعتبار ما ينتج في تونس الثقافية رغم الدعم المقدم من قبل الدولة لا يرقى إلى مستوى الإنتاج الثقافي الذي من شأنه أن يؤثر في المجتمع، و لا أدل على هذا الكلام الفشل المتكرر لأغلب ما يقدم من إنتاج في مختلف المسابقات سواء الإقليمية أو الدولية و حتى بعض المسابقات التي يتم تنظيمها وطنيا، لا يفوز بجوائزها الأولى مثقفونا.
لكن ربما يرد على هذا القول بقول أخر يحمل الفشل للجان التحكيم التي كانت متحاملة على الإنتاج الثقافي التونسي و إذا ما أفترضنا جدلا صحة هذا الإدعاء لماذا لم ينجح الإنتاج الثقافي التونسي في الترويج لنفسه شعبيا، و لننظر لما يتم إنتاجه من مسلسلات و أفلام و أغاني و ما يكتب من كتب و نقارن بمدى نجاحها في الوسط المجتمعي، نجد أن النتيجة تقارب الصفر مع بعض الإستثناء لبعض المفكرين الذين لا يعدون على أصابع اليد الواحدة و هذا خير دليل على الضعف الكبير في المادة المنتجة التي لم تنجح في الترسخ في العقل الجمعي للمجتمع الذي بدوره لم تنجح في التسلل إليه سوى بعض ما ينتج من ثقافة إستهلاكية إلى حد ما مثل أغاني المزود و هو ما يدعو للتساؤل أضف إلى ذلك نجاح أغاني الراب خلال الثورة في إيصال صوت الجماهير التي عجز المثقف على نصرتها و أكتفى بالفرجة في بداية الأمر ثم إنخرط في ما كان يسوقه النظام من تهم ضد الثورة والثوار عدا النزر القليل منهم الذين رفضوا ذلك و كخلاصة للقول يجب القيام بمراجعة دقيقة للواقع الثقافي في تونس خصوصا مسألة الدعم التي تكلف المجموعة الوطنية الكثير من الاموال.
أما بالنسبة للسؤال الثاني فالإجابة عليه تقتضي منا أن ندقق النظر قليلا في الإنتاج الثقافي في تونس و نقارن بينه و بين تطابقه مع الموروث الحضاري للشعب و نأخذ كمثال على ذلك السينما التونسية التي لم تتجاوز إلى حد الآن عتبة الحمام العربي و كأني بها في تعبيرة عن الثقافة التي مازلت في حمام السبات الفكري تحاول أن تتطهر من أدرانها و أوساخها. و قد عانت تونس خصوصا بعد الإستقلال من تعارض الإنتاج الثقافي لمثقفيها مع إرثها الثقافي الحضاري هذا الوضع أنتج شرخا بدأ يتعاظم شيئا فشيئا مع مرور الزمن بين المثقف و شعبه فأصبح المثقف يعيش في برجه العاجي الذي يرفض النزول منه ليستمع لهذا الشعب الذي رفض بدوره و لازال كل إنتاج يتعارض مع ما ورثه عن الأجداد من ثقافة و أؤتمن عليها و تعهد بحمايتها لتسليمها فيما بعد للأبناء و قد بدا هذا الإستقطاب بين النخبة و عموم الشعب جليا بعد الثورة خصوصا مع إرتفاع بعض الأصوات المنادية بهدم الأسس الحضارية للشعب التونسي و التخلي عنها نهائيا و تعويضها بأسس أخرى تم التحضير لها في مخابر الغرب الثقافية فيما يعبر عنه بالمبادىء الإنسانية العالمية و قد رد الشعب في العديد من المناسبات على هذه الأصوات خصوصا خلال الإنتخابات أين قام بإرسال رسالة مضمونة الوصول لهذه النخب التي راهنت جلها على مشاريع سقطت في الأخير من الغربال الثقافي للشعب التونسي لذا ما على هاته النخب إلا إعادة النظر في العديد من إنتاجها و مراجعة أفكارها التي قدمتها في مناسبات عدة و لفظها الشعب كما يجب عليها أن تتخلى عن معاملتها له على أساس أنه قاصر فكريا وجب توجيه و إرشاده حتى و إن أبى أن يتقبل ما يقدم له و أن تغير من طريقة توجيهها لخطابها بأن تتخلص من كبريائها الزائف و تعاليها عن عامة الشعب فالمثقف ليس بقدر ما يحتقر عامة الناس بل بقدر ما ينتج من أفكار تقود لنهضة المجتمع المتكون أساسا من هؤلاء الناس.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: